تمهيد ما يصلح للدليلية، أدلتهم من الكتاب: آية التطهير ودلالتها على العصمة، شبهات حول الآية ودفعها، آية أولي الأمر، استدلال الرازي بها على العصمة، شبهات حول تعيين أولي الأمر ودفعها، أدلتهم من السنة، حديث الثقلين، سند الحديث، دلالته على العصمة، مناقشات أبي زهرة للحديث، حديث حول المناقشات، من هم أهل البيت، الأدلة العقلية ومدى دلالتها على ذلك.
تمهيد
وقد استدل الشيعة على حجية سنة أهل البيت (عليهم السلام) بأدلة كثيرة، يصعب استعراضها جميعا واستيفاء الحديث فيها، وحسبنا أن نعرض منها الآن نماذج لا تحتاج دلالتها إلى مقدمات مطوية ليسهل استيعاب الحديث فيها.
وأهم ما ذكروه من أدلتهم على اختلافها ثلاثة:
الكتاب، السنة النبوية، العقل.
والذي يهمنا من هذه الأدلة التي عرضوها لإثبات مرادهم هو كل ما دل أو رجع إلى لزوم التمسك بهم، والرجوع إليهم، واعتبار قولهم حجة يستند إليها في مقام إثبات الواقع.
ومجرد مدحهم والثناء عليهم من قبل الله عز وجل أو النبي (صلى الله عليه وآله) لا يكفي في اعتبار الحجية لما يصدر عنهم وان قربت دلالته في كتب الشيعة الكلامية بعد ذكر مقدمات مطوية قد لا يخلو بعضها من مناقشة، وقد سبق أن تحدثنا فيما يشبه الموضوع مع الشاطبي عندما استدل على اعتبار سنة الصحابة بأخبار المدح والثناء عليهم، وما قلناه هناك نقوله هنا، وان كان نوع المديح يختلف لسانه، وربما كان في لسان بعضه هنا ما يشعر بالحجية، ولا يهم إطالة الحديث فيه.
ثم أن الأحاديث التي وردت عن النبي (صلى الله عليه وآله) واستدلوا بها على الحجية، تختلف في أسانيدها، فبعضها يرجع إلى أهل البيت أنفسهم، وينفرد أو يكاد بروايته شيعة أهل البيت، وبعضها الآخر مما يتفق على روايته الشيعة وأهل السنة على السواء.
والذي يحسن أن نذكره في أحاديثنا هذه منها هو خصوص ما اتفق عليه الطرفان، ووثقوا رواته، اختصارا لمسافة الحديث وإبعادا لشبهة من لا يطمئن إلى غير أحاديث أرباب مذهبه لاحتمال تحكم بعض العوامل الشعورية أو اللاشعورية في صياغتها، وتخلصا من شبهة الدور التي أثارها فضيلة الأستاذ الشيخ سليم البشري في مراجعاته القيمة مع الإمام شرف الدين، فقد جاء في إحدى مراجعاته له:
1 هاتها بينة من كلام الله ورسوله تشهد لكم بوجوب إتباع الأئمة من أهل البيت دون غيرهم، ودعنا في هذا المقام من كلام غير الله ورسوله.
2 فان كلام أئمتكم لا يصلح لئن يكون حجة على خصومهم والاحتجاج به في هذه المسألة دوري كما تعلمون(1).
وربما قرب الدور بدعوى إن حجية أقوال أهل البيت موقوفة على إثبات كونها من السنة، واثبات كونها من السنة موقوف على حجية أقوالهم، ومع إسقاط المتكرر ينتج أن إثبات كونها من السنة موقوف على إثبات كونها من السنة، ونظير هذا الدور ما سبق أن أوردناه على من استدل بالسنة النبوية على حجية السنة.
ولكن الجواب عن هذا الدور هنا أوضح إذا تصورنا أن حجية أقوال أهل البيت هذه لا تتوقف على كونها من السنة، وإنما يكفي في إثبات الحجية لها كونها مروية من طريقهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) وصدورها عنهم باعتبارهم من الرواة الموثوقين، وإذن يختلف الموقوف عن الموقوف عليه فيرتفع الدور، ويكون إثبات كون ما يصدر عنهم من السنة موقوفا على روايتهم الخاصة لا على أقوالهم كمشرعين. نعم لو أريد من أقوال الأئمة أئمة هي أئمة غير الرواية عن النبي، بل باعتبارها نفسها سنة، وأريد إثبات كونها سنة بنفس الأقوال لتحكمت شبهة الدور ولا مدفع لها.
وعلى أي حال فان الذي يحسن بنا متى أردنا لأنفسنا الموضوعية في بحوثنا هذه أن نتجنب هذا النوع من الأحاديث ونقتصر على خصوص ما اتفق الطرفان على روايته، ووجد في كتبهم المعتمدة لهم.
أدلتهم من الكتاب:
استدلوا من الكتاب بآيات عدة نكتفي منها بما اعتبروه دالا على عصمتهم لأنه هو الذي يتصل بطبيعة بحوثنا هذه، وأهمها آيتان:
الأولى آية التطهير وهي: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
وتقريب الاستدلال بها على عصمة أهل البيت ما ورد فيها من حصر إرادة إذهاب الرجس أي الذنوب عنهم بكلمة (إنما)، وهي من أقوى أدوات الحصر واستحالة تخلف المراد عن الإرادة بالنسبة له تعالى من البديهيات لمن آمن بالله عز وجل، وقرأ في كتابه العزيز: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)، وتخريجها على أساس فلسفي من البديهيات أيضا لمن يدرك أن إرادته هي العلة التامة أو آخر أجزائها بالنسبة لجميع مخلوقاته، واستحالة تخلف المعلول عن العلة من القضايا الأولية، ولا أقل من كونها من القضايا المسلمة لدى الطرفين كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وليس معنى العصمة إلا استحالة صدور الذنب عن صاحبها عادة.
شبهات حول الآية:
1 وقد يقال إن الإرادة كما يقسمها علماء الأصول أرادتان:
تكوينية وتشريعية، وهي وان كانت من حيث استحالة تخلف المراد عنها واحدة إلا إنها تختلف بالنسبة إلى المتعلق، فان كان متعلقها خصوص الأمور الواقعية من أفعال المكلفين وغيرها سميت تكوينية، وان كان متعلقها الأمور المجعولة على أفعال المكلفين من قبل المشرع سميت إرادة تشريعية.
والإرادة هنا لا ترتبط بالإرادة التكوينية لأن متعلقها الأحكام الواردة على أفعالها فكأن الآية تقول: (إنما شرعنا لكم الأحكام يا أهل البيت لنذهب بها الرجس عنكم ولنطهركم بها تطهيرا).
ولكن تفسير الإرادة هنا بالإرادة التشريعية يتنافى مع
https://telegram.me/buratha