لمحة سريعة عن المدعو أحمد بن الحسن!
الشيخ جلال الدين الصغير
هذا الرجل دجال مدّع، وكذّاب مفتر، وبصورة رخيصة جداً!
فهو من جهة يدّعي أنه من بني هاشم أولاً، والحال خلاف ذلك فهو من السلميين أحد أفخاذ عشيرة الصيامرة في البصرة واسمه أحمد كاطع اسماعيل السلمي الصيمري، وعائلته موجودة ومعروفة في البصرة، وهؤلاء ليسوا من بني هاشم بالتأكيد وإنما من عوّام الناس.
ويدّعي ثانية أنه ابن الإمام صلوات الله عليه، وهي دعوى مضحكة لعدم ثبوت أن الإمام له أولاد وحفدة من جهة، فهذا ما لا يوجد أي دليل عليها من أي رواية من رواياتهم، ولكونه مدّع لهذا الأمر ومن يدّعي عليه أن يقدّم الدليل على صحة دعواه، فالبينة على من ادعى واليمين على من أنكر كما هو المتسالم عند جميع المسلمين.
وهو يدّعي ثالثة أن لديه وصية من الإمام الحجّة صلوات الله عليه، وقد وضع نفسه موقع الوصي منه، ويلقّب نفسه بأنه هو الوصي للإمام صلوات الله عليه، ورسوله إلى العالم أجمع، وهذه ما لا يمتلك عليها أي دليل، خاصة وأن الإمام كذّب كل من يدّعي المشاهدة قبل السفياني والصيحة كما هو صريح الرواية الشريفة في التوقيع الصادر لنائبه الأخير علي بن محمّد السمري رضوان الله عليه قال الإمام روحي فداه: وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، [ألا فمن ادعى المشاهدة]، قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر،[1] والسفياني لما يظهر بعد، والصيحة لما تقع بعد، فمن أين تأتّى له أن يدّعي هذا المقام؟ وأي حجّة لديه في هذا المجال، خاصة وأنه لا توجد أية إشارة في أية رواية تشير إلى أن الإمام صلوات الله عليه يرسل له أوصياء قبل ظهوره الشريف؟
وهو يدّعي رابعة أنه هو اليماني الموعود، ولا يوجد أيّة إشارة إلى أن اليماني هو وصي الإمام المنتظر صلوات الله عليه، كما أن دعواه تفتقر لأدنى دليل، فمن الذي يقول أنه هو اليماني؟ ومن الذي يثبت أنه هو المقصود بالروايات الخاصة بهذا العبد الصالح؟
ولقد أشرنا في كتابنا علامات الظهور وكذا في كتابنا راية اليماني الموعود أن اليماني الموعود لن يعرف إلّا من خلال عمله، لأنه لا يوجد من يشهد شهادة علم ويقين بأنه هو اليماني، لأن جهات المعرفة التشخيصية في هذا المجال هم ثلاثة لا يمكن تجاوزهم، وهم إما أن يصرّح نفس اليماني الموعود بأنه هو المقصود في الروايات، عندئذ لن يمتلك أي دليل يستدلّ به على ذلك، حتى لو أنه التقى بالإمام صلوات الله عليه وصرّح له بذلك، فلو قال أن الإمام روحي فداه هو الذي أخبره بذلك، فإن تكذيبه سيكون من أسهل الأمور، لأن دعوى المشاهدة التي تنطوي على أحكام تشريعية أو عقائدية ممنوعة قبل خروج السفياني والصيحة.
وإما أن تكون المرجعية الدينية الرشيدة، عندئذ من أين ستأتي بالدليل على ذلك؟ فحتى لو كانت متيقنة بأن فلاناً هو اليماني الموعود بفرض أن المرجع سيلتقي بالإمام بأبي وأمي، ولكن كيف سيتمكن من إقامة الدليل على ذلك وهو الممنوع من دعوى المشاهدة سلفاً، وقد يحتمل البعض أن يكون الأمر عبر رؤيا صادقة، والكلام يبقى نفسه في كيفية إقامة الدليل، فهل نأخذ ديننا وأمورنا من الأحلام؟ وما يدرينا أن هذه الرؤيا صادقة أو لا؟، والتجربة الموضوعية للمرجعية أنها كانت ولا زالت وستبقى أبعد ما تكون من مثل هذه الأمور .
وإما أن يكون الإمام صلوات الله عليه هو الذي سيتصدى للإبلاغ عن ذلك وهو ممكن بالرغم من تعارضه مع توقيع تكذيب دعوى المشاهدة، ولكن من الناحية الجدلية يحق لنا أن نتساءل عن من سيبلغه الإمام صلوات الله عليه بذلك؟ وعلى فرضه فمن الذي سيتجرأ لمثل هذا الإدعاء وهو المكذّب سلفاً لمجرد هذا الإدعاء!
وهكذا نجد أن أي مجال للتعرف على اليماني الموعود لا وجود له إلّا من خلال عمله، وهذا العمل لا يظهر بشكل يقيني وقاطع إلّا بعد إقبال السفياني إلى العراق، ومن المستحيل تصوّر ذلك قبل دخول السفياني.
نعم يمكن لبعض المؤمنين أن يرى الإمام صلوات الله عليه بنمط من أنماط الرؤية حضوراً أو مناماً، وهو ممكن بحد ذاته ويبلغه الإمام روحي فداه بأن فلاناً هو اليماني، ولكن من الواضح أن هذا الإبلاغ سيبقى خاص بذلك الشخص ليس إلّا.
وهكذا نجد إنعدام الدليل ولو صغر على دعوى هذا الدجال، فتأمّل!.
وكل المواصفات التي طرحت لليماني في الروايات الشريفة لا تنطبق عليه بأي شكل من الأشكال، فاليماني أهدى الرايات من بين راية الخراساني وراية السفياني، بدليل حديث الإمامين الصادقين عليهما السلام، وعليه فإننا يجب أن نتلمس الهدى في أية شخصية تدعي مقامه، وكما هو معلوم فإن الهدى ليست كلمة خالية من المصاديق، كما وأن الهدى لا يمكننا إدراكه لمجرد إدعاء الإنسان، فهو ممارسة سلوكية وعقائدية يمكن الإستدلال عليها، فما بالك بأن يكون هذا العبد الصالح هو الأهدى من بين الرايتين؟
وقد شرحنا في محل آخر موارد تمييز الهدى من الضلال بشيء من التفصيل ولكن هنا سأكتفي بالإشارة السريعة لذلك، ففي البداية علينا أن نشخّص معالم الهدى قبل أن نتحدث عن الأهدى، فمما لا ريب فيه أن الهدى في زمن الغيبة بصورته العامة يستدعي أربعة عناصر أساسية هي:
أولاً: إن أي شخص يدّعي الهدى عليه أن يبرز إنتماءاً لمنظومة عقائدية هادية، فالأصل هو المعتقد، وبغيره فإن الأعمال بلغت ما بلغت من ظاهر الصلاح لا يمكن أن تبلغ بالإنسان أي محل من الهدى، لقول الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله: لو أن عبداً عبد الله ألف عام ما بين الركن والمقام، ثم ذبح كما يذبح الكبش مظلوماً، لبعثه الله مع النفر الذين يقتدى بهم وبهداهم ويسير بسيرتهم ، إن جنّة فجنّة، وإن ناراً فنار. (المحاسن: 61 ب79 ح102).
وكذا قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: لا خير في العيش إلّا لرجلين؛ رجل يزداد كل يوم خيراً، ورجل يتدارك منيّته بالتوبة، وأنى له بالتوبة والله لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله تبارك وتعالى منه إلّا بولايتنا أهل البيت. (الكافي 2: 457 ب203 ح15).
ومثلهما قول الإمام الصادق للمعلى بن خُنيس: يا معلى لو أن عبداً عبد الله مائة عام ما بين الركن والمقام يصوم النهار ويقوم الليل حتى يسقط حاجباه على عينيه وتلتقي تراقيه هرماً جاهلا لحقّنا، لم يكن له ثواب. (المحاسن: 90 ب16 ح40).
ولعل إطلالة صغيرة على الوضع العقائدي لهذا الرجل يكشف طبيعة الزيف الذي يكتنفه، ويكفينا أن نشير إلى كثرة حديثه عن عصمة اليماني أي عصمته هو، وأن هناك اثني عشر مهدياً بعد الإمام المنتظر صلوات الله عليه، وأنه هو أوّل المهديين المشار إليه في رواية قدّمها للناس بعنوانها رواية الوصية وأنها تحمل اسمه، واتخاذه لنجمة داود (النجمة الإسرائيلية) رمزاً، بحجّة أن الإمام سيحكم بحكم داود، فالعصمة المدعاة عن اليماني ودعواه أنها منصوصة، بدليل قول الإمام الباقر عليه السلام بأن اليماني يدعو إلى صراط مستقيم، مما يدل على عصمته، وهذا باطل في الفكرة والتطبيق، فمن الواضح أن الدعوة إلى الشيء وهي التزام عقائدي لا علاقة لها بالسلوك فقد يدعو الإنسان إلى شيء محق، ولكن قد يمارس ذنباً في قضية أخرى من غير قضايا هذه الدعوة، بل قد يمارس في الخفاء ما يناقض ما يدعو إليه من حق في العلن، وحتى لو كان هذا العبد الصالح بعيد عن الذنب، فما من دليل على العصمة المنصوصة إلّا للمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، ولو قدّر جدلاً أن اليماني الموعود معصوم، فمن أين تأتّى لأحمد اسماعيل كاطع أن يكون هو المعصوم؟.
أما الحديث عن المهديين الذي ملأ الدنيا ضجيجاً وزعم انه هو المعني به، فهو يكشف ضحالة ما لديه من علم، وسوء ما عنده من طوية، فالحديث ونصه مورد الجدل كالتالي: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال : يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً ومضى يعدّ أسماء الأئمة صلوات الله عليهم واحداً من بعد الآخر حتى بلغ الإمام الحسن العسكري عليه السلام فقال: فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد عليهم السلام، فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة، فليسلمها إلى ابنه أوّل المقرّبين له ثلاثة أسامي: اسم كإسمي واسم أبي وهو عبد الله، وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين. (غيبة الشيخ الطوسي: 150ـ151 ح111).
وهذا الخبر تارة يناقش في سنده، عندئذ يعلم أهل الاختصاص في علم الرجال أن الخبر مُساق برجال أسانيد العامة، فرجاله كلهم مجاهيل، ما عدا الحسين بن علي البزوفري فهو ثقة جليل، وبالتالي فإن الخبر ضعيف جداً في علم الرجال لا سبيل لتوثيقه، خاصة وأن بعضاً من لفظه خاص بالعامة، ومناقض لروايات أهل البيت عليهم السلام كما هو الحال في قوله: اسم كاسمي واسم أبي، وهذا اللفظ هو مورد رواية موضوعة من أجل أن لا يقال أن المهدي من ولد الإمام العسكري عليه السلام، ولذلك نجد أن اسم الإمام المهدي عند بعض السنة كالوهابيين هو: محمد بن عبد الله الحسني وليس الحسيني. (انظر كتاب محمد العريفي: نهاية العالم أشراط الساعة الصغرى والكبرى: 182)، وعلى العموم فإن الخبر يعتبر من الناحية السندية ضعيف لا يمكن الأخذ به، وسيأتي مزيد حديث عن ذلك لاحقاً.
أما من ناحية متنه، فالخبر من أخبار الرجعة وهو من مسلّمات القرآن الكريم الذي عرض للرجعة بصيغتها المفهومية حينما قال: "ويوم نحشر من كل أمة فوجاً"[2] ومن الواضح أن الحشر في يوم القيامة لجميع الخلائق، ولا معنى للحشر عندئذ إلا أن يكون في الحياة الدنيا، وان يكون هذا الحشر غير حشر يوم القيامة، وكذلك عرض لها بصيغتها التاريخية المنجّزة كما في قوله تعالى: أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مئة عام ثم بعثه، قال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً، أو بعض يوم قال: بل لبثت مئة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه، وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس، وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً، فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء.[3] ومن الواضح أن الإمامية (أعلى الله شأنهم) يتميّزون بالقول بها، والمتفق عليه لديهم هو أن الأئمة صلوات الله عليهم يرجعون جميعاً من بعد الإمام المهدي صلوات الله عليه، وفي بعض الروايات أن أول القائمين بالأمر من بعد الإمام المنتظر روحي فداه هو الإمام الحسين عليه السلام، ولأنهم أئمة، وإمامتهم لا تنسخ، ولا تستبدل، لذا فإن رجعتهم ستكون للقيام بمهمة هي من مهمات الإمامة، ولكن الأوضاع الإجتماعية التي كانوا يحيونها من قبل، حرمتهم وحرمت نفسها من هذه المهمة، ألا وهي مهمة المهدي القائم بالأمر والمقيم للعدل، أي أن الحديث عن المهديين من بعد الأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم، إنما يأتي بمهمة تكميلية لأدوار نفس الأئمة صلوات الله عليهم لاحقاق الحق وإتمام الحجة الربانية على الخلق.
وقد حاول هذا المدّعي تحريف مسار الخبر، مستغلاً وقوع تصحيف كثير في النسخة المتداولة من كتاب غيبة الشيخ الطوسي كما يعرفها أهل الاختصاص، فمثلاً نلاحظ أن عبارة: "فإذا حضرته الوفاة" الثانية زيدت في هذه النسخة، بينما خلت نسخة العلامة المجلسي في البحار من هذه العبارة،[4] فجعل الضمير في قوله: فإذا حضرته الوفاة ـ ويقصد الإمام العسكري عليه السلام ـ فليسلّمها إلى ابنه، منسوباً إلى الإمام المهدي عليه السلام لا إلى الإمام العسكري.
ولكن على أي حال لو أخذنا الخبر على علّاته، فإننا نجد أن الخبر هو عن ما يتحدث عنه حديث أهل السنة، لأن الأسماء المطروحة لابنه هي الأسماء التي يتحدّث بها بعض أهل السنة الخاصة بالإمام المهدي صلوات الله عليه، وقد ارتكب هذا المدّعي تزويراً في ترتيب المعنى، فجعل الأسماء الثلاثة تبدو هكذا: عبد الله وأحمد والمهدي، بينما الخبر الذي لدى العامة يتحدث عن أن : "اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أبيه اسْمُ أبي" كما هو الحال في لفظ الخبر في سنن أبي داود[5] 4: 106 ح4282. فيكون لدينا في الخبر أن الأسماء الثلاثة هي محمد بن عبد الله، وأحمد، والمهدي، وإلّا ما قدّم اسم أبيه على اسمه أحمد، ومن الواضح أن واو العطف الموجودة قبل كلمة اسم أبي إنما تتبع كلمة كاسمي، وليست لأن واو العطف تتبع أقرب المعطوف عليهم، وإلّا لغدت لدينا أربعة أسماء وليس ثلاثة، لأن أداة الإشارة المذكّرة "هو" منوّهة بأسم الأب، ولا يمكن أن تشير إلى إلأسماء، لأن كلمة الأسماء مؤنّثة وتحتاج إلى أداة "هي" المؤنثة، إن أراد أن يتحدث عن الأسماء كما لا يخفى، فلو قبلنا بأقوالهم سيكون لدينا أربعة أسماء هي: محمد وعبد الله وأحمد والمهدي، وهذا خلاف العدد المحدد في الرواية، أو أن يكون الأمر كما قلنا وهو 3 أسماء فيكون محمد بن عبد الله وأحمد والمهدي.
وعلى أي حال فإن الخبر ضعيف جداً في سنده، ومتنه يحاكي عقيدة بعض أهل السنة، ولا علاقة له بعقيدة أهل البيت عليهم السلام في تشخيص هوية الإمام روحي فداه، فلو أخذنا بالخبر على صورته التي ينادي بها هؤلاء، فإن الإمامة ستنتهي بوفاة الإمام صلوات الله عليه، وهذا ما لا يقول به أحد من شذّاذ الشيعة فضلاً عن علمائها، والروايات متظافرة جداً في استمرار الإمامة إلى آخر لحظة من الدنيا، وذلك لأن الدور المهدوي هو أحد أجزاء أدوار الإمامة وفي طولها، وليس هو مناظر للإمامة نفسها أو في عرضها، مما يجعل عقيدة هذا المدّعي مخالفة صريحة لما عليه المذهب الشريف.
ولو تنزّلنا عن كل ما في الخبر، وقلنا بصحة ما فهمه هؤلاء من الخبر على أساس أن فرض المحال ليس من المحال، فمن أين أتى بالقول بأنه هو أحمد الذي تتحدث عنه الرواية، ولا يكون أي أحمد آخر، خاصة وأن الإمام صلوات الله عليه، لما يظهر بعد، ولا يعلم متى سيظهر، ومن أين أتته البنوّة المدّعاة للإمام صلوات الله عليه، ولعلي لو شبّهت هذا الرجل في إدعائه بانه يفكّر على طريقة "فاعل منصوب بالكسرة الظاهرة على أوّله" ما كنت مخطئاً هدفي، ولربك في خلقه شؤون.
هذا وقد استغلّوا رواية أخرى موجودة في كتاب الغيبة أيضاً لتدعيم أقوالهم، والرواية هي ما رواه الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته ينكت في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما لي أراك مفكّرا تنكت في الأرض؟ أرغبة منك فيها؟. قال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا قط، ولكني تفكّرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.[6]
فقد أخذوا عبارة: "من ظهر الحادي عشر من ولدي" فجعلوها حجّة بين أيديهم لتمرير زعمهم السابق، مع أن العبارة فيها تصحيف محتمل كما يتبين لنا من العبارة الموجودة في كتاب الشيخ الكليني وهو أستاذ لأساتذة الشيخ الطوسي، وقد انتهت الأصول التي كانت لدى الشيخ الكليني إليه، إذ العبارة في الكافي هي هكذا: فكّرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي، هو المهدي.. الخبر.[7] وفارق العبارة بين النسختين أن كلمة الظهر في رواية الكافي والنعماني وكليهما سابقين للشيخ الطوسي تكون تابعة لأمير المؤمنين عليه السلام، وبها يستقيم الخبر وينسجم مع عشرات الروايات الأخرى، وما في نسخة الغيبة كانت تبعية الظهر للحادي عشر من ولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه، لأنه سيكون عندئذ ابن الإمام المهدي عليه السلام، وبذا يتناقض مع عشرات الروايات إن تم حمل كلمة "من" الواردة فيه على كونها بيانية، ولكن واقع الحال أن كلمة "من" هنا تبعيضية، أي أنه فكّر في ابن الحادي عشر من الأئمة وهو من ولده، ولا بد من الجزم بذلك لأن الموصوف لملأ الأرض قسطاً وعدلاً، إنما هو الإمام المهدي عليه السلام لا غيره كما لا يخفى، وإلّا لكان عهد الإمام المنتظر صلوات الله عليه هو أيضاً يدخل فيما يدخل فيه وصف امتلاء الأرض بالظلم والجور، وهو محال ويتناقض مع كل الروايات الواردة لدى أهل الخاصة والعامة من أن الإمام روحي فداه هو المعني بذلك دون غيره.
أما قصّة نجمة داود التي استعان بها كرمز يرمز بها لنفسه ومجموعته، بدعوى أن الإمام روحي فداه سيحكم بحكم داود، مما يجعل حكم داود هو الأصل في حكمه، فلعمري إن هذا مما يضحك الثكلى، وذلك من جهتين الأولى من الذي قال أن النبي داود عليه السلام كان يملك نجمة سداسية وكانت النجمة شعاره؟ وعبر أي مستند تاريخي استند إليه؟ مع العلم أن الحضارة الإسلامية عرفت النجمة السداسية قبل غيرها وأدخلوها في أعمال العمران بعنوانها الإسلامي من دون أي ربط باليهود، وهاهي الفنون الإسماعيلية في العمارة والبناء تشهد إنتشاراً كبيراً في هذه النجمة على أعمالهم، وما يحمله هذا المدّعي إنما هو النجمة الصهيونية التي اتخذت شعاراً أشبه في عام 1879 من قبل ثيودور هرتزل كما يقول المجلس اليهودي الأمريكي (AJC) الذي يؤكد أن القرون الوسطى لا دلالة فيها على ربط هذه النجمة باليهود! (أنظر الرابط التالي: http://www.aslalyahud.org/subpage.php?id=12).
أما الثانية فإن المراد بحكم داود الوارد في روايات عددة منها رواية عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بما تحكمون إذا حكمتم؟ فقال: بحكم الله، وحكم داود.[8] فيختلف تماماً عمّا زعمه هذا الرجل، إذ أن المطروح في الرواية هي أن الإمام صلوات الله عليه سيحكم على حقيقة الأشياء لا على ظواهرها، إذ أن من الواضح أن الشريعة دعت إلى محاكمة الظاهر مع علمها بأن الظاهر قد يخفي الحقيقة، ولكن مصالح العباد، ولأن من يمتلك معرفة الواقع قد لا يمتلك أي دليل عليها كي يقدمه في مجال التحاكم، ولكي لا يكون الحكم مدعاة لتلاعب أصحاب الأهواء دعت إلى الاكتفاء بالظاهر، ولكن داود عليه السلام كان يحكم نتيجة لعلمه الخاص على حقيقة الأشياء لا على ظاهرها، فأين هذا مما طرحه هذا الدعي؟
عموماً يمكننا عندئذ أن نتلمس أن الرجل فاقد لأول مواصفات الهدى وهو المنظومة العقائدية السليمة المتوافقة مع عقيدة أهل البيت عليهم السلام، فلا تغفل!.
ثانياً: من الواضح أن الهدى لا يستدلّ عليه بالكلمات فقط، وإنما لا بد من وجود عمل ينمّ عن هذا الهدى، كما إن من الواضح أن الأصل في هدى الأعمال أن تكون مغطاة من قبل فقه أهل البيت عليهم السلام، وقد ألزمنا الأئمة صلوات الله عليهم في زمن الغيبة بأن نرجع إلى منظومة تشريعية محددة وفق آليات محددة أيضاً حددها لفظ "رواة حديثهم" الوارد في نص الإمام المنتظر روحي فداه في التوقيع الصادر لسفيره الثاني محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه: "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجّتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم". (كمال الدين وتمام النعمة: 484 ب45 ح3)
والرجوع لرواة الحديث يقضي بأن يكون الإنسان إما مقلّداً لمن لديه علم الرواية بالحديث، وإما أن يكون محتاطاً قد علم بأقوال الفقهاء فأخذ منهم أحوط أقوالهم، وإما أن يكون هو نفسه فقيهاً، ولا يمكن لنا أن نتصور الهدى متحققاً من دون امتلاك إحدى هذه الصفات، فالأعمال لا تكتسب الشرعية إلا بذلك.
فإن كان هذا الرجل مقلداً، فكيف نصّب نفسه إماماً للمراجع والعلماء بل ويطلب منهم أن يسمعوا له ويطيعوا!!
وإن كان محتاطاً فيقتضي أن يكون مضارعاً للفقاهة أو فقيهاً، لأن الاحتياط يستدعي معرفة الأقوال الفقهية ويستدعي أيضاً أن يمتلك قدرة المقارنة بين هذه الأقوال والترجيح فيما بينها، وبالتالي يفترض أن تكون له ممارسة درسية لمدد كبيرة في داخل الحوزة العلمية، وهو ورد إلى الحوزة العلمية في النجف إبّان هجمة اختراق الأمن الصدامي وبقي فيها لفترة لا تزيد على العامين، ثم سافر إلى الهند لتعلّم السحر والطلاسم!!.أو أن يكون مرجعاً، فإن كان حال الإحتياط منتفياً، فما بالك بحال المرجعية؟ وعليه فإن ما لا ريب فيه أن هذا الرجل لا يبرز في سلوكه أي تغطية شرعية لعمله، فكيف يمكن أن نحكم بهداه؟ أو أن يكون هو أهدى الرايات؟!
ولا يمكن القبول بدعوى أنه يأخذ فتاواه وتغطيته الشرعية من نفس الإمام روحي فداه، فهذه أولاً دعوى بلا دليل يدلّ عليها، وثانياً لأن من ادّعاها يكذّب نفسه سلفاً، لأن الإمام صلوات الله عليه هو الذي وصفه بالكذّاب المفتري كما هو نص الرواية الشريفة في شأن دعوى المشاهدة.
ثالثاً: أما العنصر الثالث في هذا المجال فيرتبط بطبيعة السلوك الذي ينتهجه أهل الهدى مع بقية أهل الهدى، وهو السلوك الذي تختصره عبارة: "إني سلم لمن سالمكم" الواردة في العديد من الروايات الخاصة بالزيارات، وتعضّدها أعداد كبيرة من الروايات التي أعربت عن مصاديق هذا السلم، إذ أن هذا التعهد له وجهين، الأول منهما يتعلق بطبيعة التعهد لأئمة الهدى صلوات الله عليهم، والثاني يتعلق بشيعتهم ومن يدخل في إطار مسالمتهم، وبنفس السياق يأتي التعهّد الآخر الذي تبرزه عبارة: "وإني حرب لمن حاربكم" وهو أيضاً ينطوي على وجهين الأول خاص بأئمة الهدى عليهم السلام، والآخر بأعدائهم، مما يجعل سلوك من يلتزم بالهدى معربٌ في شقّه الأول عن إلتزام بكل ما يتعلق بمظاهر الولاء للأئمة صلوات الله عليهم، وفي وجهه الثاني يتعلّق بمظاهر الالتزام بسلوكيات الرحمة والمحبة لشيعتهم، وفي المقابل يتشدد في الإلتزام بأخلاقيات البراءة من أعدائهم، وهذا السلوك ليس أمراً يبقى سراً في قلب الإنسان، وإنما هو الظاهر العام من توجهاته وتصرفاته وعلاقاته الاجتماعية، وبين يدي الإنسان حصيلة سنوات قليلة من ظاهر سلوكية هذا المدّعي، فهل وجدناه رحيماً بشيعة أئمة الهدى عليهم السلام حينما أمر بفتح النار عليهم في الناصرية والبصرة في يوم التاسع من المحرم عام 2008؟ وقطعاً لا ينفع التحجج بأن الأحداث ابتدأتها القوات الأمنية، فسلوكية السلم والمسالمة لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تصل إلى انتهاك حرمة دمائهم، فالأصل فيها قوله تعالى: (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط إليك يدي لأقتلك) أم رأيناه بارّاً بهم حينما امتهن سلوك الإزراء بعلمائهم ومراجعهم؟ هذا فضلاً عن تسفيه مواقفهم وتخذيلهم وتفريق شملهم والعمل على تشتيتهم.
رابعاً: يبقى أمر مهم يتعلق بمسألة حب الدنيا فالهدى يتناقض مع هذه الحالة، إذ أن حب الدنيا رأس كل خطيئة كما ورد في الحديث النبوي الشريف، وحب الدنيا هي أيضاً من الحالات السلوكية التي يمكن لها أن ترصد في الواقع، ولو من خلال مظاهر غير مباشرة، وحينما نتحدث عن أهدى الرايات فإننا أمام شخصية يفترض أن تُتابع في أدنى مظاهر هذا الحب، ولكن ماذا لو أن واقع هذا الدعي ممتلأ بالدعوة لنفسه وتأطيرها بالألقاب الكبيرة؟ على أقل التقادير والحال أن اليماني الموعود لا يدعو لنفسه أبداً، بل إن دعوته للإمام صلوات الله عليه، بينما يمكن لإطلالة صغيرة على ما ينشر باسمه لتجد أن دعوته لنفسه، بل إن هذه الدعوة في خلفياتها الفكرية تستبطن إلغاء دور الإمامة وتحويل الأنظار إلى المهديين الذي يعتبر نفسه أنه هو أولهم، والمضحك المبكي أن كل ذلك يجري من دون وجود أي دليل على ما يدّعيه ويحتجّ به.
نخلص من كل ذلك أن هذا الرجل ليس أكثر من مسترزق على حساب الإمام صلوات الله عليه ومدّع لما لا حق له فيه، وهو يقدّم الدليل تلو الاخر لكونه مصداق الرواية الشريفة المتقدمة: من ادعى المشاهدة فهو كذاب مفتر، ولعمري يا ليته يتحدث عن المشاهدة فحسب بل يتحدث بطريقة قال لي أبي، ويقصد بأبيه الإمام روحي فداه، وقس على ذلك.
هوامش البحث
[1] غيبة الطوسي: 395 ح365.
[2] سورة النمل: 83.
[3] سورة البقرة: 259.
[4] بحار الأنوار 36: 261.
[5] سنن أبي داود 4: 106 ح4282.
[6] غيبة الشيخ الطوسي: 165 ح127 و336 ح184.
[7] الكافي 1: 338 ب138ح7، ومثلها في غيبة النعماني: 69 ب4 ح4.
[8] بصائر الدرجات: 471 ج9 ب15 ح3.
https://telegram.me/buratha