المقدمة
القرآن الكريم، باعتباره كتاب رسالة اصلاحية للعالم، يستهدف الناس، والبشر بما هم بشر، والانسان بما هو انسان، اينما كان، واينما حل، وفي أي زمان كان او يكون، القرآن بهذا المنظار ووفق هذا المعيار تصبح الكلمة فيه والجملة، والمقطع، لها اكثر من اعتبار وتحسب باكثر من حيثية، وذلك بسبب عظمة الهدف، وسعة المخاطب، وخصوصية المخاطِب في القرآن الكريم (خطاب الله) وهو الله سبحانه وتعالى وتجلت صفاته وعظمته. وفق هذه المعطيات كلها، وبأبعادها العميقة المختلفة، التي تفترض ان لا مجال للتكرار او التطويل، او الحشو، والتزويق، فيه وفي كل كلماته، ومقاطعه، وفي اسلوبه ونهجه عُمقاً فكرياً، او نظرياً، او اشارة او اية، او توجيهاً، او فائدة، وبحرص القرآن الكريم ان يستفيد من كل هذه العوامل الفكرية او الادبية او البلاغية، او الخطابية او النفسية، من اجل تحقيق هدف القرآن ورسالته ومراعية (في صلاح الانسان، والناس)، عبر المجتمعات والحضارات المختلفة والازمان المتعددة .
ان القصص تشكل ظاهرة في القرآن الكريم، ويشكل تكرار هذا المصطلح وحرص القرآن على وصفه باحسن القصص، وافتخار القرآن وتميزه بخصوصية الدقة في عرضه للقصص، ونجده بتكرار عرض قصص الاقوام والانبياء، وحرصه على ذكرهم ولو بالاشارة الى اسمائهم، اوصافهم، او اهم الاحداث التي مروا بها.
ان هذه الظاهرة (القصص) والاشارة اليها كامتياز، تحتاج الى وقفة ودراسة وتمعن في دور القصة في العملية التغييرية، واي نوع من القصص، وما المقصود بالقصة في المصطلح القرآني وهل ما فيه ذكره من قصص يعود الى صيغة او حالة واحدة، تشترك مع ما هو متداول عند الادباء، والكتاب ام ان مصطلح القصص القرآن له مدلول آخر يعني ما تم تسجيله من احداث وتاريخ، وشكل وثائقي.
واذا افترضنا ان الاسلوب القصصي، له ذلك التأثير في نفوس وعقول اولئك الناس، فهل يلزم ان يكون مثل ذلك التأثير للقصص في حياة البشرية مستمراً طوال عمرها الزمني، واذا كان القصص مؤثراً في المجتمع العربي وتميز حضارته بمهارة اللغة وحضارة اللغة والكلام والادب والشعر، فهل الاسلوب القصصي مؤثر في اتباع الحضارات الاخرى.
منهج البحث
سوف يتناول بحثنا المصطلح (القصص) لغةً، ونستعرض طريقة الاستعمال القرآني له، والمجالات التي استعملها القرآن الكريم في تناوله لهذا المصطلح وفي الختام نجري مقارنة ما بين الاستعمال القرآني وما هو جارٍ في ثقافتنا المعاصرة، وتلخيصاً لما ورد من بحث.
وما تميز به بحث هذا المصطلح "القصص" اجراء عملية احصائية لما ذكر من "انباء" "الانبياء" واخبار "القرى" و"الاحداث" وعدد تكرارها، ورسم خريطة جغرافية توضح الاماكن التي تم تناولها في القرآن الكريم، واستنطاق الاجواء والمعلومات والثقافات التي تعامل معها القرآن الكريم، وتعرض لها وتمثل البيئة الفكرية التي تعامل معها القرآن الكريم والتي تميزت فيه بمحدودية المعلومات التي تمتلكها امة العرب على خلاف امة بني اسرائيل التي تعيش معهم وسعة معلوماتهم في مواضيع الانبياء وتاريخهم.
وهنا يمكن ان نسجل ظاهرة صراع الحضارات والتنافس ما بين المجتمعات المتدينة في موضوع الثقافة الدينية ومعيار هذا التفاضل ومجاله.
يمكن ان يكون ايضاً موضوعاً ـ مستقلاً للبحث ـ، ويساهم هذا الاستعراض في رسم الواقع الثقافي الذي نزل فيه القرآن وتعامل معه ويساعد في ادراك الاجواء الفكرية للآيات، والاحداث، والقيم، والمناهج التي استطاع القرآن ان يغيرها او يحدثها او ينشئها في البيئة العربية، وتأثيراتها المتبادلة مع ثقافة العرب والاقوام والاديان الساندة في عصر النـزول.
المصطلح لغوياً
قصص: القَصُّ تتبع الاثر، يقال قصصتُ أثَرَه والقَصَصُ الأثرُ {فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}"الكهف" {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ (11)}"القصص".
ومنه قيل لما يبقى من الكلأ فيتبع أثَرُهُ "قصِصٌ وقصصت طُفره.
والقصَصُ الاخبار المتتبعة {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ (3) }"يوسف".
والقِصاص تتُّبع الدم بالقوَدَ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ(179)}"البقرة" {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ(45)}"المائدة". قصَ فلانٌ فلاناً، وضربه ضرباً فاقص أي ادناه من الموت والقصّ.[1]
يبدو ان قَصّ يقص قصصاً، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم تعنى اكثر مما هو مدلول عندنا اصطلاحاً في اختصاصها بموضع القصص او سلسلة الاحداث التاريخية او ما هو متعارف في باب القصص الادبية عادة، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ (3) }"يوسف"، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (111)}"يوسف".
القرآن الكريم يستخدم هذا المصطلح بشكل اوسع يشمل بالاضافة الى المتعارف من القصص الطوال كقصة يوسف، وموسى، يشمل انباء واخبار الانبياء واخبار القرى والمجتمعات، وقد يرد في باب المثل، او الاشارة والعبرة في ذكر اخبار المناطق والاقوام {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ}"النساء" .
كما يستخدم القرآن هذا المصطلح (قص) في ذكر وتتبع نزول الآيات المتعلقة بالاحكام، والعقائد.
{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)}"الانعام"
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي (130)}"الانعام"
{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ (118)}"النحل"
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ (76)}"النمل"
الا ان من المهم الاشارة ايضاً الى ان الاستعمال الاكثر في القرآن الكريم لمصطلح "القصص" بتناول قصص الانبياء واخبار السابقين وانباء القرى.
راجع الاستعمال القرآني للمصطلح (ص18 الى نهاية البحث).
الاستعمالات القرآنية لمصطلح القصص
عدد الآيات التي ورد فيها ذكر المصطلح (كثيرة) وعند مراجعتها يمكن تقسيمها الى هذه المجاميع بحسب موضوعاتها:
المجموعة الاولى/ قصص الرسل:
الآيات:
https://telegram.me/buratha