د بلال الخليفة ||
عقدت قمة عربية صينية في السعودية للفترة من 7-9 ديسمبر عام 2022م والتي حضرها الرئيس الصيني وتم توقيع الاتفاقية بين ملك السعودية والرئيس الصيني شي جين بينغ، اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين المملكة والصين.
ففي مجال الطاقة اتفق الطرفان على تطوير وتوطيد التعاون بينهما في مجال النفط يتفق مع المصالح المشتركة للجانبين، وأكد الجانبان على أهمية استقرار أسواق البترول العالمية، وكما اتفق الجانبان على بحث الفرص الاستثمارية المشتركة في قطاع البتروكيماويات وتطوير المشاريع الواعدة في تقنيات تحويل البترول إلى بتروكيماويات، وتعزيز التعاون المشترك في عدد من المجالات والمشاريع ومنها الكهرباء، والطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة وتطوير المشروعات ذات العلاقة، والاستخدامات المبتكرة للموارد الهيدروكربونية، وكفاءة الطاقة، وتوطين مكونات قطاع الطاقة وسلاسل الإمداد المرتبطة بها، وتعزيز التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والتعاون في تطوير التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والابتكار في قطاع الطاقة.
أكدا على أهمية تعميق التعاون المشترك في مبادرات "الحزام والطريق"، والترحيب بانضمام المؤسسات السعودية المعنية إلى شراكة الطاقة والاستثمارات المختلفة في إطار "الحزام والطريق"، وتعزيز موقع المملكة كمركز إقليمي للشركات الصينية لإنتاج وتصدير منتجات قطاع الطاقة بالإضافة إلى الاستثمار المشترك في مشاريع الطاقة في دول المنطقة والدول المستهلكة لمنتجات الطاقة في أوروبا وإفريقيا، بما يسهم في تطوير المحتوى المحلي السعودي، ويحقق للصين الاكتفاء الذاتي في قطاع البتروكيماويات من خلال استثماراتها ذات الصلة في المملكة.
كما تم توقيع "خطة المواءمة" بين رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق، واتفقا على أهمية تسريع وتيرة المواءمة بين مشاريعهما في البلدين، وتوظيف المزايا المتكاملة، وتعميق التعاون العملي بين الجانبين بما يحقق المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة. كما رحب الجانبان بالتوقيع على (12) اتفاقية ومذكرة تفاهم حكومية للتعاون في مجالات الطاقة الهيدروجينية، والقضاء، وتعليم اللغة الصينية، والإسكان، والاستثمار المباشر، والإذاعة والتلفزيون، والاقتصاد الرقمي، والتنمية الاقتصادية، والتقييس، والتغطية الإخبارية، والإدارة الضريبية، ومكافحة الفساد. بالإضافة إلى توقيع (9) اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين القطاع الحكومي والخاص، وتوقيع (25) اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الشركات في البلدين.
· ظلال الاتفاق الاقتصادي على العراق
1 – طريق الحرير
من يقرا البيان الختامي للقمة العربية الصينية يلاحظ ان مفردة طريق الحرير او الحزام والطريق تكررت أكثر من مرة وبالتالي ان الاتفاق السعودي الصيني في مجال طريق الحرير سيقلل أهمية العراق وان مر الطريق بالعراق فسيمر من خلال الجزء الغربي منه أي من الانبار الى الموصل فتركيا واروبا وسيكون مجرد ترانزيت لعبور البضائع فقط.
2 – ميناء الفاو
اما فيما يخص ميناء الفاو الكبير، فان أهميته قلت أيضا وبشكل كبير لان العراق تأخر كثيرا في بناءه وكذلك ان البنى التحتية والموانئ الخليجية متهيئة تماما لاستقبال البضائع الصينية ولمختلف الأنواع والاحجام وان طريق الحرير لو كان عن طريق السعودية فسيكون اقل عرضة للازمات السياسية منها لو كان من العراق لأنه سيتجنب مضيق هرمز ومنطقة الخليج العراقية التي هي غير مستقرة من ناحية الإدارة وخصوصا بعد التحركات الكويتية للاستيلاء على بعض موانئ العراق.
3 – النفط
شملت الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين مشاريع بتروكيميائية ونفطية وغيرها، وان العراق يكاد ان يكون متأخر جدا في هذا المجال، وان تم انشاء هذه المشاريع فأنها ستحتاج الى سوق لبيع منتجها وبالتالي لا تحتاج لإنشاء تلك المنشئات في العراق لإبقائه سوق يشتري ما ينتج من السعودية.
4 – الطاقة النظيفة والمستدامة
السعودية لديها مشروع ضخم جدا في مجال الطاقة المستدامة وهو مشروع نيوم وكذلك هي لديها مشاريع أخرى كإنتاج الهيدروجين الأخضر والعراق متأخر جدا في هذا الموضوع وبالتالي ان هذه المشاريع ستستغل حاجة العراق للطاقة وبالتالي سيتم مفاتحة العراق لشراء الطاقة وعن طريق الربط الخليجي.
· الجانب السياسي
من الزعماء العرب الذين حضروا القمة العربية الصينية هم رئيس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني ورئيس تونس قيس سعيد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرئيس الموريتاني، محمد ولد الغزواني، وكذلك أمير قطر تميم بن حمد، ملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، كما شارك في القمة رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، وشارك ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.
أي ان معظم الدول العربية وخصوصا تلك الدول التي تعرف بعلاقاتها الذهبية مع الغرب وبالخصوص الولايات المتحدة الامريكية، وهذا يدعو للاستغراب، وخصوصا نحن نعلم ان العدو الأول للولايات المتحدة الامريكية هي الصين وهي تعارض أي توجه لأي دولة باتجاه الشرق فكيف تسمح للسعودية او العراب في انعقاد هذه القمة.
حقيقة ان الإجابة على هذا السؤال فيه ثلاثة احتمالات وهمي:
· الاحتمال الأول
ان انعقاد هذه القمة هو بموافقة أمريكية لتلك الدول وان العالم الحالي تم توزيعه اقتصاديا بين أمريكا والصين اقتصاديا وهو أيضا بمثابة الاعتراف المبطن بقطبية ثانية للعالم وعلى اقل تقدير قطبية اقتصادية بزعامة الصين.
· الاحتمال الثاني
ان الموضوع اقتصادي بحت أي ان الامريكان وبعد فشلها في اسقاط النظام الحاكم في روسيا بزعامة بوتين وخصوصا ان جميع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على روسيا كانت النتائج كارثية على حلفاء أمريكا الاوربيين ومن تلك النتائج هو التضخم الذي يهدد أوروبا وخصوصا انه اقترب من 11 %. وبالتالي ان إعطاء الصين فسحة اقتصادية كبيرة من العقود ومن الاستثمار وخصوصا في أكبر دولة منتجة للنفط كالسعودية قد يكون الغرض منها هو ابعاد الصين من حليفها الاستراتيجي الروسي وجعلها تقف، وعلى اقل تقدير، موقف المتفرج من الحرب الروسية الأوكرانية وبالتالي تسريع عمليه انهيار الاتحاد الروسي وسقوط نظام بوتين فيه.
· الاحتمال الثالث
ان السعودية والعرب قد فهموا المتغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم بعد الازمة الأوكرانية وان العالم يشهد ظهور قطب عالمي جديد وبالتالي تتصرف بشكل صحيح لمسك العصى من المنتصف وان يكون لها علاقات مميزة مع القطب الثاني للعالم وهو الصين وبالتالي تضمن مستقبل لها في هذا التغير الكبير الذي يشهده العالم.
ان العالم الاقتصادي الجديد الذي يبرز هذه الأيام مبني على حلف اقتصادي تحت مسمى (الحزام والطريق) او طريق الحرير وما لهذا الحلف من أهمية اقتصادية كبيرة على المنطقة وخصوصا ان السعودية من الممكن ان تكون ممر لاحد الطرق التي يخطط الصين ان يمر فيها ومن خلالها يمتد الى أوروبا شمالا والى افريقيا غربا وخصوصا ان الرئيس المصري كان موجودا في تلك القمة.
· الاحتمال الرابع
ان الغرض من توقيع 34 اتفاقيه مع الصين هو ليس باقتصادي بل سياسي فقط وذلك ان السعودية ستضمن ضغوط صينية لأي تهديد تعتبره السعودية لأمنها او اقتصادها من قبل الجمهورية الإسلامية، حسب زعمهم، او من قبل الحوثيين او احدى الفصائل المقاومة العراقية، لأنها تيقنت بالفترة الأخيرة بان الغرب وامريكا لا تهتم وامنها ولا تستطيع إيقاف الهجمات التي طالت شركة أرامكو او أي تهديد اخر. ودليل ذلك هو ان البيان الختامي قد تضمن ((الحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه، وبذل جهود مشتركة في الدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول)).
· الاحتمال الخامس
ان القمة التي وقعت 34 اتفاقية مع الصين وكانت فقط اتفاقيات ونحن نعلم ان الاتفاقية هي غير ملزمة بقدر العقود أي انها لم تكن عقود التي تلزم الطرفين وفي حال اخلال أي طرف فيحق للطرف الاخر الذهاب للتحكيم.
ان الامر دعاية لا أكثر وبالتالي ان الغرض منها ان السعودية ومن خلال جعل القمة في عاصمتها هو لبيان للعالم العربي ان الزعامة العربية هي الان للسعودية.
· الاحتمال السادس
ان الجميع يعرف بعلاقة السعودية الجيدة مع الحزب الجمهوري الأمريكي وبالخصوص مع الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب وحيث تم دعمه في حملته الانتخابية وكما نعلم ان السعودية ذات علاقات سيئة مع الحزب الديمقراطي الأمريكي وبالخصوص بايدن وبالتالي قد تكون جميع خطوات السعودية الأخيرة التي يكون ظاهرها العداء لامريكا هو للضغط على الرئيس بايدن وبالتالي فشله في ادارته للحكومة وبالتالي التمهيد لعودة ترامب وقد تعود العلاقات الذهبية بعد ذهاب بايدن وعودة ترامب.
· الخلاصة
ان السعودية هي المورد الأول للنفط الى الصين واما العراق فيحتل المرتبة الثالثة وفي بعض الأحيان يكون الثاني، وان الازمة الأوكرانية تشكل تهديد للعراق في هذا الامر، لان الصين والهند اتجهت الى روسيا لتوريد النفط ولان برميل النفط الروسي هو اقل من قيمته العالمية وبالتالي قد يستغني الصين عن شراء النفط العراق واما السعودية وفي هذه الخطوة قد ضمنت بقاء الصين كمصدر رئيسي لشراء نفطها.
ان النتائج الاقتصادية سيئة على العراق وقد تكون مميته لمشروع طريق الحرير وتقلل فرص الاستثمار في العراق لان الصين وجدت بيئة امنه ومستقرة عكس التي في العراق نتيجة المناكفات السياسية ولهذا فان المستثمر الصيني سيترك المجازفة للعمل داخل العراق ويذهب الى السعودية او غيرها من الدول المستقرة (راس المال جبان).
اما السياسية فان العراق رغم مشاركته في القمة الا انه لم يوقع اتفاقية ولم نسمع انه تفاوض مع الصين من اجل احياء اتفاقيته القديمة التي وقعت في زمن الحكومة السابقة أي حكومة السيد عادل عبد المهدي.
وبما ان العراق لدية اتفاقية سابقة فهو لا يحتاج لتوقييع اتفاقيات جديدة ولكن بامكانه تفعيل الاتفاقيات القديمة التي وقعت في زمن السيد عادل عبد المهدي وكذلك تفعيل قانون البنى التحتية التي اقترحته حكومة السيد المالكي وبالتالي يكون العراق غير متأخر عن باقي الدول العربية ومنها السعودية .
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha