الصفحة الفكرية

كلام لسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي في الانتظار والأدعياء

3762 18:13:00 2013-09-23

 

في شهر شعبان المكرم لسنة 1432 هـ وفي خطاب لسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني الخامنئي أشار سماحته إلى القضية المهدوية والانتظار والمدعين كذبا لهذا المنصب العظيم ، وإليكم محل الشاهد من كلامه حفظه الله.

بسم‌اللَّه‌الرّحمن‌الرّحيم‌.

... اما بخصوص قضية المهدوية التي يتناسب طرحها مع هذه الأيام القريبة من النصف من شعبان، هذا العيد الإسلامي - بل البشري - الكبير، فيجب أن نقول إن قضية المهدوية‌ هي من جملة عدد قليل من القضايا الأصلية في منظومة المعارف الدينية العليا، من قبيل قضية النبوة. ينبغي النظر لأهمية القضية المهدوية بهذا المستوى.ذلك لأن الشيء الذي تبشر به المهدوية هو الشيء الذي لاجله جاء كل الأنبياء وحصلت كل البعثات ، ألا وهو توفير عالم توحيدي مبني وقائم على العدالة ‌وباستخدام كافة الإمكانيات التي وضعها الله تعالى وأودعها في الإنسان.

ان عصر ظهور الإمام المهدي (سلام الله عليه و عجّل الله تعالى فرجه). عصر المجتمع التوحيدي، و عصر سيادة التوحيد، و السيادة‌ الحقيقية ‌للمعنوية والدين على كافة مفاصل الحياة البشرية، و عصر استقرار العدل بالمعنى التام والجامع للكلمة. وهذا ما جاء ‌الأنبياء من أجله.

لقد قلنا مرارا ان جميع الحركات التي قام بها البشر في ظل تعاليم الانبياء وخلال قرون متمادية انما هي حركة نحو طريق معبدة عريضة قد اعدت للوصول الى اهداف عليا في عصر ظهور الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف والتي ستسير البشرية عليها.

كما لو ان  جماعة من الناس يسيرون في الجبال و المنعطفات والطرق الوعرة والمستنقعات وبين الأشواك بهداية عدد من الأشخاص من أجل أن يصلوا إلى تلك الجادة الأصلية.فإذا وصلوا إلى تلك الجادة كان الطريق  مفتوحاً والصراط المستقيم واضحاً والحركة فيها سهلة، فيواصلون السير في تلك الجادة بسهولة.

ولن تتوقف حركتهم، وإنما ستبدأ من ذلك الحين المسيرة نحو الأهداف الإلهية‌ العليا، لأن قابلية البشر لا حدود لها. طوال هذه القرون المتمادية سارت البشرية في طرق وعرة وصعبة ومتاهات عصيبة وواجهت الكثير من الموانع بجسم متعب وأرجل جريحة لكي تبلغ تلك الجادة الأصلية التي هي جادة عصر الظهور. إنه العالم في زمن الظهور الذي يمكن بمعنى من المعاني القول إن حركة البشرية تبدأ من ذلك العصر.

إذا لم تكن المهدوية فان هذا يعني أن كل مساعي الأنبياء و كل الدعوات وكل البعثات وكل هذه الجهود المضنية لا فائدة منها و لا أثر لها. إذن قضية المهدوية قضية أصلية رئيسية ومن أكثر المعارف الإلهية أهمية و أصالة. لذلك يوجد في كل الأديان الإلهية تقريباً - في حدود إطلاعنا طبعاً - شيء لبابه و معناه الحقيقي هو نفس هذه المهدوية، و لكن بأشكال محرفة وغامضة، ومع عدم وضوح ما تريد قوله.

كما ان قضية المهدوية في الإسلام من المسلمات، أي إنها لا تختص بالشيعة فقط . كل المذاهب الإسلامية تعتبر الغاية من العالم إقامة حكومة‌ الحق و العدل من قبل  المهدي (عليه الصلاة والسلام وعجل الله فرجه). نقلت  روايات معتبرة بطرق مختلفة من قبل مختلف المذاهب عن الرسول الأكرم وعن العظماء.إذن، لا شك في هذه المسألة، لكن ما يميز الشيعة هو أن قضية المهدوية عندهم ليست قضية مبهمة غامضة، ولا هي قضية معقدة لا يمكن للناس فهمها، إنما هي قضية واضحة و لها مصداق واضح نعرفه ونعرف خصوصياته ونعرف آبائه و نعرف عائلته ونعرف ولادته وتفاصيلها.

وفي هذا التعريف أيضاً ليست روايات الشيعة وحدها هي المتوفرة‌على بساط البحث، إنما توجد روايات عن غير الشيعة توضح لنا هذا التعريف، وعلى أتباع المذاهب الأخرى أن يتنبهوا ويدققوا فيها ليكتشفوا هذه الحقيقة الواضحة. إذن أهمية القضية ترقى إلى هذا المستوى، ونحن أولى من الآخرين بتناول  هذه القضية والخوض فيها والقيام بأعمال علميّة ودقيقة ومتقنة في هذا الخصوص.

ومسألة الانتظار ـ التي تعدّ جزءاً لا يتجزأ من قضية المهدوية ـ من المفردات الأصلية لفهم الدين والحركة الأساسية والعامة والاجتماعية للأمة الإسلامية نحو أهداف الإسلام العليا. معنى  الانتظار هو  الترقب وترصد حقيقة قطعية. الانتظار معناه هذا المستقبل الحتمي الأكيد. خصوصاً انتظار شخص حيّ موجود.. هذه مسألة على جانب كبير من الأهمية. فليست القضية ان  يقال إنه سوف يولد شخص أو سيوجد شخص، لا، إنما هو شخص موجود و له حضوره و تواجده بين الناس. . وفي الرواية إن الناس يرونه كما هو يراهم لكنهم لا يعرفونه. و في بعض الروايات جرى تشبيهه بالنبي يوسف الذي كان إخوانه يرونه و هو بينهم و إلى جانبهم و يمشي على بساطهم لكنهم لا يعرفونه. إنه مثل هذه الحقيقة البارزة الواضحة المحفزة.هذا يساعد على معنى الانتظار. و البشرية بحاجة إلى هذا الانتظار، و الأمة الإسلامية من باب أولى بحاجة إلى هذا الانتظار. و هذا الانتظار يضع على عاتق الإنسان واجبات و تكاليف. حينما يتيقن الإنسان بوجود مثل هذا المستقبل، كما هو مذكور في القرآن الكريم: «و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. إن هذا لبلاغ لقوم عابدين». أي إن الناس العابدين يفهمون ان عليهم أن يعدوا أنفسهم و يكونوا منتظرين ومترصدين.الانتظار معناه إعداد الذات وأن نعلم أن حدثاً كبيراً سوف يقع و ننتظر هذا الحدث دوماً. لا يمكن القول أبداً إنه سيحدث بعد سنوات أو مدة طويلة، و لا يمكن القول أبداً أن هذا الحدث قريب وسيقع في القريب العاجل. يجب الترصد والانتظار دوماً. والانتظار يستدعي أن يقرِّب الإنسان نفسه من ذلك الشكل والهيئة والخلق المطلوب منه في العصر الذي ينتظره. هذه من لوازم الانتظار. حينما ينتظر الإنسان العدل في تلك الفترة وحينما ينتظر الحق والتوحيد والإخلاص والعبودية لله - حيث يتوقع أن تكون تلك الفترة بهذه المواصفات - فيجب علينا نحن المنتظرون أن نقرِّب أنفسنا من هذه الأمور، و نعرِّف أنفسنا العدل ونعدّ أنفسنا للعدل و لتقبل الحق. الانتظار يخلق مثل هذه الحالة.

من السمات المودعة في حقيقة الانتظار أن لا يقنع الإنسان بالواقع الموجود وبمقدار التقدم الذي حققه في يومه، وأن يروم التقدم يوماً بعد يوم، وتكريس هذه الحقائق والخصال المعنوية الإلهية في نفسه وفي مجتمعه بشكل اكبر. هذه لوازم الانتظار واقتضاءاته.

.... يجب عدم الغفلة عن الأعمال العلمية الدقيقة حول قضية الانتظار وعصر الظهور. كما ينبغي ـ وبشدة ـ تجنب الأعمال العامية (غير العلمية).

من جملة الأمور التي يمكن أن تمثل خطراً كبيراً هي الأعمال العاميّة (غير العلمية) ، والبعيدة عن المعرفة، وغير المستندة إلى المستندات والوثائق في ما يتعلق بالإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهذا ما يمهد الأرضية للأدعياء الكاذبين.الأعمال غير العلمية وغير المعتمدة‌ على المصادر والوثائق المعتبرة هي  مجرد خيال وأوهام.. مثل هذه الأعمال تبعد الناس عن حالة الانتظار الحقيقي و تمهد الأرضية للأدعياء الكاذبين الدجالين.. فينبغي تجنب مثل هذه الأعمال بشدة.

كان هناك على امتداد التاريخ أدعياء، و بعض الأدعياء طبّقوا بعض العلامات على أنفسهم أو على غيرهم، و هذا كله خطأ. بعض الأمور الموجودة بخصوص علامات الظهور غير قطعية، إنما هي أشياء لم ترد في الروايات المعتبرة الجديرة بالاستناد، بل وردت في روايات ضعيفة لا يمكن الاستناد عليها، والموارد التي يمكن الاستناد عليها لا يمكن تطبيقها بسهولة. كان هناك دائماً بعض من طبّق أشعار نعمة الله ولي - طوال الأعوام المتمادية و في حالات كثيرة - على أشخاص مختلفين في شتى القرون، وقد اطلعت بنفسي على ذلك، فقالوا إن قوله رأيت فلاناً وأرى كذا وكذا إنما يعني به فلاناً وذكروا اسم شخص معينوفي زمن آخر بعد مائة سنة مثلاً وجدوا شخصاً آخر وطبقوا عليه! هذا خطأ وهذه أعمال مضللة توقع الناس في الخطأ. إذا وقع الخطأ والانحراف  فان الحقيقة سوف تهجَر، ويُشتبه فيها وتتوفر الأرضية لضلال أذهان الناس. لذلك يجب بشدة اجتناب الأعمال غير العلمية وعدم الاستسلام مقابل إشاعات العوام. عليكم بالأعمال العلمية المتينة المعتمدة على الوثائق والمستندات  وهذه طبعاً أعمال ينهض بها أهل الفن والاختصاص وليست مما يقدر عليه أيّ كان، لا بد لمن يقوم بهذه الأعمال أن يكون من أهل الفن والاختصاص ومن المتخصصين في الحديث والرجال ومن العارفين بالأسانيد ومن أهل التفكير الفلسفي والعارفين بالحقائق، عندها يستطيع أن يخوض غمار الساحة في هذا الحقل وينجز أعمالاً بحثية. ينبغي الاهتمام بهذا الجانب أكثر فأكثر حتى ينفتح الطريق للناس إن شاء‌ الله، إذ كلما تعرفت القلوب على فكرة المهدوية أكثر واستأنست بها أكثر، و كلما كان حضور ذلك الإمام محسوساً بالنسبة لنا نحن الذين نعيش زمن الغيبة، وكلما شعرنا به أكثر وارتبطنا به أكثر، كلما كان ذلك أفضل لدنيانا و لتقدمنا نحو تلك الأهداف. التوسلات الموجودة في الزيارات المختلفة ولبعضها أسانيد جيدة، توسلات ذات قيمة كبيرة. إنه التوسل به والتوجه إليه والأنس به من بعيد. وليس هذا الأنس بمعنى أن يدعي شخص أنه يلتقي بهذا الإمام العظيم أو يسمع صوته، ليس الأمر كذلك على الإطلاق. معظم ما يقال في هذا الباب ادعاءات إما إنها كاذبة أو إن صاحبها ليس بكاذب لكنه يتصور الأمر ويتخيّله. لقد شاهدنا بعض الناس ممن لم يكونوا كاذبين، لكنهم يتخيّلون ويروون ما تخيلوه لهذا وذاك على أنه واقع! ينبغي عدم الاستسلام لهكذا خيال، إنما عليكم بالطريق الصحيح المنطقي والتوسل عن بعد. التوسل الذي يسمعه الإمام منا ويتقبله إن شاء الله، حتى لو كنا نتحدث مع مخاطبنا عن بعد، لا إشكال في ذلك.يوصل الله تعالى سلام المسلمين ورسائل المرسلين إلى ذلك الإمام الكبير. هذا التوسل والأنس المعنوي أمران جيدان و لازمان جداً.

نتمنى أن يعجل الله تعالى ظهور ذلك الإمام و يجعلنا من أنصاره في غيبته وفي زمن ظهوره، و يجعلنا إن شاء الله من المجاهدين إلى جانبه والمستشهدين في ركابه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

37/5/13923

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك