* في الثقافة المهدوية يمكن القول ان العراق يحتل مكاناً متميزاً جداً باعتباره بيت وعاصمة الامام ص ومنطلق جيوشه باتجاه العالم وحاضنة كل المشروع المهدوي الذي يتمركز في العراق وفي المجتمع العراقي، لا نتحدث عن البعد القومي او الوطني وانما نتحدث عن المكان الذي يميزه وجود الامام ص فيه ومنه سوف تنطلق حركة التغيير في العالم،
ولذلك لابد من ان نتلمس في البدء ان اول التغيير الذي سيحصل انما يحصل في العراق، وهذا التغيير لايمكن ان يكون منشأه وجود الامام ص كحاكم عليه لان الامام ص يستولي على الحجاز والحجاز سوف يبقى يتقلب في الولاءات ضد الامام ص وصولاً الى انهم يقتلون والي الامام ص لاكثر من مرة ، لكن في العراق القصة تختلف وما يهمنا هنا هو المنشأ الذي يؤدي الى عملية التغيير السريع الذي يحصل في زمن الامام ص، وبخصوص هذا المنشأ فان الروايات قد تقدم لنا صورة معاكسة تماماً،لان حديث ما قبل الظهور الشريف في العراق حديث المأساة والفتنة والتقلب السريع والابتلاءات الكبيرة التي يمر بها الانسان المؤمن وحديث المؤمن الذي يتمنى الموت في كل لحظة وحديث المشاكل الكبيرة التي تداهم المنظومة المعرفية للمجتمع وامثال هذه الاحاديث،
ولذلك التساؤل هنا سيكون مثيراً في العلاقة بين هذا التغيير السريع والوضع المفجع الذي نراه في الحديث عن المجتمع والحاضرة الاجتماعية قبيل الظهور الشريف، بدايةً نتوقف عند عملية انقلاب المعروف الى منكر والمنكر الى معروف في مجتمع ما قبل الظهور الشريف والعراق ليس استثناءً من هذه الحالة بل ربما تكون هذه القضية احد مصاديقها واضحة في العراق، حديث الانقلاب هذا اذا ما اضفنا اليه وجود حالة الرويبضة وهم الاناس التوافه الذين ينصّبون انفسهم اعلاماً للناس وفي مكان النطق والتوجيه فاذا ما تحدثنا عن ذلك سنجد ان الجهل سيكون احد المسميات الرئيسية التي يمكن ان تطلق على اقل التقادير على الحيز الاجتماعي البارز في مقابل الاغلبية الصامتة، فتكون الاغلبية الناطقة هي من تخوض في هذا الوضع فتُخلط لديها المفاهيم فيكون الجهل هو السمة، والجهل هنا يمكن ان نقسمه الى ثلاثة اقسام : الاول هو الانسان الجاهل والذي يعتقد بانه جاهل ويعتبر اهون الانواع لانه يعترف بان الذي لديه هو جهل، الصنف الاخر هو جاهل ويظن بنفسه انه ليس بجاهل بذلك يكون لديه جهل مركب ويكون اكثر استعصاءً من الاول، واخطرهم هو النوع الثالث الذي يصور نفسه بانه عالم وعارف ومطلع بالامور وهو في حقيقة الحال ليس له من العلم والمعرفة شيء، بذلك سيجعل من نفسه احد الآفات الكبيرة التى تاكل وتنخر في الوضع المعرفي للمجتمع، لذلك لا نستغرب هذا الهياج الموجود وتصدي الكثيرين الى مقامات العلم والمعرفة وهم في في واقع الحال من الجهلة تماماً.
* وفق ذلك وبشكل طبيعي يمكن ان نتحدث عن عراق ماقبل الظهور الشريف بانه سوف يكون فيه جملة من الامور : الامر الاول اقبال الناس على ادوات وصناعة الجهل وخوضهم فيما يضاعف الجهل لديهم ومع كل ذلك ادعائهم العلم والمعرفة، من جملة المظاهر يمكن ان نقول ان العالم سيُهجر وان دُور العلم ستكون اقرب الى الهجران منها الى طلب العلم الحقيقي والصورة الموجودة في القنوات الفضائية من حجر على العالِم وابراز لمن يُصوَّر بانه عالم وهو لا علم له او ان ما لديه هو جهل يسوقه الى الناس بانه علم والامثلة كثيرة في هذا المجال واصبحت واضحة، الخوض في المحرمات هو سمة ثالثة لان الجهل حينما يسيطر لا تجد الا حالة تقحم الناس، ومن كل ذلك نستخلص ان هناك مشكلة سيعاني منها هذا المجتمع ولكن هذه المشكلة ستكون سطحية وليست متجذرة وعميقة لكون ان التغيير سيكون سريعاً جداً في زمن الامام ص، لذلك لا بد من التحدث ان كل هذه الامور لا تمثل عمقاً في المجتمع وانما هي ظاهرة اشبه ما تكون بالظاهرة النشاز التي اوجدتها ظروف معينة سنتحدث عنها لاحقاً، لكن لو ذهبنا الى ظواهر اعمق من ذلك كظاهرة الشيصباني والبترية وظاهرة الذين سوف يقاتلون الامام ص سوف نعلم ان العلم الذي يتخذه البعض سوف يستخدموه في الشيطنة والشر وان مسميات من العلم سوف تتصدى الى هذه المواضيع والعبرة في العلم ليس ان تكون متعلماً بلا عمل وانما العبرة في العلم هو العمل، امثال هذه الظواهر لايمكن لنا ان نجمعها مع تلك الظاهرة الاخرى التي اشرنا اليها بان الغالبية الاجتماعية سوف تتغير تغيراً شاملاً لكن هناك نشاز وحالة من الجهل وحالة من الشر سوف تستولي وتؤدي بالامور الى منتهى الشر بان تقاتل الامام ص، اذا ما تمكنا من فهم هذه القضية سنلاحظ ان الامور قد تبدو متعلقة بالسياسة وسنفصّل في هذا الموضوع.
* تحدثت الروايات عن ان طبيعة السلطة في فترة ما قبل الظهور اشبه ما تكون بالفترة التي نعيشها اليوم بمعنى ان هناك انتخابات ومن ياتي باعلى الاصوات يكون هو الزعيم، وهذا يعني ان يخوض الراغب في الحصول على اصوات اكثر في التاثير على الراي العام الاجتماعي، فاذا ما كانت الرواية تصف الراي العام الاجتماعي بهذه الصورة المريعة بان يبرأ بعضكم من بعض ويتفل بعضكم في وجه بعض ويكذب بعضكم على بعض اذن هذا الحراك من اجل جمع الاصوات سوف يكون مبنياً على اللا هدى وسيكون مبنياً في اعمه الاغلب على حالة من الرغبة في السيطرة على العقل الجماهيري حتى وإن بالاساليب الغير شرعية، ولو اردنا ان ندلل على ذلك من وقائع اليوم لامكننا ان نقول بان هناك جيوشاً الكترونية تمتلكها الاحزاب والراغبون بالوصول الى رأي الجمهور وهذه الجيوش تسقِّط بعضها بعضاً، لذلك حالة براءة البعض من البعض تجري اليوم بشكل طبيعي لكن لا على اساس الدين والعقيدة وانما على اساس المصلحة والرؤية والموقف السياسي وصولاً الى الاندفاع باتجاه الشخص الرمز والزعيم والقائد وما الى ذلك، فاذا كانت الامور تصل الى هذه الدرجة اذن الانفاق على الجهل وعدم المعرفة سوف يكون له حظوة كبيرة جداً، لن يكون هناك انفاق كبير على الحكمة او ثقافة الخير والتعاون والبر وانما سيكون هناك تثقيف كبير على الصراع، والبنتيجة براءة الواحد من الاخر ستكون امر طبيعي جداً، هذا الصخب الذي يُنشئ هذه الحالة لا شك انه لن يكون دينياً ولا متعمقاً بل سيكون سطحياً، حالة التنازع ستنكعس على السياسة
وبالنتيجة السياسيون لن يسمحوا بنجاح بعضهم البعض مما ينعكس على اوضاع الناس سوءً فتنفر الناس من كل شيء ، عند ذلك تأتينا الرواية الأخرى لتحدد لنا طبيعة مآلات هذه الامور حينما يتحدث المعصوم ص عن ان كل الولائج والبطائن سوف تسقط مما يعطينا صورتين عن المجتمع، الصورة الاولى ان الولائج المضادة للتعلق باهل البيت ص ستكون احد الظواهر البارزة في الواقع الاجتماعي، لكن في المقابل سقوط كل بطانة ووليجة يعني انه لا يوجد احد من هؤلاء يمكن له ان يحتفظ بمصداقيته التي بموجبها انتمى الناس اليه ورغبوا به، وبذلك يكون سقوط البطائن والولائج بناءً على الفشل الموجود فتتعلق الناس بالامام ص، لاسيما وان احدى الروايات تشير الى قضية جدية يجب النظر اليها في هذا المقام والتي تشير الى أن الكل سوف يحكم ولكن يفشل بالحكم حتى لا يقول احد لو حكمت لعدلت، والتي تشير ايضاً الى حجم الغضب الذي سوف ينعكس من عدم عدالة هؤلاء، بشكل مجمل وعلى المستوى السياسي سوف تبقى الامور بالوتيرة الحالية تزيد وتنقص قليلاً وتبقى الفاصلة بين الجمهور وبين المتسلط فاصلة كبيرة، وستُفتَقَد عدالة التوزيع وبالنتيجة ستتجه الناس الى الفقر والى حالة نضوب المال لان المال سينحسر الى طبقة خاصة هي الحاكمة او الاقرب او المستفيدة والاعم الاغلب من الناس سوف يستولي عليهم الجانب الاخر، من المعروف ان الفقر لا ياتي جزافاً وانما ياتي حينما يُفتقَد العدل، الصورة الموجودة حالياً هي صورة الكساد الاقتصادي، والحالة العامة ستكون تدني الكثير من الناس الى خط الفقر او دون خط الفقر، المشكلة التي ستؤدي الى كل هذا الخلل الاخلاقي والمعرفي الذي تتحدث عنه الروايات تكمن في السياسة، وحينما تحدثنا سابقاً عن الالحاد لم نتحدث عن الالحاد النظري وانما تحدثنا عن الالحاد السياسي لان الناس كفرت من حيث ما جاءت به السياسة وتخلف عن السياسية وبالنتيجة لو قُدِّر لهم حاكم عادل ستختلف الصورة وتنتهي كل هذه الامور، لذلك في الرواية توصف الاوضاع من بعد اليأس والحيرة والمرارة حالة ما بعد الصيحة الجبرائيلية ان الناس سيُشرَبون حب الامام المهدي ص، هذه احدى الصور التي يجب ان نلتفت اليها .
* الصورة الاخرى هي صورة اضطراب الرايات، حيث ان الامام ص يدخل الى الكوفة وفيها ثلاثة رايات تصطرع وهذا مما يشير الى وجود الاختلافات الاجتماعية والسياسية العميقة، ويحدثنا هذا الامر عن ان هذه الرايات فيها من يتمرد على راي الجهة الشرعية التي نصبها الامام ص ونعني بذلك المرجعية، لانه لا معنى للاصطراع مع وجود مرجع واحد ولو كانوا يسمعون للمرجع لما كان هناك اصطراع ابداً لكن وجود الاصطراع ينبئ عن عدم وجود قيادة واحدة للمجتمع بمعنى ان هناك تمرد او استخفاف او تسامح او تساهل في التعامل مع المرجعية، وكما نعرف ان السياسة من دون الغطاء المرجعي لا يمكن لها ان تكون دينية، والاحزاب من دون وجود الرقابة المرجعية وليس الغطاء المرجعي لا يمكن لها ان تكون ذات عمل شرعي، ومن المناسب ان نذكر طبيعة ما كان يراه شهيد المحراب رض في علاقة الفقيه مع الاحزاب السياسية، كان يرى ان الاحزاب السياسية إن لم يكن على راسها فقيه لا يمكن ان تكون شرعية والسبب ان السياسة فيها تعامل مع اموال الناس واعراضهم وارواحهم وهذه الامور تحتاج الى رقابة واشراف يومي من قبل جهة تحدد الحلال والحرام، لذلك حينما يقال بفشل من كان يشق الشعرة بشعرتين هذا الفشل ناشئ من وقوع ذلك الشخص في الحرام اي انه تنكب عن الطريق ودخل في اروقة الحرام ومن يعمل بلا رقابة يصل الى هذه النتيجة ويقع بهذا الفخ، ومع وجود هذه التحذيرات والانذارات لازلنا نرى الصورة تتجه باتجاه التساقط، هذا الامر ايضاً من مميزات عراق ما قبل الظهور الشريف.
* اما بخصوص الحالة العامة فان البلاءات والفتن لن تنقضي وهي متعددة وليست في جانب واحد، وفي هذا الامر عدة ملاحظات اولها ان البلاءات تثري تجارب الناس وتقدح في وعيهم وتنير دربهم تجاه كثير من القضايا التي كانوا اما يستخفون بها او يتغافلون عنها، اليوم حينما نقول يوجد غزو فكري وحرب ناعمة تجري علينا بمنتهى الشراسة نلاحظ ان الناس لا تبالي وقد لا يصدقون لكن بعد ذلك وحينما يقعون في الفخ ويرون حقيقة ما قيل تاتي البلاءات لتنير الدرب وتنبه الناس الى ان هناك حقيقة وجود خطر فعلي، البلاءات بشكل عام مدروسة الهياً بحيث تاتي بحجم لا تسقط المؤمن لكن هي تاتي لكي تُنذر وتحذّر ولكي تجعل الانسان في حالة تَدَبُّر كذلك تربي وتعزز وعي الانسان، ولا شك ان من ينظر الى بلاءات كربلاء سينظر الى فاجعة هائلة لا يمكن ان توصف، لكن السؤال : كم اخذنا من هذه البلاءات من الوعي ومن الادراك والزخم المعنوي الهائل ،
يُلاحظ ان الشعب العراقي مر بكل انواع البلاءات ونشأت هناك حالة قد لا يُلتفت اليها لكن الدول التي تراقب الاستراتيجيات تهتم بها جداً وهي ان الشعب العراقي شعب مُرِّن ارادياً او اجبارياً على كل انواع الصعوبات بحيث لو تصدى له مستقبلاً مشروع لتغيير العالم فلا يمكن ايجاد شعب مقاتل وصابر ودؤوب ومشتاق الى العدالة كهذا الشعب لذلك لايمكن للامام ص ان يجد شعباً كما هو هذا الشعب، وهذه الصعوبات والفتن انما هي كالعملية الجراحية التي لا يمكن الوصول الى الشفاء الا من خلالها، الصورة وان كانت قاتمة في عراق ما قبل الظهور الشريف الا انها لا تعدم وجود الانسان المؤمن الصلب الذي لا يتنازل، وحينما نتحدث عن ظاهرة اليماني لا نتحدث عن الشخص المهزوز وانما نتحدث عن الشخص الثابت العقيدة والمراس ولا يتزحزح وحينما نتحدث عن اليماني نتحدث عن ظاهرة اجتماعية تؤمن بكل هذه التفاصيل وتؤمن بقضية الامام ص وتعمل لاجلها، وحينما نتحدث عن وجود عصائب من العراق تلبي نداء الامام ص وتعمل من اجل خدمته نعلم بوجود الجانب الاخر من الصورة القاتمة الموجودة ونرى من اتون الفتنة ثمة رجال يزهرون بنورهم وهذه احد السنن الربانية بان الله سبحانه وتعالى لا يُخلي المجتمع من هؤلاء رغم انهم قد يتعرضون الى اشد المعاناة والالم فيزداد المؤمن نوراً من هذه المواقف هذا اولاً ،وثانياً عامة الناس تتميز بين من يذهب الى الباطل ومن يثبت على الحق بناءً على الموقف من هذا، والثالث استدراج الظالم، لذلك في وقت الفتنة يجب ان نعرف ان هناك رباً رحيماً يجب ان نتمسك به، ومن اراد ان يستشعر العوالم النورانية لايمكن له ذلك الا من خلال الصبر على الفتن الكبيرة.
https://telegram.me/buratha