ادريس هاني *||
- في ظرفية وجيزة انحلت مشكلة مطار كابول. لأنّ الوضعية استعجالية، فإنّ العقل العربي نفسه يصبح حالة فريدة، لم لا تنتقل التجربة إلى اليمن، ما الذي يمنع من تسيير الرحلات إلى صنعاء، وتفعيل الوساطات الكبرى؟
- ماذا لو سمح الإعلام الذي يلعب دورا مزدوجا في أفغانستان، أي يدير الخبر وفق جدلية الإظهار والإخفاء، ماذا لو قام بعملية استطلاع للرأي، وماذا لو مُكّن الشعب الأفغاني من حرية الاختيار؟ هل طالبان مستعدة أن تنسحب بروح رياضية إذا لم يقبلها الشعب؟ أين الاستفتاء، أين صناديق الاقتراع، أين النقاش العمومي، أين كلّ هذا في إمارة طالبان الفاضلة؟
- الاستقرار في أفغانستان، ونظرا للتعقيد الذي تشهده المنطقة، سيبقى مرتهنا لعديد من المآزق الإقليمية والدولية، لا ننسى النزاع الهندي-الباكستاني وتداخل العوامل المساعدة على عدم الاستقرار.
-عشرون عاما مرت على أحداث 11 سبتمبر، حيث بدأت المعركة بين واشنطن وأصدقائها القدامى في أفغانستان، اليوم خريجو غوانتانامو أعضاء في الحكومة الانتقالية في أفغانستان، عشرون عاما شهدت غزوا واحتلال للعراق وأفغانستان وترتبت عليها وقائع الربيع العربي واختفاء نظم من الخريطة وانهيارات مجتمعية. أصبحت الحرب على التطرف وطالبان والقاعدة حربا على الشرق الوسط والخليج، هذا يعني من حقّنا أن نقلق على المسار الغامض الذي تعرفه عملية تقرير المصير في أفغانستان.
- في الوقت الذي يسقط فيه ما كان يسمى بالاعتدال، أي حكومات الإخوان ومن في حكمهم، فإن صعود نجم طالبان يشير إلى مفارقة أنّ التطرف انتصر والاعتدال فقد وظيفته.
- بالفعل لا يوجد من هو أفضل من طالبان لتعزيز عوامل التصدع في المنطقة، ثمة مشترك بين واشنطن وطلبان: الموقف العميق من إيران. حتى إسرائيل يروقها ذلك، لولا أنها تخشى من أن تنجح إيران في احتواء طالبان. والحقيقة هي أن ثمّة تصدّعا قادما لا مِرْية فيه، وبأنّ بدايته ستكون مع ترحيل آخر أمريكي في أفغانستان.
- لكي تكسب طالبان ودّ الأمريكيين، فهي ستفعل ما فعله قبلها الإخوان في المنطقة العربية برسم الربيع العربي، لكن عبثا. غير أنّ انبطاحات طالبان وهي مستعدة لكل شيء مقابل السلطة سيكون مدعاة للفرجة. بالنسبة للمحتل، فهو يعتبر أن أفغانستان عصية على الاحتلال، لكنه يدرك أيضا أنّه ساهم في إعادة تربية طالبان على أصول العلاقات العامة والتفاوض والانخراط في لعبة الأمم.
- سيتساءل الكثيرون : وما العمل؟ إنّه سؤال ملغون، فهل سيساهمون في بناء مجد طالبان، ليدفعوا الثمن غاليا في المستقبل؟ هل استقرار أفغانستان يخضع للمزايدة: إما طالبان وإما...؟
- نتذكر يوم كانت وسائل الإعلام تنقل كل صيحة لتجمعات صغيرة في سوريا، كانوا يعملون على الإطاحة بنظام كبير، وأحيانا يلجؤون إلى الخيال والفوتو شوب، اليوم أين هي قيم الربيع العربي، شعارات عزمي بشارة، فانتازيا التحرر المشوب ببلهارسيا الإمبريالية اللّعوب. المنظرون للربيع العربي، كيف مروا مرور الكرام على قمع التجمعات، تعذيب الصحفيين، فرض حكومة طالبان على الشعب؟ هناك أمران: إمّا أن الربيع العربي كاذب أو أن انتصار طالبان كاذب. والحقيقة أنهما معا كاذبان، وبأنّنا أمام مقدمات لمرحلة جديدة من لعبة الأمم.
- الإعلام نفسه الذي يزفّ اليوم طالبان كعروس المرحلة، ويدعوا الرأي العام لاستقبال الحدث بحسن نية، هو نفسه الذي كان يعتمد مغالطة التبشيع في مناطق التوتر في العشرية الدامية، هو نفسه الذي دعى الرأي العام للنظر إلى تلك الأحداث بسوء نية.
- عودة الولايات المتحدة الأمريكية متوقعة، هناك أنماط جديدة من الهروب والانسحاب، هناك قواعد عسكرية دورها الأساسي استقبال الجيوش بترسانة جديدة، لا أحد حتى الآن سيمنعها عن الوصول إلى تلك البؤر. لم تكلف واشنطن نفسها عبئ تثبيت طالبان، هناك من يتكفّل بذلك بالوكالة عنها طلبا للترقية الإدارية في منظومة المحاور الإقليمية.
- تتيح الديمقراطية التشاركية أن يكون لطالبان حصّة في الحكومة القادمة المفترضة، لكن لا شيء يمنحها شرعية ابتلاع أفغانستان، كما أنّ مساعدتها على ذلك ستكون خطيئة جيوستراتيجيا كبرى، ستظهر آثارها المدمّرة في المرحلة القادمة.
- وجود إمارة متطرفة في منطقة توتّر مزمن هي برميل بارود مؤقت الانفجار. منسوب المراجعة ومنسوب العواطف المتبادلة في السنوات العجاف لا تكفي. دور الوسطاء ليس في إنقاذ طالبان من واشنطن، بل دورهم في إنقاذ طالبان من الاحتواء الإيراني.
- ليس المطلوب من طالبان أن تقود الديمقراطية في أفغانستان، فلا يوجد في أفغانستان ، ولا في الوسطاء من يعنيه ذلك، ولكن تمكين حركة من حيازة السلطة، فضلا عن أنّها حركة لها تصور خاص للسياسة والتاريخ والبشر والحجر مرفوض كونيّا، هو موضوع تساؤل مشروع. هل هذا الذي نسمعه ونقرؤه اليوم عن طالبان، يكفي لتأويل أسطورة انقلاب الماهيات؟
ادريس هاني/ كاتب وباحث مغربي :13/9/2021