ادريس هاني ||
- بعد غياب طويل يظهر الظواهري، بمناسبة ذكرى مرور عشرين عاما على أحداث الحادي عشر من سبتمبر. الرسالة واضحة، وهي في الحقيقة أكثر من رسالة، إحدى هذه الرسائل محاولة تكذيب خطاب بايدن، والذي يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية عاقبت المسؤولين عن الحادثة، هذا بينما الرسالة الثانية تؤكد على أنّ القاعدة ماضية في أجندتها حدّ النهاية، وأسلوبها سيظل واحدا، وفي توجيه كلامه لتنظيم حراس الدين المسلح بسوريا، مؤشر على أن القاعدة ستوسع نشاطها خارج بؤرة شرق الفرات، بل ستضرب في درعا، والمستهدف هم الروس. لقد ظهر الظواهري وهو يلف غثرة بدل العمامة، وسائل إعلام كثيرة اعتبرت ذلك لباسا سعوديا، بينما الحقيقة هو لباس الشيوخ السلفيين، إلاّ أنّ المغزى واضح: لم يعتمر الظواهري عمامة على طريقة طالبان والأفغان، وذلك - إن أضفنا إليه عدم تعرضه للحديث عن الوضع الجديد في أفغانستان - لرفع الحرج عن طالبان، وإن كذَّب بعض قادتهم وجود الظواهري في أفغانستان. السؤال الحقيقي: كيف عرفت طالبان بأنّ الظواهري لا يوجد في أفغانستان؟ أين يوجد يا ترى؟ أما الظواهري فقد حاول أن يؤكد بأنّه موجود ووجوده لا يتوقف على إرادة طالبان والتسويات، وله مساحة لتصريف العنف المسلح، لا سيما في سوريا.
- مع أنّ القاعدة خاضت حربا مع بعض الفصائل المتطرفة في سوريا لا سيما مع داعش، فقد تقتضي المصلحة أن يلتئما في أفغانستان، بعد أن أصبح عدوهما واحد. ستحاول طالبان أن تقصي أولئك المنافسين، ولكن القاعدة وداعش لا يعتبران نفسيهما أغرابا، إنهما نقلا وسائل العنف إلى أفغانستان باعتبارها دولتهم.
- تزداد حرب العلامات، فأوّل طائرة تزور مطار كابول، قادمة من باكستان. إنّ الطيران يقدم جملة مفيدة عن طبيعة العلاقات والتحالفات، ويبين الأهم والمهم في تراتبية العلاقات. قطر وسيط مهمّ بالنسبة لطالبان وواشنطن، لكن ولاء طالبان هو لباكستان. ما يثير الغرابة هو ما لاحظه مراقبون كثيرون حول صمت الولايات المتحدة الأمريكية على الدور المزدوج لباكستان فيما ذهب إليه الخبير الأمريكي في قضايا الأمن إيلي ليك في تقرير بوكالة بلومبرغ للأنباء، حيث يشير في الوقت نفسه لتصريح سابق قبل سنوات للأدميرال مايك مولن، الذي شغل منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة سابقا، بأنّ "شبكة حقاني تعمل كذراع حقيقية لوكالة الاستخبارات الباكستانية".
- تدرك طالبان أنّ شبح أحمد شاه مسعود يطاردها، وبأنّه بات أسطورة قومية للطاجيك، وكانت طالبان قد سيطرت فيما زعمت على ضريح أحمد شاه مسعود بمدينة بازارك بولاية بنجشير. وجرى الحديث عن أنهم قاموا بتلطيخه وتخريبه، قبل أن يتم الحديث عن أنّ طالبان أعادت ترميمه وتنظيفه. سيجد الطاجيك حلفاء لهم من الداخل ومن الجيران ومن العالم، التفاف طالبان على مبدأ الشراكة هو غباء جيوستراتيجي.
- طالبت إيران بحكومة شاملة، لأنّها تخشى من زعزعة الاستقرار في أفغانستان، غير أنّ إقدام طالبان على فرض حكومة من جهة واحدة لن يكون محلّ رضا الهزارة، ولا ننسى لواء فاطميون المتوجس من عودة طالبان، حيث يمكن تشكل حلف عريض من المعارضة. وفي حال أصرت طالبان على الاستبداد بالسلطة، هل تستطيع إيران إقناع أولئك المتوجسين بعدم الدخول في معركة تقرير المصير؟ وفي هذه الأثناء، وحيث ليس من المتوقع أن تكون داعش حليفا للطاجيك ولا للواء فاطميون، فهل نتوقع تحولا في المعادلة، بحيث يحصل توافق بين طالبان وداعش لمواجهة العدو المشترك؟
-سيكون من الحكمة أن لا يؤخذ كل تصريح وبوح من طالبان أو واشنطن أو الوسطاء مأخذ الجد، ففي حرب العلامات تصبح الجمل والشعارات أدوات حرب. هناك من يريد الدخول في تجارة سياسية غررية، وهذا هو مقتل السياسة. لو كانت طالبان تحمل روحا للشراكة والتسامح لظهر ذلك في يوميات الاحتكاك الأولى بالطيف الأفغاني، ما فعلوه هو توزيع الابتسامات المتوحّشة، بينما اليد على الزناد وغياب التنازل. النوايا الحسنة تظهر للوهلة الأولى وبالفعل، إنّها القاعدة الأصولية التي لم يتعلموها في المدارس الديوباندية، وهي : لو كان لبان!
ادريس هاني:14/9/2021
https://telegram.me/buratha