رياض البغدادي ||
ان ما جرى، وما يجري اليوم في المملكة العربية السعودية، ومنذ التقارب الذي اعلنه الامير محمد ابن سلمان مع العدو الصهيوني وتأييد المملكة لصفقة القرن، وبكل ما انطوى عليه هذا التقارب السعودي الصهيوني من تفريط بالحقوق الاسلامية والعربية بشكل خاص ، طرح ومازالت تطرح جملة تساؤلات على الامة التي استفزتها الخيانة السافرة وجرحت مشاعرها الدينية بشكل أساسي ، لما تمثله المملكة من أهمية في الواقع الاسلامي.
ولعل من حق الجماهير الاسلامية، وحركات التحرر الفلسطينية التي جاهدت زمنا طويلا ، وما تزال ضد الاستعمار والصهيونية أن تتساءل : كيف يجرؤ حاكم عربي وسعودي بالذات على مثل هذه الخيانة السافرة ؟ واذا ما تجرأ هذا الحاكم على الخيانة، فلماذا لا يلقى مصيره العادل ، کما بقية العملاء والخونة الذين سبقوه على درب الخيانة ؟ .
وأين هو رد الشعب السعودي على الخيانة ومرتكبيها ؟ ومتى يتحرك هذا الشعب ليعصف بالخيانة والخائنين ؟ والى متى يطول صبر هذا الشعب المغلوب على أمره؟ وهل عقمت السعودية عن أن تنجب من يوقف محمد ابن سلمان عند حده ؟ ام عقمت أسرة آل سعود عن انجاب من يقطع يد الخيانة ويعيد المملكة الى موقعها الاسلامي ؟ ..
الى آخر هذه التساؤلات الحائرة المشروعة، واذا كان لا بد من التأكيد ابتداء على مشروعية هذه التساؤلات فلا بد أيضا ، منذ البداية من التحذير من مخاطر الأجابة السريعة المبتسرة عليها، ولا بد من التحذير من مخاطر التبسيط الساذج للامور، في غياب المعرفة الدقيقة بأوضاع المملكة العربية السعودية الراهنة .. وخارج اطار النظرة الشمولية والنظرة التي لا تأخذ بالاعتبار لمجمل الظروف الذاتية والموضوعية، ذلك لأن مشروعية هذه التساؤلات وتوفر حسن النيه المصحوبة بالعواطف الدينية والقومية، كل ذلك لا يعصم من احتمال او خطر الانزلاق الى استنتاجات قاصرة .
صحيح أن خيانة ابن سلمان لفلسطين المحتلة، وقبولة بصفقة القرن مع العدو الصيهوني، وبكل ما انطوى عليه ذلك من تفريط بالحقوق التأريخية للشعب الفلسطيني، فضلا عن الحقوق الاسلامية، وسعيه لتجنيد طاقات المملكة المالية في خدمة الرغبات الامريكية والصهيونية .. صحيح أن كل هذه الأفعال الخيانية السافرة، لابد ان تستفز مشاعر الأمة الاسلامية، وتدفعها الى مثل تلك التساؤلات، ولكننا لا بد من أن نؤكد على أن الأجابة المبتسرة والسريعة على تلك التساؤلات وحتى طرحها، بمعزل عن النظرة الاسلامية الشمولية، وفي غياب هذه النظرة، وبمعزل عن الفهم الدقيق للظروف الموضوعية والذاتية، التي تحيط بحركة المعارضة التي يقود جزءا مهم منها الجيل الشاب من الامراء في الاسرة الحاكمة في السعودية، قد يقود الى منزلقات كارثية لأقليم الشرق الاوسط برمته، وقد يقودنا الاستفزاز الذي سببه ابن سلمان للأمة الى إتهام شعب المملكة بالعجز والعقم والجبن والخنوع والاستسلام، الى آخر تلك الصفات والنعوت البعيدة عن اصالت هذا الشعب المسلم وكرامته، اضافة إلى كونها قد تزرع اليأس والخيبة في نفوس الأمة، كما توهم بحلول جاهزة تحت الطلب، لأخطار ما تقاسية الأمة الأمة الاسلامية في مواجهة التآمر الامريكي- الصهيوني، ان خيانة ابن سلمان تعدت كل خيانات من سبقوه على هذا الدرب، ولكن الحقيقة التي ينبغي أن لا تغيب عن بالنا ایضا، انه ليس الخائن الوحيد، وان هناك خونة اخرين لا يختلفون مع ابن سلمان الا على التفاصيل، وان كانت خيانته السافرة المكشوفة استفزت المشاعر و ادمت القلوب، ولكن الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عنا ايضا، أن هناك خونه آخرین حتى في العراق يوجد منهم الكثير، مستترین وغير مستترين، ما زالوا ينتظرون دورهم المرسوم .
ولاشك أن مواجهة الخيانة السافرة والمكشوفة ايسر على الأمة، لكن هذا لا يعفي جبهة المقاومة، من أن تواجه هذه الخيانات المبطنة، والخونة المتخفين وراء البراقع الخادعة الكاذبة، والشعارات البراقة كمحاربة الفساد وغيرها، ولابد من كشف هذه الاقنعة الزائفة .
فمما لاشك فيه أن رعونة ابن سلمان وخیانته السافرة، قد فتحت امام جبهة المقاومة الاسلامية آفاقا رحبة ما كانت قائمة قبل ذلك، وفرصة ثمينة لا تعوض، يجب على جبهة المقاومة أن تستثمرها في تحقيق برنامج الحد الادنی للمواجهة مع العدو الصهيوني-الامريكي، وقد تمثل ذلك فعلا في إنضمام حركات اخرى، لم تكن لتنضم الى جبهة المقاومة، لولا المشروع الخياني لابن سلمان .
وحقا أن الخيانة لا تدوم ، وان الخونة لابد أن يلقوا جزاءهم العادل، فتلك حقيقة آمن بها مجاهدوا المقاومة الاسلامية طوال مسيرة الجهاد الشاقة، اضافة الى الايمان بحتمية العدل الالهي وبقیم الشجاعة والاقدام وطموحهم للفوز بالشهادة، وهذه حقيقة اكدها وجذّرها أهل البيت عليهم السلام في عقيدة الامة، بتضحياتهم وبإصرارهم على ربط الامة بحركة الحسين (ع) ومشروع شهادته في طف كربلاء .
أن الجهاد الطويل الشاق الصبور هو وحدة ، وليس أي طريق آخر ، طريق الانتصارات والظفر ودحر الخيانة والخائنين، وتحرير الامة من الاستبداد والقهر، ويقينا ، أن ابن سلمان سوف يلقى نفس المصير، الذي لقيه أمثاله الذين سبقوه على درب الخيانة، امثال السادات وصدام وغيرهم من العملاء القدامى والجدد ..
ولكن الحقيقة ايضا، ان الايمان بحتمية انتصار الحق على الباطل والخير على الشر، ينبغي أن لا توقعنا في شرك التبسيط الساذج للأمور، وبطبيعة المعركة الشرسة، التي تخوضها الأمة ضد اعدائها، فنتصور، ودون الإحاطة بكل جوانب المسألة، أن الثورة ستقوم غدا في السعودية .. وان كل الظروف مهيأة لقيامها .. ثم نأتي بعد ذلك لنلقي اللوم على الشعب السعودي الأبي، الذي لم يتحرك فورا لاسقاط حکم الخيانة، وانه لتبسيط للأمور أكثر سذاجة وعاطفة، أن نتصور ان انتخاء الشباب الشجاع من أمراء ال سعود، واجهازهم على رأس الخيانة في الرياض، هو الحل السحري الجاهز الذي يعيد المملكة الى احضان الأمة، فبالرغم من أن الامراء الشباب قد أعدوا العدة واعربوا عن توجهاتهم بكل شجاعة، فاننا ينبغي أن لا ننساق كثيرا وراء العواطف التي جرحتها الخيانة، ونتصور أن مجرد حدوث ذلك سيكون خلاص للأمة من هذا الخائن العميل اوذالك، وبدون توفر شروط ومقومات اخرى، تعفي الأمة من الجهاد الطويل الشاق، الذي هو قدر الامة الاسلامية المستغلة المجزأة المضطهدة، والحق ايضا أن الشعب السعودي لم يقل بعد كلمته الحاسمة في الخيانة والخونة، ولكن الحقيقة ايضا انه يخطىء خطأ فادحا من يستنتج من بطئ رد الشعب السعودي على الخيانة، أو عدم تكافؤ هذا الرد مع حجم الخيانة، ان الشعب السعودي قد استکان واستسلم وكف عن المقاومة، وان الخطأ سيكون اکبر عندما ينعت السعوديون بالخنوع والاستكانة، ذلك لأن الخيانة لم تنجم عن فراغ، بل جاءت تتويجا لنهج مدروس ومتكامل لم تكن الخيانة الجارحة الا المظهر الصارخ له، ابتدأ بترويض الأمة كلها على القبول بهذا النهج ، وتشويه وقلب كل مفاهيم العدل والحق والحرية، مرورا بالقبول بتجزئة الحق، وقبول ازالة آثار العدوان بديلا عن ازالة اصل العدوان، وانتهاء بالاعتراف بالعدو والتفاوض معه .
واذا كان الشعب السعودي، احدى صفاته الصبر الطويل على القهر والظلم .. وذلك صحيح، فليس صحيحا أن هذا الشعب وحده الذي يتصف بهذه الصفة .. فقد عانت الأمة الاسلامية كلها عصورا من الاحتلال، المباشر وغير المباشرمن قبل الغزو الأجنبي، ولكن صبر الشعوب في هذا الجزء أو ذاك الجزء من البلاد الاسلامية، وان طال أحيانا وقصر أحيانا أخرى، بفعل عوامل وشروط ذاتية وموضوعية، لم يكن يعني ابدا قبول الامة في أي من أجزاءها بعار الخيانة، او بشرعية الغزو والاحتلال، او بشرعية الوضع في فلسطين، القائم على الغصب والعدوان، كما ان جهاد الشعوب الاسلامية لم يتوقف لحظة واحدة، وان بدا الشعب في هذا البلد أو ذاك مغلوبا على امره، وكأنه في حالة سكون وانعدام مقاومة، وكما أن صبره وصمته الطويل احيانا، في هذا البلد او ذاك، لم يكن يعني يوما الاستسلام او القبول بالأمر الواقع المفروض، من قبل الاستعمار او الرضوخ للخيانة والعمالة، فان الظفر الجزئي الذي كانت تحققه المقاومة الاسلامية ، في هذا البلد أو ذاك ، لم يكن ولن يكون نهاية المطاف .
أن انتصار الثورة في موقع معين، او بلد معين محكوم دوما بتوافر نوعين من الشروط الذاتية والموضوعية یکمل احدهما الآخر .. ولا يكفي توفر أحدها لتحقيق الظفر، ویبدو من هذه المقالة، أن الحاجة ماسة لدراسة شاملة، نحاول فيها القاء الأضواء على الاوضاع الراهنة في المملكة العربية السعودية، للوقوف على الحقيقة الكاملة، لما يجري في كواليس المعارضة السعودية النشطة، وفي قصور بعض الامراء في الداخل والخارج .
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha