حافظ آل بشارة
تشعر الولايات المتحدة بنفحة انعاش جديدة لامنياتها اللبرالية المدفونة في عراق ما بعد صدام ، هذه الدولة الكبيرة التي تعتقل العالم وتمسك باعصابه ونبضه كانت تتمنى بصمت ان ترى اللبراليين المحترفين من أفراخها جالسين على كراسي الحكم الجديد في بغداد وليس اللبراليين الذين تم تصنيعهم من العجينة الاسلامية القديمة في العراق ، واشنطن ترى ان اللبرالية ليست مجرد اربطة ملونة أو لحى محلوقة أو حذف البسملة من التصريحات بل هي اعتناق لنهج فكري يمثل ذروة اللادينية وموغل في تقديس حرية الفرد ويتبنى اقتصاد السوق ، وحين ينبري اشخاص لتنفيذ اللبرالية كمهمة سياسية وكآلية وليست كعقيدة أو فكر فهؤلاء غير جديرين بالثقة ، ظلت امريكا تسمع وتبلع وتجامل وهي تستحي من الافصاح عن موضع علتها ، لم تستطع منع الاغلبية الاسلامية المتمقرطة في العراق عن الوصول الى السلطة لأن الدستور يقول ذلك ، فهم أمر واقع ، لكنها تخشى ان يحرزوا نجاحا فيقدموا نموذجا للديمقراطية والتنمية يبيض وجه التيارات الاسلامية وراكبي موجتها ، وعندما بدأوا يقدمون اداء ضعيفا في ادارة الحكم طيلة الدورة الماضية وقعت واشنطن تحت وطاة مشاعر متناقضة لان فشلهم يعني فشل مشروعها التغييري في العراق ، لكنه أيضا يعني الفشل المطلوب للاسلاميين الذين هم (عدو ما من صداقته بد) ، وبينما هي تراقب المشهد المحير جاءت الانتخابات لتقدم معطيات اخرى ، حيث بدأ اللبراليون المحورون (يقطعون شعرة معاوية) بينهم و(يدقون عطر منشم) وطبول الحرب الكلامية تقرع ليل نهار ، ليست مدة التأخير في تشكيل الحكومة كبيرة حتى الآن وفي بلدان أخرى كان التاخير أكبر ، لكن ظروف البلد لاتسمح ، والتنافر بين الاشقاء وصل ذروة خطيرة ولحد هذه اللحظة هناك فرصة للمبادرة والتضحية وتلافي الكارثة ، اختبار مفتوح للاسلاميين لقياس مستوى التقوى والاستعداد للتخلي عن شيء من الحطام خاصة وان المعطلين فقدوا بعض لمعانهم في الحكم وفقدوا الباقي في الصراع ، الأيام المقبلة تحمل اختبارا من نوع جديد ، انتهى اختبار الأفراد وسيأتي اختبار الاحزاب ، فاذا كان المعطلون أفرادا اجتهدوا فأخطأوا فلهم أجر ، فهناك سقف للصبر الحزبي الجماعي ، الآليات التنظيمية تبادر بتطويق الأزمة بقرار قيادي ، لأن الطرق المسدودة تحدث في سلوك الافراد وليس الاحزاب التي هي مثال الاعتدال والنفعية والمرونة ، اذا لم تظهر مبادرة جماعية خلال أيام لاطفاء الحريق سنكون أمام ثالثة المفاجئات وهي مفاجئة عدم وجود أحزاب بل هي مجرد أسماء ، أفراخ اللبرالية الأمريكية في العراق يشعرون بالبهجة ويستثمرون الأزمة ويتدربون على الطيران زغب الحواصل لكنهم متهمون بأنهم ليسوا من اللبرالية في شيء ولا يؤمنون بالديمقراطية ولا الانتخابات وانهم تلاميذ في تيار النازية العروبية شكلا ومضمونا .
https://telegram.me/buratha
