للمراة، في الاسلام، حقوق اجتماعية كما للرجل، كما ان لها مكانتها المرموقة واللائقة بشانها في المجتمع، فلا يمنعها مانع من المشاركة في النشاطات والفعاليات الجماعية والاجتماعية، فقد انيطت بها مسؤوليات ومهمات اجتماعية كثيرة على حد سواء مع الرجل، وقد تحدث القرآن الكريم والسنة الشريفة عن هذا النشاط أيضا.
بيد ان التكليف بالجهاد الابتدائي والهجومي مرفوع عنها. اما سائر انواع النضال والكفاح، كالجهاد الدفاعي، او القيام بالكثير من النشاطات المتقدمة او الملازمة او اللاحقة للحرب والجهاد، فلم يرفع قلم التكليف عنها، ورفع التكليف عنها اكرام لها واعزاز لشانها، قال الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم). فقد دلت الاية الشريفة على ان المراة كالرجل انيطت بها مهمة كبيرة، الا وهي الولاية الاجتماعية، ولذا فان بامكانها ممارسة مهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على جميع الاصعدة: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والحقوقية، وغير ذلك. وبعد التوسع في مفهوم «المعروف» و«المنكر» في الاسلام تتضح لنا ايضا حدود المشاركة الاجتماعية للمراة.
وبناء على ما تقدم، فان بامكان المراة مشاطرة الرجل في جميع المجالات، وعلى جميع الاصعدة، الا في موارد معدودة استثنيت من المشاركة فيها رفعا لثقل التكليف عن عاتقها. لكن في مقابل ذلك حلت محلها تكاليف ووظائف اخرى تضاهيها في الاهمية، كالقضايا السياسية والحكومية التي هي على راس القضايا
الاجتماعية.
ولذا، نجد ان للمراة في صدر الاسلام مشاركة جادة في القضايا السياسية، وحضورا جادا وفاعلا في ساحة الاحداث، حتى ان النبي قد اخذ البيعة من النساء، وعلى انفراد امتثالا لقوله تعالى: (يا ايها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ان لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن اولادهن ولا ياتين ببهتان يفترينه بين ايديهن وارجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله ان الله غفور رحيم) وعقد معهن ميثاقا طبقا للاسس والمعايير.وبذلك يكون قد عرف لهذه الشريحة من المجتمع الاسلامي مسؤولياتها ومهماتها السياسية والاجتماعية.
فالاية المباركة تحدثت عن موقف النساء في عهد النبي ومبايعتهن للنظام الاسلامي الفتي، وكان ذلك في يوم فتح مكة بعد ان فرغ النبي من اخذالبيعة من الرجال، حيث توجه الى اخذ البيعة من النساء لما اردن مبايعته، فنزلت الاية الشريفة واكدت ضرورة مشاركة النساء في الامور السياسية، فكانت البيعة قائمة على ما ذكر في الاية من شروط كان يلزم على النساء الالتزام والوفاء للنبي بها.
اما كيفية هذه البيعة، فقد ذكر المؤرخون انها كانت على مستوى المشافهة بين النساء والنبي ، وقيل: انه كان قد امر باناء مد يده الشريفة فيه، ثم امرالنساء بمثل ما فعل، فكان بذلك قد تحقق اعظم ميثاق بين الفرد والدولة، وقيل: ان اخذ البيعة من النساء كان من وراء حجاب (الثياب) وقد روي ان بيعة النساء لامير المؤمنين يوم الغدير كانت بمد اليد في الاناء ايضا.
هذا، وقد كانت للنساء مشاركة في النهضة الاجتماعية السياسية الكبرى، الا وهي الهجرة، وكانت هجرتهن بمثابة هجرة الرجال بلا اي فرق، وقد اثنى الوحي على تلك الظاهرة، فوصفها بانها ظاهرة اصيلة، تلك الهجرة كانت في زمان حرمت فيه المراة من اكثر حقوقها ولم يكن لها حق المشاركة وابداء الراي في القضاياالاجتماعية، قال الله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار...).
والسر في الامتحان المذكور للنساء، في الاية المباركة، انما هو من اجل معرفة ان خروجهن لم يكن لاجل خلاف عائلي او عدم رغبة في ازواجهن، فقد ورد في شان نزول الاية كما في بعض التفاسير: ان الامتحان كان باستحلافهن ان ما خرجن من بغض زوج، ولا رغبة عن ارض في ارض، ولا التماسالدنيا.
كما ان بامكان المراة المشاركة الفعالة والجادة في النهضات الاجتماعية الاخرى ايضا، واحداث مسار رشيد وصحيح من اجل هداية المجتمع وارشاده، وافضل انموذج على ذلك مشاركة المراة في النهضة الحسينية يوم عاشوراء، ومشاركتها في قضية تحريم التنباك، وفي الثورة الاسلامية في العقدين الاخيرين، فان ما لعبته من دور ثوري وحماسي آنذاك لم يكن ليخفى على احد.
منصبان لا تتصدى لهما: الامامة والمرجعية
ويمكن للمراة ايضا ممارسة نشاطاتها الاجتماعية في جميع المجالات عدا التصدي للمسؤولية في منصبين اجتماعيين خطيرين:
احدهما: الامامة التي لها وضعها الاستثنائي الخاص، فانه لا يجوز لها ارتياد هذا المنصب الخطير. نعم بامكانها الوصول الى مقام العصمة والولاية اللذين هماجوهرتا النبوة والامامة والعمدة فيهما ومن شانها بلوغ ذلك، فان السيدة الكبرى فاطمة الزهراء قد بلغت هذا المقام السامي، الا ان التكليف بذلك قد رفع عن عاتق المراة، لما في هذين المنصبين الخطيرين اعني النبوة والامامة من مصاعب وشدائد، كالقيام بالحروب والقتال وغير ذلك.
الثاني: التصدي للمرجعية، فان بعض العلماء لم يشترط الذكورة فيها فيما لو توافرت للمراة سائر شرائطها العامة الاخرى.
على انه قد ورد، في الاخبار، ان المراة ستلعب دورا اجتماعيا مهما في مستقبل الزمان، وانها سوف تشارك في الثورة المهدوية والنهضة الكبرى للامام القائم(صلوات الله عليه)، فتكون من الثلة التي يختارها الامام في نهضته. فمن تلك الاخبار ما ورد عن الامام الباقر انه قال: «... ويجيء والله ثلاثمئة وبضعة عشر رجلا، فيهم خمسون امراة...».
وهذا الامر يحكي لنا الدور الاجتماعي الخطير الذي ستزاوله المراة في المستقبل، خصوصا وان النخبة من اصحاب الحجة في غاية الفهم والادراك والمعرفة والاعتقاد السليم بالدين، فهم شخصيات فذة لا نظير لها. والدخول في هذه العصبة بحاجة الى وعي ديني، ونبوغ فكري وعلمي، ومقدرة نفسية عالية. قال الامام الصادق، عندما ساله ابو بصير: جعلت فداك! ليس على الارض يومئذ مؤمن غيرهم (اي اصحاب المهدي)؟، قال: «بلى، ولكن هذه التي يخرج الله فيها القائم، وهم النجباء والقضاة والحكام والفقهاء في الدين...»(.
وحينئذ، فضرورة الانتظار لعصر الظهور الموعود تقتضي على الاقل ان يكون للمراة في المجتمع المنتظر ثقافة ووعي ديني رشيد وتفقه في الشريعة، وهوبحاجة ايضا الى خبرة في الادارة الاجتماعية والامساك بزمام الامور، وانه لا بد للمراة من ان تتصف بما يليق بهذا المقام الرفيع، لكي يتسنى لها الحضوروالمشاركة في هذا الانقلاب العظيم والثورة العالمية الكبرى.
مزاولة القضاء، للفقهاء فيها آراء شتى
اما في ما يتعلق بمزاولة النساء للقضاء، فان للفقهاء في ذلك آراء واقوالا شتى: ففريق منهم لم يجوز لها ذلك، وادعى عليه بعضهم الاجماع، وفريق آخر منهم آهذا الراي مزيج من راي المتقدمين والمعاصرين جوز لها القضاء، فالمقدس الاردبيلي(قدس سره) من متاخري المتاخرين منع القول بانكار القضاء للمراة بشكل مطلق، كما انكر الاجماع المذكور عليه. والدليل الاخر الذي استدل المخالفون به على عدم جواز القضاء للمراة: ما ورد عن ابي خديجة، عن ابي عبداللهالصادق ، انه قال: بعثني ابو عبدالله الى اصحابنا، فقال: «قل لهم: اياكم اذا وقعت بينكم خصومة، او تدار في شيء من الاخذ والعطاء، ان تحاكموا الى احد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا، فاني قد جعلته عليكم قاضيا، واياكم ان يخاصم بعضكم بعضا الى السلطان الجائر».
فانه ليس من المسلم به عند بعض الفقهاء ارادة خصوص جنس الذكر من الرجل في قوله : «اجعلوا بينكم رجلا»، بل المراد هو فرد من النوع الانساني يكون قدبلغ هذه المرحلة من النضج الديني، وله اضطلاع ونظر وتشخيص في احاديث الحلال والحرام والقواعد المستنبطة منها.
ان الكثير من التعابير التي جاء الخطاب فيها موجها الى جنس الذكر انما هي خطابات عامة وموجهة الى نوع الانسان. والسر في توجيه الخطاب غالبا الى الرجل هو ان للرجال في المجتمع حضورا بينا وملموسا وتواجدا دائما ومستمرا.
وعليه، فليس الجنس شرطا في هكذا امور، بل الامر في تلك الخطابات على نحو القضية الخارجية.
ومن المفهوم العام للحديث الشريف يتضح ان الامام قد اكد على عدم جواز التعاطي والتحاكم الى حكام الجور، علاوة على انه اكد على محورين آخرين:
1- ان القاضي لا بد من ان يكون من اهل الحق واتباع المذهب العدل.
2- انه لا بد من ان يكون عالما بما يرتبط بشؤون القضاء.
فالمحور العام، في الحديث المتقدم، هو النهي عن الرجوع الى المحاكم التابعة للطاغوت. وحينئذ، فادلة القضاء تشمل كل انسان مستجمع لشرائط القضاء التي من جملتها: العلم، والتقوى، ودقة النظر، والقدرة على اتخاذ الموقف والقرار بعيدا عن تحكم العاطفة والرقة فيه.
هذا، ويرى بعض الفقهاء ان تسنم المراة منصب القضاء لا يحتاج الى دليل او شرط خاص في حالة توافر شرائط القضاء العامة.
ومما استدل به المانعون ايضا حديث آخر، وهو الحديث الذي عقد له الشيخ الحر العاملي في كتابه: «الوسائل» بابا تحت عنوان: «باب ان المراة لا تولى القضاء» والذي لا يندرج تحته الا هذا الحديث، وهو ان النبي قال: «يا علي، ليس على المراة جمعة... ولا تولى القضاء...». ولم يعمل الفقهاء بالحديث المذكور في صلاة الجمعة بل اوجبوها على الرجل والمراة سواء، فكيف يمكن القول بترك العمل بشطر وفقرة واحدة من الحديث والعمل بشطره الاخر؟! وعلى اي حال، فوجه الاستدلال بالحديث المذكور غير واضح ايضا.
ومما لا ريب فيه ان ابداء الراي في موضوع كهذا بحاجة الى اعمال ذوق اجتهادي وفقهي رفيع، ولا ينبغي التعامل معه على مستوى الشعار وطبقا للمذاق الشخصي الخاص، هذا وقد قام جماعة من الفقهاء المعاصرين بعمل تحقيقي في هذا المجال، وذكروا ان تولي المراة منصب القضاء مما لا اشكال فيه.
هذا، ولكن حتى لو توصلنا بعد التحري الشديد والدراسة الفقهية الدقيقة الى ان المراة لا تولى القضاء، فلا ينبغي عد ذلك منقصة لشانها، بل تلك مسؤولية رفعت عن عاتقها، ذلك ان القضاء من جملة الاعمال الشاقة للغاية، فالمحاكم وما يجري فيها من احداث وما يرتادها من مجرمين وجناة ومدعين ومدعى عليهم وما شاكل ذلك من جانب، ومن جانب آخر الاضطراب الذي يخامر القاضي من اجل ارضاء الله تعالى وارضاء وجدانه وما يبذله من جهد في سبيل معرفة الحق،ومن ثم الحكم بالعدل ومحاسبة الناس، ذلك كله يهز الانسان من الاعماق، فمع اخذ ذلك كله بنظر الاعتبار يكون ارتياد منصب القضاء امرا صعبا وفي غاية الخطورة، وقد ورد في الروايات من التعابير الرادعة والمحذرة ما يثقل على المتامل فيها ادنى تامل اقتحام هذا الميدان، فقد ورد عن الامام الصادق انه قال:«القضاة اربعة: ثلاثة في النار وواحد في الجنة: رجل قضى بجور، وهو يعلم، فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بحق وهو لايعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة».
وورد في احاديث اخرى ان القضاء من عمل الانبياء، ففي حديث عن علي ، وقد القى صبيان الكتاب الواحهم بين يديه ليخير بينهم، فقال: «انها حكومة، والجور فيها كالجور في الحكم...».
وحينئذ - وبعد اخذ صعوبة ممارسة العمل القضائي بنظر الاعتبار - الا يكون في رفع تلك المهمة عن شريحة خاصة من الناس نوعا من الخدمة لهم؟! وهل يكون رفع التكليف عنهم والارفاق بهم استنقاصا لهم ومحوا لشخصيتهم؟ كلا، ان في رفع ثقل مسؤولية القضاء عن عاتق المراة على فرض اثباته نوعا من الخدمة العظيمة لهذه الشريحة من المجتمع الانساني، ذلك ان القضاء كسائر الاعمال الصعبة والشاقة، من قبيل الجهاد، خصوصا بعد الالتفات الى ان النساء اشد عاطفة ورقة من الرجال، والى ان التاثر بالعواطف يشدد من الازمة في هذا المجال.
المكانة الاجتماعية للمراة
وفي ما يرتبط بالمكانة الاجتماعية للمراة يمكن الاشارة الى نحوين من انحاء النشاط الاجتماعي:
النشاطات الثقافية والعلمية
لا يخفى ان الاسلام رغب في طلب العلم وتحصيل المعرفة وافشاء ذلك في اوساط المجتمع، كما شجع على ضرورة التكامل العلمي من دون فرق في ذلك بين الافراد والطبقات، وفي الايات الشريفة دلالة واضحة جدا على ذلك، كما ان في الاحاديث ايضا تاكيدا حثيثا على ضرورة التكامل المعرفي والنزعة العقلية في المجتمع، حتى انه عرف الدين بالعقل، قال امير المؤمنين : «العقل شرع من داخل، والشرع عقل من خارج»
وللنبي في هذا المجال حديث معروف ومتواتر ذكره اهل العلم من المذاهب الاسلامية جميعها واخذوا به. قال : «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»ولم ترد لفظة «مسلمة» في بعض النصوص، فلفظة «مسلم» في تلك النصوص اسم جنس يشمل الرجل والمراة كلفظة «مؤمن» و...، وهذا مما لا ريب فيه.
ثم انه لا يشترط اذن الزوج في تعلم المراة واكتسابها للكثير من العلوم، كتعلم اصول الدين والعقيدة، وتعلم الاحكام الشرعية الواجب على النساء تعلمها، وهذاالنحو من الامور التكليفية لا اثر لمنع الزوج من تعلمه.
لقد ازيلت، بعد ظهور الاسلام، الموانع والعقبات عن طريق كل من اراد التعلم، خصوصا هذه الشريحة، الامر الذي افسح للمراة مجال الدخول في ميادين العلم والمعرفة، فلم يمض كثير من الوقت حتى بلغت نسوة من المعرفة بالدين ما بلغن، وحزن مقاما رفيعا في العلم والمعرفة، ولنذكر انموذجا لذلك، فقد روي في حق احدى النساء المتعلمات والمنتهلات من تعاليم هذا الدين القويم ان زوج بريرة شكا زوجته (بريرة) الى رسول الله بانها تركت البيت وخرجت، فدعاهارسول الله وقال: «ارجعي الى زوجك»، فقالت: اتامرني يا رسول الله؟ فقال: «لا، بل انا شافع». ويستفاد من هذه المحاورة الموجزة ان هذه المراة قد بلغت درجة من التكامل في ادراك المفاهيم الدينية ومعرفة ضوابط احكام الشريعة، حتى انها صارت في صدد تحليل كلام النبي وعرضه على المقاييس الدقيقة عندما سالت: اتامرني يا رسول الله؟ اي هل ان ذلك واجب بلحاظ كونك مقننا ومشرعا وانه امر مولوي تشريعي، او انه مجرد ارشاد من اجل اصلاح ذات البين؟ فايد ما فهمته بقوله: «لا، بل انا شافع».
وقد استدل الفقهاء وعلماء الأصول بالحديث المذكور في هذا الموضوع على ان الامر بالشيء، لو لم يقترن بقرينة، فهل يدل على الوجوب او لا؟
وعلى اية حال، فان هذا الأنموذج ونظائره من النماذج الكثيرة يكشف عن مستوى الادراك الرفيع الذي بلغته بعض النساء في الجاهلية ممن لا معرفة لهن بشيء من الثقافة.
وامثال هذه المراة كثير في تاريخ الاسلام، بل كم لها من نظير في كل عصر ومصر الى يومنا الحاضر! وما نامله من الرابطة النسوية المسلمة، بخاصة، والمفكرين بعامة، هو القيام بدراسة تاريخ هذه النماذج من النساء منذ عصر النبي وعصر الائمة والى زماننا الحاضر، وندعوهم جميعا الى الكتابة والتاليف في هذاالمجال وجعله في خدمة الجيل الجديد، وان كان لا يخفى على احد وجود ت آليف وتصانيف كثيرة قد سطرت في الكتب منذ العهد القديم، الا ان موضوع المراة المطروح في الكتب المؤلفة في زماننا هذا اقل رونقا وجمالا وساحرية في البيان، اذ نامل من جميع المفكرين خصوصا النساء من ربات القلم والفكر والبيان آملء هذا الفراغ، والقيام بهذه المهمة واتمامها على احسن وجه.
ب- النشاطات الاقتصادية
ان للنساء حق المشاركة في ميادين العمل جميعها بما في ذلك الامور والقضايا الاقتصادية، كما ان لهن حقوقا مساوية لحقوق الرجال في المجالات جميعهاوعلى مختلف الاصعدة، فقد منحت النساء في اوروبا هذا الحق، ولكن بعد قرون، لا لشيء سوى لتحقيق اهداف الاستثمار في النظام الراسمالي:
«... لقد جعلت الثورة الصناعية من المراة يدا عاملة وآلة صناعية... حيث كان ارباب العمل يرجحون اليد النسوية العاملة على اليد العاملة من الرجال... وكان القانون، عام 1882، هو الخطوة الاولى في حرية نسائنا الاماجد، لقد حصلت نساء بريطانيا بموجب هذا القانون على امتيازات لا نظير لها، وذلك بمنحهن حق الاحتفاظ بما يحصلن عليه من اجور عملهن، وكان قد وضع هذا القانون من قبل ارباب المصانع ورجال من مجلس العموم ترغيبا منهم للنساء الانجليزيات من اجل العمل في المصانع...».
المراة اساس الاسرة
لا تخفى اهمية الاسرة على احد، كما لا يخفى الدور الاساس والبناء الذي تلعبه الاسرة في تربية الجيل وتنشئته، وما تمنحه من السكينة والطمانينة للرجل،فالاسرة هي النواة الاولى للمجتمع، ولذلك نرى بعض الكتَّاب - ممن ينظر الى حياة الانسان نظرته الى الالة والماكنة، والذي كثيرا ما تحدث عن الامهات الموظفات للانجاب، وعن الابوين البيولوجيين والوالدين المحترفين، وعن الابناء المتولدين عن طريق الالات والاجهزة الصناعية - لم يتمكنوا من التستر والتكتم على قلقهم ومخاوفهم من انهدام الاسرة وتفككها باعتبارها اساس المجتمع والحضارة البشرية، يقول تافلر: «... التفكك في الاسرة هذه الايام هو في الواقع بعض الازمة العامة التي يمر بها النظام الصناعي، فها نحن جميعا نشهد التفكك والتحلل في جميع المؤسسات العصرية، حتى ان النداء القائل: «ان العائلة سوف تتفكك وتتلاشى، وان الاسرة هي اهم موضوع...» قد طرق اسماعنا مرارا، فقد بلغت احصائية الطلاق في السنوات الاخيرة في الاسر الامريكية الى حد يكون فيه طفل واحد من بين سبعة اطفال تحت رعاية احد الابوين وتكفله، وارتفعت هذه الاحصائية في المدن الى حد صار فيه طفل واحد من بين اربعة اطفال تحت رعاية احد الابوين».
ويعتقد البروفسور والطبيب النفساني الدكتور «ايروين كرين برك»، الاستاذ في جامعة انشتاين للعلوم الطبية: «ان الناس يقدمون على الزواج نتيجة بناء وهيكلية خاصين، فالاسرة طبق هذه النظرية كالاصل المتجذر يحمله الانسان معه اينما ذهب، وهي بمثابة صمام الامان تصونه وتحفظه من الحوادث والتطورات المستجدة.
والحاصل انه كلما كانت البيئة التي يعيش فيها الانسان متزلزلة وحديثة البناء والاساس برزت اهمية الاسرة اكثر..».
ويقول ايضا: «... وعلى اية حال، فالامر المهم والحساس الذي يبدو واضحا من خلال هذه التطورات جميعها هو تواجد نغمة خفيفة في افعال الانسان وهذا مالم يبحثه العلماء جيدا النغمة التي كانت منذ القدم بمثابة القوة التي تحفظ التعادل في المجتمع، تلك القوة التي خدمت الانسان كثيرا، الا وهي الاسرة...
ذلك الامر الازلي الذي يعمل آليا وبكل قوة وصلابة، الامر الذي لم يتساءل عنه احد من الناس بل اخذوه اخذ المسلمات... ان هذه السلسلة من الاحداث المتتالية والتي يمكن التكهن بها تمنح البشر جميعهم من اي قبيلة او مجتمع كانوا الشعور بالبقاء والثقة بوجود الاساس والركن القويم الذي يتمكن الانسان من الاعتماد عليه في مواجهة الامور ومعالجتها... اذا الدور الذي تلعبه الاسرة في حياة الانسان يعد دائما احد اركان المحافظة على السلامة النفسية والروحية للانسان...».
وجاء في كتاب «به سوى تمدن جديد»ومن جهة اخرى، يعتقد «لوين تافلر» ان احد اهم ظواهر التيار الثالث بزوغ مرحلة شوكة الاسرة والاحترام المتبادل فيها واهميتها مرة اخرى، ذلك ان التيار الثاني (الحضارة الصناعية) قد قضى تماما على شوكة الاسرة، فذهب بذلك ادراج الرياح جميع ما كان يعد من خصائص الاسرة في مرحلة التيار الاول، وحينئذ فبدلا من ان يكون التمريض ورعاية المريض في البيوت صار يمارس في المستشفيات، وهكذا ارسل الاطفال الصغار الى المدارس ودور الحضانة، والطاعنين في السن الى دور العجزة، وصار الازواج يقضون اكثر اوقاتهم في الزيارات والولائم والمطاعم واماكن الترف والنزهة، فما بقي من الاسرة سوى تلك الوشائج العاطفية التي يمكن ان تزول هي الاخرى بسهولة في يوم من الايام. اما التيار الثالث (عصر التقنية والتطورالتكنولوجي) فقد احيا الاسرة من جديد، واعاد لها وللبيت الشوكة والعزة المصادرتين، وذلك ان اغلب الناس صاروا اليوم يزاولون اعمالهم في البيت بعد غزوالحاسوب وجهاز الارسال الالكتروني (الفاكس) واجهزة الهاتف المنوعة وذات الامتيازات المختلفة، وغير ذلك من وسائل الارتباط المختصة بمرحلة التيارالثالث... وحينئذ سوف ياخذ الكثير من الاباء في تعليم ابنائهم في البيوت مستعينين بالاجهزة ووسائل الارتباط المتطورة والحديثة، بل يمكن بوساطة ذلك ايضاالقيام برفع الضرورات الطبية ايضا حتى القيام بمثل العمليات الجراحية البسيطة و... في البيت بالاستعانة بالحاسوب الام المتصل بالمراكز الطبية... والحاصل فلو قضى افراد الاسرة اكثر اوقاتهم داخل البيت فانه سوف تستحكم العلاقات العاطفية بينهم ايضا، وبذلك سوف تقوى شوكة الاسرة وتزداد اهميتها بمراتب عما كانت عليه في التيار الثاني...».
الى ان قال: «اني لا اعتقد ولما ذكرت من اسباب ان يكون شيء من تلك الامور هو الاساس في مجتمع المستقبل، بل البيت (الاسرة) هو الذي سوف يكون مركز الحضارة في المستقبل، وفي اعتقادي ان الاسرة سوف تكون في التيار الثالث ذات اهمية مذهلة، وسوف تدب فيها روح جديدة، فان رواج منهج التصنيع والاستهلاك، واتساع رقعة استعمال جميع الالكترونيات، واختراع اساليب حديثة في الاقتصاد، وآلية الصناعة والتصنيع المتزايد، ان في ذلك كله مؤشرات لعودة الاسرة بوصفها الاساس في مجتمع المستقبل، الاسرة التي سوف يكون لها دور فاعل في مضاعفة النشاطات الاقتصادية والتربوية والاجتماعية في المستقبل، لاتحديد تلك النشاطات وتحجيمها».
ان للمراة في البيت الى جانب ما لها من ادوار اخرى ظاهرة وغير ظاهرة دورين اساسيين، نشير اليهما في هذه الدراسة التقييمية:
1- ان المراة تؤدي دور اعادة بناء الشخصية من جديد، ولها القدرة والتاثير الايجابي والمفيد على الرجل، فالاطمئنان والسكينة التي تعطيها المراة للرجل لايمكن استبدالها باي شيء ابدا. يقول «ويل ديورانت»: «ان المراة التي بامكانها تبديل الرجل الخيالي والضائع المتحير الى رجل كله ايثار وعلاقة بالاسرة والاطفال، ان مثل هذه المراة سبب حفظ النوع وبقائه...».
وقد رفع القرآن الكريم الستار عن هذه الحقيقة، وذكر الدور المشروع الذي يمكن للمراة ان تؤديه، قال تعالى: (ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوااليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون).
فالرجل يجد في السكن الى الزوجة الاطمئنان الكبير، وتكون الحياة الزوجية في ظل ذلك كالزورق الذي يصل الى ساحل الامان، ويترك وراءه القلق والمخاوف والاضطراب والحيرة، حينها يتحرر الرجل في تفكيره وحياته من جميع القيود.
ثم ان الاسرة تعط ي الرجال درس المسؤولية والتكاليف والمقررات، حيث تبعث فيهم وبالتدريج حس الشعور بالمسؤولية والالتزام، حتى تجعل من الرجل معتقدا بذلك، كما ان الاسرة تعلم الرجل فن الادارة في اطار صغير ومحدود، وهذا امر في غاية الاهمية ولا نظير له في المؤسسات التعليمية جميعها، فانه يستحيل اعطاء درس الادارة والالتزام بهذا الشكل العيني الملموس، الدرس الانساني والعاطفي في الوقت نفسه.
بناء على ذلك، نجد ان استعداد الرجل وقدرته على اداء دوره الصحيح في المجتمع وغير ذلك مما يتوقع منه من وظائف، نجد ذلك كله يظهر ويبلغ درجة الفعلية في ظل تواجد الرجل الى جانب اسرته وزوجته.
2- الدور المهم الاخر للمراة هو مهمة الامومة ورسالتها، وهذا الدور ايضا من اهم الادوار الاساسية، ومن قواعد الاسرة واركانها في بناء الانسان واعداده،وللرسالة المذكورة التي تحملها الام مراحل طويلة تكون فيها الام وبحق المربية الحقيقية للاولاد من حين انعقاد النطفة في الرحم وحتى مرحلة دخول الطفل الى المدرسة.
كما يكون للام في المراحل اللاحقة، وحتى آخر لحظات عمرها، تاثير جدي على سلوك ابنائها، بالرغم من ان تلك المراحل هي مراحل استقلالهم. ومن الطبيعي فان المرحلة التي تترك فيها الام تاثيرا بالغا هي مرحلة الرضاعة والطفولة، فان ابعاد شخصية الطفل جميعها تكمن في هذه المرحلة التي تكون طويلة نسبيا آعلى يد الام وفي احضانها الدافئة. وفي هذه المرحلة يصل الطفل الى ما ينبغي ان يصل اليه ويستغني بما قد اختزنه من الام من راس مال اساسي وعطاء ثر في هذه المرحلة، كما تكون الاجواء التعليمية ايضا مبنية على الاساس الذي وضعته الام، حيث يمارس الطفل نشاطاته بناء على ذلك. ولذا نجد ان الاسلام قد اكدكثيرا على مرحلة الحمل، وما بعد الوضع، والرضاعة وغيرها، وقد اوصى الامهات بذلك، واصدر بشانه تعليمات ترتبط بفسلجة البدن تشتمل على بيان كيفية الرضاع والطعام المناسب وغير ذلك، كما اصدر بذلك تعليمات نفسية وتربوية لا بد من توفيرها للابناء، وذلك جميعه مؤثر جدا في الدور الاساسي الذي تقوم به المراة في اداء مهمتها ورسالتها الخطيرة (الامومة) في تربيتها للابناء، ذلك ان اجمل ما يمكن للمراة القيام به هو هذا الدور (الفن) الذي يعجز عن ادائه غيرهابمثل هذه الروعة والجمال.
وعليه ف«لا بد من الاعتراف بان قمة الروعة والجمال في العالم تلك المراة التي ترضع صبيها لبن الصحة والسلامة».
وحينئذ، فانه ينبغي على التعاليم التي تريد صالح المراة والدفاع عن حقوقها والوقوف الى جانبها وقفة انسانية اصولية، ينبغي لها ان تلتفت الى عمق هذا البعد - دور الامومة - في حياة المراة، وعدم التضحية به من اجل بعض الامور الاجتماعية سريعة الزوال.
جاء في كتاب «لذات فلسفة»: «كما يمكن ان يكون للمراة نبوغ وابداع في مجال الامومة، فانه يمكن ان يكون لها ذلك النبوغ ايضا الذي للرجل في مجال السياسة والادب والحرب. اما في ما يتعلق بمساواتها للرجل فانه لا يصح الحكم بمساواة ابداع المراة ونبوغها في ذلك المجال لما يتمتع به الرجل من قدرة على اداءمهماته بمهارة... فالابداع انما يكون ابداعا في ما اذا كان للشخص القدرة الكافية على اداء المهمات والوظائف التي وضعتها الطبيعة على عاتقه رجلا كان او امراة».
لقد اكد الاسلام كثيرا على دور الام وعظمته لتستوثق وتستحكم علاقة الابناء بقطب الرحى في الاسرة وتقوى عرى النظام العائلي اكثر فاكثر، كما انه نجد في كلمات المخلصين من المفكرين الذين شغلوا بالهم كثيرا من اجل ايجاد حلول افضل تحسن من الاوضاع في المجتمعات البشرية توصيات كثيرة للنساء بعدم التغافل عن الدور الاصيل (دور الامومة)، كما حذروهن من الوقوع تحت تاثير الاعلام والتهريج في رفع شعار مساواة المراة للرجل لئلا يكون ذلك معوقا وحجرعثرة في طريق ادائها للدور المذكور بصورة تامة وصحيحة، حيث ان ترك العمل بذلك خسارة فادحة يكون من الصعب تفاديها بشيء، تلك الخسارة التي كثيرا مانجد لها نماذج في الاطفال الذين يفقدون حنان الام واحضانها الدافئة، او تلك الاسر التي تهدمت بمعول الطلاق.
«.. ان الفتاة الشابة، ومن اجل ان تكون صالحة لتربية جيل من الابناء النجباء، لا بد من ان تكون قد اعدت نفسها لكسب العلوم والمعارف، لا من اجل ان يكون ابناؤها قضاة او اساتذة فحسب»
ولا بد من اصدار تعليمات للنساء في خصوص دور الامومة والتنبيه على انه اهم ادوار المراة في الحياة، حيث ان تكامل المراة ماديا ومعنويا بل حتى سلامتهاالجسدية ايضا منوط بادائها لهذا الدور.
«... لا يصل جنس الانوثة الى التكامل المطلوب على الاقل في ذوات الثدي الا بعد تعاقب الانجاب. فان العواقر من النساء سريعا ما يصبن بازمة عصبية حادة ربما لا تصاب بها غيرهن من النساء، كما انهن سريعا ما يفقدن الاعتدال النفسي، لكن النساء بصورة عامة لا علم لهن باهمية الانجاب وتاثيره على البدن، ولايدركن ضرورة ذلك من اجل التكامل، وحينئذ فليس من المنطقي عطف نظر المراة عن وظائف الامومة. كما انه لا يصح ان نملي على الشباب من الذكور ما نمليه على الشابات من حيث طريقة التفكير، ونوع الحياة، والاهداف، واختيار القدوة، وغير ذلك».
انه لا ينبغي لنا ان نفسح في المجال امام ما يطرح من شعارات الحرية والمساواة بين المراة والرجل لئلا تتزلزل وتضعف هذه المهمة والرسالة الخطيرة وتذهب باهداف الامومة السامية ادراج الرياح، فان الخوف، الخوف كله مما يحمله مستقبل الحضارة البشرية، وهذا التخوف لفت انظار المفكرين اكثر نحو قضايا الاسرة والدور الاساسي الذي لا بد للنساء من القيام به لكي لا تتزعزع عرى الاسرة، وحتى تتمكن النساء من الامساك بزمام الامور اكثر، وحذار، ثم حذار، من ان تتجاوزالمراة ميادين عملها الى ميادين عمل الرجل متناسية مهمتها ورسالتها الاولى والدور الفاعل لها في الحياة، فان الرسالة والدور اللذين تؤديهما المراة هما اخطرواهم بكثير من اعمال الرجال ومن التقليد الاعمى لهم.
يقول ويل ديورانت: «... عندما يكون الاعلام عن حرية المراة فعلى المطبلين لذلك ان يعلموا ان الرجل لا ينقصه ولا يعوزه شيء، بل المهم هو كون المراة متكاملة... فلو عجزت الطبيعة عن رعاية الاسرة والطفل وحفظهما فما ذلك الا لان المراة قد تناست الطبيعة مدة من الزمان، ولكن لا يدوم الخروج على الطبيعة ابدا».
* ـ مجلة المنهاج
26513620 /تح: علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha