بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الميامين.
الحجة والإمامة:
في كتاب الكافي عن زرارة قال: سمعت الإمام الصادق عليه السلام يقول: «إِنَّ لِلْغُلَامِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ _ بالأمر _، ويكون له الحكومة على الناس، إن للغلام غيبة قبل أن يقوم وتحصل له الولاية على الناس... إلى أن قال: يَا زُرَارَةُ وَهُوَ الْمُنْتَظَرُ وَهُوَ الَّذِي يُشَكُّ فِي وِلَادَتِهِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَاتَ أَبُوهُ بِلَا خَلَفٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ حَمْلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ بِسَنَتَيْنِ وَهُوَ الْمُنْتَظَرُ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ الشِّيعَةَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ الْمُبْطِلُونَ يَا زُرَارَةُ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الزَّمَانَ أَيَّ شَيْءٍ أَعْمَلُ قَالَ يَا زُرَارَةُ إِذَا أَدْرَكْتَ هَذَا الزَّمَانَ فَادْعُ بِهَذَا الدُّعَاءِ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي».(1) (
الإمام الصادق(ع) يقول: إن أدركت ذلك الزمان الذي يختلف فيه الناس فيكونون على ثلاثة طوائف طائفة تقول: مات أبوه بلا خلف، وبعض يقول: مات أبوه وهو حمل في بطن أمه، وثالث يقول: مات أبوه وولده عمره سنتين عند ذلك يرتاب المبطلون فادعوا بهذا الدعاء.
هذا الدعاء يبين لنا أن معرفة الحجة على الخلق هي أهم مسائل البناء العقائدي، لأنها المقدمة الموصلة إلى الله، الأئمة يقولون: بنا عرف الله وبنا عبد الله(2) (لولاهم ما عرف الله.
المراد من الأئمة هو المعنى الذي يدخل فيه معهم الرسول، لأن النبي صلى الله عليه وآله رسول ونبي وإمام، لأنه نصب للناس خليفة وحاكماً، فالرسول هو إمام، حينما يقول الإمام: بنا عرف الله، أي بالأئمة والرسول، لأن الرسول حاكم بالإضافة إلى نبوته ورسالته.
إذن الارتباط بيننا وبين الله سبحانه هو الإمامة، التي هي أهم مسائل البناء العقائدي، لأنها الموصلة إلى الله تعالى، لا يريد الله أن يعبد إلا من هذا الطريق: بنا عرف الله، بنا عبد الله، لولانا ما عبد الله، لولانا ما عرف الله، فمعرفة الله معرفة حقيقية عن طريق الأئمة الذين يكون الرسول واحداً منهم بما أنه حاكم.
إذن الإمامة أصل المطلب، فإن الإمام يقول: اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني، والضلالة عن الدين الخروج عن الإسلام، وإلاّ فما معنى أن يكون الإنسان مسلماً ضالاً ويضل معه جماعة من الناس، هذا الأفضل له أن لا يكون مسلماً، فإن ضلالته تخرج معه جماعة من الناس، فهو ضال عن طريق الحق، ضال عن طريق الهدى.
فمن لم يعرف الحجة ضل عن الدين،لأن الإمامة أصل المطلب.
الإمام نور الله:
قال تعالى: )وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ(.(3) (هذا خطاب، فإن هذه الآية في إمامة عدد من بني إسرائيل، يقول: وجعلنا منهم أئمة.
هذه الإمامة هي مطلق الإمامة، أي الإمامة التي تكون في ناحية واحدة وفي زمان مخصوص، فإنّ مطلق الإمامة تحتاج إلى جعل.
وبهذه النظرية تنهدم قواعد غير الشيعة الإمامية الذين يقولون بأن الإمامة غير منصوبة من قبل الله، فهذه الآية في عدد من أئمة بني إسرائيل، الله يقول: وجعلنا منهم أئمة، فإن الإمامة ليست بانتخاب وليست بالادعاء، وجعلنا منهم أئمة، أي أن هؤلاء الذين كانوا مع الرسل جعلنا منهم أنبياء، وجعلنا منهم أئمة.
هذه الأطروحة التي للإمامة المطلقة، أي الإمامة التي تكون في زمان مخصوص وفي مكان مخصوص، هذه الإمامة الصغيرة تحتاج إلى جعل، إذن مطلق الإمامة هذا يحتاج إلى جعل.
فكيف بالإمامة المطلقة التي تكون بعد الرسول الخاتم؟! الإمامة المطلقة التي لا يحدها زمان ولا يحدها مكان!! إذا كانت مطلق الإمامة التي هي عبارة عن إمامة في زمن خاص لجماعة معدودين تحتاج إلى جعل )وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا(فكيف بمطلق الإمامة؟!
يوجد فرق بين مطلق الإمامة، وهي التي تكون لبعض أئمة بني إسرائيل، الإمامة في مكان خاص وزمان معين، وبين الإمامة المطلقة، وهي التي تكون بعد الرسول الخاتم أو الإمامة التي كانت للرسول الخاتم، وهي الإمامة التي لا يحدها زمان ولا يحدها مكان، فهي أولى أن تكون مجعولة من قبل الله وليست بالانتخاب وليست بالادعاء.
هذا الذي نريد أن نثبته، وهو أن الإمامة مجعولة ليست انتخابية وليست بالادعاء.
جيد، حينما نقرأ ونزور الإمام المهدي عليه السلام، من جملة فقرات الزيارة هذه العبارة: نقول: «السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفأ»(4)) فحينما نأتي إلى القرآن نرى أن الله سبحانه وتعالى يقول (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(5) (ويقول عزوجل: )هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (6) (وآية أخرى تقول: )يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ(.(7) (
أترى أن الزيارة التي جاءت من قبل الأئمة: «السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفأ»، والآية القرآنية التي تقول: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ) أن هذا اتفاق؟! أو أن هذا إعجاز من القرآن؟!
فالإمام المهدي نور الله الذي لا يطفأ، وكل من لم يكن إمامياً مهدوياً هو يسعى لإطفاء ذلك النور، والقرآن يقول: (اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)، هذا ليس اتفاقاً، بل هذا إعجاز القرآن.
أنا أتكلم لك بالنصوص الدينية، لا أتكلم لك من تراث علمائنا، هذه نصوص دينية، فنحن ملتزمون بالقرآن والسنة، ولا أتكلم لك إلا قرآناً وسنة، فالزيارة تقول _ من قبل الإمام _: «السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفأ» هذا النور إن مس قلوبنا ومس عقولنا لحظة واحدة لتغيرت حالنا إلى حالات الكمال وحالات الرقي.
)اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ) (8) (ثم يعبر عن الإمام المهدي بأنه: «السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفأ» ويقول: كل من لم يكن مهدوياً معتقداً بالمهدي هو يريد أن يطفئ ذلك النور الذي الله متم له، ونرجو أن يمس قلبنا بعض هذا النور ويمس عقلنا بعض هذا النور.
على كل حال ليس ما ندعيه نحن من عقائدنا مستنداً إلى غير القرآن والسنة، نحن نعتقد بأن الأئمة بعد رسول الله اثنا عشر كلهم من قريش، أولهم الإمام علي وآخرهم المهدي الحجة بن الحسن عليه السلام، هذه عقيدتنا وعليها الأدلة الروائية التي هي سنة من رسول الله صلى الله عليه وآله. (9) (
وهذا الذي نقوله لا يخرج عن كونه إخباراً من رسول الله لنا بهذه الحقيقة التي لابد أن نعترف بها.
هذه عقيدة، والعقيدة لا يقلد فيها الآباء ولا يقلد فيها المراجع، إنما يجب أن يصل إليها الإنسان باطمئنان وبعلم. هذه عقيدة كلنا مسؤولون عنها، هذه هي العقيدة.
إشكالات على الاعتقاد بالمهدي:
الإشكال الأوّل:
أشكل علينا أن الإمام الغائب الاعتقاد به خرافة، هذا الإشكال الأول.
الإشكال الثاني:
أن الاعتقاد بالإمام الغائب ليس خرافة ولكن ليس عليه دليل.
نحن هنا نرد على هاتين الشبهتين، ونعطي دليلاً قطعياً برهانياً يوجب الاطمئنان بما نقول، وبذلك سوف تكون عقيدتنا بالإمام المهدي مستندة إلى الدليل القاطع ولسنا نقلد فيها أحداً.
والجواب على هذين الإشكالين نبينه في نقطتين هما:
الأولى: الإسلام والمهدوية:
إن فكرة المهدوية في الدين الإسلامي فكرة ضرورية، اعترفت بها جميع الفرق الإسلامية، فكرة المهدوية فكرة إسلامية نابعة من صميم الدين الإسلامي، أقرت بها جميع الفرق الإسلامية ومنهم الإمامية الذين اعتقدوا بنظرية الإمامة..
ستة آلاف رواية يذكرها الشيخ نصر الله الصافي في كتابه منتخب الأثر تدل على أن المهدوية من صميم الدين الإسلامي، وأنه يظهر في آخر الزمان المهدي الذي اسمه محمد، يوافق اسم النبي صلى الله عليه وآله يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
هذه العقيدة المهدوية عقيدة إسلامية أقرت بها جميع الفرق، ولذلك ترى من هو متعصب وضد الإمامية مثل ابن تيمية يقول: إن الأحاديث التي يُحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داوود والترمذي وأحمد وغيرهم، من حديث ابن مسعود وغيره، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل مني يواطي اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».(10) (
وفي رواية سلمان: «قال سلمان: من أي ولدك يا رسول الله؟ قال: من ولد ولدي هذا، وضرب على كتف الحسين عليه السلام». (11) (
وقد ورد أيضاً في حديث أبي بكر الإسكافي قال: «من كذب بالدجال فقد كفر، ومن كذب بالمهدي فقد كفر».(12)
إذن هذه العقيدة _ عقيدة المهدوية _ فيها ستة آلاف رواية..
وقلّما تجد في موضوع واحد هذا العدد الهائل من الروايات.
هذا ديننا، فإن ديننا نستمده من القرآن ومن السنة، ففكرة المهدي فيها ستة آلاف رواية كل رواية تختلف عن الأخرى، يعني هذه رواها ألف والثانية رواها باء من الناس والثالثة رواها جيم والرابعة رواها دال، وهكذا..
معنى ذلك أنه ليس هناك رواية واحدة يرويها عدد من الناس فتحتسب بعدد الراوين، وإنّما كل رواية منها تختلف عن الأخريات، ومجموع هذه الروايات المتفاوته ستة آلاف رواية في فكرة المهدوية، منها هذه الروايات التي ذكرها ابن تيمية وقال عنها الإسكافي: من كذب بالمهدي فقد كفر.
إذن نحن حينما نقول بالمهدوية ونطبق هذه الفكرة على رجل قد ولد في زمان معين وبقي حياً إلى الآن، هذه لا يمكن أن نرمى فيها بتلك الفرية التي يقول عنها صاحبها: إنها خرافة، ففكرة المهدي فكرة إسلامية لا يجوز لأحد أن ينبزها بصفة الخرافة.
الثانية: عدد الأئمة:
إن هناك روايات روتها الموسوعات الروائية الشيعية والسنية تذكر أن عدد الأئمة بعد رسول الله اثنا عشر خليفة، اثنا عشر إماماً، وتقوم بعدهم القيامة، وكلهم من قريش، لا زال الدين قائماً حتى يقوم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، ثم يكون بعد ذلك الهرج والمرج، أي يوم القيامة.
هذه الروايات مروية في صحاح أهل السنة، منها صحيح مسلم(13) (ومنها صحيح البخاري(14) (ومنها الصحاح البقية الستة(15) (ومروية أيضاً في موسوعاتنا الفقهية(16)) أن عدد الأئمة اثنا عشر حتى تقوم القيامة، فإذا مات الثاني عشر قامت القيامة وحدث الهرج والمرج.
من هذه الروايات ما رواه مسلم: «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش»(17) (في صحيح مسلم.
وأما في صحيح البخاري: عن جابر بن سمرة قال: «سمعت النبي يقول: يكون اثنا عشر أميراً ثم سمرة يقول: فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: كلهم من قريش».(18)
نظرية الإمامية:
أثبتنا أن فكرة المهدوية فكرة إسلامية لا يجوز لأحد أن يصفها بالخرافة، والأئمة اثنا عشر بنص الأحاديث الواردة في المجموعات الحديثية سنة وشيعة، أي أن الإمامة فكرة إسلامية والنبي قال: إن الأئمة اثنا عشر حتى تقوم الساعة فإذا مات الثاني عشر قامت القيامة.
فسّر هاتين الحقيقتين الإسلاميتين اللتين ورد فيهما مائتان وسبعون رواية تذكر أن الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش.. هل توجد في هذا العالم نظرية تقول بأن الأئمة بعد رسول الله اثنا عشر غير نظرية الإمامية؟!
السنة أصبحوا في هرج ومرج في تفسير هذه الروايات التي هي موجودة في كتبهم، وكلما أرادوا أن يوجهوها ضحك واحد منهم على الآخر، وقالوا: رحم الله من قال في السيوطي إنه حاطب ليل مرة يأتي بالأمويين ثم يأتي بالعباسيين(19) (وكلما أرادوا أن يفسروا هذه الأحاديث الواردة في كتبهم لم يتمكنوا، فقط بعضهم صرح وقال: هذه الروايات لا يمكن أن تفسر وليس لها وجه صحيح إلا على ما تقوله النظرية الإمامية.
إذن قضيتان بديهيتان أخذناهما من السنة النبوية _ ليس من تراثنا نحن _ ستة آلاف رواية تقول: المهدوية ضرورة إسلامية قال بها النبي، بشّر بها النبي، اعترف بها الكل، من كذب بها فقد كفر، ومائتان وسبعون رواية تقول: إنهم اثنا عشر وكلهم من قريش.
هذه الروايات ليست كما يقول البعض أنها اخترعها الشيعة وكذب بها الشيعة لأنهم وقعوا في مأزق فإن الإمام الحسن العسكري مات وعمره ثمان وعشرون سنة ولم يوص ولم يكن له ولد فاخترع الشيعة الإمامية هذه الروايات فإنّ عندهم أن الإمام لا يموت إلا أن يوصي إلى ولده، والحسن العسكري ما عنده ولد، فالشيعة اختلقوا هذه المقالة.
هذا إرهاب فكري، فإن الإرهاب قسمان: إرهاب عملي وإرهاب فكري.
هذه الروايات التي أنقلها موجودة في صحيح البخاري، وقد مات البخاري سنة 256 والإمام الحسن العسكري عليه السلام مات سنة 260 هـ، يعني أن البخاري كتب هذه الروايات في كتبه ثم مات قبل أن يموت الإمام الحسن العسكري ويقع الشيعة في مأزق _ كما يقولون _ ثم البخاري كتب كتابه في ستة عشر سنة، فهذه الروايات الموجودة في كتاب البخاري كتبها قبل موت الإمام الحسن العسكري عليه السلام بأكثر من عشرين سنة على الأقل.
إذن ثبت أن هذه الروايات موجودة في هذا الكتاب قبل أن يموت الإمام الحسن العسكري، فكيف يقع الشيعة في مأزق ويخترعون الروايات؟! إذ الروايات التي يخترعها الشيعة ينبغي أن تكون في مؤلفات متأخرة عن موت الحسن العسكري، بينما هذه الروايات موجودة في صحيح البخاري قبل أن يموت الإمام الحسن العسكري ويستشهد.. إذن هي صادرة من رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأي مأزق للشيعة إذا مات الحسن العسكري وليس له ولد فليقولوا بأن الإمام هو أخوه، كما أن الإمام الحسن إمام والحسين إمام، فإذا أرادوا أن يكذبوا ويخرجوا من المأزق يقولون: أخوه هو الإمام، لماذا لم يقولوا أخوه هو الإمام وقالوا: إن الإمام ولده وقد غاب؟! أي مأزق؟!
هذا كذب، هذا افتراء، هذا إرهاب.. روايات موجودة في موسوعات مؤلّفة قبل أن يموت الإمام الحسن العسكري، قطعاً هذه ليست من موضوعات الشيعة.
ونربأ بالشيعة وعلمائها ورواتها أن يضعوا أحاديث، وهم العدول التقاة الأطهار، فلا يمكن أن يضعوا هذا الوضع في أحاديث الرسول أو في أحاديث الأئمة.
إذن هاتان حقيقتان نعتقد بهما، وهما أن المهدوية قضية إسلامية وأنهم اثنا عشر، هذا من روايات القوم، كتبت قبل موت الإمام الحسن العسكري عليه السلام، فليس من موضوعات الشيعة قطعاً.
فالنتيجة أنه لا يوجد تفسير لهذه الروايات إلا ما يقوله الشيعة الإمامية، فنظريتهم مستندة إلى هاتين الحقيقتين، والنتيجة واضحة.
اعترافات غير الشيعة:
الآن جملة من أهل السنة عندهم إنصاف ذكروا واعترفوا بأن المهدي هو الحجة بن الحسن العسكري الغائب:
منهم: محي الدين ابن العربي في الفتوحات المكية في الطبعة الأولى، ذكر أن الذي بشر به النبي هو الحجة بن الحسن العسكري(20) (ولكن في الطبعة الثانية في مصر حذفت هذه، ولكن نسوا أن علماء السنة نقلوا عن الفتوحات المكية هذه المقالة في كتبهم وموجودة في الطبعة الأولى وحذفت في الطبعة الثانية، وهذه خيانة كبرى بأن يحذف رأي عالم في طبعات متأخرة.
ومنهم: الشعراني في اليواقيت والجواهر. (21)
ومنهم: الحمزاوي في مشارق الأنوار. (22)
ومنهم: الصبان في كتاب إسعاف الراغبين. (23)
ومنهم: سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص. (24)
ومنهم: ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة. (25)
ومنهم: محمد البخاري الحنفي في كتابه فصل الخطاب. (26)
هؤلاء اعترفوا بأن الذي بشر به النبي هو الحجة بن الحسن العسكري.
طبعاً أنا أتكلم في كلام القوم وفي رواياتهم، معرضاً عن الروايات الموجودة في كتبنا، وهي أيضاً من الدين، ولكن إذا أردنا أن نتيقن بالعقيدة، وإن كانت رواياتنا كافية لليقين بهذه العقيدة، ولكن روايات القوم التي فيها ما يحصل به اليقين منهم إذا أضفناه إلى، ما يحصل به اليقين منا فقد اطمئننا بصحة عقيدتنا هذه وهو العلم بصدورها من النبي وأنه شخص معين، فإن بعض أبناء العامة ذكروا أسماء الأئمة الاثنا عشر _ ليس علماؤنا _ ذكروا أسماءهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
في ينابيع المودة للقندوزي روايات:
منها: ما رواه عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لما أنزل الله على نبيه )يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ( (27) (قال: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ قال صلى الله عليه وآله: هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة الباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي، ثم سمييّ وكنييّ حجة الله في أرضه وبقيته على عباده ابن الحسن بن علي، ذلك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان. قال جابر: قلت: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع في غيبته؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إي والذي بعثني بالنبوة، إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها سحاب. (28)
هذا موجود في ينابيع المودة ذكر الأئمة بأسمائهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
إذن هذه العقيدة التي نحن عليها حصلنا على يقين بها من الموسوعات الروائية التي هي نصف الدين، فإن الدين قرآن وسنة، وهذا سنة رسول الله، فقد أخبر بالمهدي وأخبر أن عدد الأئمة اثنا عشر، وقد ذكرهم الرسول بأسمائهم، ونقل هذا الأمر في كتب أبناء العامّة، وذكروهم واعترفوا بهم.
فما حجة من يقول بأنها خرافة، أو أنها لا دليل عليها؟!
فهذا الدليل من السنة النبوية والدليل من السنة النبوية تنتهي به كل الإشكالات.
ستة آلاف رواية في المهدوية أو أكثر، ومائتان وسبعون رواية في أن عددهم اثنا عشر، وليس له تفسير إلا ما قاله الإمامية رضوان الله عليهم.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين
الهوامش:
(1) الكافي للكليني، ج 1: 337، ح 5.
(2) الكافي للكليني، ج1: 193، ح2.
(3) سورة السجدة، الآية: 24.
(4) المزار لابن المشهدي، ج2: 203.
(5) سورة المصف، الآية:8.
(6) سورة التوبة، الآية: 33.
(7) سورة التوبة، الآية: 32.
(8) سورة النور، الآية: 35.
(9) راجع صحيح البخاري، ج8: 127، صحيح مسلم، ج3: 3، مسند أبي داود الطيالسي: 105، 180، ح 767 و1278، مسند أحمد، ج5: 90، كمال الدين للصدوق: 256، ح1 _ 37.
(10) منهاج السنة لابن تيمية، ج4: 95.
(11) عقد الدرر للشافعي السلمي: 24، باب 1، فرائد السمطين للجويني الحموي، ج2: 325، باب 61، ح575.
(12) فوائد الأخبار لأبي بكر الإسكافي على ما في عقد الدرر: 157 باب 7، ومقدمة ابن خلدون: 347، ف 53، والفتاوى الحديثية لابن حجر: 27.
(13) (صحيح البخاري، ج 8: 127.
(14) صحيح مسلم، ج 6: 3.
(15) (سنن أبي داود، ج2: 309، ح 4279 _ 4281، سنن الترمذي، ج3: 340، ح2323.
(16) (لاحظ للكليني، ج 1: 525 باب (ما جاء في الاثنى عشر والنص عليهم «عليهم السلام» ح 1 _ 20.
(17) صحيح مسلم، ج6: 3.
(18) صحيح البخاري، ج8: 127.
(19) راجع أضواء على السنة المحمدية لمحمود أبورية: 235.
(20) راجع الفتوحات المكية لابن العربي، الباب 366، الطبعة الأولى، (ط بولاق _ مصر).
(21) اليواقيت والجواهر للشعراني: 143، (ط: احمد حنفي بمصر).
(22) مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار للحمزاوي: 153 (ط مصر) نقلاً عن اليواقيت للشعراني.
(23) راجع إسعاف الراغبين لابن الصبان: 145، روى أن المهدي حق وأنه من ولد فاطمة...
(24) تذكرة الخواص لابن الجوزي: 204 (ط. طهران).
(25) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 274، عن ابن الخشاب في كتابه مواليد أهل البيت: 44.
(26)فصل الخطاب على ما في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي، ج3: 171.
(27)سورة النساء، الآية: 59.
(28) ينابيع المودّة للقندوزي، ج3: 398.
https://telegram.me/buratha