* حديثنا اليوم يتعلق بواحدة من الامور التي لها حساسيتها الخاصة في نشأة حالات الانحراف، اذ ان الانسان لا يدخل في طريق الانحراف مريداً له او راغباً به ولكن تارةً يُستغفل واخرى يُجبر، والازمات هي احد المحطات الأساسية التي يمكن لها ان تلعب دوراً اساسياً في خلق مبررات الانحراف والابتعاد عن طريق الهداية والصلاح، ومبدئياً بالنسبة للمنتظرين هناك قاعدة اساسية يجب ان تبقي راكزة في اذهانهم وهي انهم معرضون دوماً الى الابتلاء والامتحان، وطبيعة الابتلاء والامتحان كررناها كثيراً بانها لا تأتي من اتجاه واحد ولا تأتي بسياقٍ واحد قد يتخلص الانسان من نوع من البلاء فيتعرض الى ما هو اشد من ذلك النوع ولكن بطريقةٍ مختلفة وبسياق وبمستوى مختلف، الامر الاخر الذي يجب ان يبقى راكزاً في اذهاننا ان بعضاً من البلاءات تؤدي الى انحرافات جدية وبعض هذه الانحرافات قد تصيب اصحاب الدراية الواسعة واصحاب المكانة العلمية او اولئكم الذين يحتفظون بمستوى معين من البصيرة بالشكل الذي تشير اليه رواية ان بعضاً من الذين سيسقطون كانوا يشقّون الشعرة بشعرتين، أي انهم كانوا من اهل الدقة والتمحيص الشديد ولكن طبيعة ما يواجَهون به من ازمات تجعلهم ايضا يسقطون ولا يتمكنون من السير بطريقة مريحة في درب السلامة وحسن العاقبة على طريق امام الزمان صلوات الله وسلامه عليه.
ونَحسَب ان دراسة الازمات من اتجاهات متعددة ورغبة الانسان في ان لا يضع نفسه في المضائق التي تملي عليه خيارات لا يحبها وتملي عليه ارادات تتسلط عليه ونعتقد ان مثل هذا الامر يمكن ان يؤدي الى نتائج فائقة الجدية بالنسبة لعملية التحصين ضد سوء العاقبة اجارنا الله واياكم، كما واننا لا نغالي لو قلنا باننا نرى الكثير من نماذج سوء العاقبة كيف انها اطاحت برفاقٍ لنا وكيف انها اطاحت بأناس كانت لهم حسابات مهمة في قلوبنا واذا بنا نجدهم يتهاوون بصورة او بأخرى او لسبب او لأخر، لذلك يجب علينا ان ندرس هذه الظاهرة بعنوانها احد الظواهر الاساسية التي ستلاحقنا في مسار الانتظار، لان الازمة هي ان يفقد الانسان خياراته الإرادية ويوضع امام خيارات صعبة، هل يتقدم فيها او يتأخر؟ هل ينسحب او يواجه؟ وهل يتقحم او يتريث؟ كل هذه الامور ستواجهه وهو يواجه ازمة ما، إن كانت ازمة الجوع او الاضطهاد السياسي او ازمة الكبت الفكري او العاطفي او ازمة اختلال العواطف واهتزاز المشاعر ومثل هذا القبيل هي امور متلازمة في مسارات المنتظرين، ونحسب اننا لو فكرنا بهذا المثال بشكل جيد يمكن لنا ان نرسم صورة ما يمكن لنا ان نواجهه، لكون ان الازمة لا تفرض علينا قناعات بالضرورة ولا تغير منا قناعات بالضرورة اذا كان قرارنا ان نواجه كل هذه الازمات ضمن القواعد الربانية التي كتبها الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، واولى هذه القواعد ان نتكل على الله سبحانه وتعالى ونعتمد عليه في كل شيء، بمعنى ان نُطيح بفكرة الربح والخسارة في هذا الموضوع او ذاك في مقابل ان نلتزم بعقائدنا وان نلتزم بطريقنا او لا نلتزم، لان حساب الربح والخسارة لا وجود له عند الرساليين ولا وجود له عند المنتظرين الجادين وحساب المبدأ يبقى هو الحساب الثابت.
* لو رأينا قصة الزبير بن العوام حينما جاء في معركة الجمل وواجه امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وتكلم معه الامير صلوات الله عليه بحديث لا يمكن له ان يشك به ابداً لأنه ذكّره بحديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم جرى مع الزبير مباشرةً وقال له بانك ستفعل كذا وكذا وقد حدثه امير المؤمنين بما كان يفعله من ذلك الحديث الذي اشار اليه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فلماذا لم يلتزم بعد ان اعترف بانه بالفعل سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم؟، فاذا كانت الدعوة رسالة ومبدأً دينياً وما الى ذلك، اذن كيف تراجع الزبير عن كل افكاره وعن مبادئه التي كان يدّعيها؟ رغم انه ادعى في البداية بانه سيلتزم وانه صدق امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، ولكن لمجرد كلمة سمعها من ابنه الناصبي عبد الله حتى عاد ليكر على جيش امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ليلغي كل القناعات التي ترتبت عنده اثناء لقائه امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، فاستوعبه الامير وقال لهم اتركوه فانه مُغضِب، غَضِبَ لأمرٍ عَيَّرَه به ابنه، وحركة المشاعر هذه التي اصابت سهماً دقيقاً في اتجاهات الزبير بن العوام هي التي اسقطت الزبير وهي التي يجب ان نتعلم منها كيف يمكن لنا ان نواجه السهام وان نواجه الاهتزازات في المشاعر والعواطف من دون ان نختل ومن دون ان نتورط في عملية اهتزاز عقائدي او رسالي، الزبير كان في المقام الاعلى للأصحاب كيف تحول الى هذه العاقبة السيئة التي تجعله تارةً يجرد السيف من اجل امير المؤمنين وأخرى يجرد السيف ضد امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.
* كذلك رأينا كيف ان ابن ملجم عليه لعائن الله كان يدعى حب امير المؤمنين وكيف ان حبه هذا اوصله الى ان يسلّ سيف البغي والاغتيال والغيلة على امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، لذلك لا يمكننا القول باننا لسنا مثل هؤلاء لأنه لا يمكن ضمان طبيعة الضغط العاطفي الذي قد يوجه لنا والذي قد يطيح بنا، فاذا كان الرجل يدعي بانه مخلص للأمير صلوات الله وسلامه عليه وبمجرد ان يجد غانية تطمعه في جسدها حتى يغادر دائرة الاخلاص ويبتدئ يفكر بشكل جدي بكيفية تحقيق رغبتها وفي كيفية الوصول اليها من خلال طريق الحرام بصورة يقتل فيها امام زمانه صلوات الله وسلامه عليه، لذلك قضية البترية والمنحرفين عن الامام او الرايات التي ترتفع وهي متشابهة وتخلط حقاً مع باطل وما الى ذلك، هذه الروايات لم تكن لمجرد انها تثبت واقعة ولكنها دروس مقدمة لنا لكي ننتبه بان من كان يتحدث عن الامام صلوات الله وسلامه عليه يمكن له ان يقع في افخاخ البترية ويسل سيفه ضد امام زمانه بعد طول انتظار، ومن سيقول لإمام الزمان صلوات الله وسلامه عليه ارجع يا بن فاطمة لا حاجة لنا بك هذا ليس رجلا اجنبياً عن الساحة وانما هو من داخل هذه الساحة وربما يمارس نفس ما نمارس اليوم وربما يتحدث بنفس ما نتحدث عنه اليوم ولكن سيكون هناك سوء للعاقبة، لذلك التهديدات لا يمكن ان تُحمَل بطريقة التساهل او التسامح وانما ثمة مخاطر جدية في هذا الطريق.
وحينما يقال لنا ان هناك امتحانات كما يرد في عبارات الغربلة والتمحيص هذه التعابير لم تتركنا بحالٍ واحدة، نعم المؤمن يتقدم في هذه القضايا والمخلص يستفيد من هذه الامور وتزداد بصيرته ويتعرف على الناس بشكل أكبر ويرتقي درجةً عند الله سبحانه وتعالى لو انه قد صبر، ولكن لو انه لم يحصن نفسه من داخلها عند ذلك ستكون العواقب غير محمودة لو انه لم يلتفت الى مثل هذه الأمور، كذلك زهير بن القين رضوان الله تعالى عليه ما الذي اوقعه في ان يكون هاوياً لعثمان؟ رجلاً بنجابته وبوضعه كيف يمكن ان يخالف هوى علي بن ابي طالب لينتمي الى هوى معاكس؟ اذن المشكلة عند هذه الاهواء والعواطف والنزعات التي تحركنا من موقع لأخر، نعتقد ان التاريخ مملوء بالتجارب المماثلة ولدينا انموذجا كبيرا جداً يعرض اليه القران الكريم لرجل وصل الي مواصيل عالية تصل الى درجة الذي اتيناه من آياتنا حيث اصبحت بيده آيات
يتصرف بها ويتعامل بالولاية التكوينية بما اوتي من قدرة تعامل بهذه الولاية ووصل الى هذه الدرجة، ولكنه سقط باتباعه هواه فانسلخ منها وما أُعطيت اليه من آيات ومن قدرة سُلِخت منه بسبب اتباعه للهوى وبسبب ركونه لحالات ربما تهاون في البداية مع صغائرها ولكنها حينما جاءت كبيرة سقط، وكان له هذا السقوط الكبير الذي جعل الامور تسجل قرآنياً لتبقى الى اخر الدهر يذكرون بلعم بن باعوراء وهو كما تشير الروايات رجل هذه الآية يذكرونه بعنوانه نموذجا لسوء العاقبة.
* لو تأملنا قليلاً في قصة نبينا ادم عليه السلام حينما عُرِض عليه البلاء وهو ان يركن الى النفس وراحتها وترفها وخلودها ونعيمها وما الى ذلك، او ان يتحمل بلاء الصعوبة ويتحمل المشاق والمتاعب من اجل مبدئه، فعُرِضت عليه دنيا كما سبق لنا ان تحدثنا عن ذلك في وقت سابق، عُرضت عليه الدنيا بهذا الحجم والله سبحانه وتعالى هو الذي عرضها عليه قال له سأعطيك جنة لن تتعرض فيها الى شيء ولا يوجد فيها اي مجهود ولا اي متاعب ولا اي نوع من انواع البلاء "ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى وانك لا تظمأ فيها ولا تضحى" الله سبحانه وتعالى هو الذي اعطاه هذه الدنيا وليس الشيطان، الله سبحانه وتعالى اغراه بطريق النعيم والترف والراحة وطريق عدم العناء، لكن بحصافة ادم وببصيرته عرف ان هذا الطريق لا يوجد فيه تكليف ولا يوجد فيه اوامر من قبل الله تعالى ولا يوجد فيه عملية ارتقاء للمعارج الروحية التي عرفها من خلال تنظيم عملية العبودية لله تعالى، لان حياة الترف ستكون حياة بلا تكليف، والا فإن حياة التكليف بطبيعتها هي حياة الصعوبة والمشاق وبالنتيجة انتخب التكليف، وحينما قال له الله سبحانه وتعالى لا تقربا هذه الشجرة وهنا لا نريد ان نتحدث عن خطا التفسير بانه ارتكب معصية وان الله سبحانه وتعالى اخرجه من جنان النعيم، لان الجنة التي اعطيت لادم كانت من جنان الدنيا، وننصح بالرجوع الى حديثنا عن عصمة ادم عليه السلام في هذا الخصوص، لكن نحسب ان الله سبحانه وتعالى حينما تحدث عن ادم بكلمة فاجتباه ربه، هنا اجتباه حينما اكل من هذه الشجرة ولم يجتبيه قبل عملية الاكل من هذه الشجرة وانما اجتباه من بعد ما قال "وعصى ادم ربه وغوى" وهنا تم تفسير العصيان بعنوانه عصيان تشريعي والغواية بعنوانها غواية الضلال بينما لا يوجد عصيان تشريعي ولا غواية ضلال والا كيف يجتبي المذنب في ان يجعله يرتقي بذنبه وان الله سبحانه و تعالى لا يجتبي الانسان الا بعد ان يحقق انجازاً وكرامة، وهذا الاجتباء حصل لأنه انتخب طريق التكليف، والاكل من الشجرة أدى به الى ان يأكل من اكل الدنيا العادي الذي يأكله بقية الناس وحديث القران الكريم "فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" هذه السوءة ليست سوءة العورة كما يذهب الى ذلك غالبية المفسرين، وانما عورة الانسان ليست عورة بالنسبة لديه وعورة زوجته ليست عورة بالنسبة لزوجها، لكن ما حصل ان ما اكله أدى الى افراز فضلات وطبيعة اكل الدنيا يؤدي الى هذه الفضلات فتبتدئ العورتان بإفراز ما يشين المرء وما يستقذر ويستقبح، لذلك بدءا يخصفان عليهما من ورق الجنة من اجل ان يغطوا على هذه الافرازات ونؤكد بان الجنة هنا من جنان الدنيا، اما في كلمة اجتباه فان الله سبحانه وتعالى اجتباه في طريق التكليف ولم يجتبيه في طريق تلك الجنة وانما بعد ان نزل الى الدنيا التي يعيشها كل الناس عند ذلك اجتباه الله سبحانه وتعالى وابتدأت كلمة يا ادم اعبدني انا الله سبحانه وتعالى وقبل ذلك هذا الكلام غير موجود وانما ابتدأ تشريف الله سبحانه وتعالى لعبده منذ اول يوم نزل الى ساحة التكليف، كذلك ساحه الانبياء ايضاً انما أُعطوا درجة الكرامة بعد اجتيازهم للبلاءات التي اصيبوا بها وتخلصوا منها لحسن العاقبة فحصلوا على كرامات الله سبحانه وتعالى، وفي المقابل ان ثمة انبياء لم يتحملوا بمقدارهم مع الله
سبحانه وتعالى فلمجرد ان يوسف صلوات الله وسلامه على نبينا واله وعليه قال لصاحبه في السجن اذكرني عند ربك ومع انها ليست خطيئة لكن فيها مقدار من حب الراحة لذلك تتحدث الروايات بان النبوة اُخِذت من ذرية يوسف واعطيت لذرية أخيه، ونبي الله يونس عليه السلام لمجرد انه غضب من قومه ودعا عليهم فان الله سبحانه وتعالى ابتلاه ومن بعد ذلك انتبه لنفسه فذهب مغاضباً من نفسه فابتلي بقضية الحوت ولكنه نجا من هذه القضية لأنه لم يلتفت الى الصعوبة ولم يلتفت الى المشقة ولم يلتفت الى العناء وانما قال سبحانك لا اله الا انت اني كنت من الظالمين.
* اليوم أحد المشاكل التي تهددنا في اوضاعنا هي مشكلة الولائج، فكيف نحب وما هو مقدار الحب الذي نلتزم به؟ وكيف نبغض وما هو مقدار البغض الذي نلتزم به؟ وكيف نبتعد عن شخص وكيف نقترب من اخر؟ وما هي السبل التي تجعل اقترابنا وابتعادنا عن هذا وذاك مأموناً بالشكل الذي لا يؤثر على التزاماتنا العقائدية؟ حينما نتحدث عن البترية نتحدث عن شخص يقودهم وربما الكثير من هؤلاء لم يفكروا بالأمر الا من خلال بوابة من يقودهم ومن خلال عقل من يقودهم، وما نسميه بالعقل الجمعي وهو انه احدهم يفكر ويجعل الجو في اطار تفكيره ويأخذ الهياج بالجميع وبالنتيجة يتصرفون بتصرف ما يسمى في علم الاجتماع بحالة القطيع، والانسان يعتبر نفسه فرد من هذا القطيع الذي يهجم بهذا الاتجاه او ذاك، لذلك مشكلتنا هي مشكلة الولائج وهذه الولائج ترتبط اساساً بمنظومة وجدانية في داخلنا، وهذه المنظومة اذا ما تحكمنا بها يمكن ان نتحكم بكل الولائج الاخرى واذا فقدنا السيطرة على منظومتنا الوجدانية عند ذلك سنعرض انفسنا الى اهتزازات وقد تسقطنا الازمات من خلالها، ونؤكد بان الازمات ليست على لون واحد وهي تأتي بهدوء وباستغفال للناس وفي ايام اليسر وفي ايام الراحة وفي ايام الاستجمام وهي اخطر بكثير على الانسان المؤمن من الازمات التي يخلقها العدو، ولو راقبنا هذه المنظومة في ان يكون لنا محبوباً اساسياً وتوزع بقية الوجدانيات وفق مقدار التقرب من هذا المحبوب عندئذ سنتحكم بمشاعرنا بشكل كبير جداً، اما اذا اطلقنا العنان في قلوبنا لأي محبوب عند ذلك سوف تتنازع فيه اتجاهات الحب وبنفس المقدار اتجاهات البغض والكراهية ايضاً باعتبار القلب الذي يحب يمكن له ان يبغض، وعندما يفقد الانسان بوصلة هذه الوجدانيات عند ذلك سوف يكون هناك نزاع في داخله وهذا النزاع هو الذي يضعه في الازمة، وللعلم فان المؤمن لا يمكن ان يقع ازمة ولا باي شكل من الاشكال لان المؤمن الصادق بأيمانه يقابل الازمات بمنطق الآية الكريمة " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل "
ومن المناسب الان استعادة شيء من الذاكرة في ان رجلا كالإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه يخرج من فرنسا ويصعد الى طائرة بيد حكومة انتفض ضدها لينزل في مطار وهذا المطار فيه قوى امنية تتسلط عليه من قبل الحكومة التي انتفض ضدها فكيف حصل ان هذا الرجل ينام في طائرته؟ ومن الذي اعطاه هذا الهدوء وهذه السكينة بالشكل الذي لم يبالي بكل اشكال الاعتداء التي يمكن ان تحصل؟، او حينما يغادر الى الموت وهو يخاطب شعبه ويقول لهم اسمحوا لي ان اودعكم، في هذه الطريقة لا يمكن ان نتحدث عن قلب تتنازعه الاهواء او تتنازعه مشاعر متباينة، لذلك حالة الاستسلام التي ابداها لله سبحانه وتعالى ولقدر الله سبحانه وتعالى لم تجعله في ازمة، كذلك ازمة كأزمة النجف كيف عالجها هذا السيد الوقور مع ان الامريكان كانوا يخشونها والحكومة كانت تخشاها وما الى ذلك، لكن وحده سماحة السيد
السيستاني ادام الله ظله الشريف من دخل الى النجف بوقارٍ يشبه وقار الانبياء وعلى خطى الانبياء ويصل به الامر الى هذه الطريقة بحيث يعالج المشكلة، فكيف حصل لديه ذلك؟ مع انه في بيته كان محاصراً من قبل المسلحين وكان بالإمكان الوصول اليه في اي لحظة، لكن كانت السكينة هي السمة الرئيسية التي تعبر عن سلوكيات هذا الرجل وبالتالي تعبر عن طبيعة ما يعتمل في داخل قلبه بحيث لا يوجد هناك تنازع وحينما قيل له ان الخطر امامك قال حسبنا الله ونعم الوكيل، لذلك نعود لنقول بان المؤمن لو التزم بما اراده الله سبحانه وتعالى منه لا يمكن ان يعيش الازمة ولا باي شكل من الاشكال، والامام علي بن ابي طالب صلوات الله عليه امام اعيننا وكيف انه جابه الدنيا، وتعبيره واضح صلوات الله وسلامه عليه لو ان الناس كل الناس كانوا بكفة وكنت لوحدي بكفة على ان يكون الله معي ما استوحشت ابدا وهذا الذي حصل، لذلك حينما تكون قلوبنا مصدر للتنازع عند ذلك نقع في الازمة، لكن حينما تكون خياراتنا الوجدانية منتهية وذات انسجام كامل في ذلك الوقت لن تكون هناك ازمة، وفي بعض الاحيان تحصل في الجانب السلبي ايضاً فحينما يغضب الانسان ستكون خياراته الوجدانية كلها في خدمة حالة الغضب لذلك تراه يتقحم وما الى ذلك لان حالة الغضب سيطرت عليه، بينما لو ننظر الى امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وهو يجلس على صدر عمرو بن عبد ود عليه لعائن الله وعمرو يقول له لقد جلست مجلساً عظيماً يا بن ابي طالب وبصق في وجه امير المؤمنين وشتم امه صلوات الله وسلامه عليها فيقوم عنه امير المؤمنين، وحينما سألوا الامام عن السبب قال خشيت ان يكون غضبي لنفسي وليس لله تعالى، بالطبع هذه الأمثلة تضرب لنا من اجل ان نستفيد منها.
* عوداً على رواياتنا التي تصف المجتمع الذي يخالطه المنتظرون فهي تصفه بانه يبرأ بعضه من بعض ويكذب بعضه بعضاً ويلعن بعضه بعضاً ويتفل بعضه في وجه بعض وهي الصورة التي توصف في الروايات وكل هذه العمليات لا تنبئ عن انها أفعال صحيحة، لكن لو وضعنا أنفسنا في هذا الموضع بحيث نُلعن ونُشتم وما الى ذلك، ماهي استجابتنا لكل هذه الأمور وكيف ستكون؟ ومن يتبرأ منا وهو من شيعة امير المؤمنين هل سنتبرأ منه؟ الجواب واضح بالنسبة للمؤمن وهو " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف اللّه رب العالمين "، فنحن لا نتبرأ ممن يتبرأ منا وقاعدة الحلال والحرام هي التي تتحكم بمشاعرنا، واستجابتنا للغضب وفق قاعدة الحلال والحرام ستكون معدومة، يُذكر ان الامام الكاظم صلوات الله عليه يُشتم امام اصحابه بعد ذلك يذهب الامام الى من شتمه في القصة المعروفة وبالنتيجة يحصل من هذا الرجل ان الامام صلوات الله وسلامه عليه يطمئن على ان نسل هذا الرجل سيكون من ذوي العاقبة الحسنة، لذلك ذكرنا ولأكثر من مرة ان غالبية انتشار التشيع ليس بسبب مناقشة الأفكار او بسبب العلماء، وانما غالبية الناس انتمت الى التشيع نتيجة سلوكيات اعجبوا بها.
نعود لنؤكد على قاعدة سبق ان اشرنا لها وهي ان نفرغ قلوبنا من الحاجة للأخرين وان ننظر للدنيا بعيون ما نحتاج نحن وليس بعيون الاخرين، لان من يبحث عن حسن العاقبة سيرى الدنيا من خلال حبه لائمة اهل البيت صلوات الله عليهم، وفي تعبير احدى الروايات ان رجلا من عباد بني اسرائيل طلب الدنيا بالحلال فلم يدركها فطلبها بالحرام فلم يدركها فابتدع للناس في دينهم فنصب نفسه اماما للناس يفتي لهم ويلقنهم كل انواع الضلال وبالنتيجة انحرف، وحينما أراد ان يتدارك وكلما طلب التوبة لم يدركها وكلما سأل موسى عليه السلام يقول له بان الله
سبحانه وتعالى لم يتب عليه وبعد الحاح قال سل الله لِمَ؟ قال لا اغفر له حتى يُرجع من مات على هذا الامر وهو منحرف، وهو سبب انحرافه لانهم دخلوا الى النار بسببه، لذلك قضية الحب والبغض وما الى ذلك قد تبدو لدينا اليوم قضية سهلة، لكن حينما تتزاحم الأمور وتصل الساعات الى اللحظات الحرجة في سلوك طريق معين في ذلك الوقت يتبين الموقف الحقيقي ونعود لنذكركم بمثال عمار بن ياسر مع عظمة عمار ولكنه حاص حيصةً كادت تؤدي به الى النار عمار بن ياسر الذي يدور معه الحق كيفما دار والذي جعله الله حجة على الباغين من اهل صفين ومع ذلك في قصة الازمة التي حصلت وحالة التردد التي وسمت الجميع لم ينجو من هذه الازمة الا سلمان والمقداد وأبو ذر وحاص عمار حيصةً كادت تؤدي به الى النار.
ننصح الأخوة الاعزاء وننصح أنفسنا بان لا تتعلقوا باي رجل من رجال الدنيا وإذا فكرتم بإمام زمانكم صلوات الله وسلامه عليه لا تتعلقوا بغيره، وإن تعلقتم بمؤمن او قدوة لا تتعلقوا به بطريقة تفقدون معها الخيارات النهائية، لا تحبوا كل الحب لأنه قد يسقط من تحبون في الطريق ولا تبغضوا كل البغض لعله في نهاية الطريق يهتدي هذه نصيحة ائمتنا صلوات الله وسلامه عليهم، ويجب ان نحصن أنفسنا امام قضية اساسية وهي لا ربح ولا خسارة في قبال المبادئ.
نذكر قضية حصلت قبل ايام وهي تعنينا ايضاً وهي انه نُشر منشور في الفيس وبعض اخواننا اخذه الغضب وتكلم بكلام معين والاخ تصور انه انتهت الدنيا ولا يوجد من يؤيد، ثم حصل حدث ان نزل منشور اخر وإذا بالغالبية تجتمع بالتمجيد وما الى ذلك، وكأنه كان درس بان المقاييس لا تقاس بهذه الطريقة وما قيمة اعجابات الفيس؟ لأنه لا يوجد من يطلب هوى الناس لا من الانبياء ولا من الائمة ولا من العلماء ولا من الصالحين، ومن يعلق افكاره على رضا وغضب الناس مشتبه تماماً وهو في طريق لا يُؤمَن عليه، لا يمكن ان يكون الناس هم المقياس الحقيقي بل المبادئ التي نلتزم بها هي المقياس الحقيقي، والمقياس الحقيقي ان نتعامل مع المبادئ بعنوانها اوامر الله سبحانه وتعالى وليس شيء اخر، ومن يريد مواجهة جدية للازمات عليه ان يتعلق بالله سبحانه وتعالى هو الذي ينجيه ولا توجد ازمة اصعب في النظر المادي في ان يكون يونس عليه السلام في داخل بطن الحوت في اعماق البحار في ظلمات من بعد ظلمات فأنجاه الله سبحانه وتعالى " فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين " والحمد لله اولاً واخرا وصلاته وسلامه على رسوله واله ابدا.
https://telegram.me/buratha