متابعة ـ سلام الطيار ||
《 يُعتبر الهزاره شعب ينتمي إلى المجموعة العرقيّة المنغوليّة، وهم ناطقون بلغة التركيّة وينتمون إلى المذهب الشيعيّ. علمًا أنّه قلّما يتحدّث أحد عن هذه الفئة، وهم الذين يمتلكون الخصائص الفيزيائيّة المختلفة تمامًا عن بقيّة الأفغان. وبالتالي يصبح تمييزهم عن غيرهم سهلاً جدًا. يُطلق على هذه العرقيّة اسم «أبناء جنكيز خان»، نسبةً إلى الحاكم المغوليّ العظيم الذي غزا الأراضي الواسعة حتّى استطاع احتلال أفغانستان.
يمكن الربط بين هذه العرقيّة وبعض الأماكن ذات الرمزيّة الكبيرة في هذا البلد الآسيويّ، وخصوصاً وادي باميان وهو الشهير باحتضانه اثنين من كبرى تماثيل بوذا المنحوتة في الصخر، وقد أقدمت حركة طالبان في عام 2001 على تدميرهما. ربّما يصعب على بعضهم أن يصدّق أنّ هذه الجماعة العرقيّة تعيش منذ أكثر من 150 عامًا في ظلّ حالة إن لم نقل بأنّها حالة اضطهاد كامل إلّا أنّها من دون شكّ حالة تهميش تامّ، مع العلم أنّه ما من أرقام دقيقة تشير إلى النسبة المئويّة لهم من أصل التعداد السكانيّ، إلّا أنّه من المقدّر أنّهم يشكّلون حوالى الـ 15%. في الواقع، فإنّ المعاناة الكبيرة التي يواجهها الهزاره في التأقلم داخل أراضيهم لا تعود فقط إلى حقبة التطهير العرقيّ التي انخرط فيها نظام طالبان بين أعوام 1997 و2001، إذ إنّ جذور الخلاف التقليديّ مع العرقيّة ذات الأغلبيّة في البلاد، أي البشتون، تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر. آنذاك استطاع الأمير عبد الله منكان السيطرة على الحكم وفرض قيام حكومة دكتاتوريّة ومستبدّة، فما كان من الهزاره إلّا أنّ وقفوا في وجهها وعارضوها بشدّة، وبالتالي فقد قرّر الأمير في وجه هذه المقاومة أن يقوم بإبادة جماعيّة بكلّ معنى الكلمة، ففي غضون ما لا يزيد على عقد واحد جرى القضاء على ما يقارب 62 في المائة من شعب الهزاره، أي حوالى مليونين ونصف إنسان على الأقلّ، نظرًا إلى أنّ تعداد هذا الشعب كان في تلك الحقبة يُقدّر بأربعة ملايين. وبالطبع فإنّ نطق الهزاره بلغة تركيّة وانتمائهم إلى المذهب الشيعيّ يزيد من وضعهم سوءًا، إذ في الإجمال كان الأمير عبد الله منكان قد لجأ إلى العقدة الدينيّة منذ ذلك الحين، إذ عمد إلى بعض الفتاوى التي كان قد أصدرها فقهاء السنّة لكي يتمكّن من القيام بأعماله الإجراميّة. في الواقع واستناداً إلى تلك الفتاوى لم يُعتبر الهزاره من المسلمين الفعليّين وبالتالي أمكن له القضاء عليهم.
والجدير ذكره أنّه يحرّم في الإسلام قتل المسلمين الآخرين، ولكن بفضل تلك الفتاوى الصادرة استطاع الأمير أنّ يتخطّى تلك العقدة. ولكن لا يغيب عن البال أنّ الهزاره ظلّوا ملاحقين ومضطهدين طوال سنوات مديدة من القرن العشرين، حتّى إنّه بعد إعلان استقلال أفغانستان بشكل رسميّ في عام 1919، ظلّ محرّمًا على الهزاره على نحوٍ دائمٍ تقريبًا الانتساب إلى الكليّات الحربيّة والعسكريّة ودخول عالم السياسة والدبلوماسيّة وتولّي المناصب. وما كان مسموحًا لهم سوى القيام بالأعمال الوضيعة، فحتّى اليوم لا يزال يطلق على الهزاره لقب «عتّالي» كلّ منطقة يجري الحديث عنها. وإبّان حكومة طالبان جرت محاولة تطهير عرقيّ، التي بلغت ذروتها في عام 1998، يومذاك ارتكب مقاتلو طالبان إبادة جماعيّة جهرًا، إذ تشير التقديرات حول القتلى إلى أنّ حوالى 6000 شخص قُتلوا في أسبوع واحد فقط، في حين كان أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السنّ، ذلك أنّ الشباب كانوا قد التجأوا إلى الجبال من أجل محاربة «طلاّب الله». حتّى في هذه المرحلة التاريخيّة من التغيير والتحوّل الاجتماعيّ والسياسيّ المزيّف في أفغانستان، يبدو وكأنّ الظروف لم تتغيّر، إذ يستمرّ التواطوء والصمت من جانب الحكومة في حين أنّ قادة البشتون لا يزالون يهجمون على المناطق ذات الغالبيّة من الهزاره، وفي كلّ فصل صيف يقضون على محاصيلهم وعلى مواشيهم، حتّى أنّه في الوقت الحالي لا يبدو وكأن الحكومة تحرّك ساكنًا. ومن جهة أخرى، نجد إنّ المدرسة السنيّة الخامسة، أي الوهابيّة التي يقيم غالبيّة المنتمين إليها في المملكة العربيّة السعوديّة التي تعتبر المرجع الذي يعود إليه الأصوليّون الإسلاميّون، ترى أنّ الشيعة ليسوا مسلمين «أنقياء». وبالتالي، فإنّ جميع هذه الظروف لا تسهم إلّا في تأييد نظريّات المتعصّبين السنّة والمنتمين إلى حركة طالبان التي تزيد إصرارًا يومًا بعد يوم على القضاء على هذه العرقيّة. للأسف، فالملاحظ أنّه في الغالب يجري استخدام الدين باعتباره ذريعة لتحقيق أهداف سياسيّة، ومن هنا يمكن القول إنّ أفغانستان من الدول الراعية لهذه السياسة، حيث يشكّل التنوع العرقيّ دائمًا واحدة من المعضلات الداخليّة التي كثيرًا ما يجري التقليل من شأنها في الأوساط الدولية》.
🖊️الكاتب : بيارلويجي بوسي : صحفي ايطالي يعمل في المناطق الخطرة التي تسيطر عليها الوحدة العسكريّة الإيطاليّة، متخصّص ومطّلع على عمليّات الحرب النفسيّة. حاصل على شهادة في العلاقات الدوليّة في جامعة روما لا سابينزا مع التعمق
في مجال الصراعات في القرن الأفريقيّ والشرق الأوسط. تولّى منصب نائب رئيس تحرير « راديو بيان الغرب » مسؤول معلومات عامّة لعدد من المنظّمات في هراة في أفغانستان. تولّى في السابق منصب رئيس تحرير المجلّة الشهريّة أوروبا اليوم ( Europe Today )
وتعاون مع عدد من الصحف على سبيل بوبليكو (Pubblico) وروما نيوز ( Roma News ) ومتزوجورنو ( Mezzogiorno ) في إيطاليا، متخصّصًا بالشأن السياسيّ الخارجيّ. كتب بعض المقالات لمصلحة
تحقيق نشره المركزالاسلامي للدراسات الاستراتيجية
https://telegram.me/buratha