متابعة ـ جدل فاضل الصحاف
حدث غريب غير معهود في كل العالم اختفاء هذا العدد الكبير من البشر بدون ضجيج ولا صراخ ولا اعلام .
الفاجعة حدثت في العراق رغم قساوتها التي فاقت كل جرائم النظام البعثي لكن طويت صفحتها واسدل عليها الستار وكأن شيأ لم يكن .
كيف ولماذا .
في عام ١٩٨٠ اقدم النظام البعثي في العراق بتهجير مئات الآف من العراقيين الى ايران بحجة التبعية الايرانية وكان الأغلب منهم الكرد الفيلية .
فقطعوا الحدود سيرا على الاقدام لمسافات طويلة من كبار السن والنساء والأطفال فمات منهم الكثير بلا دفن وتعفنت جثثهم واكلت الحيوانات منهم ، واحتجز شبابهم واودعهم السجون حتى غاصت بهم .
والحجة بذلك هو وضع هؤلاء رهينة عنده خوفا من التحاقهم بالمعارضة العراقية في ايران ، وانه سيقوم بإرجاع اهلهم بعد سنوات الى العراق بعد ان كان قد نفذ مشروعه السياسي بأرباك الثورة الايرانية الفتية بهم ، اقتصاديا وامنيا لكثرة عددهم وما يحتاجونه من انفاق ،كان ذلك مقدمه قبل ان يشن هجومه العسكري عليهم .
لقد نفذ ما اراد فقام بغزو الأراضي الايرانية الحدودية بعد ذلك ودخل مدنها ، لكنه واجه رد شعبي ايراني عليه قبل ان تُنظم الدولة الفتية امورها لترده وتقهقر جيشه واستمرت المعركة سجال بين كر وفر لمدة ثماني سنوات .
كل ذلك والشباب في السجون وهم ينتظرون لحظة لقائهم اهلهم بتهجيرهم الى ايران واللحاق بهم والخلاص من السجن .
تعارفوا بينهم داخل السجن وكل اتخذ من الاخر صديقا لم يكن يعرفه سابقا ، بعدما تجمعوا من كل المحافظات العراقية ، انهوا سنوات طويلة في السجون يعيشون على امل ضعيف بلقاء اهلهم والعيش معهم وعودة المتزوجات مع اطفالها الى ازواجهم للعيش مثل باقي البشر .
كل احلامهم هي هذه ومناماتهم لا تتعدى ذلك ، في صباح كل يوم يأتي سجين يقص على اصدقاءه منامه والرؤيا التي رآها عن اهله ، يقص بتفاعل كيف احتضنته امه وكيف جلس بجنب ابيه وذاك يحدثهم مشاهدته لاطفاله وهم يلعبون معه وكانها حقيقة .
وبعد انتهاء قصصهم مع المنامات وينتبهوا لانفسهم انه منام وليس حقيقة ، يعودوا الى الانزواء والبكاء لتدور عليه الايام بتلك الحالة .
في الطرف الاخر من الحدود تدور نفس الاحداث والمنامات على عوائلهم ، وكأن اتصالا روحيا بينهم ، فالام تنوح على ابنها الشاب الذي سلب منها وهو في ريعان الشباب طالب جامعي او انهى توا دراسته الجامعية وكانت تحلم بتزويجه ، وفي الصباح تقص على زوجها منامها فتخنقه العبرة فيتصنع الصبر ليربط على قلبها ويكابر ثم يبحث عن مكانا منزويا لا يطلع عليه احد يفرغ ما في صدره من حسرة وألم ويطلق العنان لدموعه لتنساب على وجنتيه .
او يترك البيت هربا من الهموم والآهات ليجلس مع بعض الاصدقاء المهجرين .
وما تحل مناسبة تجمع آباء وأمهات السجناء الا وتدور الاحاديث عن الأبناء واخبارهم وما تصل لاحدهم خبر عن زيارة لبعض الاصدقاء والاقرباء الباقون في العراق للسجناء حتى تجد الاذان كلها صاغية وكأن على رؤوسهم الطير ليعيشوا الامل بأنهم احياء ، ليدعوا الله ان تنفرج احوالهم عنهم ليلتقوا بأبناءهم .
كيف ينسون ويهنئون بالعيش وابناءهم بيد مجرم ظالم ،
دارت السنون والعمر اخذ منهم مأخذه وعجل به الظلم والحسرة على فراق الاحبة فالظهر بدأ ينحني ويتقوس والجسم اصبح بطيء الحركة وكل يوم يتوفى شخص منهم يودعون الحياة بلا لقاء للابناء ولا سماع صوت لهم ولا شم ريحهم ولم يبقى الا القليل ، فحفظ الابناء الباقون القصص عن آباءهم لانهم اصبحوا كبار .
وبعد ٢٣ عام سقط النظام الدكتاتوي ، فهب الناس الى السجون للبحث عن ابناءهم ، والاحياء الباقون من الاهل في المهجر يتلهفون لسماع اي خبر عن اولادهم ، جاء اخوتهم الاصغر الى العراق يبحثون في السجون عسى ان يتم ايجادهم احياء ، وبعد اليأس توجهوا الى المقابر الجماعية للبحث عن بقايا اخوتهم يقلبون العظام او الملابس التي يمكن ان تدلهم عليهم ، معتمدين على بقايا الذاكرة التي علقت في اذهانهم او وصايا الآباء المتوفين .
هرب الجناة الى خارج العراق ولم يدلوا احد عن مقابر هذا الجيش المدني الذي تم تغييب أثره ، حادث رهيب اكثر من عشرون الف اين اخفاهم النظام المجرم وهم ابرياء ليس لهم ذنب الا الانتماء العرقي الذي يكفي دليلا للقتل والتشريد .
انها اكبر مجزرة في التأريخ الانساني لم يقف عليها احد لكثرة جرائم النظام البعثي وعدم اعطاء الموضوع اهميته الدولية وتسجيلها ضمن الجرائم الانسانية .
وتضاربت الاخبار عن مصيرهم وكيفية قتلهم فلا تسجيل ولا كتابه .
اغلب ما قيل انه جعلهم حقل تجارب لاسلحته الكيميائية ، فضاعت قبورهم واختفى اثرهم ، واصبحوا نسيا منسيا ، فليس لهم قبر ليزار ويجتمع شمل العائلة على هذا الأثر .
فسلام على الارواح البريئة وسلام على ارواح آباءهم الذين ودعوا الدنيا في بلا الغربة من دون ان تكتحل اعينهم برؤية ابناءهم ويشموا ريحهم .
والسلام على الحسين الغريب المظلوم الشافع لمحبيه ، ان يجمع هؤلاء مع انصاره ويشفع لهم.
واللعنة الدائمة على صدام واذنابه البعثيين وكل من ساهم ورضى وسكت عن فعلتهم ، ثم تكافأهم الحكومة
العراقية لتصرف لهم رواتبهم التقاعدية على اجرامهم وهم في بلدان العالم منعمون ، ثم تحرم ضحاياهم من حقوقهم في بلدهم وتخونهم وتسلب الوطنية عنهم
https://telegram.me/buratha