الصفحة الرياضية

حب الدنيا من اكبر موانع حضور القلب في الصلاة

5069 2020-02-10

مسعود ناجي إدريس

 

تبعاً لتصريح العلماء وعظماء الفقاهة فإنَّ ما يمنع حضور القلب في الصلاة وفي كل العبادات هو حبّ الدنيا. لذا كلما ازداد حب الدنيا في قلب الانسان قلّ حضور قلبه، وكلما قل حب الدنيا، ازداد حضور قلبه. في ارشاد القلوب هناك رواية يرويها الامام علي (عليه السلام) عن النبي الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) في خبر المعراج يذكر فيها آفة حب الدنيا اذ يقول: ((قال الله تبارك وتعالى: يا أحمد لو صلّى العبد صلاة اهل السماء والأرض ويصوم صيام اهل السماء والأرض و....، ثم ارى في قلبه من حب الدنيا ذرة، أو رئاستها أو صيتها أو زينتها، لا يجاورني في داري، ولأنزعن من قلبه محبتي ولأضلمن قلبه حتى ينساني ولا أذيقة حلاوة محبتي))  [مستدرك الوسائل /12ج/ص36 ] انظرو لكمية الآثار السلبية التي يخلّفها حب الدنيا حيث أنَّ الله (سبحانه) يرتب عليها هذا المقدار من العقوبة. ومن حيث المبدأ اذا وجد حبّ الدنيا في قلب الانسان فإنه لن يشعر بحلاوة وعذوبة عبادة الله (سبحانه). فأنَّ الله لن يسمح له بحضور القلب، فالذي يستطيع امتلاك حضور القلب هو الذي امتلئ قلبه بحب الله، وكان قلبه عاشقاً لله (تعالى).

اذا اردنا امتلاك حضور القلب فيجب علينا أن نبعد حب الدنيا من قلوبنا، فان يتحسر الانسان قائلاً لماذا لا امتلك بيتاً أكبر؟ لماذا لست ثرياً؟ لماذا لا أمتلك منصباً؟ لماذا المال المتوفر لدي قليل؟ لماذا لا امتلك اكثر مما امتلكه الان؟ فحب الدنيا والتعلقات الدنيوية تمنع حضور القلب. بالطبع فأنه يجب الالتفات الى هذه الملاحظة بأنَّ المقصود من حب الدنيا ليس العمل والتكسّب وتحصيل المعاش والبحث عن لقمة الحلال كي نقول أن من يمتلك ثروة اكثر فهو يحب الدنيا، وأن الفقراء لا يمتلكون حب الدنيا، فحب الدنيا يعني التعلّق والتبعية والشغف والالتزام بالدنيا.

 الآن من اين يعلم الانسان أنه متعلّق؟ اذا فقد الانسان شيئاً وجلس يتحسّر عليه، اذا فقد منصباً او فقد مالاً وتحسر عليه او ضلّ يفكّر بأن كل اشيائه قد تلاشت، فهو متعلّق بهذا المنصب وهذا المال، أمّا اذا قال كل شيئ متعلقٌ بالله (سبحانه وتعالى) فهو من منحه وهو من أخذه ويكون شاكراً لله، فهذه الروحية تحكي عن عدم تعلق وشغف بالأمور الدنيوية، لهذا يجب القول أنَّ  حب الدنيا لا علاقة له بالامتلاك وعدم الامتلاك، بكثرة وقلة الاموال، بل مرتبط بالتعلّق القلبي للأنسان، فما مقدار تعلق قلب الانسان بالمال وكم سيتحسر على فقدانه. ذلك الشخص مطمئن القلب لا فرق لديه سواء امتلك كل هذه الثروات او لم يمتلكها، فهو يعلم أنَّ كل شيئ هو من الله (سبحانه) فهذا الفرد هو الانسان الغير متعلق بالدنيا. اذا تملّك الشعور بالحيوية الانسان المصلّي بعد الصلاة، فاليعلم أن صلاته كانت بحضور قلب، ولكن اذا لم يتملكه احساس كهذا، بل يعتبر الصلاة أمر تم تحميله عليه فيؤديها بصعوبة وتكلّف، فهذا انسانٌ قد احاطته الدنيا وابتلي بحب الدنيا. لذا فإن الشخص الذي قرة عينه الدنيا لن تكون الصلاة قرّة عينه، ولن يكون الله(سبحانه وتعالى) قرة عينه ولا المناجاة مع الله (عز وجل).

من أجل أن تتوضح مسألة حب الدنيا اكثر سننقل اليكم رواية عن المرحوم الكليني اوردها في اصول الكافي باب ذم الدنيا والزهد فيها، ينقل في هذه الرواية عن المناجاة التي كانت بين النبي موسى الكليم(عليه السلام) والله (سبحانه وتعالى)، أن الله(عز وجل) قد أمر موسى: ((يا موسى، لا تركن [لا تعتمدوتستند] إلى الدنيا ركون الظالمين وركون من اتخذها أباً وأماً)) ثم يقول (عزّ من قائل) في نهاية الرواية: ((واعلم أنَّ كلّ فتنةٍ بدؤها حب الدنيا))، فالحروب والخلافات العائلية, والصراعات القومية (الطائفية) وحتى الصراعات السياسية تعود جذورها لحب الدنيا والتسلط والغطرسة.

لذا يجب علينا أن نلتفت للرواية حين تقول أنَّ اساس كل فتنة هو حب الدنيا، فاساس عدم التوجه لله في الصلاة وعدم حضور القلب سيكون حب الدنيا والتعلق بها ايضاً.

لذا يجب على الانسان ادراك، أنَّ كل ما يقف بالضّد من دينه هو حبّ الدنيا وحب الدنيا أهم جندي من جنود أبليس وليعلم أن الشيطان عدوه الذي تغلب عليه وحرفه بواسطة "حب الدنيا"، وغلبة الشيطان هذه بواسطة حب الدنيا لن تسمع للإنسان أن يتذّوق وحلاوة لذّة المناجاة، ومعنى الرواية المشهورة ((حبّ الدنيا رأس كل خطيئة)) هو أنّه اذا وجد حب الدنيا في قلب أحد فأنه سيرغمه على القيام بأي فعلٍ، وقد يصل به الحال ليصدّ عنه حضور القلب.

عندما يكون حب الدنيا منشأ كل الخطايا فالتعلموا ان حب الدنيا، حبّان: ((والدنيا دنياءان، دنيا بلاغٍ ودنيا ملعونة)) (الكافي/2ج/ص31) فاحداهما هي دنيا البلاغ، أي ان يستفيد الانسان من الدنيا بمقدار الضرورة والكفاية وبمقدار ما ترتفع به حاجته وهذه الدنيا جيدة. اما اذا كان يبحث عما هو اكثر من هذا، ولأجل الدنيا فقط لا الآخرة، فهذه الدنيا ملعونة.

الآن وقد ادركنا أنَّ حب الدنيا يمنع حضور القلب ويمنعنا عن التمتّع بروح المناجاة في الصلاة ويحرمنا عن التلذّذ بعباداتنا ومناجاتنا مع الله (سبحانه وتعالى)، فإن الدور يصل الى السؤال الرئيسي لهذا المقال وهو أننّا كيف نستطيع فصل قلبنا عن حبّ الدنيا.

يقول الامام الراحل(قدس سره) في هذا الخصوص: يستطيع الإنسان من خلال مراعاة هذه النقاط الأربعة أن يُخرج حب الدنيا من قلبه. اذا أراد الانسان أن يمتلك قلباً مطمئاً وهادءاً كي يتوفق لاكتساب الكمالات النفسانية، فلابد أن تتوفر فيه هذه النقاط الأربعة.

المرحلة الاؤلى:الرياضيات والمشاهدات، أن يسعى ويتدرّب تجاه عدم التعّلق والاعتناء بالدنيا. اذا أراد الانسان أن يختبر مدى تعلقه بالدنيا، فليرى انه اذا قيل له الآن هي اللحظة التي يتوجب عليك أن تترك فيها الدنيا هل سيتحسر فيها على ما سيفقده بحسب الظاهر من مالً ومنصبً وأولاد أو لا؟ هل لديه الاستعداد في كل لحظة لسماع هذا الخبر؟ مرحلة الرياضات هذه مرحلة مهمة جداً، يجب على الأنسان ان يجاهد نفسه بواسطة الرياضة [ـ المقصود بها الاعمال التي يقوم بها الانسان كي يتخلّص من بعض التعلقات الدنيوية، ويقوم تهذيب نفسه ـ] كي يسلب عنه هذا التعلّق بالدنيا.

المرحلة الثانية: التفكّر في مساوئ ومغبّات حب الدنيا، فاليبحث في عاقبة الذين أحبوا الدنيا وليتفكّر انهم الى أين وصلوا؟ كيف كانت عاقبة كل هؤلاء الملوك الظلمة، كل هؤلاء الحكام الظلمة، كل هؤلاء الاشخاص الذين اعتدوا على حقوق الناس؟فهم لم يسجلوا سوى الخزي والعار لأنفسهم في التاريخ، فاليفكّر الانسان في عواقب ومغبات طلب الدنيا.

المرحلة الثالثة: التدبّر في الآيات والروايات الواردة في ذم وازدراء الدنيا.

المرحلة الرابعة: التدبّر في حالات اولياء الله (عز وجل).

اذا قام الانسان بمراعاة هذه المراحل الأربعة، فإنه سيقتلع حب الدنيا من باطنه. ولكن ما دامت هذه الشجرة في باطنه، فإنه كالشخص الذي يقرأ تحت شجرة مليئة بالطيور والعصافير، ولكن ما إن ينشغل بالقرأة مرة اخرى حتى تعود الطيور الى الشجرة فقيل له: ((إن اردت الخلاص فاقلع الشجرة)).

فأذا اراد الأنسان التخلص من الانشغالات القلبية، فيجب عليه أن يقتلع شجرة حب الدنيا من قلبه، نسأل الله تعالى أن يمنحنا هذا التوفيق.

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك