الصفحة الفكرية

نظرات في كتاب الغيبة والانتظار قراءة تأريخ....بقلم أ.د. حسن الحكيم

3937 23:20:00 2012-09-25

 

أخذ مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عج)، على عاتقه تعميق الفكرة المهدوية، ذات العمق العقائدي في النفوس، في محاولة لإحباط التشكيك الذي أحاط بمفهوم الغيبة عبر التاريخ الإسلامي، وكانت دراسة السيد محمد علي الحلو: (الغيبة والانتظار قراءة تاريخ ورؤية مستقبل) واحدة من الدراسات الجادة في هذا الموضوع، ومما يزيد أهمية هذه الدراسات أنها صادرة عن مركز المرجعية العليا، ومدرسة الفكر الإسلامي الكبرى مدينة النجف الأشرف، التي أصبح من واجبها الدفاع عن العقيدة، عن طريق الفكر الخلاق، والاحتجاج العلمي الناضج على وفق شفافية محاطة بأدلة وبراهين، وقد اعتمد الباحث في تعزيز فكرة الإمام الغائب (عج)، على القرآن الكريم الذي أكد فكرة الخلافة في الأرض، وما يؤيد الفكرة من أحاديث مروية عن أهل البيت (ع)، وهي مودعة في كتب الحديث المعتمدة وبخاصة في مؤلفات الشيخ الكليني، والشيخ الصدوق، والشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والشيخ الطبرسي، والشيخ المجلسي وغيرهم، واستقى من مؤلفات محدثين من أهل السنة وبخاصة مؤلفات الإمام البخاري وابن كثير، وابن حجر، والقرطبي، والسيوطي وغيرهم، وقد ربط المؤلف بين الذي تنطبق عليه مواصفات الخلافة وبين العصمة، وهذا الأمر يعطي لمنصب الخلافة السمة المثالية في تطبيق الأحكام. فيقول المؤلف: هو التكامل الإنساني ورقي الفرد إلى أعلى مراتب الكمال، فإن النبي وكذلك الإمام يجب أن يكون في مرتبة من الرقي والكمال بما يمكنهما من تربية الأمة وما ينسجم واللطف الإلهي بعباده من أجل وصولهم إلى مراقي التكامل)، وقد أكد على العصمة بقوله: (فالاختيار إذاً لا يكون بعيداً عن العصمة. والخليفة الذي يصطفيه الله هو من خيرة عباده لطفاً منه بهم، فهو لا يختار من تاقت نفسه للمعصية وجبل على ارتكاب الفاحشة والخطيئة).

ويأتي النص على الإمام (ع) مكملاً للعصمة، وهذان الأمران مرتبطان بأئمة آل البيت سلام الله عليهم، إذ أننا لم نجد في النظم السياسية الحاكمة في التاريخ الإسلامي من يجمع العصمة والنص في شخصية الخليفة، غير الأئمة الأثنى عشر (ع)، وقد أكدت آية التطهير هذا الجانب، فضلاً عن آيات أخرى اعتمدها المؤلف للتدليل على رأيه، وأن الرقم (الاثنى عشر) الوارد في الأحاديث الشريفة، يؤكد استمرار الإمامة إلى الإمام المهدي (عج)، وهو خاتمة الرقم المذكور، فهو من ولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ومن سلالة الإمام الحسين (ع)، كما نصت بعض من الأحاديث الشريفة أنه من ولد السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وأن اسمه كما ورد في الحديث الشريف: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من ولدي اسمه إسمي). وهذا ينطبق فعلاً على أن الإمام الغائب (عج) هو محمد بن الحسن سلام الله عليهما، وكان المؤلف موفقاً في عرضه للبحث وتدرّجه في فصوله، وصولاً إلى إمامة المهدي (عج)، وذلك من خلال نصوص الإمامية وبعض نصوص المذاهب الإسلامية الأخرى، إذ أنه أفاد من بعض روايات أهل السنة في ولادة الإمام المهدي (عج).

وقد استقى نصوصه من تسعة وعشرين كاتباً، ولكن كان عليه أن يرتبهم على وفق وفياتهم لكي يحافظ على التسلسل التاريخي، ولكن هذا لم يحصل، فقدم المتأخر على المتقدم زمنياً، ولكن المهم في هذه المصادر أنها تؤكد بالإجماع على ولادة الإمام المهدي (عج) وغيبته بعد توليه الإمامة. وقد تساءل المؤلف (لماذا غيبة الإمام؟) وقد جاء هذا التساؤل في غاية الأهمية، وكان بودّي أن تكون الإجابة عنه بما يتناسب مع أهمية السؤال، ولكن بقي الجواب بحاجة إلى أدلة أخرى، ولا سيما أن الفكر الإمامي يواجه تيارات فكرية لا تؤمن أصلاً بالغيبة والإمام المهدي (عج)، والنقطة الأخرى أن موضوع (شهادة الإمام الحسن العسكري (ع)) جاء بعد السؤال: (لماذا غيبة الإمام؟) (فكان الأجدر به تقديم شهادة الإمام العسكري (ع) على الغيبة.

ومما يلاحظ أن المؤلف قد أطال في التحدث عن الإمام الحسن العسكري (ع)، إذ أخرجه هذا الأمر عن موضوع الغيبة الذي هو أساس الدراسة، وأقحم فيه دراسة بعض من نساء القصر العباسي بوصفهن متشيعات، ولكن ليس هناك من يثبت ذلك من أدلة وبراهين، وربما كان لبعضهن عيل لآل البيت (ع)، لما وجدن من ظلامة لهم، وسوء معاملة من السلطة العباسية، وعند الحديث عن الغيبة التي هي محور الدراسة، نجدها قد جاءت تحت عنوان: (غيبة الإمام المهدي (عج)، الأدوار والمراحل) فقد قدم لهذا الفصل دراسة عن غيبة الأنبياء (ع)، وعند التوغل في موضوع الغيبة لم أجد المؤلف قد اعتمد كثيراً على كتاب (الغيبة) للشيخ النعماني، أو غيرهما من الأوائل الذين تعمقوا في هذا الموضوع الخطير، وكان عصرهم يحتم عليهم دراسة الغيبة، إذ كانت المناظرات والمحاججات تدور بين الكلاميين حول الإمامة على وجه الخصوص، وكانت معالجة المؤلف لموضوع جعفر بن الإمام الهادي (ع)، (وهو عم الإمام المهدي (ع)) في غاية الأهمية، إذ أنه يكشف عن دور السلطة في تعيين العناصر الهزيلة في المسؤوليات الدينية، في محاولة لإبعاد آل البيت الشرعيين عن مواقعهم الحقيقية، وهذا التعيين يتقاطع مع مبدأين أساسيين سار عليهما الأئمة (سلام الله عليهم) وهما: العصمة والنص على تقاطع تام مع سيرة جعفر بن الإمام الهادي (ع)، وهذه المحاولة السلطوية الجائرة أدت إلى اختفاء الإمام المهدي (عج) عن الساحة، وبروز (السفراء الأربعة) لمواجهة السلطة من جانب، والمجتمع من جانب آخر، وهذا ما أطلق عليه عصر (الغيبة الصغرى).

وتستوقفني في موضوع السفراء الأربعة نقطتان هامتان هما: الدور السياسي والفكري للسفراء في عصر الغيبة الصغرى، والحجم العلمي الذي كان عليه سفير، وهذا أمر طبيعي لأن كل واحد منهم ينوب عن الإمام (ع)، فلابد أن يتصف بصفات الوكالة التامة، ولكن لم أجد المؤلف قد أحاط هذه المسألة بالدراسة المستفيضة، والنقطة الثانية هي انتقال السفراء إلى مدينة بغداد، فهل أن هذا الانتقال كان بوحي من الإمام (ع) أم أن الضغط السياسي في مدينة سامراء أدى إلى هجرتهم عنها؟ وتحتاج هذه النقطة إلى الوقوف عندها وقفة طويلة لأهميتها، ويختم المؤلف دراسته عن الشطر الثاني وهو (الانتظار)، وقد تعرض إلى المحاولات المهدوية بصورة مقتضبة قبيل غيبة الإمام (ع)، وجاء الكلام عن (الانتظار) وهو الأمل الذي يراود الأمة لإنقاذها، وتحقيق دولة العدل في الأرض، وإنهاء دولة الظلم والجور، وهذا أمر يجب تحققه على وفق الروايات الصحيحة، وإن الانتظار سواء طال أم قصر لابد له من نهاية، إذا تأكد للقارئ سواء كان إمامياً أو غيره، أن الروايات المذكورة سليمة وصحيحة، وإذا كانت هناك شكوك في هذه المسألة الغيبية، فإن الشكوك قد امتدت إلى الأنبياء ورسالاتهم، كما امتدت آراء الماديين والملحدين إلى وجود الله تعالى، وهذه هي نقطة الفصل بين الإيمان والشك، ولاشك أن الموضوع الذي تناوله السيد محمد علي الحلو أحد المواضيع الهامة التي تقف بين الإيمان وعدمه، وإننا بحاجة إلى دراسات علمية جادة في هذه المواضيع الخطيرة لمواجهة التيارات الإلحادية والمادية والتشكيكية.

36/5/925

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك