يحتوي الكتاب على تقديم بقلم الأستاذ حسين علي الشريمي، ومقدمة بقلم المؤلف نفسه، كما يحتوي على خمسة أبواب تحت كل منها عدة فصول، وخاتمة وقائمة المراجع. بالإضافة إلى ثلاثة فهارس، الأول بأسماء الأعيان والأشخاص، والثاني بأسماء ألأماكن والمواضع، والأخير بأسماء الأجناس والقبائل والأسر والطوائف.
قال الأستاذ حسين علي الشريمي، في التقديم: إذا ذكر اسم «النخاولة» في المدينة المنورة وغيرها من المدن، ذكر الغموض وعلامات الاستفهام التي لا تنتهي، مع أن الذين يعتريهم الغموض أو يطرحون علامات الاستفهام، لم يكلفوا أنفسهم مغبة الذهاب إلى حيث يسكنون خلف المسجد النبوي الشريف من الناحية الجنوبية، ومع إن لموقعهم رمزا ودلالة لا تخطئهما العين «ما يعبر عنهم حبهم للرسول ولأهل بيته وللمدينة». إلا أن ويا للأسف لم يقم بهذه المهمة أحدا!
وفي المقدمة قال المؤلف حسن مرزوق رجاء الشريمي النخلي: ارتبط اسم النخاولة بالمدينة المنورة، كما ارتبطت المدينة نفسها عند الحديث عن سكانها بهم، تماما كما هو الحال في الكثير من البلدان المنطقة العربية وخصوصا الجزيرة العربية، التي يغلب النظام القبلي والعشائري على المتكون الاجتماعي، الذي يحدد بسببه علاقة متبادلة بين الأرض والسكان، وتنتج بذلك عادات وأنظمة يتميز بها هؤلاء عن غيرهم..
وفي الباب الأول وتحت باب لمحات عامة عن الأنساب والتسمية، قال الكاتب حسن مرزوق رجاء النخلي، ترجع تسمية «النخلي/النخاولة» في أصلها إلى الحرفة التي ارتبط بها كثير من رجالاتها في التاريخ ارتباطا وثيقا، فكانت الزراعة مصدرا لرزق أغلب هؤلاء الناس، عرفوا تفاصيلها فكان ذلك مدعاة لأن يتعامل الآخرون معهم مم هذا الباب نفسه، فسموا بذلك لاشتغالهم بالزراعة وخصوصا النخيل؛ المنتج الأبرز والمميز ضمن بقية المنتجات الزراعية بالمدينة، الذي عرفته طوال تاريخها الحضاري، منذ أقدم الأزمان. ولعل حكام المدينة أتباع الدولة العثمانية، هم أول من أطلق هذه التسمية لأكثر من اعتبار. وتاريخ التسمي بلقب «النخلي» حسب اطلاعي على المصادر المؤرخة للمدينة، لم أقف على تاريخ أو عهد معين، يمكن الاطمئنان إليه لفترة نشوء التسمية. ولكن المؤكد أنه لقب طارئ، سموا به في بداية العهد التركي، تمييزا لهم من غيرهم. كما هي عادة الأتراك في وضع الألقاب لأصحاب المهن والعرقيات المختلفة، في سائر المناطق التي يحكمونها. ولعل أقدم المصادر التاريخية التي تشير إلى هذا اللقب، وإلى هذه الفئة خصوصا، كان من نصيب الفقيه الراحل «العياشي» الموفى عام 1090هـ/1662م. وفي معرض حديثه عنهم حينما يقول: «بأن أهل المدينة يسمونهم النخاولة». مما يشير إلى أن هذا الاسم كان معروفا ومنتشرا ومتداولا، في تلك الحقبة، بين أهل المدينة جميعهم على الأقل.
أما عن انتماءاتهم النسبية، فلقد ذكر الكاتب حسن مرزوق النخلي: وباستثناء ما ألفه خيرالدين الياس المدني «المتوفى عام 1717م» عن أصولهم النسبية وفروعهم، وهو كتاب غير موجود، ولا يعرف عنه شيء. فلا يوجد غيره من المصادر التي تتحدث عن ذلك بشئ من التفصيل، إلا ما تذكره بعض كتب الأنساب، من أنها إحدى قبائل الحجاز وتسكن المدينة المنورة، أو أنها عشيرة تقيم في ضواحي المدينة. وهو ما لا تمثله الحقيقة، حيث أن «النخاولة» ليسوا في الأصل قبيلة واحدة، بالمعنى والمفهوم الذي يفترضه التكوين القبلي. وإنما هم مجموعة من العشائر والأسر، المنتمية إلى مجموعة من القبائل المختلفة والمعروفة في الحجاز ونجد قديما وحديثا. ولأسباب مهنية وسياسية ومذهبية، ارتبطت بعضها ببعض، في حالات تصاهر وتحالفات، كما هو سائد في ذلك الزمان.
وفي الباب الثاني تكلم المؤلف حسن انخلي عن تأثير الحالة السياسية، فقد تعرض «النخاولة» لأحداث وقرارات خارجية وداخلية، بفعل الأحوال السياسية والمذهبية، التي مرت بالمدينة المنورة، مما كان له الأثر الكبير في التغيير الكبير لأوضاعهم المعيشية والحياتية والديموغرافية أيضا، وهي أحداث تكاد تكون مفصلية واقعا، ولعل أهم ما يمكن رصده في هذا الجانب من أحداث تاريخية ما يلي:
1 - الهجرات الاجتماعية إلى المدينة في العصرين الأيوبي والمملوكي.
2 - القرار الخطير الذي اتخذه السلطان المملوكي الظاهر جقمق عام «842هـ»، يمنع عامة الشيعة بالمدينة - عدا الأشراف - وعلى رأسهم أسلاف «النخاولة»، حينذاك من إدخال جنائزهم إلى الحرم النبوي الشريف والصلاة عليها.
3 - إزالة سور باب العوالي جنوب الحرم الشريف ليضع محلة «النخاولة»، خارج السور، وهدم أجزاء من بعض الأحوشة الواقعة جنوب الحرم.
أما عن علاقات النخاولة مع المجتمع المدني، ذكر المؤلف النخلي، أن المدينة المنورة تعتبر من المراكز الحضرية الجاذبة على مدى تاريخها، فتستقطب بذلك ألوانا وأجناسا مختلفة زوارا وسكانا، ليجعلوا منها مكانا تقطنه ثقافات متعددة ومتنوعة، على العكس كثير من المدن الأخرى المتحضرة في العالم الإسلامي. فكان لابد لهذه الخلفيات المتنوعة أن يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر، في جميع نشاطات أهلها الدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها مما تتطلبه ظروف الحياة في المدينة.
أما على مستوى الواقع الديني قال الكاتب: لقد كان الكثير من الناس يجهلون وجودا شيعيا في المدينة المنورة، وأن هناك مكونا رئيسيا من أهلها الأصليين، سواء أكانوا من البادية أو الحاضرة، ويرجعون في اعتقادهم وعباداتهم إلى المذهب الشيعي. على عكس من المناطق الأخرى المعروفة في أنحاء الجزيرة العربية، كالقطيف والإحساء «الإثني عشرية»، ومنطقة نجران «الإسماعيلية»، والزبدية باليمن وغيرها. وقد يعزى ذلك إلى عدة أسباب منها:
1 - انعدام التواصل أو على الأقل ضعفه، بين شيعة المدينة المنورة، وبين الشيعة الآخرين في إيران والعراق ولبنان والخليج، خلال فترة الحكم المملوكي والعثماني.
2 - العزلة الاجتماعية التي كان يعيشها مجتمع «النخاولة» في المدينة وخارجها، وقد فرضت هذه العزلة ظروف سياسية واجتماعية معينة.
3 - لم يسجل التاريخ الحديث أن المدينة المنورة، احتوت على مركزا أو مدرسة علمية للتعليم الديني، وفقا للمذهب الشيعي حتى يومنا هذا، وهذا يعود بالدرجة الأولى بالطبع إلى الظروف السياسية.
4 - حالة الزهد التي اتصفوا بها بإحجامهم عن التدخل في أي قضايا أو فتن داخلية، على الرغم من كثرتها في أزمان معينة من العهد العثماني مثلا.
5 - الاكتفاء الديني في احتياجاتهم إلى المسائل الشرعية وخصوصا فيما هو مورد ابتلاء بشيوخهم وعلمائهم، دون الحاجة إلى الاستعانة بالخارج
6 - تجنب علماء الدين والشيوخ بالمدينة التعاطي مع بعض المظاهر والسلوكيات وغيرها، التي يستدل بها على الشيعة، أينما شوهدوا في جميع أنحاء العالم. مثل الحسينيات التي تمثل رمزا وشعيرة شيعية، والمساجد الخاصة لإقامة صلوات الجماعة بأبنيتها الدالة عليها.
7 - حرص هؤلاء مهما علت رتبت عالم الدين، أن يكون لباسه من اللباس العام المتداول، وهو أمر قد يكون ساعد على عدم إعطاء صبغة متميزة للوجود الشيعي بالمدينة، لمن يزورها من الخارج.
في الباب الثالث ناقش الكاتب مناطق السكنى، فأورد أن عشائر «النخاولة» كانت تسكن منذ القدم في المناطق التي تبدأ من جنوب الحرم النبوي الشريف، وتمتد إلى أن تصل إلى الحد الجنوبي من المدينة، الذي يشمل مناطق قباء وقربان والعوالي، وجزء من الحرة الشرقية «حرة واقم». وهذه المناطق على امتدادها وسعة مساحتها، كانت مغطاة بالمزارع التي بها تشتهر المدينة. وأغلبها تحت تصرف «النخاولة»، إما بالملكية وإما بإدارتها وفلاحتها وتشغيلها. على أن ما يلفت النظر أن هذه المناطق المأهولة بهم منذ القدم، هي المناطق نفسها التي عرفت في التاريخ كسكن لقبائل الأنصار، الذين تفرقوا في ذلك الوقت في عالية المدينة وسافلها، واتخذوا الأموال والآطام..
أما عن المساكن وخصائصها الفنية، قال الكاتب: كان هناك نمطان رئيسيان لمساكن «النخاولة» يختلفان كثيرا في جانبهما التخطيطي والتصميمي ومواد البناء المستخدمة فيهما، تبعا لاختلاف بيئة كل منهما من حيث المكان والثقافة المؤثرين في الحاجة الاجتماعية لكل منهما. فمساكن القاطنين داخل المدينة الذين يحترفون مهنا غير الزراعة، ويجاورون فئات مختلفة من مكونات المجتمع المدني، يسكنون منازل ضمن وحدات سكينة كبيرة فيما يعرف «بالأحواش»، تختلف تماما عن المساكن خارج وسط المدينة في مناطق «قباء وقربان والعوالي» وغيرها من الفلاحين الذين تقتضي طبيعة حياتهم بناء مساكن تلبي حاجاتهم المعيشية.
في الباب الرابع تكلم الكاتب عن أهم المهن التي استقطبت الرعيل الأول من شباب ورجالات «النخاولة»، قالا: أن مهنتا الزراعة أو الفلاحة والصناعات التقليدية المرتبطة بها، ومهنة البناء والصناعات المرتبطة بها أيضا، هما المهنتان اللتان كان لهما دور بارز في الحفاظ على الجانب التخطيطي، وعلى ملامح الحياة الاجتماعية لسكان المدينة.
وفي الباب الخامس عرج الكاتب على الخصوصيات الاجتماعية والإنسانية، التي اتصف بها «النخاولة»، فذكر: على الرغم من أن «النخاولة» فئة كبيرة عدديا، وتعيش في حاضرة كالمدينة يقطنها الكثير من أهلها، ويزورها أعداد كبيرة من أجناس مختلفة من بلدان العالم الإسلامي، إلا أن ذلك كله لم يؤثر في التكوين الاجتماعي المنظم والموحد لهذه العشائر، الذي يميزها من غيرها. وقد تشكل هذا التكوين الاجتماعي على مدى القرون المتعاقبة، بما فرضته عليها الظروف السياسية والإدارية والاجتماعية وغيرها ليحفظ لها خصوصيتها، وبعض هذه العوامل:
1 - التحدث بلهجة خاصة بهم تميزهم من غيرهم، واستخدام قائمة كبيرة من المصطلحات العربية غير المألوفة عند غيرهم من أهل الحجاز عموما.
2 - القوانين والأعراف التي وجدت في قرون سابقة، ومازال البعض منها ساريا لتنظيم شؤون الحياة الاجتماعية الداخلية، من خلال الأحكام والمصالحات التوفيقية التي يقررها أهل الرأي والمصلحون من أهل الخير بين المتخاصمين. 3 - العادات والتقاليد التي تعكس نمط الحياة الاجتماعية السائدة، فقد كان لهم في ذلك الوقت لباسهم الخاص وخصوصا النساء ونوعيات الأطعمة وعادات الزيارات الدينية، وخصوصا زيارة النبي .
وأورد المؤلف في خاتمته الخطوط الرئيسية التي احتواها الكتاب:
1 - إن حكام المدينة الأتراك هم أول من أسموا «النخاولة» بهذا الاسم.
2 - عرف «النخاولة» بأنها الفئة الأبرز في تاريخ المدينة، التي عملت بالزراعة واحترفتها.
3 - ترجع أصول عشائر كثيرة من النخاولة إلى قبيلتي الأوس والخزرج الأنصاريتين، وبقايا الشيعة الذين وجدوا في القرن الأول الهجري.
4 - يسكن النخاولة منذ القدم في مناطق جغرافية كبيرة تبدأ من منطقة جنوب الحرم النبوي الشريف، وتمتد حتى الضواحي الجنوبية من المدينة.
5 - يشكل التكوين الاجتماعي للنخاولة كغيرة من المجتمعات الحضرية المستقرة، بعضا من الخصوصيات التي فرضتها طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية والإدارية بالمدينة، التي تميزها عن باقي المجتمع المدني.
12/5/13214
https://telegram.me/buratha