التقارير

اولويات تصحيح المسارات تبدأ من محاربة الفساد

1954 2022-11-01

عادل الجبوري ||

 

   لاشك ان الفساد المالي في اي دولة، لابد ان تكون له ابعاد وخلفيات ومناخات سياسية مناسبة، لاسيما اذا كان كبيرا جدا ومستفحلا، وله تأثير واضح ومباشر على الاوضاع الاقتصادية والحياتية لابناء المجتمع، ولعل العراق يعد مصداقا ومثالا شاخصا على ذلك، وتحديدا ما يتعلق بحقبة العقدين الماضيين، دون ان يعني ذلك انه خلال المراحل  السابقة لها كانت الامور تسير بالاتجاه الصحيح، بل ان منظومة الحكم الديكتاتوري الاستبدادي السابق، كانت مستأثرة بمعظم موارد وامكانيات الدولة وتتصرف بها كيفما تشاء دون اي محددات او ضوابط  او قوانين ملزمة ورادعة.

   ومما لايختلف عليه اثنان، ان عوامل عديدة ساهمت في استشراء الفساد المالي بشتى اشكاله ومظاهره وصوره منذ عام 2003، من بينها، خضوع العراق للاحتلال الاجنبي الاميركي، حيث ان شخوص ذلك الاحتلال وطبيعة اجنداته، هم اول من اسسوا لثقافة الفساد في العراق، وعملوا على ترويجه ونشره. ومن يطلع على ما فعله الحاكم المدني الاميركي في العراق بول بريمر(2003-2004) خلال عام  واحد، يكتشف فداحة وفضاعة تركة الفساد الاميركية في هذا البلد.

   والعامل الاخر، يتمثل بضعف السلطة الحاكمة-الحكومة، وتقاطع مصالح واجندات واولويات القوى والكيانات السياسية المشاركة بأدارة وتسيير شؤون الدولة، والسعي المحموم للاستئثار بالمغانم والامتيازات بكل الطرق والاساليب، الى جانب خضوع بعض المؤسسات والمفاصل المعنية بمحاربة الفساد للاجندات والمصالح السياسية لهذا الطرف او ذاك، وافتقار الاجهزة القضائية الى الحزم الكافي لردع الفاسدين والمتجاوزين على المال العام.

   وتقدر بعض التقارير، حجم المبالغ التي ذهبت هدرا خلال التسعة عشر  عاما المنصرمة الى جيوب شبكات الفساد، والاحزاب والقوى والشخصيات السياسية، والى الجماعات الارهابية، وتلك التي تبددت جراء سوء الادارة والتخطيط، بما لايقل عن ثلاثمائة مليار دولار، وهي ارقام مهولة جدا. ولولا الفساد وسوء الادارة، وضعف الشعور الوطني، وتغليب المصالح الخاصة على المصالح العامة، لكان لتلك الاموال الطائلة، بل وحتى جزء منها، اثرا كبيرا في التطور والتنمية والبناء والعمران في كل الجوانب والمجالات.

   والسؤال الذي يطرح نفسه هنا.. هل بأمكان رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني تصحيح المسارات الخاطئة، ولو بالحد الادنى؟.

  لاول وهلة،  سيكون الجواب بالنفي، فيما اذا بقيت امور البلاد تدار بنفس الاساليب والادوات والعقليات السابقة، اذ ان القاعدة المنطقية تقول(المقدمات الصحيحة تؤدي الى نتائج صحيحة) والعكس صحيح.

   وبعيدا عن مجمل اجواء حراك تشكيل الحكومة الجديدة، وما شهده من تنافس وتدافع محموم، لم يختلف في الشكل والمضمون عن ما كان يجري في تشكيل الحكومات السابقة، وما كانت تنتهي اليه المساومات والمفاوضات من مخرجات، فأن الاختبار الحقيقي للسوداني بعد نيل حكومته ثقة البرلمان، سيكون ملف سرقة الامانات الضريبية التي قدرت بمليارين ونصف الميار دولار، ووصفت بأنها (سرقة القرن)، وكيفية تعاطيه معه، رغم ان هذا الملف بات في عهدة القضاء، بيد ان دور السلطة التنفيذية ورؤيتها في ذلك ليس بقليل ولا هامشي.

   وسيجد السوداني نفسه امام خيارين لاثالث لهما. الاول يتمثل بفتح ملف الفساد على مصراعيه، انطلاقا من تعهده بأن تكون محاربة  الفساد وتقديم الخدمات في مقدمات اولويات عمل حكومته. ولاشك ان ملاحقة كل خيوط وملابسات (سرقة القرن)، يعني فيما يعنيه رفع الغطاء عن ملفات فساد  وفضائح اخرى قد لاتقل حجما وخطورة عن الفضيحة الاخيرة، وهو ما يمكن ان يفضي الى سقوط رؤوس كبيرة، وتفكيك شبكات عميقة، وحدوث اهتزازات وزلازل سياسية عنيفة.

   اما الخيار الثاني امام السوداني، فيتمثل بالعمل على لملمة الامور واحتواء تفاعلاتها وتداعياتها الخطيرة، والتضحية ببعض اعضاء شبكات ومنظومات الفساد وغض الطرف عن الكثير منهم، لاسيما الكبار، تحت ذريعة تجنيب البلاد ازمات ومشاكل خطيرة.

   وبالنسبة للخيار الاول، فانه سيكون فيما لو قرر رئيس الوزراء الجديد الاخذ به، نقطة الشروع الحقيقية لتصحيح المسارات الخاطئة، لانه مهما كانت تبعاته الانية كبيرة وخطيرة، فأن نتائجه وثماره على المديين المتوسط والبعيد سوف تكون جيدة للغاية.

واغلب الظن ان هذا الخيار، وتبني كشف كل خفايا سرقة القرن، ومحاسبة المتورطين بها، سيترتب عليه ملاحقة روؤس كبيرة وشخصيات محورية في حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي، بل ربما يقع الاخير ضمن دائرة الاتهام والمساءلة، ارتباطا بكونه المسؤول التنفيذي الاعلى في البلاد لاكثرمن عامين، حينما كانت المليارات تسرق وتنهب بتواطيء وتخطيط وتدبير من قبل مقربين منه، مع التأكيد على حقيقة ان ملفات وقضايا الفساد الكبرى لاتنحصر بعهد حكومة الكاظمي فحسب، وانما تمتد الى كل الحكومات السابقة لها، مع تفاوت وتباين في حجم الفساد خلال حقبة كل حكومة، وتفاوت وتباين في جدية اصحاب الشأن بمحاربته. لكن حجم "سرقة  القرن"، ربما لم يكن له مثيل سابق.

  وبحكم توليه مواقع حكومية وبرلمانية مختلفة طيلة الاعوام الثمانية عشر  الماضية، فأن السوداني يمتلك اطلاعا واسعا واحاطة كافية بالكثير من التفاصيل والجزئيات والخفايا والاسرار، التي من شأنها اختصار ان تختصر له الطريق.  في مقابل ذلك، فأن عدم الحزم والحسم والضرب بيد من حديد في التعاطي مع ملف سرقة التأمينات الضريبية، سيكون مؤشرا سلبيا وانطلاقة غير مشجعة في مهمة السوداني، وتناقضا بين الاقوال الصادرة والافعال المنتظرة منه، وفيما بعد يمكن ان يفضي الى تفجر غضب الشارع الناقم على عموم الطبقة السياسية جراء الفساد والمحاصصة والاهمال وسوء الخدمات، ومن غير المستبعد ان تفضي الى انهيار العملية السياسية برمتها، خصوصا وان عوامل الاحباط والفشل والانسداد مازالت وستبقى قائمة ومتحركة ومؤثرة، ولن يكبح جماحها سوى تفعيل وتحريك عوامل النجاح والانجاح بوتيرة اسرع، والرهان اليوم معقود على السوداني وفريقه المساعد وتشكيلته الحكومية.

    ان تقليص مساحات الفساد-ان لم يكن ممكنا القضاء عليه بالكامل-سيساهم في جانب منه بتحسين واقع الخدمات تلقائيا، ووقف تبديد موارد الدولة. وفي جانب اخر منه، سيكون عاملا مساعدا في الحرب المتواصلة على الارهاب والعمل على تجفيف كل منابعه، سواء الداخلية منها او الخارجية. وفوق ذلك كله، فأن نجاح السوداني في ملف الفساد، سينعكس ايجابا على الملفات الاخرى، وبالتالي سوف يوجد قدرا كبيرا من الاستقرار السياسي والمجتمعي، الذي ان لم يتوفر بمستواه المعقول، فحينذاك من الطبيعي جدا توقع وانتظار اسوأ النتائج والخيارات، وهذا هو الاختبار الحقيقي والعسير للسوداني وحكومته الجديدة.

 

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك