نداء حرب ||
تعيش ليبيا تحت وقع تدخلات أجنبية مختلفة، معظمها يسعى لحفظ أو توسيع مصالحه في هذه الدولة الغنية بالنفط، على حساب أمن واستقرار المواطنين فيها، ولكن المشكلة الأبرز تكمن في ان هذه الدول نفسها تتنافس فيما بينها وتؤثر بذلك على مسار الاحداث وعلى تقدم العملية السلمية والسياسية فيها.
حيث أن تداخل المصالح واختلاف الدول الغربية المعنية بالملف الليبي، وسعي معظمها للحصول على حصة من الذهب الأسود فيها، جعل من المستحيل انهاء الازمة التي تعاني منها، فالنخب السياسية متنازعة فيما بينها، وكل منها يحظى بدعم خارجي يعادل الآخر.
ومع تطور الأحداث في البلاد وإصدار رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، قراراً بإقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، وتعيين محافظ مصرف ليبيا في عهد القذافي، فرحات بن قدارة، خلفاً له، تغيرت موازين القوى في البلاد وتزعزع نفوذ تركيا، التي كانت تُسيطر على العديد من المناطق في غرب البلاد، وتستغل جزءاً كبيراً من العائدات النفطية الليبية.
حيث تسبب تعيين فرحات بن قدارة في قطع التمويل عن الميليشيات والمرتزقة الذين جاءت بهم تركيا إلى ليبيا وفق اتفاقية أمنية تم توقيعها في أواخر 2017 مع رئيس المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق السابق، فايز السراج، وبالتالي إقالة صنع الله من منصبه، وتعيين بن قدراة أضعف التواجد التركي بشكل ملحوظ في البلاد.
حيث أنه ووفق تقارير اعلامية، بدأ الجانب التركي في تقليل عدد المرتزقة في غرب البلاد وإرجاعهم إلى سوريا، وهو بمثابة تمهيد لخروج القوات التركية من الأراضي الليبية، وبالتالي يتم تحقيق واحد من أهم مطالب المُتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع مطلع شهر يوليو الماضي، وهو إخراج جميع القوات والمرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية للمضي قدماً نحو انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة.
واعتبر هذا التغيير الكبير الذي شهده القطاع النفطي في البلاد، ناتجاً عن صفقة سياسية عميقة بين الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، ألقت بالأثر الأكبر على مسار الأحداث في ليبيا وعلى سياسات أنقرة المتداعية فيها، لأن
التغيير الذي شهدته المؤسسة الوطنية للنفط، حدث لأول مرة منذ 2014، والتقارب بين المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية (المنتهية الصلاحية) عبد الحميد الدبيبة، بالرغم من عدائهما الشديد لبعضهما البعض ليس إلا بنداً من الاتفاقية أجبرهما على ذلك.
وبالتالي فقدت أنقرة نفوذها على عصب الاقتصاد الليبي الوحيد، والذي يتمثل بالمؤسسة الوطنية للنفط، التي تسيطر وتسيير كل ما له علاقة بقطاع الطاقة في البلاد، وليس هذا فحسب، بل استطاعت أبوظبي تمرير صفقات عالقة كان رئيس المؤسسة السابق مصطفى صنع الله، الموال لتركيا، قد عرقلها في أكثر من مناسبة.
وتوقع تعليقاً على مجريات الأحداث في ليبيا رئيس المكتب السياسي لحزب "تيار ليبيا للجميع"، فتحي البعجة، أن "أنقرة في طريقها للخروج بشكل كامل من الأراضي الليبية، كونها منغمسة بأزمتها الاقتصادية الداخلية الخانقة"، متابعاً "الحكومة التركية ليست على استعداد لدفع تكاليف مرتزقتها السوريين غربي ليبيا، خصوصاً مع توقف الإمدادات المالية من المؤسسة الوطنية للنفط"، مشددًا على أن "تقارب المعسكرين المتصارعين في ليبيا، لن يترك ذريعة بيد أنقرة للإبقاء على هؤلاء المرتزقتة وغيرهم من القوات التابعة لها على الأراضي الليبية".