محمد صالح صدقيان ||
لم يكن الرئيس الامريكي جو بايدن مخطئاً عندما قال انه « قلق » بشان الاتفاق الصيني الايراني وان هذا « القلق » كان يراوده منذ اكثر من عام . بايدن في هذا التصريح المقتضب بشان الاتفاق كان يشير بوضوح الى ما سببه الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب من فقدان الثقة لدى المجتمع الدولي من السياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة ليس مع دول الشرق الاوسط وانما حتى مع اقرب حلفائها في اوروبا والعالم .
ان الزاوية التي حشر فيها الرئيس ترامب ، ايران بعد انسحابه من الاتفاق النووي وفرضه عقوبات كانت سابقة في تاريخ الولايات المتحدة - كما عبر عنها - ؛ دفع ايران لتسريع تعاملها مع الدول الاسيوية والتي تمخضت بالتوقيع على « برنامج العمل الاستراتيجي » مع الصين . وهي خطوة لها الكثير من الدلالات والانعكاسات على مسار التطورات الاقليمية والدولية .
ومنذ ان فاز الرئيس بايدن في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 3 نوفمبر الماضي ، وايران تنتظر قيامه بخطوات عملية لإحياء الاتفاق النووي المسجى في غرفة العناية المركزة منذ انسحاب الرئيس ترامب من هذا الاتفاق عام 2018 .
ربما تكون ادارة الرئيس بايدن معذورة في تباطئها اتخاذ اجراء عملي تجاه ايران بسبب عدم استكمال فريقها الوزاري لكنها لم تستطع ان تعطي اشارات ايجابية لايران على عزمها العودة للاتفاق النووي جراء الرغبة في الاستجابة للضغوط التي يمارسها الكيان الصهيوني من اجل طرح عدة شروط تتعلق بالقوة الدفاعية الايرانية او نفوذها في المنطقة . هذا الكيان حاقد على تصرف الرئيس الامريكي الاسبق باراك اوباما لانه دخل ايران عبر الاتفاق النووي وليس عبر البوابة "الاسرائيلية" . الان يحاول هذا الكيان وبمختلف الوسائل الامنية والسياسية الوسخة الضغط على ادارة بايدن لتكون العودة للاتفاق النووي عبر البوابة "الاسرائيلية" بمعنى ان تضمن "اسرائيل" امنها القومي قبل احياء الاتفاق النووي . الجواب الايراني الذي جاء على لسان المرشد لم يتاخر في ان ايران لا تريد ان تكون ضحية لابتزازات الاخرين او احلامهم العدوانية في الهجوم على ايران ؛ ولذلك فهي غير مستعدة لمناقشة قوتها العسكرية مع اي جهة كانت كما انها غير مستعدة للمساومة بهذه القوة على حساب اي ملف اخر ؛ اضافة الى ذلك فان ايران معنية بدعم اصدقائها في المنطقة ولا تسمح بتضعيفهم او مواجهتهم تحت اي ذريعة كانت .
ما تم التوصل اليه بين الصين وايران هو « خارطة طريق » للتعاون الاستراتيجي في المجالات المختلفة . مهم جدا الاشارة الى ان التوقيع بين وزيرا خارجية البلدين تم على « وثيقة » وليس « اتفاقية » او « معاهدة » ، وان ايا من هذه المصطلحات له دلالته في القانون الدولي وفي الالتزام الثنائي . وهذا يعني ان الباب لم يغلق امام الدول الغربية لإعادة النظر في سلوكها حيال ايران التي تجد نفسها قد خدعت من قبل الولايات المتحدة واوروبا في عدم تنفيذ الاتفاق على الرغم من ايداعه في مجلس الامن الدولي وصدور القرار 2231 الذي احتضن الاتفاق النووي .
« خارطة الطريق » الايرانية الصينية هي انعكاس واضح لفشل السياسة الامريكية بالمنطقة ؛ وهي كذلك تحد واضح للولايات المتحدة سواء كان من الجانب الايراني او من الجانب الصيني ؛ حتى وان كانت اليافطة العريضة لها الاستثمار في المجالات الاقتصادية .
يبدو لي ان العلاقة الايرانية الصينية وضعت على سكة واضحة وهي خطوة اولى ستتبعها خطوات لان اي « اتفاق استراتيجي » بهذا الحجم يستوجب التوقيع عليه من قبل جهات ارفع من وزراء خارجية وهذا ما اتوقع حدوثه في مرحلة لاحقة ؛ لكنه بالتاكيد اعطى طهران قوة « جيوسياسية » واخرى « جيو اقتصادية » اقليمية ودولية كافية لتكون ورقة نوعية في التفاوض المحتمل مع الولايات المتحدة من اجل احياء الاتفاق النووي . وهي كذلك مؤشر من مؤشرات مرحلة ما بعد كورونا التي قلنا في مقال سابق انها تختلف عما قبلها .
على لاريجاني المعين من قبل مجلس الامن القومي الايراني للاشراف على « خارطة الطريق » الايرانية الصينية باشر عمله ميدانيا من اجل ايجاد الارضية المناسبة لدخول الصين في ميناء جاسك المطل على بحر عمان وفي المناطق الحرة الايرانية المتناثرة في الاتجاهات الاربعة.
هذه الخارطة وان كانت قد حددت المدة لـ « 25 عاما » القادمة لكنها تشمل كافة المرافق الوزارية الخدمية والصناعية والتقنية اضافة الى الجوانب العسكرية والامنية ؛ وبذلك فهي تتطلع الى ربط العجلة الايرانية المنتجة باقوى قوة اقتصادية نامية ومتصاعدة في العالم ؛ خصوصا وان السوق الايرانية الواعدة والمتعطشة للاستثمار يسيل لها اللعاب الصيني ويمنحها التامين على حصولها لما تحتاجه من النفط والغاز والمواد البتروكيماوية ؛ مقابل تامين ايران لسوقها النفطية على مدى 25 عاما القادمة .
U2saleh@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha