أكد الإمام الخميني(قدس سره) أن الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات والأنظمة القائمة وشأنها، إن لم تطبق شرع الله، أي انه يتحتم علينا أن نسعى للتغيير بكل السبل والأدوات حتى لا تتمادى الحكومات في غيها، لماذا؟.
سيلاحظ المتصفح لمكونات أفكار ومتطلبات "الحكومة الإسلامية" كما جاءت في الكتاب الذي نشرته بهذا العنوان مؤسسة تنظيم تراث الإمام الخميني(قدس سره) في باب الشئون الدولية، أن ضرورات الثورة السياسية جاءت كمقدمة حتمية للوحدة الإسلامية، وإذا اتفقنا أن الثورة تسعى إلى التغيير فيمكننا أن نتفق أيضا على أن الرسالات السماوية تمثل في محصلتها النهائية ثورة على ما هو قائم من أجل بناء صرح جديد وفق الاشتراطات التي وضعها رب العالمين.
والدين الإسلامي كما أسس له سيدنا محمد (ص)، يُعد أكمل وأقوى وأعمق الأديان السماوية ومن ثم الثورات التي غيرت وجه الإنسانية.
ويكفي أن نتذكر معاً ملامح المجتمع الإنساني في شبه الجزيرة العربية قبل بعثته عليه السلام، ومدى التحول الذي صار إليه نفس المجتمع بعد أقل من ثلاثين عاماً من بدء الدعوة إلى التوحيد، وكيف كان ذلك منطلقا لثورة عظمى لحقت بالبشرية.
وجاء في المقال أيضا أن الدين الإسلامي جاء بثورة، ومن هذا المنطق أكد الإمام الخميني(قدس سره) أن الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات والأنظمة القائمة وشأنها، إن لم تطبق شرع الله، أي انه يتحتم علينا أن نسعى للتغيير بكل السبل والأدوات حتى لا تتمادى الحكومات في غيها، لماذا؟.
لأن استمرار هذه الكيانات في تبلدها المعطل لنظام الحكم الإسلامي وتقاعسها عن تطبيق أحكام الدين الحنيف، يساهم بشكل مباشر في تخلف جميع الأقطار الإسلامية بلا إستثناء من ناحية، ويوقف من ناحية أخرى خطوات قيام وحدة جامعة فيما بينها كلها، أو بين البعض منها وفق أقل التوقعات.
ان ضرورات الثورة تنطلق كما يقول الإمام الخميني(قدس سره) من مجمل النصوص التي تصف نظام الحكم في بلد إسلامي ما بأنه لا يخضع لنهج القوانين الإسلامية التى تقيم نظاماً إجتماعياً متكاملاً يبدأ من مسئولية هذا الحكم في سد جميع حاجات الإنسان وينتهي بتشريعات الحرب والسلام والعلاقات الدولية بما في ذلك علاقات الجوار والقوانين الجزائية والحقوق التجارية والصناعية والزراعية، وحتى قوانين النكاح المشروع وواجبات الأبوين، وكل ما يتصل بتربية الإنسان تربية كاملة. يصفه الإمام بماذا ؟.
كما يرى الامام الخميني (قدس سره)، ليس هناك وسيلة لتوحيد الأمة الإسلامية إلا من خلال بداية مؤكدة وهي إقامة حكومة إسلامية في ايران، تعمل بكل طاقتها لتحقيق هذا الهدف، من هنا جاء المشروع الإصلاحي للإمام الخميني (قدس سره)
بأنه نظام حكم مشرك على رأسه طاغوت، لأنه لم ينفذ شرع الله، كيف؟. لأن القرآن المجيد والسنة الشريفة يحتويان على جميع الأحكام والأنظمة التي تحقق هذا النهج السليم في الحكم.
من هنا أصبح لزاما على المجتمع المسلم الذي يعيش في مثل هكذا أنظمة، ان يعي وصية الإمام الخميني(ره) التي تحضه على القيام بثورة سياسية لإزالة آثار الشرك تماما، حتى يتمكن من تهيئة البيئة المناسبة لتربية وتنشأة جيل من أبناء المجتمع، القادر في المستقبل على منع قيام نظام حكم مشرك مرة ثانية، جيل يملك قوة القضاء على سلطتهم غير الشرعية كلما همت بالعودة إلى الإفساد مرة أخرى، وتهيئة البيئة لمنع قيام نظام حكم مشرك مرة أخرى. تتطلب كما يرى الامام الخميني(قدس سره)، الوقوف بشدة أمام الفساد وفرض عقوبات رادعة على من يقومون به أو يروجون له، لأن المسلم التقي الذي يلتزم بتعاليم الكتاب والسنة، ربما لا يستطيع – هكذا يقول الإمام الخميني(قدس سره) - أن يعيش محتفظا بإيمانه وهدايته بين جنبات مجتمع فاسد ومفسد.
وعليه أن يثور على هذه المفاسد ومن يساندونها وأن يتمرد على طاغوت النظام الحاكم الذي يوفر للفساد الحماية، وأن يعمل على إزالة هذا الحكم وعلى آثاره بكل ما أوتي من قوة إيمانية تساهم في هدم هذه الأنظمة وتحاكم رموزها، وهذه الضرورات إن توافرت في أكثر من قطر مسلم، من شأنها أن تفرض فيما بعد ما أكد الأمام الخميني (قدس سره) "ضرورة الوحدة الإسلامية" التي من خصوصيتها أن تقضي على عوامل التفرقة التي تركها الاستعمار الأوربي على مستوى الدول الاسلامية العربية وغير العربية التي وقعت فريسة له منذ منتصف القرن التاسع عشر ، ولا زال غالبيتها تعاني من تبعات هذه الحقب المظلمة إلى يومنا هذا.
إذن، وكما يرى الامام الخميني (قدس سره)، ليس هناك وسيلة لتوحيد الأمة الإسلامية إلا من خلال بداية مؤكدة وهي إقامة حكومة إسلامية في ايران، تعمل بكل طاقتها لتحقيق هذا الهدف، من هنا جاء المشروع الإصلاحي للإمام الخميني (قدس سره).
ذلك المشروع الذي اهتم بالمحافظة على الانتماء الإسلامي لإيران لكي تبقى داخل دائرة الحضارة الإسلامية، بعد أن ابعدها الاستعمار عن تلك الدائرة، عندما نجح زوراً وبهتاناً في ربط مصالحها القومية والتاريخية والسياسية، بمصالح القوى الغربية.
وإذا كان المشروع الإصلاحي قد اهتم في المقام الأول لتحقيق هدف الإبقاء على إيران داخل دائرة الحضارة الإسلامية بالمحافظة على مكانة الحوزة العلمية، فإننا نشير بكل ثقة إلى أنه كثيراً ما ربط بين هذا الهدف وبين التأكيد المستمر على ضرورة قيام الوحدة بين المسلمين مع الحرص على نبذ الفرقة الطائفية والقومية والإقليمية.
لأن الوحدة في رأيه "فريضة إلهية" وضرورة يفرضها عليهم واقع التكتلات الدولية التي تنازع الأقطار الإسلامية الثروات والمستقبل من ناحية، والتحديات التي تواجه استقرارهم وأمنهم، وعلى رأسها التهديد الصهيوني من ناحية ثانية. الوحدة الإسلامية كما يدعو إليها الإمام الخميني(ره)، لا تتحقق إلا على يد الجماعة الإسلامية.
ان يشارك الحاكم والمحكوم كل على قدر طاقاته ومسئولياته في تحقيق ولو جزء يسير من الوحدة الإسلامية، الأمر الذي حرص عليه الإمام الخميني(قدس سره) ودعا إليه، وبدأه بتنحية العصبيات التي تقود إلى طريق التفرقة وتفتح أبواب التباغض بين الأقطار الإسلامية وربما تمهد الطريق للاستعانة بالعدو المتربص بالأمة كلها على الأخ والشقيق، وذلك لكي يؤسس لقيام الوحدة الإسلامية .
يجب أن نعنى بهذه المناسبة، ان تنقية الاجواء بين المذاهب الإسلامية، يقطع الطريق على أعداء ديننا الحنيف وخصومنا الذين يفترون علينا الكذب عندما يقولون إن الإسلام ليس ديناً واحدا "كبرت كلمة تخرج من أفواههم، إن يقولون إلا كذبا"، لأنهم يقيسون الأمر من خلال رؤيتهم القاصرة محدودة الفهم في ضوء تتبعهم لما يجري بين أقطار إسلامية من خلاف واختلاف وتجاف في كثير من الأحيان، وأزعم ان قطع الطريق هذا، يمثل خطوة واسعة على طريق الانتصار في مواجهة مؤامراتهم الخبيثة على كافة المستويات خاصة السياسية والاقتصادية.
تنقية الاجواء أو ثقافة التقريب بين المذاهب كما أشار اليها الإمام الخميني (قدس سره) في أكثر من موضع في "محاضرات ولاية الفقيه" التى القاها على طلاب علوم الدين بالنجف الأشرف عام 1389 هجرية أي منذ نحو 44 عاماً، ونشرت فيما بعد تحت عنوان الحكومة الإسلامية، وكذا عبر فقرات برنامجه الإصلاحي، هي التي تؤكد للعالم أجمع أن ديننا واحد في العقيدة والعمل والحكم، دين واحد تنبع شريعته من كتاب الله وسنة نبيه (ص).
الوحدة في رأيه "فريضة إلهية" وضرورة يفرضها عليهم واقع التكتلات الدولية التي تنازع الأقطار الإسلامية الثروات والمستقبل من ناحية، والتحديات التي تواجه استقرارهم وأمنهم، وعلى رأسها التهديد الصهيوني من ناحية ثانية. الوحدة الإسلامية كما يدعو إليها الإمام الخميني(قدس سره) ، لا تتحقق إلا على يد الجماعة الإسلامية
وهي التي إن راعتها الأقطار الإسلامية الأخرى بنفس الدرجة من الاهتمام والرعاية – كما تفعل جمهورية ايران الإسلامية – ساهمت معها جميعاً في القضاء على أسباب الفرقة وابتعدت نفسها عن مبررات الإرتماء في خنادق أعداء الأمة الإسلامية، وتوقفت عن ترك نفسها نهباً لأعداء دين الله الحنيف.
وهي – اي سياسة التقريب – التي تتيح الفرصة لعلماء الأمة أن يبذلوا قصارى طاقتهم لتخليص أحكام الدين والشريعة من الشوائب التى لحقت بها إبان عصور تخلف أمتهم، لأنهم – العلماء – هم المسئولون عن تخليص الدين من العكورات التي تبعد المسلمين عن صفاء مبادئه وقدرتها على هدايتنا حكام ومحكومين لما هو أفضل لنا في حياتنا الدنيا وفي الآخرة، تحقيقا لقوله تعالى: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم". وهي التي يجب أن يجتمع عليها وحولها الكل بلا إستثناء، حكام ومحكومين، مستظلين بحبل الله و معتصمين به سبحانه وتعالى.
لأن الاعتصام ليس له إلا وجهة واحدة، وهي الوحدة ، ليس على مستوى المجتمع أو القطر الواحد، لا بل الأمة كلها. وهذا الاعتصام من شأنه أن ينظم حاجات المسلمين جميعاً حول العالم، خاصة على أهم مستويين يؤثران في حياتهم، غنيهم وفقيرهم، أكثرهم تطوراً، وأقلهم على مستوى النهضة، أعمقهم أخذاً بأسباب التحديث التكنولوجي، وأبعدهم عن ثقافته.. واقصد بذلك: أولاً: شئونهم الاقتصادية والمالية والاستثمارية والإنتاجية. وثانياً: الحد الأدنى من التحالفات السياسية التي من خلالها يتمكنون من مواجهة المؤامرات الخارجية سواء كانت إقليمية او دولية. لا اعتقد ان هناك من يعارض هذا النهج النابع من الأصل الرباني العظيم "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا".
فإذا كان غيرنا قد حقق السؤود والرفعة من خلال هذين الأمرين، التكاتف والتعاضد عبر آليات الاقتصاد والإنتاج وتبادل خبرات الاستثمار والتنمية وبرامج النهضة، والتناصح والتنسيق عبر مواقف سياسية تدعم وترسي سياسته في حدها الأدنى لمواجهة بقية قوى العالم المتربصة به، دون ان يكون بين يديه النهج الرباني الذي خصنا به رب العرش العظيم من فوق سبع سماوات.
أفلا يكون ذلك دافعاً لنا لكي نعتصم بحبل الله، لكي نحقق قوله عز وجل "كنتم خير امة أخرجت للناس".
ليس هناك مستمعي الكرام: إلا الوحدة الإسلامية سبيلاً لتحقيق هذه الخيرية. وليس هناك أحدث من النهج الذي دعا اليه الإمام الخميني(قدس سره) طريقاً نحو هذه الوحدة.
33/5/908 تح / علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha