كثيرا ما يتم تداول كلمة السيادة والتي تعني مبدأ القوة المطلقة غير المقيدة وهذه لا تكون إلا لله كونها مطلقة بلا قيد. وفي أبجديات الفكر الشيعي تطرح على مستوى المرأة متمثلة بنموذج الزهراء عليها السلام كسيدة نساء العالمين.
وما يحويه هذا التوصيف من تأسيسات مهمة تتشكل منها مرجعية للمرأة في نظم السيادة في كل زمان ومكان.
ارتأينا في ظل لحظات تاريخية تمر بها الأمة - وخاصة النساء مهد الحضارات- بعنق زجاجة يتعلق بالهوية والانتماء المستهدفتان عالميا خاصة المرأة كمصداق، وما العولمة إلا أداة ذلك الاستهداف خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم والثقافات والسلوكيات التي تحدد هوية الشخص ومن ثم تحدد له انتماءه، أللسماء أم إلى الأرض، من خلال تقديم نموذج يشكل مرجعية للاتباع والاقتداء يتحقق من خلاله تشكيل الهوية وتحديد الانتماء.
السيادة بين السماء والأرض
القوة المطلقة غير المقيدة لا يمكن تحقيقها بهذا الاطلاق واللاقيد إلا لله تعالى. ولكي تتنزل هذه السيادة السماوية للأرض فلا بد من وجود أوعية قابلة لهكذا نمط سيادي مطلق وغير مقيد، يكون مستخلفا واعيا ومدركا لكل حيثيات الاستخلاف الصحيح وفق إرادة الخالق لتكون هذه السيادة الأرضية في طول سيادته وليس في عرضها وتأتي بعد ذلك سيادة الخلق في الأرض من السماء وفق مراتب تتصل بمراتب الوجود.
وهذه السيادة تكون:
سيادة على مستوى الذات
سيادة على مستوى الاسرة
سيادة على مستوى المجتمع
سيادة على مستوى الدولة
سيادة على مستوى العالم
وهنا السيادة حينما تبدأ من خارج النفس ترتبط بالسيادة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى مستوى المفاهيم تكون سيادة قيمية ومفاهيمية، بحيث يفرض النموذج المتسيد مرجعيته في ذلك لامتلاكه القوة والسلطة المستمدة من قوة وسلطة السماء.
فتتحقق سيادة العالمين من ناحية المراتب المكانية ومن ناحية المفاهيم، وإذا كان نموذج السيادة نموذج الهي معصوم فتتحقق السيادة الزمانية أي صلاحيته كنموذج لكل زمان، ليصبح النموذج ذا سيادة زمانية ومكانية.
التربية والربوبية والسيادة:
النموذج الذي يسود هو القدوة التي تشكل مرجعية فكرية ودينية وسلوكية عبر الزمن، والقرآن يجعل موقع القدوة بموقع الربوبية بمعنى التربية، وهنا بالسيادة تتحقق الربوبية المتصلة بالتربية والربط بالنموذج الأكمل، وكان صراع الانبياء مع المستكبرين عبر التاريخ في جزء منه هو صراع حول الربوبية المتصلة بإدارة الشأن والتنظيم والتربية. وكان المعصوم يرى الله ربا بمعنى انه المرجعية المعصومة في التربية.
عن النبي الأكرم:"أدبني ربي فأحسن تأديبي" محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج6 ، ص 210)
وأعاد الراغب الأصفهاني الربوبية والتربية لنفس الجذر اللغوي، فقال في تعريفه لـ(الرب):"الرب في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام".
ووظيفة النموذج الأكمل من أكبر الوظائف وهي الربط بين الأمة والله ، ووظيفة المثل المتبع لهذا النموذج هو الربط بين الأمة والنموذج ، أي أدوار تقع في طول بعضها البعض ويوكل لها وظيفة التربية التي هي لب الدعوة إلى الله كونها تربية في طول تربية الله وإرادته.
وكانت وظيفة المعصوم وصل الناس بهذا الرب عبر التاريخ، فكان المعصوم النموذج الكامل الذي يمثل مرجعية التربية لتتحقق الربوبية وتتم السيادة.وكان لابد من توفّر أمثلة أو أنماط في كل زمان وظيفتها ربط الناس بالنموذج بحيث يكون النمط الانعكاس الأقرب للنموذج الكامل.
والزهراء النموذج الاكمل المعصوم للمرأة التي تجسد شخصية المرأة في المشروع الالهي.
وكونها سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين فهذا يعني سيادة زمانية ومكانية وعلى كافة الأصعدة. وبذلك تتحقق الربوبية بنموذج الزهراء للمرأة التي لها شأنية في التربية.
ولكن لماذا لم نقدم أمثلة متصلة بهذا النموذج لتسود المرأة في زمانها مستظلة بسيادة الزهراء؟
حيث ان سيادتها الزمانية والمكانية تعتي انها صالحة كنموذج الهي لكل زمان ومكان وان في نموذجها ما هو ثابت وما هو متغير كونها كنموذج الهي اسلامي معني بالاصالة والخلود
فالاسلام له مكونين رئيسيين يحفظانه من الانحراف ويجعلانه صالح لكل زمان ومكان:
المكون الاول:
الاصالة التي تعني بالثوابت وكليات الاسلام التي تحفظه من التحريف
المكون الثاني:
الخلود والذي يبقيه مرن وباقي لكل الازمنة
وشخصية الزهراء كنموذج الهي معصوم سائد إلى يوم القيامة أيضا فيه بعدي الاصالة والخلود والمتعلقين بالثابت والمتغير تشريعيا.
لكن لماذا لم يسد نموذج الزهراء ولم تسد المرأة كل وفق زمانها؟
لكل زمن متغيراته الاجتماعية وبالتالي وفق هذه المتغيرات ووفق تراكم المعرفة العقلية يمكن قراءة نموذج الزهراء على ضوء هذه المتغيرات فيتم تجليتها كنموذج والتعرف عليها اكثر وبالتالي تسيدها اكثر.
فلكل زمن مقوماته وأدواته في السيادة، ولكن هناك ثوابت وأصالة تاريخية سواء ثقافية أو فكرية واجتماعية أو إنسانية، فالمستقرئ لشخصية الزهراء عليها السلام ووفق موقعها السيادي للعالمين يستطيع في كل حقبة زمنية ونتيجة التكامل والتراكم العقلي والمعرفي أن يكتشف في شخصيتها مقومات لسيادة هذه الحقبة سواء كان مقومات تحاكي الواقع الاجتماعي المتغير ولا تحابيه، أو مقومات ثابتة أصيلة لا تتعلق بتغير الزمان والمكان خاصة فيما يتعلق بمنظومة القيم.
https://telegram.me/buratha