ملخص ملتقى براثا الفكري - زيارة الاربعين وصناعة مجتمع العدل المهدوي
* واحدة من الملامح التي تتجلى في زيارة الاربعين هي ما نلمسه في تجاوزها لمعادلة الاجر والثواب فضلاً عن تجاوزها لمفهوم العقاب حين التخلف عن عمل يرضي الله سبحانه وتعالى، كثير من مظاهر الزيارة توحي ان الذين يتجهون لهذه الزيارة لا يطلبون الثواب كما انهم لا يهتمون برفع العقاب وانما جاءوا وهم لا يتلمسون الاجر بقدر ما جاءوا عن محبة وعشق لمن يزورونه، كما في قوله تعالى "ويطعمون الطعام على حبه" لم يُشِر الى رغبتهم في الثواب كما لم يشر الى خوفهم من مخاوف يوم القيامة وانما هذا الاطعام والايثار جاء بناءً على حبهم لله تعالى وحبهم لمن جعلوه محلاً للاقتداء وللتاسي، في زيارة الاربعين ومع ملاحظة ان الكثير من هؤلاء لم يبالون بالموت ولا بالظروف الجغرافية والبيئية الصعبة وكان بامكانهم ان ينالوا الثواب وبدرجات عظيمة دون الخوض في كل هذه المتاعب ومن دون ان تكتنف هذه الزيارة حالة الانفاق والتعب والتعاون والتفاني الكبيرة، لكن مع وجود ملامح كبرى في هذا المجال على كل هذه المعاني لايمكن لنا ان نقول ان هؤلاء كلهم انما قصدوا الحصول على الثواب وانما نستطيع ان نؤكد ان الكثير من هؤلاء جاءوا وهم يحققون المبدأ الذي يتجلى بالقول الذي يقول " تبكيك عيني لا لاجل مثوبةٍ لكنما عيني لاجلك باكية "فهم جاءوا للامام الحسين ص ولم يفكروا بقضية الاجر والثواب ولا شك ان الاجر محفوظ، والقدر المتيقن ان حالة من حالات نكران الذات الكاملة تحصل في داخل هذه الزيارة مما يحدو بنا الى التفكير في طبيعة هذه الظاهرة وما تؤدي اليه ، حينما يتجرد الانسان من مفهوم الثواب ومن مفهوم تدارك العقاب الى ان يكون مندفعاً من أجل مفاهيمه ومبادئه وحبه وعشقه للامام ص بعيداً عن الثواب والعقاب (طلب الجنة والابتعاد عن النار) ، وهذه الدرجة يجب ان نسير اليها ومن لم يصل لهذه الدرجة يجب ان ينمي في نفسه هذه الحالة المطلوبة، كما في امتداح القران الكريم لاهل البيت ص لانهم اطعموا بتنكر كامل لذواتهم واثروا التعب والمعاناة من اجل الاخرين، هذه الحالة التي يجب ان يصل اليها زائر الامام الحسين ص ونعتقد ان ملامح وجودها في هذه الزيارة واضحة جداً لدى الكثيرين ربما لا ينتبهون اليها ومن اوضح الواضحات عند طبقة معينة من خدام وزوار الامام الحسين ص ما يمكن ان نتيقن بوجودها ، والسؤال الى ماذا تؤدي هذه القضية ولماذا هذا الاصرار للاتجاه بهذا النحو؟.
* ما نلاحظه في هذه الزيارة والمقصود زيارة المشاة الى الامام الحسين ص وليس مجرد الذهاب الى كربلاء في يوم الاربعين لانها ستكون مثلها مثل بقية الزيارات، في زيارة المشاة نلاحظ ان الزائر انتخب العناء بدلاً من الراحة مع امكانه الوصول بسهولة وهذا بمحضه ثمرة مهمة جداً بان الانسان يقبل العناء من اجل المبدأ ومن اجل الامام الحسين ص بتركه الترف والراحة تدفعهم عوامل معنوية قسم منها يرتبط بطلب الثواب لكن قسم كبير منها يرتبط بحب الامام الحسين ص، وهي قيمة اجتماعية في غاية الاهمية بالنسبة لاي عملية تغيير اجتماعي فضلاً عن اهميتها القصوى من اجل ايجاد المجتمع الصالح، يلاحظ في هذه المسيرة والرحلة تكاتف الجميع وهذه في تداعياتها الاجتماعية سياتي الحديث عنها لاحقاً لنكتشف اننا في كل هذه الرحلة وفي كل هذه الروايات التي صدرت عن ائمة اهل البيت ص اننا في كل ذلك داخلون في مارثون للتدريب وللتاهيل لعيش المجتمع العادل وكيف نوجد هذا المجتمع حتى من دون وجود الدوافع الموضوعية فهذه الدوافع نحن من يوجدها ، ومع هذه الحالة العظيمة التي نجدها في الملايين المنضبطة في مسار واحد من دون ان ينظمهم ناظم فالذي يُنظِّم ويُطعِم ويؤوي هم انفسهم بامكانات ذاتية وعدم وجود الدولة في هذه التنظيمات، لذلك المنظم والضابط والمدير هنا هو عنصر معنوي ليس الا، ايضاً في ظاهرة الانفاق القضية تتكرر فهناك مئات الملايين من الدولارات تتدفق على هذه المسيرة ولا يوجد تمويل من قبل الدولة بل ان التمويل ذاتي، كذلك جهودهم الذاتية في تنظيف عشرات الالاف من اطنان القمامة، حينما نجمع كل هذه القضايا نجد ان المائز الاساسي في هذا المجتمع ان جميع هؤلاء لا يعيشون من اجل انانياتهم ، وانما يعيشون اجل ان يسهروا من اجل الاخر ومن اجل ان لا يجوع او يبرد او يتضرر الزائر، هذه الظاهرة ليست ظاهرة فردية بل هي ظاهرة شعب ليس بالضرورة ان يمارسها طيلة ايام السنة لكن من المؤكد انه يمارسها في زيارة الاربعين في استنفار كامل، وهنا لا تجد المتدين لوحده ربما في الغالب نجد ان الكثير من هؤلاء لا يتعاملون وفق المعايير الدينية لكن لا يفرطون بزائر الامام الحسين ص .
* ما نرغب في التاكيد عليه ونشعر بانه ضرورة هو اننا في كل سنة نمارس مرحلة متقدمة من مراحل التاهيل لمجتمع العدل المهدوي، مجتمع العدل المهدوي يتميز عن مجتمع الاخرين بقضاء حوائج الناس حينما ينادي المنادي من لديه حاجه نقضها له وهي احد مظاهر عدل الامام ص، وهذه القضية
نشاهدها في مجتمع زيارة الاربعين ،كذلك قضاء حاجة الناس للمال في مجتمع العدل المهدوي، وما يوجد في هذه الزيارة صورة مصغرة في تلبية حاجات الزوار واطعامهم في قضية الانفاق المجنون الموجود باسم الامام الحسين ص، كذلك توجد صورة فريدة من نوعها على المجتمعات الاوربية مارسها اخواننا في اوربا وامريكا في الاطعام والتوزيع المجاني باسم الامام الحسين ص، نلاحظ هذه الرحمة الموجودة في القلوب غير موجودة في الايام العادية ومن يُوجِد هذه الرحمة هو المجتمع المهدوي الذي سيتفانى من اجل الاخرين، ما يميز هذا الانفاق هو انه يتم من خلال فقراء وليس من قبل جهاز دولة بحيث ان الفقير يعمل سنته ليحظى بمالٍ يوزعه على زوار الاربعين، ومن يلاحظ هذه الامور بدقة يشاهد ان هذا المجتمع يتم تاهيله لكي يعيش في زمن الامام ص، مجتمع الامام ص متباذل ومعطاء ومتفاني من اجل غيره وهذا نجده بشكل واضح في زيارة الاربعين ويُربّى الناس عليه ، في هذه البيئة الطبقات الاجتماعية تنهار طواعيةً لا الغني ولا الفقير ينظر الى نفسه كغني وفقير في داخل هذه المسيرة بل نجد ان الفقير الذي يدخل في خدمة الامام الحسين ص يحول نفسه الى الغني الذي يعطي الاخرين، كذلك حينما يقترب العالم من الجاهل في هذا الوسط فهو يخرج من بيئته التي ربما تقنعه ان الناس في غنى عن هذا العلم ويدخل مع عوام الناس فيجد نفسه مقصراً جداً مع هؤلاء لانهم يحتاجون اليه، في المقابل الجاهل يشعر بانه مقصر مع نفسه لانه لم يقترب من هذا العالم، كذلك مع انهيار بقية الطبقات يتحول المجتمع الى واحد ينبض بدمٍ واحد، لذلك نحن في زيارة الاربعين نمارس ممارسة مدروسة هادفة مُعتنى بها من قبل الامام ص لغرض اعداد المجتمعات، لكون ان التغيير لا يحصل صدفة ولا بسهولة ولا يحصل بقرار وانما يحصل بمران وتراكم خبرة وتقدم بهذا الاتجاه وهذا التغيير الذي يحصل يعود فضله للامام الحسين ص .
* ننتهي الى قضية عدم النظر الى الامور بنظرة سطية بناءً على قضية معينة وانما يجب النظر الى المشهد ككل ، ومع كل ما يوجد في القلوب من اذى لوجود تخلف وصراعات ونزاعات في المجتمع نؤكد مجتمعنا على خير كبير رغم وجود كل ما يوجد فيه من مظاهر سيئة، هذه المظاهر سببها الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مروا بها وحين زوال هذه الظروف القاسية سيخرج مجتمع الامام الحسين ص، سيتبدى منهم ما يتبدى الان في زيارة الاربعين، نحن نعيش كرامة كبرى بان الله سبحانه وتعالى وضعنا في هذ البيئة، نعم ظروفنا قاسية لكن لا يصل الانسان الى المجد من دون قسوة ولو نظرنا الى ظواهر الانبياء كل درجاتهم الرفيعة لم تحصل الا بعد مرورهم بالظرف الصعب، ولو عدنا الى الاية الكريمة "ويطعمون الطعام..."وكيف وصل هؤلاء بان تُسجل سورة هل اتى باسمائهم الا بعد ان عانوا ص من الجوع الشديد، ونحن حينما نريد ان نصل يجب ان نمر ونتحمل اي معاناة واي ظرف صعب من اجل ان يبزغ نجمنا ومن اجل ان يرجع اللمعان الذي حاول مجرموا السياسة وسياسات الاجرام ان يلوثوا صورة هذا الشعب وان يمسخوا هويته، من يريد ان يرى هوية هذا الشعب على حقيقتها يراها في طريق ياحسين ، وحينما نرى هذا التغير الذي يحصل نتيقن بان فرجنا قريب لا محالة.
https://telegram.me/buratha