كشف تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية عن بعض المستندات التي تكشف كيف حاولت شركات التبغ العالمية مقاومة حظر التدخين في الدول الإسلامية عبر استئجار خدمات شيوخ أزهريين وتجنيد علماء الدين الإسلامي من دول تشتهر بتدخين شبابها الشره للسجائر مثل مصر وإندونيسيا وبنجلاديش، مشيرًا لحرب ضمنية لاستخدام العلماء بين شركات السجائر ومنظمة الصحة العالمية.
وتحت عنوان:
“كيف حاولت شركات التبغ تقويض حظر التدخين في الدول الإسلامية”، ذكر تقرير الجارديان أنه حصل على وثائق تؤكد أن: “شركات سجائر عالمية مثل “بريتيش أمريكيان توباكو”، و”فيليب موريس”، سعت لإعادة تفسير التعاليم الإسلامية على طريقتها عبر توظيف علماء دين في حملاتها الإعلامية من أجل محاولة تقويض حظر التدخين الذي تفرضه العديد من الأقطار الإسلامية”.
وقالت إن مذكرة تعود إلى عام 1996 صادرة عن شركة بريتيش أمريكيان توباكو (BAT) أظهرت “وجود رغبة لدى الشركة لتوظيف شيوخ وباحثين أزهريين كمستشارين موثوق بهم أو حلفاء، وأحيانًا متحدثين بشأن هذه المسألة، ويفضل من جامعة الأزهر في القاهرة”.
ومضت تقول: “لقد اتفقنا على أن مثل هؤلاء العلماء سيكونون بحاجة إلى الاقتران بكاتب أو صحفي إسلامي، لمناهضة الآراء المتطرفة“، في إشارة للآراء الرافضة للتدخين.
وذكرت الجارديان “أن أدلة تعود إلى الفترة بين سبعينيات القرن المنصرم إلى أواخر التسعينيات أظهرت مدى الاهتمام الذي أولته شركات تبغ بالتعاليم الإسلامية“، وتحذيرات ترجع لعام 1996، من شركة “بريتيش أمريكيان توباكو” من انتشار ما أسمته “الآراء المتطرفة” للأصوليين المسلمين المضادة للتدخين، واعتبرت أن ذلك يجعل شركات السجائر في مواجهة ما يشبه “الإعصار”.
وأن تلك الشركات سعت بالمقابل لتصميم حملات إعلامية واتخاذ إجراءات لمناهضة التهديدات التي تجابهها في دول مثل مصر وإندونيسيا وبنجلاديش التي تمتلك نسبة عالية من الشباب المدخن، بسبب فتاوى منع التدخين.
شيوخ يشجعون التدخين
وقد أظهرت وثيقة أخرى تعود إلى عام 1985، أن كارتل (تجمع شركات) صناعة التبغ عبر عن قلقه من تشجيع منظمة الصحة العالمية للمواقف المناهضة للتدخين التي تتبناها القيادات الإسلامية، وأن شركة “فيليب موريس” قد وجهت نقدًا مباشرًا لمنظمة الصحة العالمية، قالت فيه: “هذا التطور الأيديولوجي بات خطرًا على أنشطتنا؛ بسبب تدخل منظمة الصحة العالمية، التي لم تكتف فقط بالوقوف في صف “الأصوليين المسلمين” الذين يعتبرون التدخين مصدر شر، لكنها مضت قدمًا لتشجيع قيادات دينية ليسوا نشطاء في مجال مكافحة التدخين لتبني القضية“.
وأشارت وثيقة فيليب موريس لمحاولة تجنيد علماء الدين الإسلامي في جامعة ماكجيل في مونتريال، بكندا، حيث قالت: “تم الموافقة على إجراء اتصالات استكشافية“، بحسب ممثل مجلس مصنعي التبغ الكندي.
وقالت وثيقة أخرى إنه كانت هناك محاولات لترويج أن: “المسلم الذي يهاجم التدخين قد يشكل خطرًا على حكومة بلده، باعتباره “أصوليًا” يرغب في العودة لتطبيق الشريعة“، وتابعت: “ينبغي أن يرتكز دفاعنا الخفي على أن الإسلام يسمح للمسلمين بالتدخين، وأمور أخرى من الحياة المعاصرة“.
وبحسب الوثيقة، سعى مصنعو التبغ للربط بين التدخين والحياة المعاصرة، وأن رفض التدخين مثل رفض الصور والتليفزيون وغيره؛ حيث قالت: “ينبغي أن نركز على الأوجه الأخرى من الحياة المعاصرة التي يحرمها المتطرفون وفقًا للتفسير المتشدد للشريعة، مثل الصور، والتلفاز، واستخدام المؤذنين لمكبرات صوت، وتعليم النساء“.
وقد حذر تقرير أصدره “قسم شؤون المستهلك والتنظيم” في شركة “بريتيش أمريكيان توباكو” عام 2000 من استغلال منظمة الصحة العالمية للدين في جهودها لتشجيع عدم التدخين، ويطالب بخطط مضادة؛ حيث يقول: “يبدو أن جهود منظمة الصحة العالمية لربط الدين بالتدخين آتت أكلها، ونحتاج أن نناقش، على نحو منفصل، كيفية فهم وإدارة ذلك التوجه بما يتماشى مع استراتيجية القسم“.
وترجع أقدم فتوى ضد السجائر، بحسب الجارديان، إلى عام 1602، لكن العديد من علماء الدين اعتقدوا أن التدخين ليس ضارًا، إلى أن بدأت أدلة على ظهور أخطارها في منتصف القرن العشرين؛ حيث أعلن فقهاء أن تدخين التبغ “مكروه”، لكن ظهر خط أكثر تشددًا في بعض الدول الإسلامية يحرم التدخين برمته على أساس أنه يندرج تحت بند “إيذاء النفس”، ما أزعج شركات التبغ.
شراء العلماء والأبحاث ومتابعة خطب الصلاة
وسبق أن أثارت دراسة نشرتها دورية (بريتيش ميديكال) يوم 17 مايو 2003 تشكك في الضرر الذي يحدثه التدخين السلبي (استنشاق غير المدخن للدخان)، التساؤلات حول الدور الذي تلعبه شركات التبغ العالمية لترويج منتجاتها حتى لو كلفها ذلك رشوة علماء طب أو تمويل دراسات طبية مزيفة أو حتى تتبع خطب بعض الأئمة المشهورين وتشويه صورتهم إذا تحدثوا عن مضار التدخين، بحسب ما كشف مستشارون بمنظمة الصحة العالمية لـ “التقرير”.
وهذه الدراسة الأخيرة، لا تثير الشبهة فقط لأنها تذكر معلومات مغلوطة ثبت عكسها في دراسات علمية سابقة؛ ولكن لأنه تبين بلا مواربة أن الدراسة تم تمويلها جزئيًا من جانب شركات التبغ ومن الطبيعي أن تأتي نتائجها لصالحها.
والأخطر أن القضية ليست صحية بالدرجة الأولى، ولكنها قضية سياسية لها تفاصيل سرية تصل لحد تغلغل هذه الشركات في برلمانات عربية للتأثير على تشريعات ضد التدخين، وعقد ندوات طبية مزيفة يحاضر فيها خبراء مزيفون مرتشون من قبل هذه المنظمات ليعلنوا نتائج مزيفة أيضًا حول مزايا وليس مضار التدخين.
حيث ذكرت هذه الدراسة (التي مولتها شركات التبغ الأمريكية العالمية) أن “علاقة التدخين السلبي بانسداد الشريان التاجي وسرطان الرئة أضعف مما كان معتقدًا قبل ذلك، وأنه لا يؤدي للوفاة لمن لا يدخنون إذا كان في محيط الأسرة مثلًا مدخن يستنشقون عن طريقه النيكوتين“.
وقد أعلنت جمعية السرطان الأمريكية حينئذ عن قلقها الشديد من هذه النتائج المزيفة ورفضهم لنتائج الدراسة التي وصفتها بأنها “منحازة وغير جديرة بالثقة“، وقال متحدث باسم الجمعية الأمريكية للسرطان لهيئة الإذاعة البريطانية إن البحث “غير دقيق ولا يمكن الاعتماد عليه؛ لأنه تأكد أن التدخين سبب قوى للإصابة بأمراض الشريان التاجي وسرطان الرئة والأمراض الرئوية المستعصية“.
ويرجع سبب التشكيك في مثل هذه الأبحاث المزيفة لوجود وثائق -جرى نشرها إجباريًا بموجب أحكام قضائية- على مواقع بعض شركات التبغ (مثل فيليب موريس) تكشف كيف سعت شركات التبغ لشراء ذمم علماء وخبراء صحة من أجل إصدار تصريحات لا تتعارض مع التدخين، أو التشكيك في دراسات علمية أخرى صحيحة بهدف الترويج للتدخين.
وقد كشفت منظمة الصحة العالمية -على هامش ورش عمل حول التدخين بالقاهرة في مايو 2001- عن أن شركات التبغ العالمية تقوم برشوة بعض العلماء والأطباء والإعلاميين بهدف الترويج لوجهة نظر هذه الشركات الخاصة بعدم ضرر التبغ، فضلًا عن السعي للتأثير على حكومات بعض الدول مباشرة أو عبر دول أجنبية.
وهو ما يفسر قيام بعض الخبراء الصحيين بكتابة مقالات يزعمون فيها أن هناك فوائد للتبغ، وكتابة صحفيين لموضوعات أخرى يهاجمون فيها تدخل منظمة الصحة العالمية في مسألة منع التدخين، زاعمين أن ذلك إنفاق لأموال المنظمة في غير محله، فضلًا عن كشف وثائق تورط مسؤولين من شركات التبغ في دفع رشاوى لهؤلاء المؤيدين للتدخين؛ لتحويل دفة المناقشات في برلمانات دول عربية عن حظر التدخين أو على الأقل تعطيل هذه التشريعات.
وكدليل على رصد هذه الشركات للخطب الدينية والمواعظ التي تحض على منع التدخين وتبين أضراره، أصدرت هيئة Brown & Williamson لصناعة التبغ تقريرًا ميدانيًا من تقاريرها الدورية في 1984 في المملكة العربية السعودية، قالت فيه إن: “الضغط الذي يمارس ضد التدخين مستمر، فخطب الجمعة في المساجد تعلن صراحة أن التدخين حرام“.
ومع أن التقرير أكد أن “هذا أمر شكلي بحت، ولن يتخذ إجراء في هذا الصدد؛ لأن التدخين لم يحرم تحريمًا صريحًا كالخمر والخنزير، وما إلى ذلك، ومن ثم لن تصدر تشريعات بتحريمه“، فقد واصلت شركات صناعة التبغ رصد المنشورات والتصريحات الدينية التي تدور في هذا الإطار للتأكد من أن هذه الفتاوى والوصايا التي تدعو لمنع التدخين لضرره لن تلقى القبول أو تصل لدرجة التحريم، وتدخلت حينما بدأت فتاوى التحريم.
وحينما بدأت الأعوام التالية تشهد صدور فتاوى عديدة لتحريم التدخين من علماء مسلمين في العديد من الدول العربية، ومنها فتوى رسمية لمفتي مصر السابق (نصر فريد واصل) علقت على أبواب المساجد وبعض المحال التجارية ووزعتها منظمة الصحة العالمية عبر بوسترات كبيرة في مؤتمراتها العلمية، بدأت الحملات المضادة من شركات التبغ وتعرض هذا المفتي لحملة صحفية ضخمة، وقال منتقدوه إنه يحرم كل شيء.
رشاوى لنواب برلمانات عرب
وقد ذكر (NORBERT HIRSCHHORN) -وهو أحد الخبراء الأمريكان- في ورشة عمل لمنظمة الصحة العالمية مايو 2001 بالوثائق، أن بعض الخبراء الصحيين والصحفيين يحصلون على مرتبات ثابتة ورشاوى؛ بهدف أن يتحدثوا بما يتماشى مع مصالح شركات التبغ.
وضرب أمثلة على ذلك بوثائق محددة عن مصر والمغرب نشرت على موقع شركة فيليب موريس للسجائر علي الإنترنت، تتحدث عن سبل الدعاية في مصر والتأثير على أعضاء في البرلمان أو القصر الملكي المغربي في بعض الأعوام، منوهًا إلى وجود 444 وثيقة عن مصر على موقع فيليب موريس.
وضرب NORBERT HIRSCHHORN أدلة على شراء ضمائر صحفيين وعلماء، بالقول إنه يمكن تتبع ذلك من خلال ما ينشر تأييدًا لشركات التبغ، وتعقب تاريخ (السيرة الذاتية) من كتب ذلك، فقد مولت شركات التبغ على سبيل المثال مجلة جديدة تسمى (الصحة والتنمية) تنشر مقالات ضد منظمة الصحة العالمية، وبالبحث وراء من يكتبون في هذه المجلة أو الصحيفة وجد أنهم يعملون مع شركات التبغ ويحصلون على مرتبات منها.
وهناك صحفي يدعى (كارل ديتريك) كتب مقالًا في صحيفة وول ستريت جورنال يقول فيه: “أين تنفق منظمة الصحة العالمية أموالها؟!“، انتقد فيه تركيز المنظمة على محاربة التبغ، قائلًا إنها يجب أن تركز على الأمراض فقط مثل الإيدز، وتبين فيما بعد أن “ديتريك” يعمل مع شركات التبغ ويتقاضى مرتبات منها.
اتحاد لمحاربة أعداء التدخين
ولأن شركات التبغ العالمية تعرضت للعديد من القضايا في المحاكم وخسرت الملايين لصالح ضحايا التبغ في العالم الغربي في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؛ فقد بدأت هذه الشركات تركز جهدها على المنطقة العربية والإسلامية.
ففي عام 1988، قامت شركات السجائر العالمية بتأسيس اتحاد أطلق عليه اسم (META) أو (ميتا)؛ بغرض حماية مصالحها في الشرق الأوسط، ورصدت هذه الشركات ميزانية لهذا الاتحاد تقدر بـ 227 مليون دولار ارتفعت إلى 350 مليونًا عام 1993، ولا يعرف إلى أين وصلت الآن.
وأحد أهداف هذا الاتحاد، هو محاربة أعداء التدخين ودعم مؤيديها في البلاد العربية سواء من رجال الأعمال والسياسيين، وحشد حلفاء للوبي التدخين في كل دولة من بعض السياسيين والإعلاميين والأطباء الذين تُسخرهم هذه الشركات بغرض الدفاع عن مصالحها بمقابل.
وقد وصل الأمر في بعض هذه الحالات لحد السعي لإسقاط نواب في البرلمانات ممن يتقدمون بتشريعات ضد التدخين، كما حدث في مصر لبعض النواب، فضلًا عن رشوة صحفيين وعلماء مدعين ليقدموا دراسات وهمية حول مزايا النيكوتين.
وقد تم الكشف بشكل غير مباشر عن هذه التحالفات لمحاربة كل من يعارض التدخين من خلال عدد من المؤتمرات العلمية الجادة، فضلًا عن فضح منظمة الصحة العالمية لممارسات شركات التبغ الكبرى، مثل فيليب موريس الأمريكية، عبر وثائق مستخلصة من مواقع هذه الشركات عبر الإنترنت.
وعندما كان يتطوع البعض من علماء الطب ويعقدون مؤتمرًا طبيًا للتحذير من مخاطر التدخين؛ كانت هذه الشركات تعقد مؤتمرات مماثلة تدعو فيها (علماء مرتشين) يتقاضون منها مرتبات ثابتة، كي يشككوا في الأبحاث الجديدة، وينتجون أخرى مغلوطة، ويساوون بين مضار التدخين على الصدر والقلب مثلًا ومضار التلوث الجوي كي لا يخاف المدخن ويوقف التدخين، ويمولون نشر أبحاث مضللة، ويصل الأمر لإنشاء مجلات طبية وتمويلها لاستكتاب أنصارها حول التدخين بغرض (زعزعة) اليقين بين الجمهور بأن التدخين مضر.
الإسلام خطر على لوبي التبغ
وقد كشف تتبع لبعض وثائق شركات التبغ التي نشرتها منظمة الصحة العالمية عن أن هذا اللوبي يخشى أكثر ما يخشاه في العالم العربي والإسلامي الدور القوي للدين الإسلامي في عرقلة خططه للترويج للتدخين، خصوصًا أن هناك فتاوى إسلامية صريحة صدرت من عدة علماء ومجامع إسلامية تحرم التدخين.
وكمثال، كشفت شركة (فيليب موريس) الأمريكية التي تنتج سجائر المالبورو الشهيرة في إحدى وثائقها التي نشرت عبر موقعها على الإنترنت عن أن شركات السجائر العالمية تقوم برصد دقيق لكل ما يقال عنها وعن التدخين عمومًا؛ بهدف التصدي لمن يعارضون التدخين والسعي لضم الملايين إلى (نادي الهلاك التبغي).
حيث تشير إحدى هذه الوثائق لأهمية تتبع رأي القيادات الإسلامية في التدخين، وتقول: “فلنعمل على وضع نظام يتيح لشركة فيليب موريس قياس الاتجاهات السائدة حول قضية التدخين والإسلام، ولنتعرف على القيادات الدينية الإسلامية التي تعارض التفسيرات القرآنية التي تحرم التدخين، ولنعمل على تعزيز آراء هذه القيادات“.
بل إن منظمة الصحة العالمية بدأت تلجأ إلى الدين لمحاربة شركات التبغ خصوصًا الدين الإسلامي لوجود تحريم صريح من بعض علماء الإسلام للتدخين؛ لأضراره على صحة الإنسان، وهو ما دعا لوبي التبغ لرصد فتاوى دينية ضد التبغ والسعي للرد عليها بطرق مختلفة.
فقد دعت شركة فيليب موريس مثلًا في مسودة خطة أعدتها في 1987 إلى ما أسمته “تحسين وسائل الجدل” حول “القضية الرئيسة” المتعلقة بالتدخين والإسلام؛ حيث تتمثل إحدى الاستراتيجيات ذات الأولوية لشركة فيليب موريس في هذا الصدد على العمل على وضع نظام يتيح للشركة قياس الاتجاهات السائدة حول قضية التدخين والإسلام، و”التعرف على القيادات الدينية الإسلامية التي تعارض التفسيرات القرآنية التي تحرم التدخين، والعمل على تعزيز آراء هذه القيادات“، بحسب الوثائق التي كشفت عنها الصحة العالمية.
أيضًا، سعت بعض شركات التبغ لتحسين صورتها أمام هذه المؤسسات الدينية بإظهار نفسها بمظهر (المتدينة)، فحرصًا من شركة فيليب موريس على تجميل صورتها أمام القيادات الدينية، أعلنت عن تقديم تبرعات خيرية للمؤسسات الإسلامية، مثلما حدث في 1989 عندما حظيت المساهمات التي قدمتها شركة فيليب موريس لـ (بيت القرآن) -كما تقول منظمة الصحة العالمية- وهي مؤسسة ثقافية في البحرين، بتغطية إعلامية مكثفة في بلدان الخليج.
التدخل في البرلمانات
وقد أخذ الأمر طابع الحرب الحقيقية واستغلال النفوذ من جانب لوبي التبغ، كلما سعى برلمان حكومة دولة ما لإصدار أي تشريع ضد التدخين ولو كان منع التدخين في الأماكن العامة دون تحريمه في غيرها.
وفي هذا الصدد، تم الكشف عن تدخلات غير عادية في برلمانات وحكومات دول عربية وغير عربية؛ لوقف مثل هذه التشريعات عبر أنصار -من نفس البرلمان أو الحكومة- ووأدها قبل صدورها بحجج مختلفة.
وتتضمن التوصيات الواردة على موقع فيليب موريس بشأن التعامل مع الشركات العربية للتبغ والموجودة على أرشيفها الإلكتروني على الإنترنت، توصيات متكررة تعكس حرصها على التنسيق المشترك مع هذه الشركات، أو التخطيط للاندماج معًا حتى إن شركة فيليب موريس نشرت في إحدى خططها الخمسية وثيقة تقول بضرورة الضغط على (الشركة الشرقية للدخان المصرية)؛ لكي تضغط بدورها على الحكومة المصرية للإبقاء على نفس النظام الضريبي (بحيث لا ترتفع أسعار السجائر)؛ لأن فيليب موريس ترى أنه مناسب لها.
وقالت إن ما يثير شركات التبغ العالمية في شمال إفريقيا، هو -كما جاء في وثائقها- التشريعات التي تحد من قدرتها على التسويق والدعاية.
وتعتبر شركات التبغ العالمية شركات التبغ العربية في مصر والجزائر والمغرب وتونس وليبيا “حليفة” لها؛ لأن مصالحهم مشتركة على الرغم من أن هذه “الشركات الوطنية” ملك للحكومات العربية، وهو ما يفسر الحرص الرسمي على عدم تمرير التشريعات الخاصة بمنع التدخين في هذه الدول، بحسب خبراء صحة.
والتوصيات الواردة على موقع فيليب موريس بشأن التعامل مع الشركات العربية للتبغ والموجودة على أرشيفها الإلكتروني على الإنترنت، تشير لأنها سعت مثلًا لاختراق البرلمان المصري قبيل إصدار قانون رقم 52 لسنة 1981 الخاص بالتدخين، حيث أقاموا علاقات مع أحد أعضاء البرلمان المصري لهذا الغرض كان يشغل منصب نائب رئيس لجنة الصناعة بالبرلمان، وعندما صدر القانون سعت -عبر رجل أعمال هرب لاحقًا هو مصطفي البليدي، كان في ذلك الوقت رئيسًا للغرفة التجارية المصرية- لاستخدام “صلاته” أو “علاقاته” في وزارة الصحة المصرية، ومحاولة إقناعها بتأجيل تطبيق القانون.
بل وأرسل (لوبي التبغ) رئيس منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط -بعد دراسة القانون المصري فقرة فقرة في لقاء عمل ببروكسيل- لمقابلة وزير الصحة ومحاولة إقناعه بتأجيل تطبيق القانون.
ويرجع البعض إسقاط الدكتور شريف عمر (رئيس لجنة الصحة السابق) في أحد انتخابات البرلمان المصري، ومحاربة الدكتور حمدي السيد (نقيب الأطباء السابق) بعنف حينئذ، إلى تقديمهما مشروع لمنع التدخين في الأماكن العامة للبرلمان.
وكمثال آخر على السعي للتأثير على المسؤولين السياسيين لصالح شركات التبغ، سعت هذه الشركات للتأثير على حاشية ملك المغرب (كما جاء في خطتها لعام 1992 الخاصة بالمغرب) عقب موافقة البرلمان المغربي على قانون يمنع التدخين في الأماكن العامة أو الدعاية لشركات التبغ.
وفي 1992، بدأ المسؤولون عن صناعة التبغ في إرسال خطابات إلى عدد من الوزراء في قطر والإمارات العربية تطالبهم بإسقاط شرط تدوين تاريخ الإنتاج على علب السجائر، بدعوى أن التبغ يختلف عن المواد الغذائية القابلة للتلف وأن مخلوط السيجارة قد يتكون من أوراق تبغ من أكثر من مصدر؛ مما يتعذر معه تدوين تاريخ يعبر عن عمر المنتج.
موت المدخنين له فوائد اقتصادية!
وقد سعت بعض شركات السجائر لتقديم أسباب غريبة لتبرير استمرار التدخين وبيان فوائده، ومن ذلك قول شركة فيليب موريس إن “موت المدخنين مبكرًا له فوائد اقتصادية“!
فقد زعم تقرير مثير للجدل قدمته الشركة العملاقة في عالم صناعة التبغ في الولايات المتحدة والعالم في أوائل يوليو 2001، أن جمهورية التشيك وفرت 147 مليون دولار عام 1997؛ بسبب موت المدخنين الذين لم يستفيدوا بالتالي من خدمات الرعاية الصحية وإيواء كبار السن؟!
واعتمد التقرير الذي قدم للحكومة التشيكية على أسلوب تحليل الفائدة مقابل التكلفة؛ حيث قدر قيمة ما تم توفيره مطروح منها قيمة ما كان الموتى سيدفعونه من ضرائب لو عاشوا، بالإضافة إلى قيمة ما أنفق عليهم أثناء مرض الموت.
وهدف التقرير، هو محاولة إقناع الحكومات بأنها ستستفيد من وفاة المدخنين اقتصاديًا، ومع ذلك فقد أثار هذا التقرير حالة من النقد الشديد في الأوساط الطبية والرسمية؛ مما دعا الشركة الأمريكية للاعتذار عن نشر هذا التقرير، ولكن بعدما كشف كيف تفكر.
أما في السينما والتليفزيونات والصحف العالمية، فالرشاوى والدعم المالي بالمليارات يأخذ شكل “السياسة الثابت” بحسب الوثائق التي نشرت سابقًا، وهو ما يفسر سر الحرص على استغلال مشاهد في الأفلام لممثلين مشهورين وهم يدخنون ليقدموا القدوة للمتفرجين من الشباب والنساء على التقليد.
خطط لتشجيع التدخين في رمضان
ولأن شهر رمضان يشهد عزوف كثير من المدخنين عن التدخين بسبب الصيام الذي يشجعهم على ذلك؛ فقد وضعت شركات التبغ العالمية خططًا لشهر رمضان مثلًا، وكشف هذا وثيقة عبارة عن مذكرة من “السيد بارودي” (أحد عملاء شركات التبغ في الخليج) إلى روبين ألين سكرتير META (تحالف شركات صناعة التبغ) تتعلق بمسودة قانون العمل الطوعي في دولة الإمارات، جاء فيها أن “شركة فيليب موريس تفضل أن تحتفظ بحقها في القيام بحملات ترويحية خاصة خلال شهر رمضان“.
أيضًا، في 1995 قامت مؤسسة Brown & Williamson برسم خطة للقيام بحملة داعية للترويج لأنواع التبغ الخفيفة التي تنتجها في رمضان، أما الهدف فهو أن يتحول المدخنون في بلدان الخليج إلى السجائر الخفيفة بدلًا من الامتناع الكامل عن التدخين في شهر رمضان.
وتبرر الشركة ذلك بالقول: “إنه بعد الامتناع عن التدخين طوال ساعات النهار، فإن حصول المدخن على جرعة قليلة من النيكوتين من سيجارة خفيفة سيكون أكثر ملاءمة“، وتركز حملة الداعية على نزوع المدخنين خلال شهر رمضان “إلى تطهير أبدانهم”، مع استغلال فرصة تقليل الشركات لإعلاناتها عن السجائر خلال شهر رمضان.