.الحلقة التاسعة: إمامة الآخرة..
دار الأعراف للدراسات ـ بيروت
(( "الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدس" .....هو كتاب تضمن بحثا نقديا موسعا عن موضع الإمامة بين التحول والثبات لسماحة العلامة الشيخ جلال الدين علي الصغير...الكتاب صدر عن دار الأعراف للدراسات ـ بيروت1420 سنة هـ ـ1999 م، وقد وجدت " واحة الفكر في وكالة أنباء براثا" أن من المفيد إعادة نشر فصوله متسلسلة في هذا الوقت بالذات لتزاحم الآراء في موضع الإمامة ، إذ قدم سماحته هذا الموضوع بأسلوب مانع جامع وسهل على المتلقي دون أن يقحمه بمسالك تبعده عن الغاية من إيصال المعلومة..وبالتالي عنت سطور هذا البحث بتقديم توليفة فكرية ـ عقائدية ، تنسجم تمام الإنسجام مع معطيات العقل ومقبولاته، معتمدة على النصوص التي لا يخالطها شك إطلاقا في الموضوع المبحوث))
إن الكتابة ليست فعلا قائم بذاته، بل هي الخلاصة المنطقية لبنية فكرية متكاملة يتناولها الكاتب بناءا على صحة المعتقد، تشكل مقدمة الكتاب مدخلا صالحا وميسرا للولوج في أسباب صدور هذا البحث ـ الكتاب، ودون قراءة ما ورد في المقدمة نحسب أن القاريء سيبقى يردد أسئلة وردت إجاباتها في المقدمة...
هذه الحلقة وهي الثامنة المستلة من كتاب سماحة الشيخ جلال الدين الصغير تتحدث عن "إمامة الآخرة" كواحدة من مقامات الإمامة، وهو ومن خلال القرآن الكريم تفصيل في غاية ألأهمية، يتناول فيه سماحة الشيخ الصغير، وهو العارف والمؤمن بضرورة الإمامة ككل وهذا المقام المتعلق بخصوصية هذه الضرورة وهي المتعلقة بـ "إمامة الآخرة" سابرا غور المواصفات الفكرية والمعنوية والمصداقية لهذا التفصيل من تفصيلات الإمامة متوصلا الى تطابقها مع باقي مواصفات الإمامة بتفصيلاتها التي مرت علينا.،حيث توصل سماحته ومن خلال الدليل القرآني الذي كما أشرنا في الحلقات السابقة الى حضوره الدائم في منهجه البحثي، لأنه الدليل الذي لا يمكن لمسلم إلا الإقرار بوجوبه، مثبتا أن مفهوم الإمامة مفهوم تكاملي لا يتوقف على الوجودات الدنيوية بل هو مفهوم يمتد الى الآخرة وفقا للأدلة والنصوص القرآنية التي طرحها سماحة الشيخ الصغير برشاقة فكرية مؤشرا أن إمامة الآخرة ضرورة كضرورة عصمة إمامة التشريع وإمامة السياسة والحكم وإمامة الشهادة وإمامة الوجدان وإمامة الوجود.......
"واحة الفكر ـ وكالة أنباء براثا"
إمامة الآخرة
وجدنا فيما مرّ من مقامات الإمامة إنها تستوعب كل الشؤون الدنيوية التي لها ارتباط تام بكافة شؤون الآخرة. فإن كانت الآخرة تعني نهاية وجود عالم الدنيا بكل تفاصيله، فلقد وجدنا الارتباط العضوي بين ذلك وبين مهام إمامة الوجود. وإن كانت الآخرة تعني حلول ساعات الحساب والجزاء، فليس ثمة مجال للتوهم بعدم شمولية إمامة التشريع والسياسة والحكم والوجدان وإمامة الشهادة لكل متعلقات الحساب والجزاء وتفاصيلهما, مما ينحو بنا إلى القول بأن حضور نفس إمام عالم الوجود الدنيوي كإمام لعالم الآخرة يعدّ بمثابة الأمر الذي لا مندوحة عنه.
فلقد وجدنا الإمام هو الذي حدّد لعالم الدنيا مفاهيم الحلال والحرام، أو مفاهيم السعي باتجاه مراتب الكمال، ووفق معاييره تمت صياغة مفاهيم العدالة وتجسداتها الفردية أو الاجتماعية، وعلى محوريته في عالم الوجدان تم تحديد وظائف المحتوى الداخلي للإنسان وتحديد أطر المراقبة الموضوعية في الذات، هذا ناهيك عن مهام إمام الشهادة في الشهادة للأعمال وعليها.
وهذا بمجموعه يرينا الصورة الكاملة التي تقوم عليها أطر عالم الحساب في يوم القيامة، وهو بمجموعه ينضوي تحت معايير الصراط المستقيم التي جعلت حكماً مفهومياً في صور الحساب.
ووفقاً لعدالة الله (عظمت آلاؤه) فإن من كان سبباً في الحساب، لابد وأن يجعله سبباً في جزاء العمل الذي حوسب بموجبه، فهذا الجزاء متقوّم على مقدمة هي كالشرط بالنسبة لذلك الجزاء، الأمر الذي يجعل تحكيم الإمام في مسارات يوم الحساب والجزاء أمراً لا مناص منه.
ولربما يرينا مفهوم المؤذن المطروح في قوله تعالى: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقاً فهل وجدتّم ما وعد ربّكم حقاً قالوا نعم فأذّن مؤذّن بينهم أنّ لعنة الله على الظالمين)[244] صورة أولى لإمامة الآخرة في بعد الفرز المقوّم على الحساب على المستوى المصداقي وليس المفهومي فقط. فمن الواضح أن هذا المؤذن لم يك من أي الطرفين، بل كان حكماً عليهم، بدليل وجود كلمة (بينهم) مما يجعله في جهة القضاء بين الفريقين، وهو الأمر الذي يظهر علو شأنه عليهم.
وهذه الجهة التي لها مثل هذا الشأن في يوم كهذا يجرّنا المنطق لضرورة التعرف عليها.. فمن هو يا ترى هذا المؤذن؟.
في البدء لا بد من ملاحظة أن التحدّث عن الظلم في الآية بهذه الطريقة وفقاً لمفاد مفهوم الحجة البالغة يقتضي أن يكون المتحدّث مبتعداً عن الظلم بجدارة، لأن من شؤون القيامة أن المتكلمين لا يمكن أن يتكلّموا إلاّ بما هو واقع، ولا يعقل أن هذا المؤذن يلعن أهل الظلم ويتبرأ منهم ويطردهم من الرحمة الإلهية إلا من خلال كونه بريئاً براءة كاملة من الظلم، وهذا ما يجعله بداهة من أصحاب الاختيار في البعد عن كافة صروف الظلم، بحيث يكون له مثل هذا الأذان القاطع في الحكم على الظالمين، مما يخرج ما حاول بعض المفسرين تصوير هذا المؤذن بأنه من الملائكة[245]، فهم وإن لم يرتكبوا أي ظلم، غير أن كونهم في خارج عالم التكليف الذي يرتبط به عالم الحساب والجزاء، يجعل وجودهم في محلّ هذا المؤذن وجوداً بلا مبرر. فتأمل!.
ويؤكد هذا المعنى ـ أي أنه من غير الملائكة ـ هو كلامه في يوم أكّد القرآن الكريم أنه لا يتكلم فيه ـ من شدة الهول والفزع: (إلاّ من أذن له الرّحمن وقال صواباً)[246] فلو كان من الملائكة ( وهم من قائلي الصواب حتماً ) لما أخرجهم من هذا الاستثناء. فلا تغفل.
وكونه كذلك فهو معصوم حتماً، بدليل براءته من الظلم، مما يفرض له شأنية تتعدى دائرة الجميع (أصحاب الجنة وأصحاب النار).
ولربما تطرح الآية الكريمة: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريءٌ من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خيرٌ لكم وإن تولّيتم فاعلموا أنّكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم)[247] تطابقاً في الدور بين هذا المؤذن وذاك، فمن خلال التأمّل البسيط نلحظ أنه يتحدّث عن نفس الموضوع من حيث المحصلة.
وكل ذلك يثير أمامنا من جديد أهمية التعرف على هذا المؤذن، حيث أن من الواضح أن تشخيص هويته سيزيح عنا الغطاء عن ماهية إمام الحساب.[248] سواء قلنا بأن هذا الدور قد أعطي للمؤذن على نحو المباشرة، أو قلنا بأن هذا الدور قد منح له بتوكيل من جهة أخرى غير الجهة الربانية المقدسة.
ولو قلنا بتطابق الآيتين من حيث تشخيص هذا المؤذن، أو تابعنا الأمر في السنة النبوية وفقاً لأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) في حالات من هذا القبيل: لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولوا، ولكن حاججهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا.[249]
فالأمر سيان على مستوى الدلالة.
فمن الواضح أن مؤذن سورة البراءة الذي مر كان أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلى ذلك أجمعت الخاصة والعامة، ويسير قول رسول الله (ص) في تعليله لسحب كتاب البراءة من أبي بكر في ثنايا القصة: لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني، أو ما ورد بلسان جبرائيل (عليه السلام): لا (لن) يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك.[250] إلى أن الأذان الذي تتحدث عنه الآية كان من صلب دور الإمامة، ومفروغ عنه أنه من متطلبات الوحي[251]، وبالتالي فإننا لو لحظنا طبيعة مهام المؤذن هنا ولمسنا طبيعة البشارة التي يسوقها إلى الناس بقوله: (فإن تبتم فهو خير لكم) وكذا الإنذار الذي يوجهه إليهم: (وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب اليم) وهما من المقتضيات العامة لمهمة الهداية الربانية، ومن الطبيعي أن يقال: إن إبلاء مثل هذا الدور يستدعي وجود النص بصاحب هذا الدور.
إننا لن نعدم ملاحظة تطابق نفس الدورين بين مؤذن الدنيا (الذي أوجده النص الملحوظ في قوله (ص): لا ( لن) يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني) وجعل ظرف أدائه له عدلا للرسالة، وبين مؤذن الآخرة، لا سيما وأن هذا المؤذن لا يمكنه أن يتحدث بأمر من هذا القبيل من دون تسلط كامل وقدرة كاملة عليه.
ولو تابعنا الأمر من خلال المواصفات التي طرحتها الإمامات الأخرى فسنجد اكتمالا في صورة إمام الآخرة، فهو الذي أعطى ضمن إمامة التشريع الصورة المعيارية للأعمال فهذا حلال وذاك حرام .. الخ .. وهو الذي نراه في إمامة الوجدان معيارا في تشخيص سلامة البواعث الإرادية (النوايا) .. وهو الذي نجده في الإمامة الشاهدة رقيبا على هذه الأعمال. وكل ذلك يعطيه بطبيعة الحال دور الحاكم الشاهد.. حيث نجده هو الذي حدد للمكلفين صورة العمل، وهو الذي أبلغ بوجود الجزاء عليه، وهو الذي كان شاهدا على اتجاهه، وهذا الأمر يتطابق مع الدور الرباني في هذا المجال، ويتطابق مع مفهوم الحجة البالغة التي من شأنها أن تخرس ألسن المعترضين، وتسقط حجج المتخاصمين.
ولربما تطرح الآية الكريمة: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) طرافة في المعنى هو ما نحتاجه في هذا المجال حيث أن التطابق بين الدورين، لا يعني إبلاء الله (عظمت صفاته) عالم الحساب والجزاء لغيره، ولكن آية الولاية هذه تظهر أن كل نمط من أنماط ولاية الله قد أذن الله في تمكين رسوله منه، والى من وصفتهم الآية الكريمة بالذين آمنوا، ولا شك أن ولايته على عالم الحساب والجزاء هي إحدى هذه الولايات.
وأيا كان فإن آية المؤذن تطرح جهة لعالم الحساب غير الجهة الإلهية، ومواصفاتها كما عرفنا متطابقة مع مواصفات بقية الإمامات من حيث العصمة والنص والتشخيص، ولهذا فليس من الغرابة بمكان أن نرى إجماع روايات أهل البيت (عليهم السلام) وعدد من روايات أهل السنة على تشخيص مؤذن الآخرة بشخص أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما في صحيحة أحمد بن عمر الحلال (رضوان الله تعالى عليه) فيما رواه ثقة الإسلام الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه الشريف) في الكافي الشريف بإسناده عن الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عنه قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) (وهو الإمام الكاظم) عن قوله تعالى: (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) قال: المؤذن أمير المؤمنين (عليه السلام).[252]
وكذا ما في الصحيحة التي يرويها الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره، عن أبيه، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: المؤذن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يؤذن أذانا يسمع الخلائق كلها، والدليل على ذلك قول الله عز وجل في سورة البراءة (وأذان من الله ورسوله) فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): كنت أنا الأذان في الناس.[253]
ويحسم الأمر بين الناس، ويتجه بأهل الجنة إلى جنتهم، وأهل الناس إلى نارهم، ومن المثير أن ثمة جهة متخصصة في الحسم في يوم الجزاء، وهو ما يؤكده قوله تعالى: (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون . وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين . ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون . أ هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة أدخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون . ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين)[254] مما يعني وجود ضرورة للتطابق ما بين الجهتين.
ورغم أن مفسري أهل العامة ومعهم فضل الله ـ كما هي العادة ـ[255] كانوا قد شرّقوا وغربوا في تحديد هوية أهل الأعراف، غير أن جملة من الملاحظات تجعل اختصاص الآية بأناس لهم امتياز خاص في شأن الجزاء الأخروي، ومن جملة هذه الملاحظات أذكر ما يلي:
أ ـ إن القول بالتساوي بين الذنوب والحسنات وبالتالي تصنيف مقام خاص بهم غير مقامي الجنة والنار، لا دليل عله، فمن جهة الظهور القرآني فإننا نجد أن القرآن الكريم لم يتحدث عن مقامات الجزاء الأخروي، إلا عن مقامي الجنة والنار بالإضافة لما سمته الآية الكريمة : (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)[256] بالمقام المحمود، وهو بطبيعة الحال له تميز لا يمكن للعامة من محشوري يوم القيامة بلوغه، وسنعرف من خلال المواصفات القرآنية التي أوليت لأهل الأعراف أنهم في مقام سامي جدا تنسجم رفعته مع المقام المحمود، وهو ما عليه عدد غير قليل الروايات.
ومن جهة فإن ذلك يتناقض مع ظاهر الرحمة الإلهية التي تسبق عدله فضلا عن غضبه، وما من ريب أن للحسنة كرامة عند الله تبقى مهما كانت متدنية في المدى فهي تفضل السيئة، ولكن ونتيجة لطبيعة العدل الإلهي قد يعرضهم من جديد لاختبار جديد كما هو الحال مع أطفال الكفار والمشركين وغيرهم، وبالنتيجة ليس ثمة مقام يجعل ما بين الجنة والنار لمن تساوت حسناته مع سيئاته، بل هم سيتجهون حتما إلى واحدة من الجهتين.
ولربما أمكن للبعض رد ذلك بالقول بأن هذا المقام يمكن أن يوجد للحظات معدودة من أجل حدية العدل الإلهي، ثم تنزل عليهم رحمة الله تعالى فتنقذهم مما هم فيه، وهذا الرأي لا يستقيم لأن الحديث عن أهل الأعراف إنما كان بعد تمام عملية الحساب بين الطرفين وتحديد مواقعهم وقبل تحديد الجزاء بصورته الدقيقة، وهذا ظاهر من حديث القرآن عن الفريقين بعنوانهم المستوفى من الحساب.
وحديث أهل الأعراف مع أهل الجنة ليس بحديث استعطاف بالصورة التي تتناسب مع حالتهم، وما يفترض من استيلاء الرعب على من له حالة كحالتهم وهم يرون النار كيف ستستعر بأهلها، وهم بمكان يمكن أن يفضي بهم إليه، ولهذا فمن الطبيعي أن نتلمس ظهور هذه الأحاسيس في أي حديث يتحدث به من له وضع كوضعهم ولو ضمنا، هذا إذا كان المقام يسمح لهم بالحديث، وهو أمر مستبعد لمن في حالتهم حيث يفترض أن هول وفزع ذلك اليوم يعقل كل الألسن ويخرس كل الأفواه (إن زلزلة الساعة شيء عظيم . يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد).[257]
ب ـ تكلم العديد من مفسري العامة عن أن أهل الأعراف هم طبقة بشرية، فمنهم من جعلهم أصحاب أعمال حسنة، فحكى ابن الأنباري عن انهم أنبياء، وقال الحسن ومجاهد بأنهم من الصالحين فقهاء وعلماء، وادعى عبد العزيز بن يحيى بأنهم قوم ماتوا خلال الفترة ولم يبدلوا دينهم، فيما عدهم البعض بأنهم ممن خلطوا بين عمل صالح وآخر طالح؛ فحكى البعض أنهم قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم. أو أنهم ممن رضي عنهم أحد الأبوين، ولم يرض الثاني منهم. أو أنهم ممن عمل لله ولكن أعمالهم كان فيها رياء، والبعض الآخر من المفسرين وصفهم بأنهم من مخلفات أوزار الآباء فذكر المنجوفي أنهم أولاد المشركين وذكر صالح عن ابن عباس أنهم أولاد الزنى.[258]
ومن الواضح أن أصحاب الأعمال الحسنة هم من جملة أصحاب الجنة، فما الذي أخرجهم من تلك الهيئة إلى هذه الهيئة، وادعاء ابن الجوزي وأضرابه بأنهم خرجوا على سبيل النزهة، لا قيمة له بدليل وجود الحجاب فيما بينهم وبين أصحاب الجنة كما أشار قوله تعالى: (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) وكذا وضوح الفرز بينهم وبين أصحاب الجنة الذي يشير إليه قوله تعالى: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم) مما يجعل هذا التشخيص في غير محله.
ولا قيمة للآراء التي جعلتهم ممن خلطوا بين المعصية والطاعة، فهؤلاء إما في الجنة وإما في النار، ولا ظهور قرآني يدل عليه.
وأسخف منه من جعلهم من حملة أوزار الآباء كأولاد الزنى والمشركين (إن كان المعني بهم الأطفال منهم)، لظهور وجود تمايز بين أصحاب الأعراف وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار، ومن الواضح أن هؤلاء إما من جملة من سيختبر يوم ذاك (كما هو ظاهر بعض روايات أهل البيت (عليهم السلام) وبالنتيجة فإن مقامه إما إلى جنة أو إلى نار، ليخرج بذا عن التمايز عن الفريقين، أو انه ستدركهم رحمة من ربهم، فخرج بذا عن التمايز المطلوب عن الفريقين، ولهذا فهو لا يصح.
وبمعزل عن ذلك كله فلا مناص من ملاحظة حالة التمايز بين أهل الأعراف وبين الطرفين الآخرين، يكشفه مرة وجودهم بين الطرفين من خلال الحجاب المضروب بينهم، وثانية وجودهم على الأعراف على اختلاف التفاسير في طبيعة المراد من الأعراف هل هو سور بين الطرفين؟ أم هو كثبان بين الجنة والنار ؟ أم هو شيء آخر له معنى العلو؟ على اختلاف أقوال المفسرين.
وهناك ميزة أخرى لدى هؤلاء وهم أنهم (رجال يعرفون كلا بسيماهم) أي أنهم يعرفون كلا الفريقين بعلامات خاصة بهم، وهذه المعرفة لا تنم عن وجود علامات مادية تميزهم عن بعضهم كبيض الوجوه بالنسبة لأهل الجنة وسوادها وزرقة العيون بالنسبة لأهل النار[259] كما يحاول بعض المفسرين قوله، بل هي علامات خاصة بطبيعة عمل كل واحد منهم على سبيل التفصيل، كما يدل عليه مخاطبتهم لطائفة من مستكبري أهل النار: (ونادى أصحاب الأعراف رجلا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون . أ هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) فلولا معرفتهم حقيقة أعمالهم لما ميزوهم من بين جميع أهل النار ليصفوهم بهذا الوصف، فلا تغفل!.
ويبقى أن ثمة ميزة أخرى وهي الأهم من بين كل المزايا في بحثنا هذا، وهي حاكميتهم في عملية الدخول إلى الجنة وهو الأمر الواضح من أمرهم لأهل الجنة: (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون) وواضح أن هذا الأمر إنما كان قبل دخول الجنة وبعد الحساب، وكما يتضح في قوله السابق عن أهل الجنة (لم يدخلوها وهم يطمعون).[260]
وكل هذه المواصفات تظهر أن رجال الأعراف لهم مزية روحية خاصة وعظيمة، بحيث نرى في مثل هذا اليوم الذي وصف بأنه يجعل الولدان شيبا،[261] وبه تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى فيه الناس سكارى من ذهول الرعب والفزع وما هم بسكارى، ولكن عذاب المنتقم الجبار، وغضب الحليم أشد مما يمكن للشدة أن تتحمله من معان، ولكن رغم هذا لهول تراهم لا يتكلمون على جهة القضاء كما في أذان المؤذن بين القومين فحسب، بل تراهم يتصرفون بالجزاء تصرف من له الصلاحية فيه أيضا كما عبر عن ذلك أمرهم لأصحاب الجنة أن يدخلوا الجنة، بعد سلامهم عليهم وتهنئتهم بما فازوا به، وهذا الحال يتناغم تماما مع مصداق الآية الكريمة: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان ورضي له قولا)[262] ومع مصداق الآية الكريمة: (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا)[263] وبطبيعة هذه المواصفات تسقط جميع ما تقوله أهل العامة ومعهم تيار الانحراف في تصوير أهل الأعراف بصورة لا تنسجم مع هذه المواصفات.
ومع هذا الوصف نجد أن خصائص الإمامة تنطبق جميعها عليهم، فهم كما رأيناهم في طبيعة المؤذن، وكما رأيناهم في طبيعة مقاضاتهم للمستكبرين، وكما لاحظناهم في حكمهم لأهل الجنة بالجنة لا بد من أن يكونوا من أهل العصمة، وهذا المقام لم يكن ليكون إلا باجتباء خاص من الله الذي أذن لهم بالحساب والجزاء، وهذا بجميعه كما رأينا يلتقي مع مقتضيات الإمامات السابقة.
وكل ذلك يلتقي مع ما توافقت عليه روايات أهل البيت (عليهم السلام) في شأن تحديد هوية أصحاب الأعراف، فقد جاء في صحيحة محمد بن الحسن الصفار (أعلى الله مقامه) فيما حدثه به أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب،[264] عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)؟ قال: أنزلت في هذه الأمة، والرجال هم الأئمة من آل محمد. قلت: فالأعراف؟ قال: صراط بين الجنة والنار، فمن شفع له الأئمة منا من المؤمنين المذنبين نجا، ومن لم يشفعوا له هوى.[265]
وكذا ما رواه بسنده عن علي بن إسماعيل،[266] عن صفوان بن يحيى، عن اسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله في قول الله عز وجل: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) قال: هم الأئمة من أهل بيت محمد (ص)[267].
وكذا ما في صحيحة سعد بن عبد الله الأشعري (طيب الله ثراه)، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عبد الرحمن [بن محمد][268] بن أبي هاشم، عن أبي سلمة بن مكرم الجمال، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) قال: (نحن أولئك الرجال؛ الأئمة منا يعرفون من يدخل النار، ومن يدخل الجنة، كما تعرفون في قبائلكم الرجال منكم يعرف من فيها صالح أو طالح.[269]
وكذا صحيحة محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول اله عز وجل: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) فقال : هم الأئمة منا أهل البيت (عليهم السلام) في باب من ياقوت أحمر على سور الجنة، يعرف كل إمام منا ما يليه. فقال رجل: ما معنى وما يليه؟ فقال: من القرن الذي هو فيه إلى القرن الذي كان.[270]
وكذا ما رواه الثمالي (رحمه الله) عن أبي جعفر الباقر (عليهم السلام) في حديث يقول فيه ابن الكواء لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أمير المؤمنين (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) قال: نحن الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم، ونحن أصحاب الأعراف نوقف بين الجنة والنار، فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه.[271]وتتطابق هذه الحقيقة بشكل كامل مع مفاد الحقيقتين التاليتين:
الأولى: الحديث المتواتر عن الرسول (ص) في خطابه لأمير المؤمنين (عليه السلام) أو عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) نفسه بألفاظ متعددة متفاوتة لكنها تؤدي هذا المعنى: علي قسيم الجنة والنار، وبلفظ ابن جحر الهيتمي فيما رواه عن عنترة، عن علي الرضا أنه (ص) قال له: أنت قسيم الجنة والنار فيوم القيامة تقول النار هذا لي وهذا لك.[272]
وغير ذلك من الروايات التي وردت عن طرق العامة والتي تؤكد نفس المعنى والمضمون، أما ما روته الشيعة في هذا المجال فحّدث ولا حرج.
ويتفق هذا المعنى مع مجموعة كبيرة جدا من الروايات التي قرنت الإمام (عليهم السلام) بالكثير من صوالح الأعمال التي تفضي قطعا إلى الجنة وتبعد عن النار، لتجعله المصداق الاجتماعي الأكمل للمعايير التي يحتكم إليها في شأني الحساب والجزاء في يوم القيامة، كما في قوله (صلوات الله عليه): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق).[273]
ونفس الأمر نجده مثلاً في قول رسول الله (ص) وهو يشير إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة.[274]
وعلى أي حال فثمة عشرات من الروايات التي وردت في كتب العامة فضلاً عن الخاصة[275] وهي تتحدث بصورة مباشرة أو بدلالة القرينة الإلتزامية عن وجود إمام للآخرة يتولى حساب الخلق ويوفيهم جزاءهم، ومن الطبيعي القول بأن ذلك إنما يتم فبإرادة من الله لأنه أوقع للحجة، فالمصداق الاجتماعي للحق هو الذي يُقايَس الناس وفقاً لقيمه ومعاييره، فما توافق معه كان إلى الجنة حيث وعد الله تعالى، وما تناقض معه كان إلى جهنم حيث أنذر الله تعالى.
ب ـ أما الحقيقة الثانية في هذا المجال فهو موضوع الشفاعة، حيث تطرح الآيات القرآنية موضوع الشفاعة في العديد من المواضع، وقد أجمعت روايات أهل البيت (عليه السلام) على وجود شفاعة كاملة للرسول وآله الطاهرين (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) متى ما شاءوا وكيفما شاءوا، وقد خالف تيار الضلالة كعادته ذلك فقال بالشفاعة الصورية[276] التي يعبّر عنها فضل الله بالصورة التالية المتداعية من قوله:[277] الشفاعة من أين تنطلق؟ تنطلق على أساس أن هناك حالات ذاتية بين النّاس، فنحن نستفيد من هذه الحالات الذاتية التي تجعل لشخص موقعاً عند شخص فباعتبار أنه إذا جاء إليه هذا الشخص محمل بهذه المشاعر فإن ذلك يغيّر رأيه ويبدّل رأيه.. بالنسبة إلى الله ما له معنى هذا الكلام، ما في أحد له علاقة بالمعنى الذاتي مع الله لأن الخلق كلهم خلق الله ما له معنى، واحد أقرب إلى الله من خلال الذات لأنه أنت يكون أبنك واحد أجمل، واحد أفضل، واحد أكثر عطفاً عليك تقول هذا أقرب إليّ، وهذا خدمني أكثر، هذا أعطاني أكثر.. أما بالنسبة إلى الله؛ الأعلم الأفضل الأقوى كلهم مثل بعض [278] .. الله هو الذي أعطاهم هذا المستوى من الجمال، هذا المستوى من القوة، هذا المستوى من الفضل، من العلم، لكن الله هو يختار من يشفّعه.[279] ما في (لا يوجد) أحد يقدر يشفع بطبيعته. الأنبياء ما عندهم بأنفسهم أساس لأن يبادروا بالشفاعة . . ليس هناك شيء ذاتي يعني أنت تروح تقول: اشفع لي يا رسول الله، اشفع لي عند الله يا أمير المؤمنين، اشفعي لي يا فاطمة. صحيح . . لكن لا أمير المؤمنين ولا رسول الله ولا فاطمة يقدروا يشفعوا إذا لم يشفّعهم الله، وعندما يشفعون فإن الشفاعة لا تنطلق من عناصر ذاتية، والله هذا قريبي، وهذا أحبه، وهذا نذر لي نذر، وهذا ذبح ذبيحة، وهذا عمل لي مولد،[280] مثل هذه الأشياء التي نحن نصورها هنا، نحن نعمل مع الأنبياء والأولياء من قبيل: أطعم الفم تستحي العين. ما يصير أنا ذبحت ذبيحة للعباس بكرا (غداً) تقول له هذه ذبيحة يعني لا بد أن تجاملني بهذا الموضوع.. لا هناك أسس (لا يشفعون إلاً لمن ارتضى) يعني الله يكرم الأنبياء بأن يشفعهم فيمن جرت إرادته على أن يغفر لهم، يعني الله يريد أن يغفر لإنسان يريد أن يدخل إنسانا الجنة، فالله يريد أن يكرم نبيه ويكرم وليه أن يكرمهما بأن يشفعهما فيما أراد أن يكرمه وأراد أن يعفو عنه.[281]
وهذا الكلام مع إنه بلا دليل يدلّ عليه فهو يتناقض أيضاً مع بديهيات عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في الشفاعة، فالشفاعة لم توضع إلا لأصحاب الذنوب والمعاصي، ولا معنى لوجودها في عالم لا ذنوب فيه، وهذا هو مفاد حديث رسول الله(ص): إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.
ومثله قول صادق آل محمد (عليه السلام): شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، فأما التائبون فإن الله يقول: (ما على المحسنين من سبيل).[282]
وحيث أنها وجدت فقد وضع الله نماذج لهذه الشفاعة بناء على طبيعة مؤهلاتهم الذاتية، ومنح كرماً منه وتفضّلاً أصحاب المؤهلات العالية في هذا المجال كرامة الشفاعة لأصحاب الذنوب فقال في كريم كتابه: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)[283] وفي عبارته الأخيرة تظهر طبيعة هذه المؤهلات، وبعد أن طرح موافقته على هذه الشفاعة، فلا قيمة يمكن لها الانسجام مع كرم الله ورحمته حينما يجعل الشفعاء معبراً صورياً لمن أراد الله بنفسه أن يغفر لهم.
وهؤلاء الذين أراد الله أن يغفر لهم إن كانوا من أصحاب الأعمال التي توجب الغفران فلا معنى لوجود الشفيع لهم بأي صورة كان، وإن كانوا ممن لم يعملوا لنيل الغفران أو لم يقدموا بين أيديهم ما يجلب لهم الغفران، فكيف سيغفر الله لهم بناء على قاعدة عدم وجود الترجيح بلا مرجح؟ ولم غفر لهم ولم يغفر لكل خلقه؟!.
من الواضح إن ذلك لا يستقيم بالمرة، بل إن المستفيض من روايات أهل البيت (عليهم السلام) وغيرهم وجود الشفاعة بحيث أن الشفيع يشفع لمن شاء، وبما شاء.
وحيث أن مدى الشفاعة في لغة الروايات والمنطلق العقلي مهما يكن فسيبقى نسبيا لعامة الناس، حيث نجد أن منهم من لا يستطيع الشفاعة إلا لأهل بيته مثلاً، ومنهم من يشفع لمثل ربيعة ومضر كما تعبّر عن ذلك الروايات الشريفة، فلا بد من وجود مظهر كامل للشفاعة الكاملة التي تظهر كرم الله ورحمته وجوده على خلقه، لأن عدم وجود هذا المظهر الكامل سيبقي مدى ومقدار كرم الله بلا شاهد عليه، وهذا خلاف مبدأ الحجة البالغة. فتأمل!!.
وفي عقيدتنا فإن مظهر الشفاعة الكاملة تمثل برسول الله وأهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) ونظراً لموقف تيار الانحراف السلبي من عصمة ومقام وظلامة الصديقة الطاهرة والمظلومة الكبرى فاطمة الزهراء (عليه السلام) وددت أن أنقل هذه الرواية التي وردت في الأثر الشريف عن الإمام الباقر (عليه السلام) فيما نقله عن قول جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله (ص) أنه قال: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة (عليها السلام) على ناقة من نوق الجنة مدبجة[284] الجنين، خطامها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر، عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله، وعلى رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً، كل ركن مرصع بالدر والياقوت يضيء كالكوكب الدري في أفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك وعن شمالها سبعون ألف ملك وجبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد. فلا يبقى يومئذ نبي مرسل، ولا رسول ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة.
فتسير حتى تحاذي عرش ربها (جلّ جلاله) وتروح بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي أحكم بيني وبين من ظلمني. اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي. فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي سليني تعطي، واشفعي تشفعي وعزتي وجلالي لا أجازي ظلم ظالم، فتقول: إلهي وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبي ومحب ذريتي، فإذا النداء من قبل الله جلًّ جلاله: أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبّو ذريتها؟ فيقومون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة حتّى تدخلهم الجنة.[285
13/5/13214/ تح: علي عبد سلمان
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha