حازم أحمد فضالة ||
(الاقتصاد الافتراضي في مواجهة اقتصاد الأصول الثابتة)
فصَّلنا في الجزء الأول من هذه الدراسة (العناصر الإستراتيجية الثلاثة لقوة أميركا العظمى)، والآن نفصِّل الاقتصاد الافتراضي في مواجهة اقتصاد الأصول الثابتة، وهي المواجهة (الغربية) لروسيا في المسرح الأوكراني، وما يتصل بها.
من أجل ذلك نعرض قراءتنا وتحليلنا في أدناه، للفرع الأول من العنوان (الاقتصاد الافتراضي):
1- ما هو الاقتصاد الافتراضي (Virtual Economy)؟
يُعرِّفه المختصون: هو الاقتصاد الذي يتعامل مع مال ليس موجودًا في الواقع (فير حقيقي).
نوعان من هذا الاقتصاد:
الأول: البضاعة الوهمية التي يتعامل بها البائع والمشتري في الإنترنت، مثل: سوق (Ebay)، وكذلك (App store)، وهذا ما يخص الألعاب وتطويرها بدفع حسابها، أوجدتْ هذه العملية (ثروة حقيقية كبيرة متنامية للبائع) يقابلها خدمات (وهمية للمشتري)، وكُسِرَت هنا القاعدة المالية التي تقول: (إنَّ الأصل في المال هو أداة لتبادل البضائع والخدمات).
الثاني: يقوم هذا الاقتصاد، على فرضية أنَّ ليس ثمَّة حاجة لاستخدام (المال الحقيقي)، والبديل هو التعامل بالقِيم الافتراضية للمال. هنا نشأت عملية (زيادة حجم المال الافتراضي على حجم المال الحقيقي) ومُورِست العملية في في أميركا/ نيويورك أول مرة.
2- العوامل الثلاثة التي جذَّرَت للاقتصاد الافتراضي وأصَّلت له، هي:
أولًا: القيمة الاِسمية للأسهم المالية:
ازداد نمو المال المرتبط بالأسهم بداية القرن (20)، متجاوزًا نمو الاقتصاد الحقيقي الذي تمثله الأسهم واقعًا، ثم تدحرج الانهيار الكبير في: (29-10-1929) أو ما يسمى (The Great Depression)، ففسر الاقتصاديون هذا الانهيار أنه بسبب (الفرق العظيم بين قيمة السوق المالية المرتفعة ارتفاعًا كبيرًا، وبين قيمة الاقتصاد الحقيقي)، وكانت أسعار السوق المالية ارتفعت بين سنتَي (1925-1929) بنسبة (120%)، لكن! كانت نسبة نمو الاقتصاد الحقيقي (17%)، وبعد الانهيار فقد السوق من قيمته أكثر من نسبة (93%)، والمعادلة تقول: 120-17=103، لكنه فقد (10%) زيادة على ذلك!
ثانيًا: الرِّبا
يتحكم الاقتصاد الافتراضي بمعادلة الرِّبا زيادة أو نقصانًا، ففي الركود تُخفِّض قيمة الرِّبا تشجيعًا على الاقتراض وزيادة الطلب على السلع، وعند التضخُّم المالي تَرفع قيمة الرِّبا. يقول الاقتصاديون إنَّ نسبة (نمو الاقتصاد الحقيقي) في أميركا من سنة (1970) إلى (2000) كانت (3.5%)، لكن المعدل الحقيقي للرِّبا كانت نسبته (8%)، أي: زاد المال الافتراضي (135%) من قبمة المال الحقيقي!
ونترك التفصيل أكثر للمتخصصين.
ثالثًا: فصل الارتباط بين العملة الرئيسة والذهب
كانت اتفاقية (بريتون وودز - 1944)، قد ربطت الدولار بالذهب، لكن! أميركا خرجت على هذه الاتفاقية، وفصلت الارتباط؛ لذلك تأصَّل الاقتصاد الافتراضي واستشرى، وتمرد على حجمه الحقيقي، الذي لم يكن أكثر من تذبذب (1%) مع الارتباط بالذهب! ومِن ثَمَّ لم تكفِ أميركا بفصل الارتباط عن الذهب، بل فصلت الارتباط بين (المال والاقتصاد)! فصار ينمو المال أسرع من نمو الاقتصاد.
وهذا ما ظهر في الأزمة المالية العالمية (2008)، وضخَّت أميركا بضعة تريليونات بسبب الأزمة، شكَّلَت أميركا عام (2019) نسبة (41%) من عجز المدَّخرات العالمية! ضخَّتْ إدارة الرئيس بايدن (1.9) تريليون دولار في الاقتصاد، وهو ما يعادل (9%) من الناتج المحلي الإجمالي، والمشكلة في ضخ التريليونات أنها (مال لا تقابله سلع وخدمات حقيقية)!
3- الاقتصاد الأميركي (80-90%) منه (اقتصاد افتراضي)، وكذلك الاقتصاد الأوروبي، وبعض الدول التي تدور في الفلك الأميركي.
4- الانهيار القارِّي الأوروبي
تعاني أوروبا، بعد حرب الغرب على روسيا في المسرح الأوكراني، بسبب تداعيات الحرب -وأسبابها التي خصَّصنا لها جزءًا من الدراسة-؛ من إفلاس متسارع لشركاتها، إذ أعلنت آلاف الشركات إفلاسها وأُغلِقَت، ويقول متخصصو المالية والاقتصاد إنَّ سوق البورصة في أوروبا كلها؛ سينهار في الربع الأول من العام المقبل (2023)، وهذا يعني انهيار الاقتصاد الأوروبي والنظام المالي في القارة العجوز.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha