المقدمة
هذه المقالة هي خطوة في الاتجاه التعريف المحققين والمخاطبين ومحبي التعرف على الفكر السياسي للإمام الخميني:
مفهوم الفكر والفكر السياسي
كلمة الفكر في اللغة بمعنى التفكر والتأمل وتعتبر نوع من الفعالية الذهنية للإنسان العاقل لأجل كشف المجهول. وفي كتب المنطق فإن الفكر هو عبارة عن ترتيب المعلومات من أجل كشف المجهولات، أو هو عبارة عن حركة الذهن من المبادئ نحو المطلوب.
الفكر السياسي ـ هو مجموعة من الأفكار والعقائد ألتي تطرح وبطريقة عقلائية ومنطقية مع الاستدلال في كيفية بناء الحياة السياسية أو وصفها وبيانها، والفكر السياسي لشخص هي تمثل استطاعته في بيان آرائه وعقائده بصورة عقلائية مع الاستدلال المنطقي، الى الجد الذي تكون أفكاره وآرائه تخرج عن النطاق الشخصي أو (ليست شخصية).
والهدف من الفكر السياسي ليس توضيحاً علمياً فقط بل هو تغيير للواقع مع التأييد أو المخالفة الأخلاقية له، وفي الواقع إن الهدف من الفكر السياسي هو ايجاد الطرق الجيدة واللائقة للعمل السياسي وإدارة المجتمع.
وفي الواقع إن التفكير السياسي هو الإجابة عن الاسئلة الأساسية لمجتمعك حول الأمور السياسية، أسئلة من قبيل من الذي يجب أن يحكم البلد؟ لماذا يجب اتباع الحكومة، كيف يمكن إتخاذ القرار الصحيح في إدارة المجتمع؟
مفهوم الفكر السياسي للإمام الخميني(رض)
الفكر السياسي للإمام الخميني هو جزء من فكره الضخم ذو الابعاد المختلفة، ان الإمام الخميني هو شخصية متعددة الأبعاد فله مباحث عديدة في العرفإن / الفقه، الفلسفة، علم الكلام، والسياسة الباقية بيننا. كان مفكراً عظيماً وله باع وأهداف في النواحي العلمية المختلفة وهذه الصفات صاغت منه شخصية جامعة الأطراف، له فكره العميق الغني والباقي، بصورة تجد الفكر المنطقي المنسجم في آثاره بشكل مترابط الأجزاء، وعليه فإن معرفة فكره السياسي مترابط ارتباط وثيق بالأبعاد الأخرى لشخصيته. والصورة العالمية الغالبة للإمام الخميني هي صورة قائد سياسي، عنوانه قائد اكبر ثورة في القرن العشرين، عرفت شخصيته بكونه استطاع من التعبئة المليونية للناس، من اسقاط أكبر نظام شاهنشاهي في إيران والمتمتع بالحماية الدولية، وبناء نظام سياسي جديد بدلاً منه.
وفي الحقيقة فإن التعبئة لقائد الثورة وبناء النظام السياسي الجديد هي الوجه الغالب لتصوير الإمام الخميني، في الوقت الذي يكون فيه الوجه الحقيقي والمخفي للإمام والمهم هو عقائديته، فهو يعد مفكر من الطراز الممتاز، هذه صفاته التي جعلت منه شخصية مفكر خالد في العلم والفكر وله أتباع ونقاد كثر.
إن زيادة اتباع فكر معين أو نقاده علامة على أن هذا الفكر له أهميته الخاصة، يعني ان هذا الفكر له قابلية التأثير القوي. وهذا الامر علامة على مكانة فكره في عالمنا المعاصر.
ممكن أن نطرح فكر الإمام الخميني في عالمنا المعاصر من أبعاده المختلفة:
أولاً: كان الإمام الخميني عقائدياً في الثورة الإسلامية، وعليه ولمعرفة ايديولوجية الثورة الإسلامية فنحن بحاجة الى معرفة أبعاد وزوايا فكر الإمام الخميني.
ثانياً: معرفة فكر الإمام الخميني لأنه احد المصلحين الدينيين في عالمنا المعاصر أمر مهم للمسلمين وتحت عنوان مثالاً يحتذى به، لانه سعى في ان يزأوج بين الدين والسياسة في عالم اليوم فهو أحيا مكانة الدين والمعنويات واعاد بناء الروابط بين الدين والدنيا والعقل والدين، وهو أعطى نموذج للتقدم الذي يستطيع الصعود بالإنسان نحو إنسانيته ووافق بين التقدم والمعنويات، وهذه الأفكار تمثل الإضطراب الفكري لمسلم اليوم ولهذا فإن معرفة فكر الإمام الخميني بعنوانه عالم ديني لكثير من المسلمين الذين يحملون هذا الاضطراب أمر مهم جداً، ومعرفتها ستكون حلاً لكثير من مشاكل مجتمعنا المعاصر اليوم.
بالالتفات إلى النكات الواردة في هذه المقالة فقد قمنا بدراسة القواعد المؤثرة في الفكر السياسي للإمام الخميني، ومعرفة الفكر السياسي للإمام عادة يتأثر بنظرة الإسلام للعالم وللإنسان ومن جهة أخرى يتأثر بفكره العرفاني والفقهي والكلامي، ولهذا فنحن منذ البدأ بحثنا في النظرة الفلسفة والعرفإن ية للإمام فيما يخص العالم والإنسان وتأثيرها على فكره السياسي، ثم دور العرفإن والكلام وفي النهاية دور الفقه في التأثير على الفكر السياسي للإمام الخمني.
مبادئ المعرفة ومعرفة الوجود والإنسان لدى الإمام الخميني
إن مبادئ المعرفة ومعرفة الوجود والإنسان لدى الإمام الخميني تدخل في إطار المبادئ الإسلامية ولدى سماحته افكار مشابهة لبقية العلماء المسلمين حول وسائل معرفة الوجود وأبعادها ومكانة الإنسان في الوجود.
فسماحته يعتقد بان الاحساس والعقل والقلب والفطرة والوحي هي الوسائل المستخدمة للتعرف على الوجود. وكل وسيلة من هذه الوسائل لديها مكانتها وحدودها الخاصة في التعرف على الابعاد المختلفة للوجود.
كما إن معرفة الوجود لدى الإمام الخميني هي معرفة الوجود الدينية والإلهية والإسلامية. واستناداً لمكتب الإسلام فإن عالم الوجود يتكون من المادة والروح والوجود يتألف من المادة والمعنى. ومن وجهة نظر الإمام الخميني فإن عالم الوجود يتألف من مراحل وكمال قال سماحته:
إن عالم الملك هو الدنيا وعالم الملكوت هو عالم الغيب الذي تظهر فيه الصفات الصالحة والفاسدة للإنسان. في عالم الغيب هناك الآخرة التي تتألف من الجحيم والفردوس. والإنسان في هذه الدنيا يتجه نحوهما. واستناداً لهذه النظرة فإن الموت هو الحياة والآخرة هي دار البقاء والابدية. ان عالم الناسوت هو عالم التعددية في حين ان عالم اللاهوت هو عالم الوحدة. ان العالم المادي تحيل المرتبة الدنيا من عالم الوجود. في حين ان عالم الالوهية تحيل المرتبة العليا والمقصد النهائي. واي شيء موجود في هذا العالم هو ناقص مطلق. في حين إن أي شيء في عالم الآخرة هو الكمال المطلق باعتقاد الإمام الخميني.
إن كافة العالم هي أسماء الله وكل الاشياء الموجودة في العالم هي آيات من الذات المقدسة للباري عزوجل. والوجود آية من آياته وهو موجود في كل مكان وزمان. لذلك لا يوجد هناك معنى للانفصال والإبتعاد عنه. لأنه كافة الوجود هي مظهر من مظاهر الحق تعالى. والوجود لا يملك شيئاً بدون ارادة الباري تعالى. كل الاشياء الموجود في عالم الواقع هي انعكاس لهذه الماظاهر. ولان كافة الاشياء منه واليه ترجع، فإن ه لا يوجد هناك كائن يملك أي شيء من نفسه. نحن من الله والى الله راجعون.
(انا لله وانا اليه راجعون).
ان عملية خلق الوجود من قبل الله الحكيم لم يكن اعتباطياً وعشوائياً وانما كان بهدف واستناداً لهذه النظرة، فإن العالم خلق على أساس العدل.
في الحقيقة ان معرفة الإنسان لدى الإمام الخميني هو جزء من معرفة الوجود لديه. حيث انه يعتبر الإنسان جزءاً رئيسياً من الوجود. بمعنى ان نظرته لطبيعة الإنسان ترتبط بابعاد وجود الإنسان وفترة حياته ومكانته في هذا الوجود. وبتعبير الإمام الخميني: (إن الإنسان ليس شبيه بالحيوانات لتكون حياته حيوانية وننتهي بذلك. الإنسان يقع فوق مرتبة الحيوان حيث انه يملك العقل الذي يمكن ان يصله الى مكانة لا توصف، قد يصفها البعض بالإلوهية).
على هذا الأساس فالإنسان هو كائن بامكانه من خلال قدراته وموهبته الوصول الى اعلى درجات الكلمات والمعنويات. وان ضرورة ارسال الأنبياء والرسل الإلهية ترتبط نوعاً ما بهذه المسألة التكاملية ورغبة الإنسان بالتكامل. ولكن اذا كان مطامح الإنسان كالكائنات الاخرى في الحياة المادية، لم تكن هناك حاجة لبعثة الرسل وابلاغ الرسالة الالهية. ولإن الإنسان كما يعبر عنه الإمام الخميني لديه قدرات سامية ويتمتع بعقل مجرد وستكون لديه ابعاد مجردة ايضاً لذلك فإن بالامكان تربية مثل هذا الإنسان. وبصورة عامة فالإنسان بمثابة مجموعة بحاجة الى كافة الاشياء لكي يصل الى السعادة الحقيقية ويصل الى مكانة لا يرى فيها إلا الله سبحانه وتعالى. لا ويصل الى ما بعد الطبيعة وتحقيق اي شيء عملياً).
إذاً فالإنسان من الناحية الجوهرية هو إنسان ناطق وبالامكان تربيته، وعند تربيته يصبح بالامكان تزكيته واصلاحه وتحجيم شهوته وغضبه ونزعته للسيطرة وإزالة طبيعة التهور منه كي لا يتجأوز حقوقه وحدوده. لكن في غير هذه الحالة فإن مثل هذا الإنسان سيقف عند حدود حيوانيته أو حتى أسوأ من ذلك. كما إن هناك عوالم الغيب والشهود موجودة في الإنسان ولكل منها تربيتها الخاصة سواء على البعدين المادي أو المعنوي. واستناداً لنوع التعليم والتربية يصل الإنسان الى أسمى معاني التكامل والصلاح أو قد ينحط إلى أرذل درجات الفساد. وعلى هذا الأساس فإن فطرة الإنسان هي فطرة الهية تدعو الى الحق والعدل. وهذه تعتبر رحمة الهية خص بها الإنسان. اذاً فإن فطرة الإنسان تتمتع بخصائص خاصة بالإنسان نفسه فقط وبقية الكائنات تفتقد ذلك أو لديها القليل جداً منه.
إن المبادئ والوسائل اللازمة للفطرة حسب نظرة الإمام الخميني هي:
الفطرة على أساس وجود المبدأ.
الفطرة على أساس التوحيد.
الفطرة على أساس جمع الذات المقدسة لكافة أنواع المطلق
https://telegram.me/buratha