المقالات

التصدي للحكم.. شروطه وانعكاساته


حسن الهاشمي

الإنسان بطبعه يألف ويؤلف ويتكامل ويتعاظم بقدر ما يتفاعل ما بإزائه من مخلوقات مخالفة أو مؤالفة، هذه النتيجة الطبعية التي لا يمكن لأي منا أن يجردها عن نفسه أو عن الآخرين، وهي التي تحكم بيننا وتؤطر علاقاتنا الاجتماعية وسائر الأمور التي تبتني عليها جميع المنظومات التكاملية التي لا يمكن أن ينفرط عقدها إذا ما أريد لها العيش مع الطبيعة بشكل يؤمن لها علاقة تكاملية منتظمة دون أن يشوبها أي نوع من أنواع الحيف والزوال. إن الإنسان يخلفه الله سبحانه في الحكم والأمور الاجتماعية، ونعني بها الأمور الراجعة إلى القيادة والحاكمية والسلطنة، إذ من المعلوم أنه إذا كان الإنسان بطبيعته مسؤولا عن بيته ومزرعته ومصنعه وما شابه ومكلفا بالعناية بالأثاث والزرع والبهائم والآلات وتدبير شؤونها فإنه بالأحرى مسؤول ومكلف بتدبير نفسه ومجتمعه، وهذا ما يعبر عنه بخلافته عن الله سبحانه في الأمور الاجتماعية والحاكمية، وعلى ذلك يكون معنى استخلاف الله للإنسان أنه خوّل إليه أمر القيادة وتدبير مجتمعه وممارسة الحكم والولاية في إقامة الضوابط والصور التي جاءت فيها الأديان الناظمة لشؤون العباد والبلاد.فإن المجتمع وبحسب علماء الاجتماع يتمتع بواقعية عرفية عقلائية، فله مظاهر ومزايا وآثار في مقابل الوجود الفردي، وتعتبر له خصوصيات الموت والحياة والرقي والانحطاط والحقوق والواجبات كما هو الشأن بالنسبة للأفراد، فهو من حيث الوجود وإن كان عبارة عن مجموعة الأفراد إلا أنه من ناحية الاعتبار العقلائي له نظام خاص وقيمة خاصة وصفات وسمات خاصة، وقد اعتنى القرآن الكريم بتواريخ الأمم كاعتنائه بتواريخ الأشخاص أيضا وقصصهم ومزاياهم.وحسب دلالة الاقتضاء أن يقوم المجتمع بتشكيل دولة قادرة وقوية يفوض إليها مهمة القيام بتدبير شؤون الأمة، وإلا كانت لغوية أو انتهت إلى الاختلاف والفوضى وهدر الحقوق والدماء والأموال، وحيث أنه ليس لكل فرد التصدي للدولة ارتجالا لاستلزامه الهرج والمرج، فلابد من إيجاد قانون ونظام وحاكم، وهذا هو مفاد الدولة والسلطة، وحيث تتعدد الاختيارات في تعيين هذه السلطة والحاكم، تعيّن الرجوع إلى الانتخاب، لأن البدائل الأخرى كالتوريث والانقلاب غير وافية بالغرض ولا موصلة إلى الاستقرار والعدل والإنصاف.أفضل وسيلة لتجنب انحراف السلطة هي التزام الحاكم بدستور يحدد حقوق وواجبات الدولة، ثم إنشاء مجلس يضم الحكماء والقضاة في البلاد يضمرون الخير للشعب من أجل الإشراف على تطبيق الدستور ومراقبة أعمال الدولة ومدى مطابقة أعمالها ومشاريعها وخططها للدستور ولمصالح الشعب العليا، ويجب أن لا يتضمن الدستور أي مواد تتعارض مع ثوابت الأغلبية القاطنة في الدولة، مع احترام عقائد وعادات وتقاليد الأقليات الأخرى.وببداهة العقل إن التصدي للحكم من قبل الصالحين العدول أفضل من تصدي الظلمة المارقين، حيث أنه - لا سمح الله - لو تصدى الظلمة فإن الأخطار المحدقة بالأمة تكون كبيرة وعظيمة، لما تتعلق بدماء الناس وأعراضهم وأموالهم، بل وحاضرهم ومستقبلهم أجيالا وأجيالا وبثروات البلاد وكل شؤونها، فيحكم العقل بوجوب دفع هذه المفاسد، ومن أهم طرق دفعها هو الانتخاب والرجوع إلى الناس أنفسهم في شأن الحكومة والحاكم، فبذلك نضمن أمورا:الأول: دفع الاستبداد والقهر والغلبة الذي يستلزم الظلم والجور.الثاني: كسب رضا الناس وتفعيلهم في بناء حاضرهم ومستقبلهم.الثالث: التقدم بالبلد والمواطنين وإيصالهم إلى الرفاه.الرابع: توفير الأمن والسلام وبسط العدل الذي يتوقف على إشراك الناس في قرارات الحكومة ونظام الحكم.الخامس: القضاء على عناصر الفساد الداخلية والحروب الأهلية والقمع ونحوها من عوامل فساد تنشأ من الاستبداد والتفرد بالرأي، إلى غير ذلك من مظاهر التخلف والانحطاط.إضافة إلى إن الحكومة العادلة المنتخبة من قبل الشعب يمكن مراقبتها من قبل ممثلي الشعب في مجلس النواب ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والصحافة الحرة، فإنها خير معين لعمل الحكومة وخير مسدد لها في أعمال البر والإحسان لتنميتها وكذلك أعمال الشر والعدوان للحئول دون استفحالها، وبذلك يكون هدف الحكومة تقديم الخدمة وحراسة المواطن في أمنه ووطنه ومعتقداته، وإذا ما حادت عن تلك الأهداف فإنها تكون عرضة للمساءلة والمحاسبة، ويمكن سحب الثقة عنها وإفساح المجال أمام الآخر النوعي الذي باستطاعته تنفيذ ما عجز عنه الآخرون. المرونة والشفافية والكفاءة والنزاهة أهم الفوائد المرجوة من الحكومة المنتخبة، فإنها تكون بالمرصاد من قبل النقاد، وهمّ الجميع توفير الأمن والخدمات وصون المعتقدات والقيم من الاختراق والضياع والارتقاء بالمستوى المعيشي للفرد وردم كل الفوارق الطبقية بين أبناء المجتمع إلا بالمقدار المعقول الذي يشجع على الإبداع والعطاء، والأخذ بيد المواطن إلى مرفأ السلام والرفاه والعدالة، ولا أظن أن أحدا يزهد عن هذه المعطيات التي هي بحق مسيل لعاب جميع الشعوب المتحررة في العالم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك