كتب عبد الحميد عباس دشتي - عربي برس - الكويت
إن أول من أطلقت عليهم صفة الشيعة في التاريخ الإسلامي، هم كبار الصحابة (رض) ممن تمنّعوا عن حضور بيعة أبي بكر (رض) في سقيفة بني ساعدة،لولائهم للرسول برأيهم، ورأي الشيعة، وهو من أعلن في حجة الوداع وفي خطبة غدير خُم، عن ولاية علي بن أبي طالب (ع) من بعده على المسلمين و هم:
سلمان الفارسي المحمَّدي، وأبو ذرّ الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمّار بن ياسر، وخُزيمة ذو الشَّهادتين، وأبو التيهان، وحذيفة بن اليمان، والزُّبير،والفضل بن العبَّاس، وأخيه عبدالله،وهاشم بن عتبة المرقال، وأبو أيوب الأنصاري، وأبان، وأخيه خالد ابني سعيد العاص الأمويين، وأُبي بن كعب سيِّد ألقرّاء، وأنس بن الحرث بن نبيه الَّذي سمع النَّبي صلّى الله عليه وآله يقول : « إنَّ ابني الحسين يُقتل في أرض يُقال لها كربلاء ، فمن شهد ذلك منكم فلينصره » فخرج أنس، وقُتل مع الحسين عليه السَّلام.
وزيادة عثمان بن حنيف ، وسهل بن حنيف ، وأبو سعيد الخدري،وقيس بن سعد بن عبادة رئيس الأنصار، و بريدة، والبراء بن مالك، وخبّاب بن الأرت، ورفاعة بن مالك الأنصاري، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، وهند بن أبي هالة، وجعدة بن هبيرة المخزوميّ، واُمّه اُمّ هاني بنت أبي طالب، وبلال بن رباح المؤذن، وحجر بن عدي، وجبير، وسعيد بن المسيَّب، والأصبغ بن نبا، وسليمان بن مهران الأعمش، ويحيى بن يعمر العدواني.
هؤلاء ومعهم ثلاثمائة من كبار صحابة الرسول (ص) ذكروا في كتب تراجم الصحابة
( كالإصابة ) و ( أُسد الغابة ) و ( الاستيعاب ) و كلّهم من شيعة علي عليه السَّلام ممن لم يحضروا السقيفة.
ثم تبعهم اللاحقون ممن وصفوا بالشيعة تشيعاً لعلي بن أبي طالب (ع) واعترافاً منهم بحقه في الخلافة، كأبي الأسود الدؤلي مؤسس علم النحو،والخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسس علم اللغة والعروض، وأبو مسلم معاذ بن مسلم الهرّاء مؤسس علم الصرف، الَّذي نصَ السيوطيِ في الجزء الثاني من المزهر وغيره أنَه كان شيعياً، ويعقوب بن إسحاق السكيت إمام العربية،
و محمَّد بن عمر الواقدي، الَّذي ذكره ابن النديم وغيره ونصَ على تشيّعه واسم تفسيره
( الرغيب ) .
و مؤسس علم الحديث وهو أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله، صاحب كتاب
( الأحكام والسنن والقضايا ) وهو من المختصين بأمير المؤمنين عليه السَّلام، وصاحب بيت ماله بالكوفة، ثم تلاه ولده علي بن أبي رافع، كاتب أمير المؤمنين عليه السَّلام، وهو أوَّل من صنَّف في الفقه.
لا ريب بأن الشقاق السياسي – الفقهي الذي حدث بين الصحابة رضوان الله عليهم،بين موال لعلي بن أبي طالب (ع) معترفٍ بالنص الرسولي على التعيين في الخلافة،وبين الآخرين من الصحابة من العاملين، والمعتقدين بالشورى كأساس لتعيين الخليفة، قد أورث الأمة الإسلامية منذ ذلك التاريخ ،وحتى اليوم، شقاقا مماثلاً تطور مع الزمن إلى أن أصبح مدارس فقهية ومذهبية مختلفة، لكل منها تفسيراتها للتاريخ الإسلامي وللفقه وللسنة .
ولكل منها رؤيتها الخاصة لرجال التاريخ الإسلامي ولأحداثه، مع أن القرآن ،والرسول، والسنة في معظم ما ورد فيها من أحاديث تجمع بينهم،إلا أن الحكام،والممالك، والمصالح، والنزاعات، والسلاطين، أججت ذاك الخلاف، وأخذته إلى مصاف العصبيات البغيضة، العصبيات التي ساعد بعض كتاب التاريخ بأمر من الحكام الظالمين لكل المسلمين،على أخذها مآخذ المقدسات الإلهية وهي ليست كذلك .
لقد تحول الولاء الجماعي لأهل الحجاز واليمن وباقي الجزيرة بعد استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، إلى ولده الحسن بن علي (ع)، ليس كملك موروث، بل لأهلية عقائدية سياسية أخلاقية، تجعله خير من يقود الأمة، وهو من تربى في حضن الرسول (ص) ،وتعلم القرآن والحديث من باب مدينة علم النبي (ص) علي بن أبي طالب(ع) .
وقد جاءت خلافة الحسن بن علي عليه السلام لتؤكد إيمان الموالين لعلي بن أبي طالب (ع) بالتعيين لا بالشورى،عملا بحديث رسول الله :
" الخلفاء بعدي إثني عشر، وكلهم من عترتي أهل بيتي " بحسب الرواية الشيعية، و " كلهم من قريش " بحسب رواية أهل السنة .
وإذا ما أخذنا تفسير حديث رسول الله (ص) الآنف الذكر،على معاوية والتالين له في الخلافة من بعد الراشدين (رض )، لوجدنا أنهم عشرات وليسوا إثني عشر،و فيهم الحافظ لدين الله مثل عمر بن عبد العزيز، وفيهم القاتل لأهل بيت رسول الله مثل قاتل ِ الحسين بن علي ،وآسر نساء رسول الله، وبنات بنته فاطمة يزيدُ بن معاوية ، فهل هؤلاء من قصدهم الرسول (ص) بالإثني عشر؟
وهل علي بن أبي طالب، وهو من لم يسجد لوثن، وهو من قال عنه خير البشر:
" أنا مدينة العلم وعلي بابها"هل يخطئ باب مدينة علم الرسول، فيعين ولده خليفة من بعده طلبا للملك العضود ؟
أم هو أمر إلهي للرسول:
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (المائدة : 67 )
ووفقا للتفسير المأخوذ عن آل بيت الرسول (ص) لهذه الآية الكريمة، فقد بلّغ الرسول (ص) للأمة في غدير خُم إسم قائدها من بعده، وبلّغ اسم الخلفاء من بعده لعلي ، فللحسن بن علي ، فالحسين بن علي ، فأولاد الحسين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه .
وإن كنت لا أسترسل في إظهار الشواهد القرآنية والنبوية والتاريخية على ولاية أهل البيت على الأمة، فذلك لأن الهدف هو تعريف المسلمين، وغيرهم بعقائد الشيعة، وليس إقناعهم بها ، ويمكن لمن يريد الإطلاع أن يعود إلى فهرس المراجع في نهاية الكتاب.
هذا بالنسبة لتفسير الإثني عشر خليفة المذكورة في حديث الرسول (ص) قياسا على واقع ما حصل من بعد وفاته صلوات الله عليه.
لقد آمن أتباع علي، والمتشيعين له، ولأولياء الأمر بالتعيين (إماما يعين إماما) من بعده من أبناءه وأحفاده من ولد فاطمة الزهراء، ولو اعتمدنا التفسير الجعفري الإثني عشري (الشيعي) لحديث رسول الله (ص) لوجدنا تفسيره أكثر عقلانية ومنطقية.
فالخلفاء الذين نص رسول الله عليهم من بعده استناداً للفكر الشيعي هم أئمة أهل البيت الإثني عشر، والمفترض بالمسلمين أن يبايعوا من يتصدى منهم للولاية واحداً بعد الآخر، لتستمر الرسالة المحمدية في صفاءها ونقاءها ، من الرسول (ص) معلّم ِ عليّ إلى عليّ معلّم الحسن والحسين، إلى علي بن الحسين المتعلم على يد الحسين، إلى آخر الأئمة من أولاد فاطمة عليها وعليهم السلام .
فالأمة تحتاج في بداية إسلامها إلى رعاية من خليفة معصوم، يربي الأمة على إسلامٍ محمدي،لا أموي ولا عباسي يتبع الهوى ومصلحة السلطان.
مع الأئمة المعصومين كانت الأمة تتعلم الإسلام وتفسير القرآن والسنة من منابع عصمها الله من الرجس وطهرها تطهيرا،كما في الآية الكريمة :
"إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"
وقد فسر البخاري ومسلم في صحيحهما تلك الآية بالتالي :
البخاري - التاريخ الكبير - الجزء : 9 رقم الصفحة : ( 25 )
205 - أبو الحمراء له صحبة ، قال أبو عاصم :
عن عياد ابى يحيى قال :حدثنا أبو داود عن أبي الحمراء قال :
صحبت النبي (ص) تسعة أشهر فكان إذا أصبح كل يوم،يأتي باب علي وفاطمة فيقول السلام عليكم أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
صحيح مسلم - فضائل الصحابة - فضائل أهل بيت النبي (ص) - رقم الحديث : 4450
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لأبي بكر قالا:
حدثنا محمد بن بشر عن زكرياء عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة : خرج النبي (ص) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال:
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا .
وقد ذكر خمسمائة وسبعة وستين مرجعا مكتوبا من كتب أهل السنة والجماعة، بأن المقصودين بالآية الكريمة، هم علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، دون غيرهم من أهله ونساءه .
منها كتب كل من :
النسائي
الحاكم النيسابوري
الذهبي
ابن أبي شيبة
السيوطي
ابن عساكر
الأصبهاني
أبي قدامة
ابن حنبل
البيهقي
الهيثمي
ابن الأثير
ابن كثير
الخطيب البغدادي
ابن الإعرابي
الحاكم الحسكاني
المزي
الطحاوي
الطبري
الدولابي
ابن عدي
بنظر الشيعة،فإن مسار التاريخ الإسلامي لم يكن ليصل إلى ما نحن عليه من ذل وهوان اليوم، ولم تكن الأمة الإسلامية لتبتلى بمصائب كبرى كما ابتليت عبر تاريخها، لو أن مربيها وراعيها كان ممن نص عليهم الرسول وأوصياؤه من بعده، ولم نكن لنقرأ اليوم، عن الحجاج ويزيد أو عن قصف الكعبة بالمنجنيق.
لو أطاعت الأمة رسولها بحسب الرواية الشيعية بما نص عليه خطاب الرسول (ص) في غدير خم ، لما وصلت الأمة في عهد العباسيين إلى أن تكون أمة أبو نواس وصاحب الأغاني،ولما مات أبو ذر الغفاري هائما في صحراء المنفى ،بأمر من خليفة المسلمين في زمنه عثمان بن عفان، ولما كتب على قبر الصحابي حجر بن عدي "هذا قبر الصحابي حجر بن عدي رضي الله عنه الذي قتله الخليفة معاوية رضي الله عنه "
إن فكرة الولاية لأهل البيت على الأمة تتعلق بثابتة إلهية، مثل حواري عيسى بن مريم (ع) الإثني عشر، إلى الأئمة الإثني عشر من آل محمد (ص) .
هذه الثابتة، وبحسب الرواية الشيعية، تتعلق برعاية مباشرة من خليفة معصوم لأمة ناشئة فتية طرية العود إيمانياً، دخل الملايين في جزيرة العرب، وحولها في الإسلام، من البدو الأجلاف، وعباد الأوثان والنصارى واليهود، من العرب والعجم.
بعض هؤلاء حمل معه إلى الإسلام تقاليد قبلية متوحشة، وآخرين حملوا معهم رواسب وثنية، وفئة منهم تعودت على مبايعة الملوك ما إن غلب واحدهم، وآخرون تعودوا الأخذ لا العطاء.
كل هذه النماذج الإنسانية، جمعتها الدعوة المحمدية تحت جناحيها، فدخلوا في دين الله أفواجا، وضاعفت أعدادهم الفتوحات .
تلك الأمة الهائلة العدد، لم يبق رسول الله (ص) إلا سنوات معدودات بالجسد بينها، ليعلمها، ويثقفها، ويرعاها، حتى تصل بأفرادها جميعا إلى المستوى المطلوب، إيمانياً ،وعقائدياً، وإنسانياً.
فكان من المفترض بأن يقودهم في دروب الحق من بعده وصيه المعصوم، والذي من بعده هو الآخر كان سيتبعه معصوم إثر معصوم حتى الإمام الثاني عشر من المعصومين (عج).
لتنطلق الأمة بعدها في دروب الحياة الدنيوية، متسلحة بتربية إيمانية عامة، نابعة من أمير للمؤمنين عينه الله ورسوله مباشرة أو عبر وصي. فتكون الأجيال قد عاشت في كنف حكم حكيم رشيد لإثني عشر فترة من حكم المعصومين. ما كان سيقودها للعلا، والصلاح الدنيوي .
وإن كنا نوافق كما الشيعة،على أن الصحابة، ممن سموا شيعة، قد بايعوا الخلفاء من أبي بكر إلى عثمان (رض)، فلأنهم أرادوا الإصلاح والمسالمة ما سلمت أمور المسلمين.
حتى صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية، فقد كان بهدف حفظ الأمة من الضياع والهلاك، حتى جاء خروج الإمام الحسين عليه السلام على يزيد بن معاوية، رفضا لتضييع الحد الأدنى من ثوابت الأمة والدين، والتي حافظ عليها في الظاهر على الأقل معاوية، بينما نبذها إبنه منذ اليوم الأول لحكمه الملكي .
وهذا ليس انتقاصاً من إيمان ودين وعقيدة الخلفاء الراشدين، لا والله، ولكنه سرد للرواية الشيعية، ونظرتها، وتفسيرها لمجرى التاريخ الذي سبق، وهم، أي الشيعة من أهلي الكرام، يرون بأنه لو سارت الأمة خلف أئمتها المعصومين من ولد فاطمة وعلي بن أبي طالب (ع)، لملكت الأرض تنفيذا لوعد الله جل وعلا :
"وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" (104الأنبياء)
فأين المسلمين من وراثة الأرض اليوم، وفلسطين سليبة، والعراق محتل، ومماليك السوء، ومغول القتل، وعثمانيو الطورانية، حكموا شرعهم بأمتنا لا شرع الله فوصلنا إلى ما وصلنا إليه.
أين وراثة الصالحين للأرض، ووعد الله لهم، من سور الصين، وبوذا الهند، وكونفشيوس اليابان ؟
إن الشيخ حسين كاشف الغطاء، وهو من أعلام الشيعة الجعفرية، روى في كتابه "أصل الشيعة وأصولها" رؤية يتبناها الشيعة لأصل المذاهب والخلافات الفقهية، وكيف تحول المسلمون إلى سنة وشيعة فيقول :
" تضمن القرآن الأصول الرئيسية لشريعة الإسلام من صلاة وزكاة وحج إلى كل ما يحتاجه الإنسان من عبادات ومعاملات وسائر الأحكام.
وبيّن الرسول عدد ركعات الصلاة وأذكارها، وعيّن أنصبة الزكاة وعلّم مناسك الحج وحدّد مواقيته.
وهكذا سائر الأحكام في القرآن أصوله، وفي سنة الرسول تبيينه وتحديده، ولذلك قال الله تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه ما نهاكم عنه فانتهوا.
ولما كان الناس قد كذبوا على رسول الله في حياته كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
لقد كذب على رسول الله (ص) على عهده حتى قام خطيباً فقال: من كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار، ولم يكفّ الناس من الكذب عليه من بعده.
ومن هنا وقع التغيير في أحكام الإسلام في هذه الأمة، فإذا كان الله قد حفظ كتابه العزيز من التحريف فقد مدّت الأيدي إلى الحديث الشريف الذي فيه شرح القرآن وتحديد مفاهيمه، فغيّرت منه وبدّلت، ووضعت على رسول الله من الكذب والافتراء ما وضعت.
ومن ثم وقع الخلاف بين أبناء هذه الأمة في كل جانب من جوانب الدين الإسلامي عقائده وأحكامه.
وقع الخلاف في صفات الله: أهو جسم وله أعضاء وجوارح، وهل يرى يوم القيامة وكيف يرى ؟.
وفي كلامه القرآن: أمخلوق هو أم قديم؟
وفي أنبيائه أهم معصومون من كل ذنب؟ أم معصومون عن الكذب في تبليغ الوحي فحسب، وقد صدرت منهم المعاصي!
وفي كيفية تلقي خاتم الأنبياء الوحي: أحسب النبي جبرائيل شيطاناً يتلعب به أم أدرك أنه الروح الأمين نزل بالقرآن على قلبه.
وفي الأحكام أيمسح المتوضئ رجليه أم يغسلهما؟ وهل يقرأ البسملة في الحمد أم لا؟ وهل يجب طواف النساء في الحج أم لا يجب؟.
وهكذا وقع الخلاف في جميع جوانب التشريع الإسلامي.
أما كيف نشأ الخلاف في كل هذه المسائل؟ فلعل الباحث المتتبع يدرك بيسر وسهولة، إنها نشأت على اثر تدخل الحكام فيها مدى القرون، فإن الحكام على الأغلب كانوا إذا اقتضت سياسة الحكم عندهم أمراً أقرّوه، ثم أوّل المتزلفون إليهم القرآن بموجبه ورووا الحديث عن النبي في تأييدهم.
ثم أصبح ما تبناه الحكام قانوناً يعمل به ومثّل هذا النوع الإسلام الرسمي، وأهمل ما خالفه ونبذ المخالف وعوقب بقسوة إلى حد القتل تارة، وأخرى دون ذلك.
وقد كان الحكام يكتسبون شرعيتهم بالغلبة لا بالشرعية الدينية، فخافوا على حكمهم وسلطانهم من أهل بيت الرسول أصحاب الحق الشرعي بالخلافة، فقتلوهم بعد التنكيل بهم وطاردوا أتباعهم، دون أن يطالب هؤلاء بالسلطان ولا بالحكم .
وقد اعترف بعض السلاطين في بداية حكمهم بحق الأئمة المعصومين بالخلافة، كحال المأمون العباسي، الذي عين إمامنا الرضا عليه السلام ولي لعهده، ثم عاد بعد استشراء حب الدنيا في نفسه فقتله بالسم .
وأخيراً ارتأت السلطات أن تقسر الأمة على الأخذ بفتاوى أحد أئمة الفقه وآراء الأشعري في العقائد. ممن لا يمانعون في تفسيرهم للسنة، في تملك الغالب على إمارة المؤمنين ولو كان عاصيا مستترا لله.
وجمد طوائف من المسلمين على تقليد مؤلفي الصحاح في الحديث وخاصة البخاري ومسلم، فسدّوا على أنفسهم باب العلم بسدهم باب البحث في الحديث كما سدّ عليهم باب الاجتهاد بقسرهم على تقليد أحد الأئمة الأربعة.
وإذا كانت غالبية الأمة تابعت حكامها في ما أقرّت وتبنّت فقد كان في الأمة أئمة جاهدت في سبيل الحفاظ على التشريع الإسلامي من الضياع والتبديل وعلى سنة الرسول من التحريف والتصحيف، وأولئك هم أئمة أهل بيت الرسالة، وتابعهم من الأمة من سمّوا بشيعة أهل البيت حمل علماؤهم الحديث بعد النبي عن أئمة أهل البيت .
ولما كان الناس على دين ملوكهم رأوا الإسلام متمثلا بحكامهم وما تبنوه من حكم وعقيدة وسنة منسوبة إلى النبي وسمّوا من تابع الحكام بأهل السنة والجماعة.
وسموا من خالف الحكام وتابع أئمة أهل البيت بالرافضة وطاردت الحكومات المتعاقبة أئمة أهل البيت أولاً ثم طاردت شيعتهم من بعدهم ورمتهم بأنواع التهم.
ويجد الباحث في جواب الإمام علي بن أبي طالب (ع) لسليم بن قيس دليلاً على ما نقول. قال سليم قلت لأمير المؤمنين: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله غير ما في أيدي الناس ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أن ذلك كله باطل افترى الناس يكذبون على رسول الله متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم، قال: فأقبل عليّ فقال: قد سألت فافهم الجواب:
إن في أيدي الناس حقاً وباطلا وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً ووهماً، ولقد كذب على رسول الله (ص) على عهده حتى قام خطيباً فقال: أيها الناس قد كثرت الكذابة فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.
ثم كذب عليه من بعده.
وتابع إمام الأمة علي (ع) فقال:
وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس:
رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج يكذب على الله وعلى رسول الله (ص)، متعمداً فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله، ولكنهم قالوا صاحب رسول الله (ص): رآه، وسمع منه، ولقف عنه فيأخذون بقوله، وقد أخبر: الله عن المنافقين بما أخبرك، ووصفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده (ع) فتقربوا إلى أئمة الضلالة، والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله (ص) شيئاً لم يحفظه على وجهه، فوهم فيه ولم يتعمد كذباً، فهو في يديه ويرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله (ص) فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوا منه، ولو علم أنه كذلك لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله (ص) شيئاً يأمر به ثم (أنه) نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهي عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على الله، ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفاً من الله، وتعظيماً لرسول الله (ص)، ولم يهم، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على سمعه، لم يزد فيه ولم ينقص منه، فحفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنب عنه وعرف الخاص والعام فوضع كل شيء موضعه، وعرف المتشابه ومحكمه.
وقد كان يكون من رسول الله (ص)، الكلام له وجهان: فكلام خاص وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله سبحانه به، ولا ما عنى رسول الله (ص) فيحمله السامع، ويوجهه على غير معرفة بمعناه، وما قصد به، وما خرج من أجله، وليس كل أصحاب رسول الله (ص) من كان يسأله و يستفهمه، حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي والطارئ فيسأله (ع) حتى يسمعوا، وكان لا يمر من ذلك شيء إلا وسألت عنه وحفظته، فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلاف، وعللهم في رواياتهم.
من أصول الكافي ج 1 / 62 باب اختلاف الحديث ويتفق ما بعده مع ما ورد في الخطبة 208 من نهج البلاغة راجع ط. الاستقامة بالقاهرة تحقيق محي الدين عبد الحميد 2 / 215 - 216 وراجع تحف العقول ص 45.
(16) تجد بيان ما ورد في هذه الخطبة في الكتب الآتية:
1 - من تاريخ الحديث مخطوط للكاتب.
2 - أضواء على السنة المحمدية وشيخ المضيرة للشيخ محمود أبو رية.
3 - أبو هريرة للسيد عبد الحسين شرف الدين.
https://telegram.me/buratha