التقارير

تكاليف وتبعات التسوية مع أمريكا في تاريخ العالم المعاصر  


د.مسعود ناجي إدريس ||

 

في التاريخ المعاصر للعالم ، يمكننا تسمية البلدان التي قررت المساومة مع الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على أمنها أو على أمل التخلص من الضغوطات السياسية والاقتصادية ، تكبدت تكاليف باهظة لا يمكن تعويضها. وبدلاً من تحقيق اهدافهم من التفاوض، في حالات متعددة تعرضوا للخيانة من قبل امريكا ولم تفي بالتزاماتها تجاههم. فيما يلي بعض الأمثلة لتلك البلدان.

·        ليبيا وتكلفة تفاوضها مع امريكا

أحد أبرز الأمثلة على تكلفة التسوية او التحدي والمقاومة امام تسلط الغرب وامريكا هي ليبيا. وافقت ليبيا ، بقيادة معمر القذافي ، الذي دعى القوى العربية المناهضة للغرب ذات مرة على معارضة ومعادات امريكا ، لكن بعد تصعيد التوترات و العقوبات ضده، قام أخيراً بالتسوية مع الولايات المتحدة.

في هذا الصدد ، اتخذ خطوات تدريجية أدت في النهاية إلى وفاته المأساوية ، من ناحية ، والفوضى ، ونهب وتدمير بلاده ، من ناحية أخرى.

في البداية وافقت ليبيا على دفع ١٠ ملايين دولار من مجموع ملياران وسبعمائة مليون دولار تعويضات و غرامات مقابل كل امريكي قُتل في تفجير الذي حدث عام ١٩٨٨ ( المعروف بحادث لوكربي الذي القى الأمريكيون باللوم على ليبيا) وذلك لتخفيف الضغط والعواقب السلبية على ليبيا و تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.

لكن خطوة القذافي لم ترض الولايات المتحدة والغرب.

لذلك ، في الخطوة التالية ، قامت ليبيا ، بهدف بناء الثقة وعلى أمل الوعود التجارية الغربية ، بتفكيك منشآتها النووية استجابة لمطالب امريكا بإغلاق النشاط النووي بحجة القلق بشأن سلوك عدائي محتمل من قبل ليبيا وقام بأرسال المعدات الى امريكا.

لكن هذا التصرف لم يكن كافياً بالنسبة لأمريكا ايضاً. ليبيا في محاولتها الثالثة لبناء الثقة ، فرضت قيودًا على أنظمة صواريخها ، ودمرت جميع المعدات المتعلقة بصواريخ سكود- C ، وصواريخ سكود - B كذلك. وهكذا ، دمرت ليبيا نفسها و مكونات قوتها واحدة تلو الأخرى.

على الرغم من كل هذه التنازلات وتعاون القذافي المكثف مع الغرب ، فإن الولايات المتحدة والغرب ما زالوا غير راضين عنه. لهذا السبب ، واصلت الولايات المتحدة عقوباتها على ليبيا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ودور ليبيا في النزاعات الإقليمية في أفريقيا. أخيرا على الرغم من أعمال الشغب 2011-2012 في ليبيا لم تساعد امريكا القذافي بل قاموا بتصعيد الصراع أيضًا من خلال التعاون مع خصوم القذافي.

حتى بعد المحادثات السرية بين معمر القذافي والمسؤولين الأمريكيين لتعاونهم على الخروج الناجح له ولعائلته من البلاد ،لكن لم يفعلوا شيئًا. في نهاية المطاف ، قُتل معمر القذافي واحتلت بلاده من قبل المعارضة والدول الغربية واشتعلت نار الفتنة والفوضى في عموم البلاد.

·        السعودية وتكلفة تفاوضها مع الولايات المتحدة

مثال واضح آخر على الآثار السلبيه و تكلفة التسوية مع الغرب مقارنةً مع تكلفة التحدي والمقاومة من قبل الدول العربية في الخليج الفارسي. إن الوضع في هذه البلدان يُحتم دائمًا إلى دفع المبالغ المالية لإرضاء الغرب ، وخاصة امريكا.

على سبيل المثال ، عندما شبه ترامب المملكة العربية السعودية أثناء الانتخابات بالبقرة الحلوبة احتقارا لتلك البلد ، و بحجة دعم الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية ، طلب امريكا استرداد تكاليف الدعم الأمريكي لتلك الدولة ، فقط بسبب انتقاده الانتخابي.

واضطر الحكام المستبدون السعوديون إلى الامتثال لطلب ترامب ؛ خلال زيارة ترامب إلى المملكة العربية السعودية ، قدموا تنازلات ضخمة للولايات المتحدة ووقعوا معه صفقة أسلحة بقيمة 110 مليار دولار. نقطة أخرى مؤسفة هي أنه على هامش التوقيع على الاتفاقية ، اضطرت المملكة العربية السعودية إلى استئجار المجموعة الأمريكية "سونوران" كمستشار حكومي في الشؤون التجارية ، بدفع 5.4 مليون دولار لهم.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبالغ ضخمة جدا حتى لو تم قياسها كأنشطة مربحة للضغط على الدول الخارجية، حيث استطاعت امريكا الحصول على هذه المبالغ من المملكة العربية السعودية بكل سهولة.

·        كوريا الشمالية وتكلفة التسوية مع الولايات المتحدة

مثال آخر على الآثار السلبية و تكلفة التسوية مع امريكا هي تجربة كوريا الشمالية. خلال فترة رئاسة بيل كلينتون ، قررت كوريا الشمالية بعد العداء تقديم تنازلات للولايات المتحدة من أجل تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية.

اتفقت بيونغ يانغ مع واشنطن على تدمير محطات الطاقة النووية. في البداية قاموا بتدمير أبراج التبريد في إحدى محطات توليد الطاقة التابعة له. ولكن على الرغم من قرابة عقد من المفاوضات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية ، عند تنصيب جورج دبليو بوش ، فإن الولايات المتحدة لم تفشل فقط في الوفاء بألتزاماتها بموجب الاتفاقية ، ولكنها اتبعت سياسة محاربة كوريا الشمالية و وصفت تلك الدولة بأنها أحد أركان "محور الشر".

بالإضافة إلى الدول الثلاث المذكورة اعلاه ، هناك دول أخرى تعرضت لأضرار لا يمكن إصلاحها بسبب عملية التسوية مع الولايات المتحدة ، مثل الاتحاد السوفيتي ، الذي تسبب توقيع الأتفاقيات مع الولايات المتحدة و التنازل بإنهياره. كما واجهت مصر ، بقيادة مرسي ، انقلابًا للسيسي بتآمر امريكا وسجن الرئيس المنتخب مرسي بعد ما سعى الى الوصول لحل وسط مع الولايات المتحدة. و من الامثلة لذلك العراق برئاسة الديكتاتور صدام حسين و کوبا ايضا. هناك دول لم تسفر عنهم التسويات مع امريكا سوى خيانة وسوء إدارة الولايات المتحدة وتكبدهم تكاليف لا يمكن تعويضها.

ما أكثر العبر و اقل الاعتبار...

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك