أولاً: عمومية المسألة المهدوية:
محورية المسألة في الفكر الإسلامي
تشكل (المسألة المهدوية) محوراً مركزياً في المنظومة الإسلامية، سواء على الصعيد العقائدي أو على الصعيد السياسي، أو على صعيد الوعي التاريخي، أو على المستوى التربوي والسلوكي.
ونقصد بالمسألة المهدوية الإيمان بقيام ثورة عالمية يقودها مصلح عالمي تنتهي بسيطرته على العالم كله، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وتترتب على هذا الإيمان مسؤوليات وآثار سلوكية وسياسية، بالإضافة إلى كونه يشكل مفردة عقائدية تصوغ الرؤية التاريخية للإنسان المؤمن.
المهدوية ظاهرة دينية عامة وليست من مختصات الفكر الشيعي
والاعتقاد السائد والشائع هو أن المسألة المهدوية من مختصات الشيعة الإمامية، الذين يؤمنون بإمامة الإمام علي بن أبي طالب، وإمامة احد عشر رجلاً من أحفاده، آخرهم هو الإمام المهدي، الغائب، والملقب بالإمام المنتظر، والذي غاب غيبة صغرى عام 260ه، ثم ما لبث أن غاب غيبته الكبرى اعتباراً من 15 شعبان عام 329ه، مفتتحاً ما تسميه الأدبيات الشيعية، خاصة، بعصر الغيبة الكبرى، الذي مازلنا نعيش فيه.
لكن الحق أن المسألة المهدوية ليست من مختصات الفكر الشيعي، اولاً، وليست من مختصات الفكر الإسلامي ثانياً، بل هي من المفردات العقائدية التي نجدها بهذا الشكل أو ذاك عند مختلف أشكال الفكر الديني، الموصوف بالسماوي.
ويرى الباحث الإسلامي الشيعي المرحوم هاشم معروف الحسني أن الاعتقاد بظهور مخلّص للبشرية، مما تتخبط فيه، شائع في الديانات القديمة وعند بعض الأمم التي لا ترجع إلى الأديان السماوية. ويدعى البعض أن أنبياء بني إسرائيل بشروا بظهور محرر ومخلص يبعثه الله ليخلص البشرية مما تعانيه. ومازال الكثيرون ينتظرون ظهوره. كما يعتقد الكثيرون من المسيحيين برجعة المسيح لإنقاذ العالم من الظلم.
ويقول د. احمد محمد صبحي في كتابه (نظرية الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية): إن مسيحيي الأحباش ينتظرون عودة مليكهم (تيودور) كمهدي في آخر الزمان. وأضاف إلى ذلك أن في الديانات غير المسيحية عقائد لا تختلف عن المهدي عند المسلمين اختلافاً كبيراً، إذ يعتقد المغول أن (تيمورلنك) أو (جنكيز خان) قد وعد قبل موته بعودته إلى الدنيا لتخليص قومه من الحكم الصيني.
وفي الأساطير الفارسية ينتظر المجوس (أشيدر بابي) أحد أعقاب (زرادشت).
وفي الديانات المصرية القديمة وكتب الصينيين وعقائد الهنود القدامى المتعلقة بتناسخ الأرواح عقائد مماثلة لما عند الفرس القدامى[1].
إن الأصل في المسألة المهدوية أنها فكرة دينية، بمعنى أنها من الأفكار التي جاءت بها الأديان السماوية منذ القدم، كغيرها من الأفكار الأخرى، مثل فكرة الجنة والنار ويوم القيامة وغير ذلك.
غير أن طرح المسألة المهدوية كان يتناسب من حيث العمق والاتساع بمستوى النضج الفكري الذي تكون عليه البشرية عند نزول الوحي. وهذه قاعدة في الطرح النبوي أسماها الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر بظاهرة (التغيير والتجديد في النبوة) التي عاشتها ظاهرة النبوة في تاريخ الإنسان على مر الزمن حتى وضع لها الحل النهائي على يد الرسالة الخاتمة[2].
تطور المسألة المهدوية مع ظهور السلام
وبالتالي، نستطيع أن نفترض أن طرح المسألة المهدوية في البداية كان يتركز على التبشير بمستقبل زاهر وسعيد للبشرية، دون الإشارة إلى تفاصيل ذلك المستقبل، ثم تطور الطرح في وقت لاحق ليتم الإشارة إلى الرجل الصالح الذي سوف يتحقق على يديه ذلك المستقبل السعيد. وحينما جاء دور الرسالة الإسلامية (في عهد الرسول وعصر الأئمة) تم طرح المسألة المهدوية بوضوح كامل وتفصيل كبير، حتى أصبح من الممكن الحديث عن أبعاد هذه المسألة الكثيرة والمترابطة، رغم أن بعضها يتعلق بقضايا مستقبلية بعيدة جداً، كالحديث ـ مثلاً ـ عن مسألة (المجتمع المعصوم).
في نفس الوقت يمكننا أن نفترض أن الإشارات المتلاحقة للمسألة المهدوية، خاصة تلك التي تمت على أيدي قدامى الأنبياء، قد تعرضت لانحرافات كثيرة كشأن غيرها من الأفكار الدينية، بحيث أفرزت (معتقدات مهدوية) بعيدة عن الأفكار الأولى التي طرحها أولئك الأنبياء، الأمر الذي استدعى أن تقوم الرسالة الإسلامية بإعادة طرحها بصورتها الصحيحة والكاملة، وقد أصبحت المسألة المهدوية مسألة إسلامية، بمعنى كونها جزءاً من المنظومة الفكرية الإسلامية، منذ أن تحدث الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) عن ذلك الرجل، الحفيد، الذي سوف يحمل اسمه، ويفتح العالم، ويقيم الدولة الإسلامية. وقد استطاع الباحث الإسلامي د.عبد الهادي الفضلي البرهنة على «إن باحثي موضوع المهدي المنتظر، من سنيين وشيعيين يمتدون بجذور المسألة إلى أحاديث صادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله)... ثبت صحة صدورها، إما لأنها متواترة... أو لأنها أخبار آحاد توفرت على شرائط الصحة»[3]، إلا أن عوامل معينة، لسنا بصددها الآن، أدت إلى (تمذهب) المسألة، بمعنى تحولها في أنظار الآخرين إلى مسألة من مختصات الفكر الشيعي، وهو ما نفيناه قبل قليل، إلا أن هذا لا يمنع من القول إن الشيعة هم أكثر المسلمين اهتماماً واحتفالاً بالمسألة المهدوية، لسببين على الأقل، هما: أولاً: لجهة خصوصية ارتباطهم بأئمة أهل البيت عليهم السلام، وثانياً لوفرة ما لديهم من أحاديث يرويها أولئك الأئمة، والتي تجعل المهدوية على درجة من الوضوح تفوق نظيراتها لدى فرق المسلمين الأخرى، إلا أن هذين الاعتبارين لا يبرران تمذهب المسألة بأية حال من الأحوال؛ فالمسألة المهدوية مسألة إسلامية، ويجب النظر إليها والتعامل معها على هذا الأساس.
المسألة المهدوية مسألة إنسانية عامة
يبقى أن نشير في هذه المقدمة إلى أن المسألة المهدوية ـ بمعنى الإيمان بمستقبل سعيد للبشرية ـ تكاد تكون مسألة إنسانية عامة. فإن الفكر البشري يميل الآن إلى الاعتقاد بأن مستقبل البشرية، على نحو الإجمال، سيكون مستقبلاً زاهراً، وتعتبر الماركسية أكثر العقائد الوضعية إيماناً بالمستقبل السعيد للبشرية، والذي تسميه الأدبيات الماركسية بالمجتمع الشيوعي الثاني، ويقول احد الكتاب الماركسيين في هذا الصدد: «إن الشيوعية هي المستقبل المشرق للإنسانية جمعاء»[4]. وإذا كان الفكر الإسلامي يختلف عن الفكر الماركسي في الكثير من تفاصيل مستقبل البشرية، فان البحث العلمي يقتضينا الإقرار بأن هاتين المدرستين الفكريتين تتفقان في تصور مستقبل سعيد للبشرية. وهذه مسألة مركزية مهمة.
ثانيا: أبعاد المسألة المهدوية:
قلت، قبل قليل، إن المسألة المهدوية تشكل محوراً مركزياً في المنظومة الإسلامية، سواء على الصعيد العقائدي، أو على التاريخي، أو السياسي، أو التربوي والسلوكي.
وسأحاول، الآن، أن أتحدث عن هذه الأبعاد الأربعة:
البعد العقائدي للمسألة المهدوية
إن الاعتراف بالمهدي كإمام مفترض الطاعة وقائد فعلي للأمة، من مسائل الإيمان[5]، التي تؤلف البنية العقيدية للإنسان، والتي تندرج تحت مصطلح (أصول الدين)[6]، وبلغ من خطورة هذه المسألة على المستوى العقائدي والإيمان أن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) جعل الإيمان بها شرطاً لصحة الإيمان به، كما في الحديث القائل: «من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني»، ويقول في حديث آخر: «من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذبه فقد كذبني، ومن صدقه فقد صدقني»[7].
إن الإيمان بالمهدي، في واقعه، امتداد للإيمان بأصل الإمامة. لأن المهدي هو الإمام الثاني عشر، والإيمان به تعبير عن الإيمان بهذا الخط. والإمامة «أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بها»[8].
كما أن الإيمان بالإمامة امتداد للإيمان بالنبوة، لأن الإمامة امتداد للنبوة، فالإيمان بالمهدي احد مصاديق الإيمان بالنبوة، والنبوة (وظيفة إلهية وسفارة ربانية)[9]. وهكذا تكتمل السلسلة الربانية: (النبي ـ الأئمة ـ المهدي).
إن الإيمان بالمهدي عبارة عن الإيمان بأن السيادة العالمية ستكون للرسالة الإسلامية، وهذا هو جوهر الإيمان بالنبي محمد[10]. إذن، فإن إنكار المهدي يؤدي إلى إنكار هذه الفكرة.
ومن جهة أخرى، فإن الإيمان بالمهدي تعبير عن الإيمان بغائية خلق البشرية، تلك الفكرة الأساسية التي يشير إليها القرآن الكريم بقوله: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ [الذاريات:56]، حيث تدل هذه الآية الكريمة على أن الهدف الأساسي من خلق البشرية هو عبادتهم لله الخالق القدير، مع ملاحظة أن المفهوم الصحيح لعبادة الله يعني إيجاد المجتمع المعصوم برأيه العام، بل بكل أفراده، على اعتبار أن عمق العبادة وعمومها يقتضي هذا المعنى بالضرورة.
وعليه، فإن إنكار الإمام المهدي يكون مؤدياً إلى نتيجة من عدة نتائج كلها باطلة،كما سيتضح فيما يلي:
* النتيجة الأولى: إن خلق البشرية ليس وراءه هدف وغاية.
ـ وهذا منفي بنص القرآن الكريم.
* النتيجة الثانية : إن الغرض من الخليقة ـ وأن كان موجوداً ـ إلا أنه ليس إيجاد المجتمع الصالح العابد، بل هو أمر آخر لا نعلمه.
ـ وهذا مخالف لنص القرآن الكريم أيضاً.
* النتيجة الثالثة: إن هذا الغرض الإلهي ـ وأن كان ثابتاً ـ ليس من الضروري نزوله إلى حيز التطبيق، بل يمكن أن يبقى نظريا على طول الخط.
ـ وهذا مردود، لأنه يعني تخلف الخالق الحكيم عن مقتضى حكمته، وهذا مستحيل عقلاً.
* النتيجة الرابعة: إن هذا الغرض يتحقق، إلا أنه لا يحتاج إلى قائد، بل يمكن أن يتم ذلك تلقائياً.
ـ وهذا مردود، بعد أن ثبت وجود هذا القائد الموعود.
* النتيجة الخامسة: إن تنفيذ هذا الغرض يحتاج إلى قائد، ولكنه غير منحصر بالمهدي.
ـ وهذا عجيب، لأنه ليس المقصود بالمهدي إلا ذلك القائد الذي يحقق الغرض الإلهي[11].
البعد التاريخي للمسألة المهدوية
نعني بالبعد التاريخي «الرؤية الخاصة التي يفهم ويفسر بها الإنسان حركة التاريخ ابتداءً، ونهاية، وآلية». وعادة، تزود (الإيديولوجيات) إتباعها بمثل هذه الرؤية، بعد أن تزودهم بالتصور العام عن الكون والحياة والإنسان. وربما ذهب البعض إلى ابعد من هذا، حين يقولون إن الرؤية التاريخية هي العقيدة، ولعلهم يقصدون أن العقيدة الفلسفية عن الكون والحياة والإنسان لا قيمة لها إذا لم تزود المؤمن رؤية تفسيرية للحركة التاريخية وهذا حق؛ فإن هذه الرؤية ضرورية لحركة العقيدة نفسها في الواقع والتاريخ، وضرورية أيضا لحركة الإنسان في الواقع والتاريخ.
ومن هنا، نستطيع أن نفهم التركيز القرآني الملموس على المسألة التاريخية، والذي شكل في آخر المطاف نظرية قرآنية لتفسير حركة التاريخ البشري؛ وتتلخص الرؤية القرآنية للتاريخ[12] بكون التاريخ حركة مستمرة ذات غاية محددة هي لقاء الله سبحانه وتعالى، وتحقيق العبودية الكاملة والمطلقة في إطار المجتمع العالمي الموحِّد والموحَّد، المسمى بــ (المجتمع المعصوم).
ومن اجل تحقيق هذه الغاية لابد من توفر ثلاثة شروط هي: وجود الأطروحة الإلهية التي تتكفل تنظيم المجتمع المعصوم بما يحقق عبادة الناس لله، ووجود العدد الكافي من الناس الذين يأخذون على عاتقهم تطبيق هذه الأطروحة، وأخيراً وجود قائد مؤهل لقيادة البشرية من اجل تطبيق الأطروحة الكاملة وإقامة المجتمع المعصوم. ولهذا، فإن تحقيق هذه الغاية لابد أن يمر بعدة مراحل من اجل توفير الشروط الثلاثة المذكورة، وهذه المراحل هي نفسها مراحل حركة التاريخ البشري في التخطيط الإلهي، وهي: مرحلة الحضانة، مرحلة المجتمع الفطري، مرحلة الاختلاف، مرحلة الظهور، وأخيراً مرحلة المجتمع المعصوم.
ولابد أن القارئ الكريم لاحظ أننا التقينا مرتين بالإمام المهدي حين تحدثنا عن الرؤية القرآنية لحركة التاريخ: مرة حين تحدثنا عن شروط تحقيق الغاية الربانية، ومرة حين تحدثنا عن مراحل الحركة التاريخية. حيث إن المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الظهور، لا تعني سوى ظهور الإمام المهدي، بعد غيبة طويلة، هي الغيبة الكبرى.
إن (المهدوية) التي تعني إقامة المجتمع المعصوم بقيادة الإمام المهدي في المستقبل، هي عنوان التفسير القرآني لحركة التاريخ. بمعنى أن هذا التفسير يبقى ناقصاً إذا لم يرتبط بالإيمان بالإمام المهدي ومعرفة دوره في حركة التاريخ. إن حركة التاريخ سوف تحقق غايتها بظهور الإمام.. وبدون هذا القدر من العلم لا تكتمل السلسلة التاريخية. إن الإيمان بالإمام المهدي هو المدخل الصحيح لفهم الرؤية الإسلامية للحركة التاريخية لأن حركة التاريخ هي، في جوهرها، صيرورة مستمرة من اجل توفير شروط إقامة المجتمع المعصوم، ووجود الإمام المهدي، ثم ظهوره، وقيامه بقيادة البشرية، هو من هذه الشروط، كما عرفنا قبل قليل. إن الوعي التاريخي هو وعي مهدوي. والوعي المهدوي هو الوعي التاريخي الصحيح.
* البعد السياسي للمسألة المهدوية
تدخل المسألة المهدوية في عمق الجانب السياسي للمؤمنين، إلا أن تفعيل الحضور السياسي للمسألة المهدوية وتجذيره يتوقف على وعي المسألة المهدوية وعياً معمقاً ودقيقاً.
وتظهر الدلالة السياسية الأولى للمسألة المهدوية في قضية القيادة الإسلامية؛ فالإمام المهدي هو القائد الشرعي للأمة الإسلامية، وغيابه لا يلغي مركزه القيادي. وإذا كان الإمام علي (عليه السلام) والأئمة الآخرون من أحفاده، قادة للإسلاميين في عصورهم، فإن الإمام المهدي، بالنسبة للمؤمنين به، هو القائد المعاصر، وهو «المعصوم المفترض الطاعة الحي منذ ولادته إلى زمان حضوره»[13].
ولم يشأ التخطيط الرباني أن يترك المؤمنين دون قيادة فعلية وشرعية في فترة غيبة الإمام المهدي الكبرى، فجعل القيادة في هذه الفترة للفقهاء العدول، بحيث يكون الفقيه نائباً للإمام المهدي؛ فقد جاء في الحديث عن الإمام الحسن العسكري، والد الإمام المهدي: «فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه»[14].
ومن هنا نشأت نظرة القيادة المرجعية، التي هي الامتداد الطبيعي للقيادة المهدوية في زمن الغيبة الكبرى، وعليه يكون الإيمان بالقيادة المرجعية وطاعتها امتداداً للإيمان بالقيادة المهدوية وطاعتها. وقد تمت مراعاة هذه الدلالة السياسية في البنية القيادة للجمهورية الإسلامية، حيث جاء في المادة الخامسة من دستور الجمهورية الإسلامية: «في زمن غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) تعتبر ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر الشجاع القادر على الإدارة والتدبير»[15].
أما الدلالة السياسية الثانية للمسألة المهدوية فتظهر في طبيعة ومضمون العمل السياسي الإسلامي، وخاصة في زمن الغيبة الكبرى[16].
إن المسألة المهدوية تقوم على أساس الاعتقاد بوجود تخطيط إلهي مركزي للمسيرة الإسلامية عبر التاريخ[17]. والعمل السياسي الإسلامي المؤمن بالمسألة يجب أن يستوعب التخطيط المهدوي، من جهة، ويحقق حالة من الانسجام بينه وبين هذا التخطيط، بمعنى أن العمل السياسي الإسلامي يجب أن يكون منطلقاً من التخطيط المهدوي، ومرتبطاً به ارتباطاً عضوياً، ومحققاً لأهدافه ومهامه المرحلية والإستراتيجية. إن تحرك العمل السياسي الإسلامي بمعزل عن التخطيط الإلهي المتدرج ضمن المسألة المهدوية سوف يوقعه في إشكالات إيمانية وعملية كثيرة، ويوقعه في غربة مزدوجة: غربة عن المسألة المهدوية، وغربة عن الاتجاه العام لحركة التاريخ والذي يحدده التخطيط الإلهي لهذه الحركة. إن العمل السياسي الإسلامي يجب أن لا يسبح عكس التيار، أو بعيداً عنه، وإنما يجب أن يكون في قلبه، وفي اتجاهه، والتيار هو الحركة التاريخية العامة باتجاه ظهور الإمام المهدي.
وعلى هذا الأساس، فإن الحالة السليمة للعمل السياسي الإسلامي، في أي زمن، خاصة في عصر الغيبة الكبرى، تكمن في أن يكون هذا العمل عبارة عن (حلقة) مترابطة ومتكاملة مع حلقات المسيرة العامة للمسألة المهدوية.
وتقودنا هذه الدلالة إلى الدلالة السياسية الثالثة للمسألة المهدوية، وهي أن الهدف المركزي (الاستراتيجي) للعمل السياسي الإسلامي في أي مكان وزمان يجب أن يندرج ضمن إطار تهيئة البشرية، على المستوى المحلي والعالمي، تهيئة فكرية ونفسية وعملية، لظهور الإمام المنتظر، وبغض النظر عن الأهداف المحلية (من حيث المكان، أو البلد)، أو الأهداف المرحلية (من حيث الزمان) التي يتحرك العمل الإسلامي من أجل تحقيقها. إن هذه إشكالية حساسة قد تواجه العمل الإسلامي
2/5/13501
https://telegram.me/buratha