الحجم: كبير - 751 صفحة
الناشر: دار العلوم – لبنان - 2005م.
عندما تتحاور العقول بلغة الكلمات والحروف تسقط أمام هذا الحوار لغة النار والعنف وتصمت السيوف في أغمادها وتسكن نزعات الأنانية والشر لتتبدل إلى وئام وخير، لتلتقي الإنسانية في نور الحرف وهداه، فبداية الوجود كانت من الكلمة، ومن الكلمة الطيبة وُلد التوأمان المكان والزمان، وابتدأت عجلة الحياة بالدوران وبالمسير نحو الأمام.
فما أحوجنا إلى من يضيء لنا الحروف بالكلمات ويبدع في سكبها في قوالب الحكمة وسبكها في القوافي والنثر ليخرجها لنا كلمات من نور يختزل عبر الماضين وسنن الموجودين ويخرق آفاق المستقبل وتنوع حياتها، وما أعطشنا إلى أمراء الكلام وسادة الحكمة وأئمة الأديان والعقول كافة، الذين قالوا: (نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد) ومنهم القائل: (سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق السماء فإني أعلم بها من طرق الأرض، سلوني عن كنوز المعرفة وينابيع العلم..) في حين لم يستطيع غيرهم تحدي هذا الكلام وتصديها. والذين قال فيهم عدّوهم: هؤلاء أهل بيت قد زُقّوا العلم زقّاً، كبيرهم لا يُقاس وصغيرهم جمرة لا تداس.
وقد يكون اختيار المؤلف للكتابة عن شخصية الإمام علي (عليه السلام) وذكر مدحه وفضائله وأنه من قال فيه رسول الله (ص): عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب.
وأيضاً: حبك إيمان وبغضك نفاق، وأول من يدخل الجنة محبك، وأول من يدخل النار مبغضك..)
وغيرها من الأحاديث والآيات: فيه نوع من الدفاع عن الاتجاه العقيدي والمذهبي، أما اختياره ذلك في الفكر المسيحي المعاصر، ففيه حياد تام لإبانة الحقيقة وإحقاق الحق.
أما لماذا اختار المسيحيون علياً (عليه السلام) من بين الصحابة، فذاك متروك للبحث عنه في بحوث الكتاب وعناوينه وهي عناوين مهمة وحركية موضوعة لاستفادة جميع الطبقات.
كالعناوين التالية:
* لماذا علي (عليه السلام)؟
* وليد الكعبة
* إيمان علي (عليه السلام) وإشراقات الروح.
* ليل الفداء العظيم.
* علي (عليه السلام) أمة في إمام... وخلافته المصادرة.
* علي (عليه السلام) ظاهرة فوق إنسانية.
* علي (عليه السلام) قوة الحق التي لا تقهر.
* علي (عليه السلام) مجمع علوم الرسل والأنبياء (عليهم السلام)
* كما هناك عدة عناوين لبعض من العلوم التي كان يعلمها الإمام (عليه السلام)
* عيد الغدير... عيد الله الأكبر.
* ماذا خسرت الإنسانية برحيل الإمام علي (عليه السلام).
ولا يخفى أن عدم التفصيل في العناوين مقصود لكي لا نفقدكم عناصر الشوق والإثارة والمتعة في المطالعة لتلك العناوين الجذابة وما لم يذكر أدهش وأجمل في صفحات الكتاب.
الكتاب من تأليف راجي أنور هيفا وإصدار دار العلوم للطباعة في بيروت.
من هو راجي أنور هيفا ؟
راجي أنور هيفا من مواليد مدينة اللاذقية في 1965. حاز على إجازة جامعية(بكالوريوس) في اللغة الإنكليزية وادابها من جامعة تشرين في اللاذقية 1988. ثم على دبلوم تربية بدرجة جيدة جداً من جامعة تشرين 1992بعدها و بسنة واحدة لكسب العلوم الإسلامية في بيروت.
راجي أنور هيفا عضو و باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات العالمية و له عديد من الكتابات في المجالات المحلية والعربية و الدولية و له العديد من المؤلفات منها:
- صفحات من الفكر ( لندن 2002)
- مقدمة في معرفة الإمام علي عليه السلام ( بيروت2003)
- نظرية اللاعنف في الإسلام . (( بحث مقدم إلى هيئة الأمم المتحدة
بتكليف من مركز الإمام الشيرازي للدراسات العالمية)) .2004
- الإسلام و الغرب : حوار الحروف و صدام السيوف بيروت2004
يتحدث الكاتب عن مخاوفه :
لماذا أخاف الكتابة الآن تحديداً ؟
... وأخيراً ، أدركت بعض أوجه السرّ في ذلك ، فأنا أكتب عن شخصية استثنائية و غير عادية أبداً ، و ما يزيد الصعوبة في ذلك هو أنني لست أنا الكاتب ، بل الكاتب الحقيقي هو ذلك المفكر المسيحي المعاصر. وبالتالي ، فإن دوري في الكتابة يأتي من خلال قيامي بدراسة و تحليل هذه الأقوال لكل أديب أو مفكّرٍ أو مستشرقٍ من المسيحيين المعاصرين .
و الى الصعوبات التي واجهها أنور هيفا يشير :
من أكثر النقاط التي واجهتها صعوبةً هي تلك التي تتعلق بوجهات نظرالمستشرقين عن الإسلام ، كرسول و كرسالة . فالبعض منهم كان غامضاً في آرائه و في تقييمه للأمور، و البعض منهم أيضاً كان يستعين بمصادر و مراجع إسلامية ليس لها وجود أساساً !! وهذا ما كان يفعله (مرججليوث) و ( غولدتزيهر) و ( لامانس) وغيرهم (ص : 9- 8 )
أما الصنف الرابع و الأخير ، فهو تلك المجموعة المتميزة من المستشرقين الذين حاولوا جاهدين أن يكونوا منصفين في طروحاتهم الفكرية و في تحليل و تقييم الأحداث الإسلامية و في دراسة و نقد الشخصيات الإسلامية الهامة التي لعبت دوراً بارزاً في تاريخ الرسالة سواء كان ذلك الدور سلبياً أم إيجابياً .
هذا ما يتعلق بالمستشرقين في الغرب ، فماذا عن المفكرين المسيحيين في الشرق ؟
إن الأمر مختلف تماماً في الشرق عما هو عليه الحال في الغرب . فالمفكرون المسيحيون في الشرق ، هم في المحصلة ، أبناء هذا الشرق و هم أيضاً أبناء تاريخة و حاضره و مستقبله ، هم أبناء آلامه و آماله و هم جزء لا يتجزأ من وحدته الكلّية .
و انطلاقاً من هذه الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن ينكرها أو أن يتنكّر لها ، فإن الفكر المسيحي في شرقنا هذا هو فكر منفتح و مستنير ، و هو بلا ريب فكر قائم على تقبّل ( الآخر ) و الا نفتاح عليه ، و هذا ما يجعل المفكّر المسيحي المعاصر أكثر حكمة في التعامل مع تاريخ المنطقة ، و مع من صنع جزءاً كبيراً من ذلك التاريخ ، و أقصد بذلك الإسلام .
فالفكر المسيحي المعاصر في الشرق فكر ملتزم بالكثير من القضايا الوطنية و القضايا الإنسانية العامة . إنه فكر يدافع عن الوطن و الأرض و الكرامة و عن حرية الهوية و هو بذلك لا يختلف عن الفكر الإسلامي الأصيل إلا في بعض النقاط البسيطة .
و بما أن الفكر المسيحي المعاصرفي شرقنا فكر أصيل و ملتزم ، كان لا بدّ لهذا الفكر الأصيل أن يبحث في أصالة هذه الأمة و في جذورها و فيصيرورتها التاريخية ، و هذا يعني أن يبحث المفكر المسيحي في الرسالة الإسلامية التي لعبت دوراً بارزاً و حاسماً في تاريخ المنطقة بأكملها ، و ربما أبعد من ذلك بكثير.ولذلك فإن الأدباء و المفكرين المسيحيين في شرقنا العربي عموماً وقفوا موقف الدارس والباحث الحيادي في تحليلهم للكثير من الأحداث المفصلية الهامة في التاريخ ومسيرة الرسالة الإسلامية ، و كانوا أقرب للأحكام الموضوعية والمنطقية النابعة من حب البحث عن الحقيقة في تقييهم لأبرز الشخصيات المسلمة التي لعبت أدواراً حاسمة على مسرح التاريخ الإسلامي المحلي و الإنساني العالمي .
لكن ما الذي جعل الادباء والمفكري الاروبا المسيحية أن يعيدوا حساباتهم عن الإسلام ؟
يجيب المؤلف :
"إن النمط الفكري ( لغوته ) و الآثار الفكرية الهائلة التي خلفها وراءه قد فتحت أبواب الثقافة على مصراعيها أمام أدباء و مفكري أوروبا المسيحية كي يعيدوا حساباتهم عن الإسلام و عن رسالة محمد صلى الله عليه و آله و سلم ، و من ثم أن يحسنوا ظنهم بالرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم الذي جاء ليخرج الناس جميعاً من كهوف الظلام إلى مرابع النور و الضياء ."
لكن و هنا يأتي الدور على غوته كي ينقل لنا أنور هيفا رؤيته عن هذه الشخصية العظيمة و يخاطبنا:
" و بالعودة إلى جوهر موضوعنا ثانية ، نرى أن غوته يصف الإمام علياً عليه السلام في كتابه ( الشعر و الحقيقة ) بالمؤمن الأول بالرسالة السماوية إلى جانب السيدة خديجة زوجة الرسول محمد صلى الله عليه و آله و سلم ، و يصف غوته ذلك الإيمان المبدئي من الإمام علي عليه السلام بأنه الانحياز الكلي و المطلق إلى رسالة محمد صلى الله عليه و آله و سلم ( ص : 104- 103)
ويواصل المؤلف حديثه :
كتب غوته مسرحية قصيرة تفيض رقة وعذوبة ، و تتناول تلك المسرحية دور الإمام علي عليه السلام الإيماني إلى جانب زوجته الزهراء فاطمة بنت محمد صلى لله عليه وآله في محاولتهما الصادقة و الدؤوبة لجعل الدين الجديد ينتشر خارج حدود القبيلة والعشيرة
و لا بأس هنا في أن نذكر شيئاً منها ، كما ذكرتها الأستاذه ( كاتارينا مومزن ) أستاذه الأدب الألماني في جامعة استانفورد الأمريكية في كتابهاالقيم ( غوته و العالم العربي )
و قبل أن تذكر الأستاذة ( مومزن ) تلك المسرحية الموضوعة على لسان الإمام على عليه السلام و فاطمة الزهراء عليه السلام هذين المؤمنين و المبشرين بقوة الرسالة الإسلامية القادمة بعزم و إصرار ، فقد علقت على تلك المسرحية القصيرة بقولها إن تلك المسرحية (( تصور النبي بوصفه هادياً للبشر في صورة نهر يبدأ بالتدقيق رقيقاً هادئاً ، ثم لا يلبث أن يجيش بشكل مطرد و يتحول في عنفوانه إلى سيل عارم ، وهي تصور اتساع هذا النهر و تعاظم قوته الروحية في زحفه الظافر الرائع ليصب أخيراً في البحر المحيط ، رمز الألوهية ... وجاءت ( هذه المسرحية ) على شكل حوار يدور بين فاطمة ابنة النبي الحبيبة و زوجها علي الصحابي الشجاع كرم الله وجهه )) .
أما المسرحية ذاتها ، فيمكننا أن نذكر شيئاً منها الآن ، و ذلك للتأكيد على دور علي عليه السلام الإيماني في التبشير و الدعوة إلى رسالة محمد الرسول المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم و الحث على اتباعه و الإيمان به بعمق مثلما آمن هو به باكراً في الوقت الذي سفهه فيه الآخرون. "
" و لا أعتقد أنني أجانب الصواب عندما أقول إن الفكر الأوروبي قد استفاد كثيراً من فكر الإمام علي عليه السلام ، و كذلك الحال بالنسبة للتيارات الفكرية الإنسانية في أمريكا . و عندما نقول ذلك ، فإننا لا نمنن الأوروبيين و لا الأمريكيين بذلك،لأن الإمام علياً عليه السلام في نهاية المطاف – كما قلنا سابقاً – إمام كوني و ليس إماماً مُقتصراً في إمامته على المسلمين فحسب ."
ويتابع المؤلف سفره ليبدأ الحديث عن الدروس التي إستوعبها الفكر الإروبي و الأمريكي عن الإمام علي عليه السلام فيذكر لنا المؤلف بعض الأمثلة في هذا المجال و يقول: " وبإمكاننا أن نورد هنا ، على سبيل المثال ، شيئاً يسيراً يتعلق بالأديب و المفكر و الفيلسوف الأمريكي ( إمرسون ) الذي كان بمثابة الأب الروحي لعملية استقلال أمريكا عن بريطانيا العظمى ، فقد كان هذا الفيلسوف الأمريكي ( 1883-1882) شديد التأثير بمبادئ الإمام علي عليه السلام الإنسانية و بمنظونة الفكرية الشاملة ، و قد حاول أن ينقل شيئاً من أفكار و مبادئ الإمام علي عليه السلام إلى عقول و قلوب الشعب الأمريكي من خلال مقالاته و قصائده و مؤلفاته الفكرية الأخرى .
إن هذا الفيلسوف الأمريكي ( إمرسون ) الذي كان يؤمن أن كل إنسان هو باب و مدخل إلى العقل الكوني ، كان على صلة وثيقة بالإمام الكوني و بكل كلمة من كلماته الخالدة ، و قد صرح بذلك في مقالة له بعنوان ( الذات الحق ) .
وعندما اطلع ذلك الفيلسوف الأمريكي على كلمات حكيم الإسلام عليه السلام تغير فكره و كيانه ... و كانت الومضة المضيئة ... و ولد الشخص الذي يعدل مدينةً أو قارة . ومن الجدير بالذكر أن إمرسون هذا كان بالإضافة إلى كونه فيلسوفاً و شاعراً و أديباً ، كان أيضاً رجل دين عالي المقام في ( كنيسة بوسطن الموحدة ) . و بالرغم من احترامه و تقديره لديانته و عقيدته المسيحية و للسيد المسيح عليه السلام ، إلا إنه لم يقبل أن يفرض على عقله أي حصار أو حجرٍ فكري بحيث يمنعه من تقبل أي فكر نيّر يمكن أن يأتيه من الخارج . و عن هذه النقطة بالتحديد ، يقول ( يان ريشار ) : (( و الحق إن المسلمين، سليمي النية ، يتخذون من علي نموذجاً ، كما لو أنه ، حتى في القرن العشرين ، لا يزال أمثل صورة للنظام الإسلامي السياسي )) .
و يؤكد الباحث ( ريشار ) على أن نهج الإمام علي و رسالته الأخلاقية النبيلة قد استمر بعده من خلال ابنه الإمام الحسين عليه السلام ، و لذلك ، فإن (ريشار) يرى أن : (( الإمام علي و الإمام الحسين حاربا الظلم و العنف لدى الأمويين ، الذين كانوا ينسون الفضائل الاجتماعية و الأخلاقية للرسالة الإسلامية ، و يمارسون التحيُّز و المحاباة للأقرباء و الأنصار، ممارسة شاملة )) ."
"(( إنسانية التفكير و خيرية العمل و ديمقراطية الحكم و إباحة الأرزاق للشعب وحده دون الوجهاء و الزعماء و المنتفذين و المترهلين )) ، في حين كان الأمويون (( من أبرز من يمثلون الملوك في التاريخ و ميلهم إلى الحكم الفردي الاستبدادي و خصائصهم في الاستئثار و الاحتكار و جعل الأرض و الناس منهبة لهم و عبيداً )) ."
هذا ما ينقله أنور هيفا في الفصل التاسع من كتابه المعنون بـ ((علي عليه السلام ظاهره فوق إنسانية عن المفكر المسيحي المعاصر جورج جرداق من كتابه (علي و عصره).
جورج جرداق ليس وحده الذي إستنتج هذا عندما قارن بين إنسانية علي عليه السلام و أهدافه النبيلة من جهة وهمجية أعداء علي و غياب مواقفهم الثابتة و المبدئية من جهة أخرى بل يقول المؤلف هناك من إستنتج هذا من غير جورج جرداق و هو الأستاذ ( نصري سلهب ) الذي توصل إلى نفس النتيجة في مقارنته بين علي عليه السلام و خصومه و هو الذي ينقله المؤلف عن الاستاذ الأديب سلهب لنا في هذا القسم :
(( علي من أولئك البشر الذين كتب عليهم أن يموتوا لتحيا ، بموتهم ، شعوب و أمم . و أعداء علي من أولئك النفر الذين آثروا الحياة على الموت فأماتوا ،بحياتهم ، كل إباء و شمم )) ."
لكن هل تختلف الرؤية لدي مفكري الشرق مع غيرهم من المفكريين الغربيين؟
بالإجابة عن هذا السؤال يتابع كلامه أنور هيفا و يخاطب القارئ بأن :
" نرى من المناسب أن نذكر هنا أن المسيحييّن عموماً ، في الشرق و الغرب، لا يختلفون على أنّ للإمام علي عليه السلام الكثير من الصفات و الخصال التي عجز غيره عن الحصول عليها و التحليّ بها ، كما أنهم لا يختلفون أيضاً على حقيقة أنه عليه السلام هو الخليفة الوحيد الذي استلم مقاليد الخلافة اسلامية بطريقةٍ شرعيةٍ و ديمقراطيّة ."
و في هذا المجال الأمثلة التي يذكرها لنا أنور هيفا تتقسم إلى قسمين :
القسم الأول رؤية المفكر إلى التألق الأدبي للإمام عليه السلام و القسم الثاني تألقه عليه السلام في المجال السياسي و يذكر لنا في المجال السياسي النظرة التي ينظرها السكرتير العام لكتلة نُوّاب الوسط في مجلس الشيوخ الفرنسي و مدرّس مادة ( الإستراتيجيا ) في جامعة السوربون الأستاذ ( فرانسوا توال ) و ينقل عنه :
" أنّ الإسلام بمفاهيمه الرّوحية و العقائدية ، بما في ذلك التوصيات العلمية التي يدعو إليها ، لن يُفهم على حقيقته من قبل الغرب ما لم يقرأ الغربُ الإسلام الحقيقي و ينهل من نبعه الأساسي المتمثّل بفكر أهل بيت النبوّة ، ذلك الفكر المعروف في الغرب باسم الفكر الشيعي أو المذهب الشيعي . و علاوة على ذلك ، يرى السيد ( توال ) أيضاً أنّ ديناميكية الإسلام و قوّته الحركيّة في مواكبة الحياة و التفاعل مع التّيارات الروحية لأبنائها تمكن بالدرجة الأولى في التيار ( الفكري – الروحي ) الذي يمثّله، بالطبع ، الإمام على عليه السلام . و لذلك ، فإنّ الأستاذ ( توال ) يؤكد على تلك الحقيقة قائلاً :
(( سيبقى هذا العالم الإسلامي غير مفهوم مّنا سواء كان بشكلة السياسي أو بشكله الجيوبوليتيكي أو بشكل حوار الأديان إذا كُنّا لا نعرف التشيُّع )) . فالتشيُّع هو البوّابة الرحبة للحوار السلمي بين الأديان و الحضارات ."
لكن ما عن العطاء الفكري والأدبي الذي قدمه الأمام علي عليه السلام للبشرية بشكل عام و للإسلام بشكل خاص. في هذا المجال يذكر أنور هيفا عدد من الأمثله التي بحثها المفكرييين المسيحيين و منها ما ينقله عن للبطريرك ( إلياس الرابع ) ، البطريرك الأسبق للروم الأرثوذكس في إنطاكية وسائر المشرق . و من المعروف عن البطريرك المذكورعمق ثقافته و موسوعيتها ، هذا بالإضافة إلى اهتمامه الكبير و المتميز باللغة و بالأدب العربي تحديداً ، و عندما سئل مرة عن الأدب الرفيع الذي يحبه و يتفاعل معه ، أجاب قائلاً بكل وضوح و صراحة :
" أحب القرآن و نهج البلاغة ".
"يقيناً ، إن كل مثقف عربي ، كل كاتب عربي ، كل شاعر عربي ، كل خطيب عربي مدين للإمام علي ... و انطلاقاً من هذه النقطة ، فنحن لا نعد كاتباً أو أديباً عربياً مثقفاً عربية أصيلة إن لم يقرأ القرآن و نهج البلاغة قراءات عميقة متواصلة."
هكذا يتابع أنور هيفا كتابه في فصله الخامس عشر بعنوان (العلوم اللغوية و العبقرية البلاغية) حيث ينقل هذا الكلام عن الأديب و الباحث ( روكس بن زايد العزيزي ).
لكن ليس هذا كل شيئ عن العبقرية الكلامية التي تناقلها المفكريين المسحيين لهذا الرجل العظيم و هناك المزيد من من يريد المؤلف أن يعرفنا عليهم و عن رؤيتهم للإمام علي عليه السلام و ينقل في هذا المجال قول المستشرق الفرنسي ( هنري كوربان ) :
" أن كتاب نهج البلاغة يأتي في الأهمية بعد القرآن الكريم و الأحاديث النبوية الشريفة ، ليس على المستوى الإسلامي الشيعي فحسب ، بل على المستويين الإسلامي و العربي عموماً."
لكن و في هذه النقطة و بعد أن تناول عدد من الأمثلة في هذا المجال يذهب بالقول عن نظرته الشخصية عن الإمام عليه السلام و عبقريته الكلامية و اللغويه حين يقول:
" و لذلك فإن الكثير من المفكرين و الأدباء و الباحثين المسيحيين يعتقدون اليوم أن كتاب النهج البلاغة ليس إلا أثراً بسيطاً من الآثار اللغوية و البلاغية للإمام علي عليه السلام الذي أعطى اللغة العربية صيغتها النهائية وألبسها ثوب البلاغة البديع .
وقد أكدوا أيضاً على أن هناك الكثير من الخطب و الأقوال التي قالها الإمام علي عليه السلام في مناسبات مختلفة أثبتتها كتب التاريخ و السير والأدب عند الشيعة و السنة و لم تذكر في كتاب نهج البلاغة و ذلك لأن الشريف الرضي لم يعتمد جمع كل ما قاله الإمام علي عليه السلام بل أراد جمع بعض ما قاله الإمام عليه السلام ، و من الأدلة على صدق ذلك هو أن بعض الخطب التي ذكرها الشريف الرضي لم تكن كاملة ، بل كان يقدمها للقارئ بالقول : ( و من خطبة له عليه السلام ) ، أي إنه كان يتعامل مع بعض الخطب من منطلق الانتقاء و من مبدأ أن الجزء من الجوهر جوهر بذاته ."
(عيد الغدير..عيد الله الأكبر)
هذا هو عنوان الفصل السادس عشر للكتاب و الذي يتناول فيه المؤلف واقعة الغدير التي تعتبر من أحد أهم أحداث حياة المسلمين و المة الإسلامية بشكل عام و حياة الإمام علي عليه السلام بشكل خاص و يقول :
" فواقعة الغدير ليست واقعة عابرة أو حادثة سطحية بسيطة ، بل هي الحادثة الأكثر عمقاً في مجرى الرسالة الإسلامية و في خط سيرها الطويل . و لذلك لا بدّ من أن تأتي ذكرها في مختلف المجالات الإسلامية و البحوث الدينية ، كالسيرة و التاريخ و التفسير و الحديث و الفلسفة الإسلامية و الأدب و حتى اللغة أيضاً ، و ذلك لأنها مسألة تتعلق بجوهر الرسالة السماوية و بصلب الوصايا النبوية التي لا تتجزأ و لا تفترق عن الأوامر القرآنية التي تعتبر أن تمام الرسالة و كمال الدين يمكن في تنصيب و تولية الإمام على عليه السلام أميراً للمؤمنين و خليفة و وصياً على كافة المسلمين .
و بما أن الأمر كذلك ، فهذا يعني أن قوة تلك الحادثة و عظيم أثرها يمكنها من الدخول في كل مرفق من مرافق الفكر و البحث و المعرفة سواء عند المسلمين أم عند المفكرين و الأدباء من أبناء الديانة المسيحية المهتمين بالفكر و بالتراث الإسلامي ."
ولكن و حسب ما يقوله أنور هيفا لن تكون واقعة الغدير و البحث عنها في الفكر المعاصر خالية من المفجأة و يتابع قوله بذكر عد من هذه المفاجأت:
"و لا أخفي على القارئ العزيز أنني فوجئت بذكر بيعة الغدير و ولاية علي عليه السلام و خلافته على كافة المسلمين في العديد من كتابات و مؤلفات رجال الفكر المعاصر من إخواننا السنة من من هم من الفلاسفة و الأدباء و الباحثين الكبار ، و لكن سرعان ما تلاشت آثار تلك المفاجأة لأنني تذكرت أن الشخص الذي سيحاول أن يكسب دلاء الماء على نار عظيمة كالتي كانت توقد قديماً على مداخل المرافئ البدائية لهداية السفن التائهة ليلاً ، فلن تزيدها محاولة الإطفاء بالقليل من الماء إلا اشتعالاً و زيادةً في التألق، وبالتالي سيصل نور نارها إلى مسافات أبعد مما كانت تصل إليه في السابق و على السبيل المثال ، فوجئت تماماً عندما قرأت أن مسألة ولاية أمير المؤمنين و وصايته على كافة المسلمين قد تخللت حتى نصوص المسرح العربي الحديث ، و أن ولايته عليه السلام عليهم لم تكن ثابتة و مؤكدة في يوم غدير خم فحسب ، بل كانت ولايته ثابتة له منذ ولادة الرسالة الإسلامية .
و تمام المفأجاة هو أن الأديب العربي الكبير ( توفيق الحكيم ) قد أثبت تلك الحقيقة في مسرحيته الشهيرة ( محمد رسول البشر ) و التي طبعت أول مرة عام ( 1936) في القاهرة ، و قد ذكر فيها على لسان الرسول المصطفى صلي الله عليه و آله و سلم بعد نزول آية ( وَ أنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) أن محمداً صلى الله عليه وآله و سلم عرض رسالته السماوية الجديدة على جمع من الناس قائلاً لهم :
- ما أعلم إنساناً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم بخير الدنيا و الآخرة .
- و قد أمرني ربي أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر و أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم ؟!!
و بعد أن يصور الأديب ( الحكيم ) إحجام الحضور جميعاً عن مؤازرته ومناصرته على ذلك الأمرالعظيم ، يتقدم على عليه السلام ليقول للرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم بصوت عربي مبين :
(( أنا يا رسول الله عونك ، أنا حرب على من حاربت )) ، و لا داعي للتعليق على نتيجة إجابة علي عليه السلام لدعوة الرسول المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم و كيف أن علياً عليه السلام قد بات فعلاً هو الأخ و الخليفة و الوصي من بعده .و لم يكن أثر المفاجأة الجديدة بأقل من أثر مفاجأة الأديب ( توفيق الحكيم ) فقد قرأت للباحث و الفيلسوف السوري ، الدكتور ( عادل العوا ) العميد السابق لكلية الآداب و العلوم الإنسانية في جامة الدمشق ، في كتابه ( معالم الكرامة في الفكر العربي ) إقراره بحدوث بيعة الغدير و ولاية الإمام علي عليه السلام حيث اعتبر الدكتور ( العوا ) أن إحدى الكرامات التي نالها الإمام علي عليه السلام من الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم أمام جموع المسلمين هي مبايعة الرسول المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم له في غدير خم ، و جعله ولياً على جميع المسلمين ، و قد اعتبر الدكتور ( العوا ) أيضاً أن ما حدث في غدير خم هو أحد المعالم البارزة في التاريخ الإسلامي ، و أن ما حدث له علاقة كلية و مباشرة بشخصية الإمام علي عليه السلام ، و أن تلك البيعة هي إحدى كراماته الخاصة المميزة ، هذا بالإضافة إلى اختصاصه بالعديد من الكرامات العظيمة الأخرى ."
ثم من هنا ينتقل المؤلف إلى المفكريين الغربيين الذين تناولوا واقعة الغدير و هنا نذكر أحد من هؤلاء المفكرين الذين شرح رؤيتهم عن واقعة الغدير و هي الباحثة ارمسترونغ الذي يقول عنها أنور هيفا :
" و لذلك ، فباستطاعتنا أن نقرأ كيف أن الباحثة ( آرمسترونغ ) قد ذكرت في كتابها ( الإسلام في مرآة الغرب ) أن الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم قد أعلن أن الإمام علياً عليه السلام هو الوصي و الوالي على كل المسلمين منذ انبثاق الخيوط الأولى لفجر الرسالة الإسلامية و ذلك في ما يعرف تاريخياً ببيعة الدار حيث عرض الرسول الكريم صلى الله عليه و آله دعوة الجديدة على المدعوين قائلاً :
(( أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم ؟ )) ، و لما ساد الصمت المربك ، وقف الإمام علي عليه السلام و قال بجرأةٍ و ثبات و بإيمان كامل :
(( أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه )) .
و بعد أن تذكر الباحثة ( آرمسترونغ ) هذا الحدث بدقةٍ و أمانة ، نراها تستمر في عرض المشهد الأخير من ذلك الحدث ، و هو المشهد الذي يصور الرسول الكريم صلى الله عليه وآله و سلم يقف بجانب الإمام على عليه السلام و يقول على عليه السلام و يقول على مسمع من الجميع :
(( إن هذا أخي و صيي و خليفتي فيكم ، فاسمعوا له و أطيعوا )) .
نعم ، إن الباحثة ( كارين آرمسترونغ ) تذكر هذه الحادثة و غيرها أيضاً من الحوادث المهمة و الحاسمة في التاريخ الإسلامي ، و لكنها لا تكتفي بذكر هذه الحادثة أو تلك من منطلق تاريخي فحسب ، بل نراها تعمل فكرها بحثاً و تحليلاً في أبعاد تلك الحوادث الهامة و في نتائجها و أصدائها المستقبلية اللاحقة .
و انطلاقا من ذلك ، فإن الباحثة ( آرمسترونغ ) تعتبر أن الإمام علياً عليه السلام هو من ناحية الفعلية الإمام و الوصي الشرعي على كل المسلمين .
و بالتالي ، فإن مخالفة الرسول نفسه صلى الله عليه وآله و سلم .
بل يمكننا أن نلاحظ في كتاباتها المتعددة التركيز الواضح على وصاية علي عليه السلام و ولايته .
و حتى عندما تتكلم ( أرمسترونغ ) عن قضية زواج فاطمة عليها السلام من الإمام علي عليه السلام ، نرها تؤكد للقارئ أن هناك إرادة و حكمة تفرضان أن يكون الإمام علي عليه السلام ، الوصي ، هو الشخص الوحيد المؤهل لأن يكون قريناً مناسباً للبتول الزهراء عليها السلام دون غيره ممن تقدم لها . و قد صرحت بذلك عندما قالت :
(( صارت فاطمة في العشرين من عمرها و حال وقت زواجها . طلب أبوبكر و عمر يدها لكن محمد كان قد قرر تزويجها من وصية الشاب علي))."
لكن في النهاية يسعى أنور هيفا للتمييز بين أولئك المتحاملين على الإسلام و رسالته و المفكرين و الأدباء و الباحثين المسيحيين الذي دافعوا عن الإسلام و عند رسالته الإنسانية التي حرص محمد صلى الله و عليه و آله و سلم و أهل بيته عليه السلام على تبليغها بصدقٍ و أمانةٍ على أكمل وجه حيث يقول:
"لئن كان هناك عدد من المستشرقين أو الأدباءالغربيينالذين هاجموا الإسلام و رسالته ، و ركزوا هجومهم على محمد صلى الله عليه وآله و سلم و على خليفة الشرعي علي عليه السلام ، كما هو الحال عند الشاعر الإيطالي ( دانتي ) الذي ذكرناه في بداية هذا الفصل كمثال و نموذج لأولئك المتحاملين على الإسلام و على رموزه الحقيقة ، فإن هناك العديد من المفكرين و الأدباء و الباحثين المسيحيين الذي دافعواعن الإسلام و عند رسالته الإنسانية التي حرص محمد صلي الله و عليه و آله و سلم و أهل بيته عليه السلام على تبليغها بصدقٍ و أمانةٍ على أكمل وجه ." ص : 681
ويواصل المؤلف :
وعلى كل حال ، فإن الأستاذ ( سهلب ) ابن الديانة المسيحية و الذي قرأ القرآن و درسه جملة ً و تفصيلاً ، رأى أن سماحة علي عليه السلام و رحمته هي وليدة الرحمة القرآنية التي ترسم في مقدمة كل سورة قرآنية شريفة بالقول الخالد :
( بسم الله الرحمن الرحيم ) و التي تدل على عمق الرحمة الإلهية التي تتسع لكل الوجود . فعلي عليه السلام هو إمام الرحمة و المغفرة . إنه الإمام الذي أوصى ابنه الحسن عليه السلام و هو على فراش الموت ، بعد أن طعنه ابن ملجم تلك الطعنة القاتلة ، أوصى ابنه الحسن عليه السلام بألا يمثل بقاتله و ألا يغل له يداً و و ألا يقيد له رجلاً ، بل على العكس ، فقد أوصاه بأن يطعم القاتل مما يأكل و أن يسقيه مما يشرب !!!
وعن أحداث ذلك اليوم المشؤوم الذي تم فيه اغتيال أمير المؤمنين عليه السلام و عن تبعات وصية الإمام علي عليه السلام لابنه الإمام الحسن عليه السلام بشأن قاتله ، يقول الأستاذ ( سلهب ) :
(( و لا شك في أن علياً ، لو نجا ، لكان عفا عن ابن ملجم ، و تركه حراً طليقاً يحدث المؤمنين عن خلق أمير المؤمنين )) ، يحدثهم عن تلك الأخلاق الرسالية السامية كي يهتدوا بهدية و يقتدوا بمبلغ رحمة التي وسعت كل شي حتى طعنة قاتله .
و لذلك ، علينا ألا نستغرب عشق هذا المفكر المسيحي ( نصري سلهب ) للإمام علي عليه السلام ، للإمام الشهيد أبي الأئمة الشهداء عليه السلام ، فعشقه له ينبع من كل قيم التي وجدها فيه حياً و شهيداً .
لقد خلقه الله بحكمته (( ليكون الشهيد ، أبا الشهداء ، غاسلي الأرض من أرجاسها بدمائهم ، فاتحين في السماء أبواباً ليدخلها المؤمنون أفواجاً )) .
وهنا أريد ان أقف مع عبارة كان يرددها دائماً الشيخ و المفكر ( جمال الدين الأفغاني ) إنها قوله : ( المعاشرة حجاب ) ، و هي عبارة عن إشارة منه إلى أن كل عظيم من العظماء لا يقدر في عصره حق قدره ، و لا يعرف قيمته الحقيقية في زمانه إلا القلة القليلة ، أما المعرفة الحقيقية لتلك القيمة فلن تولد إلا مع أبناء الأجيال اللاحقة ( ص : 691-690 ).
و يختم أنورهيفا رحلته مع الإمام علي عليه السلام في الفكر المسيحي المعاصر:
" إن الإمام علياً عليه السلام الذي بدأ حياته مبصراً النور في الكعبة العظيمة,وهي أول بيت لله سبحانه و تعالى, و انتهت حياته الشريفة في بيت من بيوت الله, و ما كان بين الولادة و الشهادة من ماثر عظيمة,لهو إمام يعجز اللسان أو القلم عن وصفه و الإحاطة به و بعظمته سواءاً كان ذلك القلم إسلامياً أم مسيحياً."
1/5/13806
https://telegram.me/buratha