جاءت كل المجتمعات البشرية من أجل فهم وجودها أولا، الشيء الذي استهلكته بعض الحضارات الغابرة في الزمن كحضارات الفراعنة وقبلها حضارات منسية وصلت إلى أوج التقدم الإنساني وهي حضارات كونية مثل حضارة أطلنتيس الغارقة في الزمن، فهل المجتمعات البشرية (الإنسانية) اليوم بكل اثنياتها وعرقياتها ودياناتها قد فهمت ما يجب عليها فعلا أن تعيه في علاقتها مع كينونتها الوجودية، كما فعلت تلك الحضارات الغابرة في الزمن؟ أم أنها غارقة في حل مشاكلها ووسخها الحضاري المتمثل في التلوث البيئي والاجتماعي والأسري؟لا أظن أن هذا الزمن المعبر عنه بزمن العولمة قادر على تخطي ما أنتجه من نفسه،لأنه كان أنانياً في تعاطيه مع معطيات الماضي ولأنه كذلك استقل بذاته في ذاته فأنتج بشراً صناعياً يحمل مفاهيم مغلوطة عن الخلافة.وللخروج من الأزمة المفتعلة بالطاقة الإنسانية علينا أن ننتج وعياً كونياً إدراكياً حركياً أنتظارياً يصلح فينا ما أنتجته الأنانية البشرية الحاقدة على نفسها،( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)، ولا يتم لنا ذلك إلا عبر مسارات وجودية أرادتها الإرادة الإلهية الكلية والمتمثلة في الإنسان الكامل والذي يمكننا من خلال الاعتقاد به والاتصال بحضرته في عصر غيبته (نظرية الغيبة عند الشيعة الإثنى عشرية)، أن نكون كما أرادتنا الإرادة الإلهية بشرا يحب وجوده الغيبي والمشرق بالمعارف الإنسانية المليئة بالرحمة والحب والحرية.ولكي يتحقق الإنسان من مصيره الأبدي كان ولا بد من حضوره في مسارات وجودية غارقة في الزمن الأول، والذي يعبر عنه بأزلية الآزال إلى أقصى زمن سوف تبصر فيه النفس الإنسانية روح الإنسان الكامل، الذي سوف يقود الإنسان أو من يريد أن يستكمل دوره الوجودي كإنسان إلى آفاق روحية رحبة يشعر معها الكائن الإنساني بحرارة الوجود وعظمته الممتدة عبر مسارات وجودية سيطر عليها النسيان والتهور والجهل، في دورات وجودية كان فيها هذا الكائن الإنساني مثقلاً بالخطيئة، تلك الخطيئة التي تجره دائما إلى التيه في بداياته الأولى غير المدركة لحقيقته.يقول السيد المسيح عليه السلام: كثيرهم المدعوون وقليل هم المختارون' الكل مدعو إلى منسك البشرية والقليل من سيختار منسك الآدمية،ولكي يستطيع المرء منا أن ينتقل من بشريته إلى آدميته عليه المرور بحقيقة الإنسان، فالإنسان هو الواسطة بين البشرية والآدمية.ولا يتم هذا الاتصال إلا عبر الإنسان الكامل الذي جعلته الإرادة الإلهية خليفة لها وممثلا لتجلياتها في هذه النشأة الوجودية الأرضية.الإنسان الكامل المهدي عليه السلام يحمل سر الدهر كلهكثيراً ما تسائل الإنسان العاقل عبر وجوده الأرضي عن العدالة الإلهية وطرح في سبيل الإجابة عن هذا السؤال ما لا يحد أو يعد من الأسئلة، تلك الأسئلة جعلت الإنسان يعبد عبر مساره الوجودي الأرضي مليوني إله، فعندما يفقد الإنسان عدالته فهو يفقد في ذلك فطرته وعندما يفقد فطرته يفقد هويته وعندما يفقد هويته يفقد وجوده الحقيقي، الشيء الذي يجعله تائها في مسارات كونية غير عادلة فيسود الظلم الذي يقحم هذا المخلوق الإلهي في ظلمات العذاب والتيه. فإلى متى سيستمر هذا التيه؟وما هو سبيل الخلاص؟في سبيل الخلاص عبد الإنسان الدهر، فلقب أصحاب هذا المعتقد بالدهريين، ونجد هذا واضحاً في حضارة الأنكا في أمريكا الجنوبية فهم كانوا يعبدون الزمن، ففي كل حضارة عاشها الإنسان اتخذ لنفسه إلهاً يعبده ما دام أنه مجبول بفطرة الباري على العبادة، لكن هل كل ما اتخذه الإنسان للعبادة كان صالحا له؟كل تلك العبادات والمعتقدات والطقوس والاعتقادات جاءت لتسكن شوق الإنسان إلى العدالة، فكما أن الإنسان مفطور على العبادة هو كذلك مفطور على العدالة.ولكي يتحقق الإنسان من العدالة الكبرى المنسجمة مع العبادة الفطرية السليمة كان ولابد من اجتياز دورات وجودية طفولية سيطر فيها الجهل العرفاني على مساره الوجودي ولا يتم له ذلك الخلاص المنشود إلا عبر إنسان كامل خبر كل الأزمان وخبر معها كل شيء فصار في ذلك إرادة إلهية شاملة، سوف تخرج في آخر الزمن لتحكم العالم بما أراده الله فيه من الرحمة والهدى والسلامة.الإمام المهدي عليه السلام الجامع للخلافة والولايةفكما أن الكون يبحث عن خلاصه في إنسان كامل كذلك الإنسان يبحث عن خلاصه فيه، فيجتمع الشمل ويتحرر الإنسان والكون وتتحرر في ذلك كله جميع القوى الفاعلة داخل المنظومة الوجودية، ومن هذا المنطلق بدأ الإمام الخميني رضوان الله عليه نهضته الكونية فقام قائلا ثورتنا لا شرقية ولا غربية فربطها مباشرة بالشجرة المباركة الزيتونة المذكورة في سورة النور المرتبطة بدورها بأهل البيت عليهم السلام والذين يمثلون بدورهم وعيا كونيا في وجود الأحياء على وجه البسيطة، هذا الوعي الكوني يخول للإنسان الذي يحب وجوده الأسمى التفوق والمعرفة وكشف حقائق الأشياء حوله لكي يكون في ذلك خليفة الله في أرضه ويرى في نفسه عظمة الخالق المتمثلة في خلقه.كثير من المهتمين تساءلوا لماذا أطلق الإمام الخميني رضي الله عنه على البشرية الأمريكية الشيطان الأكبر؟ وقد أجيبهم بهذا القول، البشرية الأمريكية تريد أن تقول مدعية أن كل ما لديها من ازدهار اقتصادي وتقدم تكنولوجي وما إلى ذلك هو من عندها وحدها وهي في ذلك تخطو خطوات من قال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي). وهـذا لا يـصـح لـهـا إطـلاقـاً، لأن هـذا التقدم المادي ساهمت فيه حضارات إنسانية تعبت في تطوير إمكانياتها وعقلها وروحها على مر التاريخ الإنساني المليء بالتضحيات والصراعات. ولكي أؤكد هذا القول أقول: الخوارزمي عالم رياضي اكتشف أعداداً جديدة فأدخلها إلى نظام الحساب هذا النظام المكتشف من طرف هذا العالم الرياضي هو ركيزة التقدم التكنولوجي الحاصل اليوم، فهل ادعى هذا العالم المعرفة غير المرتبطة بالآخرين الذين سبقوه؟ كي تدعي البشرية الأمريكية اليوم ما تدعيه؟ربط الإمام الخميني رضي الله عنه نهضته بالشجرة المباركة وربطها كذلك بثورة الحسين عليه السلام فقال كل ما لدينا من كربلاء، الشيء الذي سوف يجعل دولته، دولة الإنسان الشاهد والسالك والفقيه والولي العارف، فهذه الأبعاد ستجعل ظهور صاحب الأمر والزمان عليه السلام ممكناً وفاعلاً في تغيير المنظومة الوجودية وجعلها منظومة إلهية رحمانية يسود فيها الدين الخالص على الدين كله.فمجيء هذا الرجل الإلهي ونجاح ثورته لم يكن أمرا اعتباطيا، وذلك لما مثله هذا الفكر التحرري في توجيه الإنسان إلى أخلاق سامية ذات أبعاد كونية وإلهية، الشيء الذي يجعل انتظار صاحب الأمر الموعود أمرا تدور حوله كل فعاليات وحركات الدولة وقواعدها في الجمهورية الإسلامية في إيران، فيكون الإمام الخميني ودولته الحديثة في خدمة الانتظار الحقيقي والفعال الجامع للخلافة والولاية في نفس الإنسان الكامل المنتظر.الإمام المهدي عليه السلام وانتصار حزب الله:يقول المولى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).من هؤلاء الذين يحبهم الله ويحبونه ؟من هؤلاء الذين لا يخافون في الله لومة لائم؟ إنهم أتباع علي عليه السلام صاحب الملاحم الإلهية الكبرى، أليس هو الذي فتح خيبر، أليس هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله رجل يحب الله ويحبه.يقول السيد حسن نصر الله حفظه الله: (هذا النصر هو نصر استراتيجي)، فماذا يقصد بهذا الكلام؟ ويقول أيضا إن تداعيات هذا النصر سوف ترونها في المستقبل.كل الاستقراءات تدل على أن هذا النصر هو نصر للأمة الإسلامية، ونصر لكل المستضعفين في العالم وهذا ما سوف تحققه دولة الإمام الموعود عليه السلام المنشودة الشيء الذي يجعلنا نربط هذا الانتصار العظيم بقدوم الإمام المهدي قائم آل محمد في آخر الزمان.الخلاصة:يقول الحكيم الهندي طاغور صاحب المثالية الإنسانية الواقعية عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية: (عندما أجول ببصري من حولي، أقع على أطلال مدينة مغمورة تنهار وتتعثر في أكوام هائلة من التفاهة والعبث، ومع ذلك فلن أذعن للخطيئة المميتة في فقدان الإيمان بالإنسان، بل إنني بالحري سأثبت نظري نحو مطلع جديد من فصول تاريخه، عندما تنتهي الكارثة ويعود المناخ رائعا ومتناغما مع روح الخدمة والتضحية (...) سيأتي يوم يعاود فيه الإنسان، ذلك الكائن الأبي، خط مسيرته الظافرة على الرغم من كافة العراقيل، ليعثر على ميراثه الإنساني الضائع.كل الحكماء الذين مروا على وجه الأرض، والذين وصلوا إلى قمة الإنسانية تطلعوا إلى يوم فاصل تشرق فيه الأرض بنور ربها، يوم يظهر فيه الحق العالي والمتعالي ويسود فيه العدل الإلهي والرحمة والمحبة والإخاء بين جميع أبناء الأرض ويتوحد الجنس البشري في دين واحد ارتضاه الخالق لهم بعد مسيرة وجودية سيطرت فيها قوى الشر على مجريات الأمور. {وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ}. صدق الله العلي العظيم.فيا أيها العالم مصير وجودك هو استقامة خلافتك.ــــــــــــــــــ(*) يوسف العاملي: من مواليد 1970م في مدينة الرباط بالمغرب، ويرجع نسبه إلى جده الأكبر الملقب دادة العامل وهو من نسل العترة الطاهرة. درس في الحوزة العلمية في قم المقدسة إضافة إلى تحصيله الأكاديمي، ثم عاد إلى بلده المغرب لينشر بحوثه في صحافتها وعبر شبكة المعلومات العالمية ـ الانترنيت. تتلمس في بحوثه الطابع الصوفي المغربي.
جاءت كل المجتمعات البشرية من أجل فهم وجودها أولا، الشيء الذي استهلكته بعض الحضارات الغابرة في الزمن كحضارات الفراعنة وقبلها حضارات منسية وصلت إلى أوج التقدم الإنساني وهي حضارات كونية مثل حضارة أطلنتيس الغارقة في الزمن، فهل المجتمعات البشرية (الإنسانية) اليوم بكل اثنياتها وعرقياتها ودياناتها قد فهمت ما يجب عليها فعلا أن تعيه في علاقتها مع كينونتها الوجودية، كما فعلت تلك الحضارات الغابرة في الزمن؟ أم أنها غارقة في حل مشاكلها ووسخها الحضاري المتمثل في التلوث البيئي والاجتماعي والأسري؟
لا أظن أن هذا الزمن المعبر عنه بزمن العولمة قادر على تخطي ما أنتجه من نفسه،لأنه كان أنانياً في تعاطيه مع معطيات الماضي ولأنه كذلك استقل بذاته في ذاته فأنتج بشراً صناعياً يحمل مفاهيم مغلوطة عن الخلافة.
وللخروج من الأزمة المفتعلة بالطاقة الإنسانية علينا أن ننتج وعياً كونياً إدراكياً حركياً أنتظارياً يصلح فينا ما أنتجته الأنانية البشرية الحاقدة على نفسها،( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)، ولا يتم لنا ذلك إلا عبر مسارات وجودية أرادتها الإرادة الإلهية الكلية والمتمثلة في الإنسان الكامل والذي يمكننا من خلال الاعتقاد به والاتصال بحضرته في عصر غيبته (نظرية الغيبة عند الشيعة الإثنى عشرية)، أن نكون كما أرادتنا الإرادة الإلهية بشرا يحب وجوده الغيبي والمشرق بالمعارف الإنسانية المليئة بالرحمة والحب والحرية.
ولكي يتحقق الإنسان من مصيره الأبدي كان ولا بد من حضوره في مسارات وجودية غارقة في الزمن الأول، والذي يعبر عنه بأزلية الآزال إلى أقصى زمن سوف تبصر فيه النفس الإنسانية روح الإنسان الكامل، الذي سوف يقود الإنسان أو من يريد أن يستكمل دوره الوجودي كإنسان إلى آفاق روحية رحبة يشعر معها الكائن الإنساني بحرارة الوجود وعظمته الممتدة عبر مسارات وجودية سيطر عليها النسيان والتهور والجهل، في دورات وجودية كان فيها هذا الكائن الإنساني مثقلاً بالخطيئة، تلك الخطيئة التي تجره دائما إلى التيه في بداياته الأولى غير المدركة لحقيقته.
يقول السيد المسيح عليه السلام: كثيرهم المدعوون وقليل هم المختارون' الكل مدعو إلى منسك البشرية والقليل من سيختار منسك الآدمية،ولكي يستطيع المرء منا أن ينتقل من بشريته إلى آدميته عليه المرور بحقيقة الإنسان، فالإنسان هو الواسطة بين البشرية والآدمية.
ولا يتم هذا الاتصال إلا عبر الإنسان الكامل الذي جعلته الإرادة الإلهية خليفة لها وممثلا لتجلياتها في هذه النشأة الوجودية الأرضية.
الإنسان الكامل المهدي عليه السلام يحمل سر الدهر كله
كثيراً ما تسائل الإنسان العاقل عبر وجوده الأرضي عن العدالة الإلهية وطرح في سبيل الإجابة عن هذا السؤال ما لا يحد أو يعد من الأسئلة، تلك الأسئلة جعلت الإنسان يعبد عبر مساره الوجودي الأرضي مليوني إله، فعندما يفقد الإنسان عدالته فهو يفقد في ذلك فطرته وعندما يفقد فطرته يفقد هويته وعندما يفقد هويته يفقد وجوده الحقيقي، الشيء الذي يجعله تائها في مسارات كونية غير عادلة فيسود الظلم الذي يقحم هذا المخلوق الإلهي في ظلمات العذاب والتيه. فإلى متى سيستمر هذا التيه؟
وما هو سبيل الخلاص؟
في سبيل الخلاص عبد الإنسان الدهر، فلقب أصحاب هذا المعتقد بالدهريين، ونجد هذا واضحاً في حضارة الأنكا في أمريكا الجنوبية فهم كانوا يعبدون الزمن، ففي كل حضارة عاشها الإنسان اتخذ لنفسه إلهاً يعبده ما دام أنه مجبول بفطرة الباري على العبادة، لكن هل كل ما اتخذه الإنسان للعبادة كان صالحا له؟
كل تلك العبادات والمعتقدات والطقوس والاعتقادات جاءت لتسكن شوق الإنسان إلى العدالة، فكما أن الإنسان مفطور على العبادة هو كذلك مفطور على العدالة.
ولكي يتحقق الإنسان من العدالة الكبرى المنسجمة مع العبادة الفطرية السليمة كان ولابد من اجتياز دورات وجودية طفولية سيطر فيها الجهل العرفاني على مساره الوجودي ولا يتم له ذلك الخلاص المنشود إلا عبر إنسان كامل خبر كل الأزمان وخبر معها كل شيء فصار في ذلك إرادة إلهية شاملة، سوف تخرج في آخر الزمن لتحكم العالم بما أراده الله فيه من الرحمة والهدى والسلامة.
الإمام المهدي عليه السلام الجامع للخلافة والولاية
فكما أن الكون يبحث عن خلاصه في إنسان كامل كذلك الإنسان يبحث عن خلاصه فيه، فيجتمع الشمل ويتحرر الإنسان والكون وتتحرر في ذلك كله جميع القوى الفاعلة داخل المنظومة الوجودية، ومن هذا المنطلق بدأ الإمام الخميني رضوان الله عليه نهضته الكونية فقام قائلا ثورتنا لا شرقية ولا غربية فربطها مباشرة بالشجرة المباركة الزيتونة المذكورة في سورة النور المرتبطة بدورها بأهل البيت عليهم السلام والذين يمثلون بدورهم وعيا كونيا في وجود الأحياء على وجه البسيطة، هذا الوعي الكوني يخول للإنسان الذي يحب وجوده الأسمى التفوق والمعرفة وكشف حقائق الأشياء حوله لكي يكون في ذلك خليفة الله في أرضه ويرى في نفسه عظمة الخالق المتمثلة في خلقه.
كثير من المهتمين تساءلوا لماذا أطلق الإمام الخميني رضي الله عنه على البشرية الأمريكية الشيطان الأكبر؟ وقد أجيبهم بهذا القول، البشرية الأمريكية تريد أن تقول مدعية أن كل ما لديها من ازدهار اقتصادي وتقدم تكنولوجي وما إلى ذلك هو من عندها وحدها وهي في ذلك تخطو خطوات من قال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي). وهـذا لا يـصـح لـهـا إطـلاقـاً، لأن هـذا التقدم المادي ساهمت فيه حضارات إنسانية تعبت في تطوير إمكانياتها وعقلها وروحها على مر التاريخ الإنساني المليء بالتضحيات والصراعات. ولكي أؤكد هذا القول أقول: الخوارزمي عالم رياضي اكتشف أعداداً جديدة فأدخلها إلى نظام الحساب هذا النظام المكتشف من طرف هذا العالم الرياضي هو ركيزة التقدم التكنولوجي الحاصل اليوم، فهل ادعى هذا العالم المعرفة غير المرتبطة بالآخرين الذين سبقوه؟ كي تدعي البشرية الأمريكية اليوم ما تدعيه؟
ربط الإمام الخميني رضي الله عنه نهضته بالشجرة المباركة وربطها كذلك بثورة الحسين عليه السلام فقال كل ما لدينا من كربلاء، الشيء الذي سوف يجعل دولته، دولة الإنسان الشاهد والسالك والفقيه والولي العارف، فهذه الأبعاد ستجعل ظهور صاحب الأمر والزمان عليه السلام ممكناً وفاعلاً في تغيير المنظومة الوجودية وجعلها منظومة إلهية رحمانية يسود فيها الدين الخالص على الدين كله.
فمجيء هذا الرجل الإلهي ونجاح ثورته لم يكن أمرا اعتباطيا، وذلك لما مثله هذا الفكر التحرري في توجيه الإنسان إلى أخلاق سامية ذات أبعاد كونية وإلهية، الشيء الذي يجعل انتظار صاحب الأمر الموعود أمرا تدور حوله كل فعاليات وحركات الدولة وقواعدها في الجمهورية الإسلامية في إيران، فيكون الإمام الخميني ودولته الحديثة في خدمة الانتظار الحقيقي والفعال الجامع للخلافة والولاية في نفس الإنسان الكامل المنتظر.
الإمام المهدي عليه السلام وانتصار حزب الله:
يقول المولى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
من هؤلاء الذين يحبهم الله ويحبونه ؟
من هؤلاء الذين لا يخافون في الله لومة لائم؟ إنهم أتباع علي عليه السلام صاحب الملاحم الإلهية الكبرى، أليس هو الذي فتح خيبر، أليس هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله رجل يحب الله ويحبه.
يقول السيد حسن نصر الله حفظه الله: (هذا النصر هو نصر استراتيجي)، فماذا يقصد بهذا الكلام؟ ويقول أيضا إن تداعيات هذا النصر سوف ترونها في المستقبل.
كل الاستقراءات تدل على أن هذا النصر هو نصر للأمة الإسلامية، ونصر لكل المستضعفين في العالم وهذا ما سوف تحققه دولة الإمام الموعود عليه السلام المنشودة الشيء الذي يجعلنا نربط هذا الانتصار العظيم بقدوم الإمام المهدي قائم آل محمد في آخر الزمان.
الخلاصة:
يقول الحكيم الهندي طاغور صاحب المثالية الإنسانية الواقعية عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية: (عندما أجول ببصري من حولي، أقع على أطلال مدينة مغمورة تنهار وتتعثر في أكوام هائلة من التفاهة والعبث، ومع ذلك فلن أذعن للخطيئة المميتة في فقدان الإيمان بالإنسان، بل إنني بالحري سأثبت نظري نحو مطلع جديد من فصول تاريخه، عندما تنتهي الكارثة ويعود المناخ رائعا ومتناغما مع روح الخدمة والتضحية (...) سيأتي يوم يعاود فيه الإنسان، ذلك الكائن الأبي، خط مسيرته الظافرة على الرغم من كافة العراقيل، ليعثر على ميراثه الإنساني الضائع.
كل الحكماء الذين مروا على وجه الأرض، والذين وصلوا إلى قمة الإنسانية تطلعوا إلى يوم فاصل تشرق فيه الأرض بنور ربها، يوم يظهر فيه الحق العالي والمتعالي ويسود فيه العدل الإلهي والرحمة والمحبة والإخاء بين جميع أبناء الأرض ويتوحد الجنس البشري في دين واحد ارتضاه الخالق لهم بعد مسيرة وجودية سيطرت فيها قوى الشر على مجريات الأمور. {وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ}. صدق الله العلي العظيم.
فيا أيها العالم مصير وجودك هو استقامة خلافتك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) يوسف العاملي: من مواليد 1970م في مدينة الرباط بالمغرب، ويرجع نسبه إلى جده الأكبر الملقب دادة العامل وهو من نسل العترة الطاهرة. درس في الحوزة العلمية في قم المقدسة إضافة إلى تحصيله الأكاديمي، ثم عاد إلى بلده المغرب لينشر بحوثه في صحافتها وعبر شبكة المعلومات العالمية ـ الانترنيت. تتلمس في بحوثه الطابع الصوفي المغربي.
48/5/13815 تحرير: علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha