التقارير

بعد ان استشرى وبات"خطراً" على مصير البلد  ..كيف نواجه "الاعلام المأجور"؟  


محمود الهاشمي ||

 

لا احد يشك في ان للاعلام دوراًكبيراً في التاثير على الراي العام، ولم تغفل عنه الشعوب قديماً وحديثاً، فالاموال والهبات التي كان يغدق بها الامراء والملوك على الشعراء والادباء، انما كانت وسيلة اعلام فاعلة وغالباً ما تقلب الحقائق وتزيف الاحداث، فيما هنالك اصوات اعلامية من شعراء وادباء حفظوا العهد وصانوا الامانة في التعريف بالشخصيات والرموزوالثناء على الافعال والقيم الاخلاقية وغيرها..

ان اسوء مرحلة في تاريخ الامم هي تلك التي يتسيد فيها "السفهاء" من القوم على صناعة الراي العام، فتغلب على اصحاب الراي والعقول وتتحكم بالمسار العام للامة وعندها  يحق القول (إقرأ على الامة السلام. )!.

ان هنالك مشكلة عانت منها "الشعوب والدول" قديماً وحديثاً، وهي كيف لنا ان نتعامل مع "السفهاء" ؟ الغالب في الراي لدى العقلاء يجب ان لاتكترث لكلامه وعليك بالحِلم كمصدٍ وترسٍ يقيك شروره، ومما ينسب الى الامام علي "ع" في هذا :"يخاطبني السفيه بكل قبح — فاكره ان اكون له مجيبا".

لكن ونحن نعيش في عصر اصبحت المنصات الاعلامية مفتوحة ومتوفرة، وبات شواذ الامة وسفهاؤها الذين لم يكن لهم نصيب في هذه "الحرفة" وقد ارتقوا المراقي بعد ان استدعوهم (خصوم الامة) ودفعوا لهم ما جعلهم لايفرقون "بين الذكر والانثى"، فعبروا عن "عقدهم " الاجتماعية والسياسية وغيرها، فالذي عانى في "طفولته" من عقدة عكسها عبر التساهل بقيم الدين والاخلاق العامة، والذي فشل بمشروعه السياسي او الحصول على منصب انبرى يشتم وطنه وشعبه، وبات اشبه "بالكليشه" التي تستخدم في الفنون  والحرف وغيرها, جاهزا لكل طلب !

المشكلة الكبرى ان هؤلاء "السفهاء" بات تاثيرهم يتسع يوماً بعد اخر، وبات الشارع يتابع اعمال "الشو" اكثر من اي مقال او دراسة او اي عمل نافع ، حتى اصبحت لهم اذان تصغي ولسان يردد وربما باتت منصاتهم الاعلامية اكثر تاثيراً من اي برنامج مهني!! هؤلاء ارهبونا بطروحاتهم "القبيحة" وباتوا يشكلون ضغطاً على القرار السياسي والامني، ناهيك عن تهشيمهم القيم الرفيعة، والهيمنة على الشارع، فهم من يخرجون التظاهرات ويغيرون المعادلات وينالون من هذه الشخصية او تلك وخاصة الرموز الدينية والوطنية والجهادية دون ادنى تردد.

الان وقد تحول السفهاء الى جيوش وتاثير، وباتت مساحة تاثيرهم في الوسط الجاهل تفوق اي تاثير اخر، وهؤلاء (الجهلة) ما يعادوا يصغون لوصايا "الاباء" ولا لاساتذتهم ومعلميهم ورموزهم العشائرية والدينية، كما لم يعودوا يتابعون ما ينشر على الورق او عبر الشاشة "الملتزمة".

حادثة "الوثبة" واعدام الصبي "هيثم البطاط"، شاهد لما نقول حيث تمت عملية الهجوم على منزلهم،  وسط انظار ابناء المنطقة ورجال الشرطة، وتم سحله وسط الزقاق  وتوفير وسائل القتل والاعدام والذبح امام الملأ وفي ساحة عامة مزدحمة  بالعاصمة بغداد ’وهنالك "35" كاميرة موبايل تصور ، ودام الحدث لاكثر من ساعتين ولدينا مليون وربع مليون منتسب في الاجهزة الامنية، وتحت ايديهم ارقى الاسلحة من البندقية الى الطائرة، ورواتبهم وتجهيزاتهم  تكلف ربع ميزانية الدولة، اذن ايهما اقوى اعلامنا ام اعلام "الشو" بكل عناوينه؟.

الان وقد بات الوطن مهدداً وان (تغريدة )واحدة لاي من عناوين  "الشو" يكفي لاسقاط اي مسؤول او اي شخصية اخرى، وقد يكون مصيره مثل مصير "هيثم البطاط"، فعن اي عملية سياسية نتحدث وعن اي وطن؟ وهؤلاء "الشواذ" سخرهم خصوم الوطن وجعلوا منهم عناوين ، وبات العديد من الاعلاميين يقلدونهم ويرون فيهم رموزاً وابطالاً، واضطرت بعض وسائل الاعلام ان تهبط الى مستواهم في التقليد الخ.!

السؤال الخطير :- مادام هؤلاء "الجهلة" اصبحت لهم قيادة توجههم، كيفما تشاء، وهم يحرقون الممتلكات العامة والخاصة، ويغلقون الدوائر والمؤسسات ويهددون من يشاؤون، وان رجل الامن يخشى من قناة "شو" اكثر مما يخاف من القائد العام للقوات المسلحة، فهل يجوز الاستسلام وتسليمهم مفاتيح الوطن وكفى؟.

ورقة "السفهاء" اكتشفت سر قوتها الولايات المتحدة الامريكية، بعد ان اهملتهم دولهم واعتقدت ان هؤلاء لايساوون شيئاً، وانهم مجرد "سايعين" كما يسميهم المصريون بلهجتهم، واستطاعت الولايات المتحدة ان ترعاهم وتدير شؤونهم وترتب قياداتهم وتمويلهم، وتهاجم بهم اي دولة تخالف اوامرها، ويكفي ما شهدناه ونشاهده في دول اوربا، حيث سرعان ما يخرج هؤلاء "المتسكعون" من تحت الانقاض ويهاجمون المحال التجارية وكل شيء امامهم من عجلات وممتلكات، وتسقط المدن تحت ايديهم الواحدة تلو الاخرى، فيما تجهز لهم امريكا غطاءً اعلامياً ومنظمات مجتمع مدني للدفاع عنهم، وتبقى الدولة في حيرة بين مهاجمتهم وهم ليس لديهم شيء يخسرونه وبين تركهم ليحرقوا البلد.!

لاشك ان ادارة هؤلاء السفهاء ليس سهلاً، وتحتاج الى خبرة عالية ومهارة وثقافة تهبط الى مستوى تفكيرهم، فالذين ذبحوا "هيثم البطاط"، تعجبوا من القاء القبض عليهم ومن الاجراءات الامنية، لانهم باعتقادهم قاموا "بالواجب الوطني"، وان الذي "ذبحوه" يستحق ذلك كونه "مندساً"!!.

ان كل الاعمال التي تشبه ذلك انما في مفهومهم "اعمال وطنية" من غلق الجامعات وحرق الاملاك الخاصة والعامة، فباعتقادهم هم "الوطنيون" وان كل الاخرين من ابناء الشعب متهمون بالخيانة!!.

لقد تكونت لديهم ثقافة "شوشوية" عجنت لحمهم ودمهم من جديد وحولتهم الى قتلة ومتمردين...!

ابناء الشعب الاخرون من كسبة وموظفين وحرفيين وعمال واساتذة جامعيين، وفلاحين ونخب مثقفة، واصحاب رؤووس الاموال وغيرهم، لايملكون ما يفعلون، وانما ينتظرون "اجراء" حكومياً ولايعلمون ان حرب "الجيل الرابع" التي استخدمتها الولايات المتحدة قد وضعت لهم "حكومات ميتة" تمتلك كل مقومات الدولة ولكنها عاجزة ان تحرك جندياً واحداً من مكانه!!.

لذا اضطرت قبائل محافظة ذي قار ان تاخذ دور الحكومة في الدفاع عن نفسها!!.

 لاشك ان هذا الجمع يمتلك دولة "موازية" من اسلحة واعلام ورموز وتنظيم ، وادارة، تجيب عن الاسئلة وتصدر الاوامر، ولديها سجلات دقيقة ولديها مصادر تمويل ولديها عمق داخلي وخارجي، لذا تعمل بشكل علني ودون لثام الا ما ندر!!.

وهنا نؤكد بان الكثير من نشاطاتهم قد تجلب النظر، وتدعو كثيرين للانخراط معهم،  ولكن بعد حين يجدون انهم غرباء "وسطهم" ويغادرون.

 الان وقد تاكد لنا ان ظاهر"السفهاء"اصبحت (حقيقية )وهي من "تتحكم" بالبلد، الى درجة فرض الارادة في اختيار الشخصيات التي تديره، ترى هل من وسيلة للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة؟.

 صحيح ان الوقت متاخر على "العلاج" و ليس هنالك من يرغب ان "يتورط" في اي مواجهة معهم، والاغلب يكتفى "بالهمس" او "الكتابة" عن التجاوزات، واخرون يقولون:" نحن نستلم رواتبنا بانتظام"، في كل الظروف، والعامة يقولون "اذا الدولة ساكته احنا شعلينا"، اما الاغلب فهم المتضررون، واقل ما يكون ان الانسان يعيش حالة من القلق والخوف، ونذكّر بذلك الذي وضع السكين على رقبه الطبيبة في واسط!!.

 نحن الان في معادلة قد تكون "صعبة" بين ان نواجه "السفهاء" بذات الاليات ، ونرد الحجر من حيث اتى، وقد نفقد الكثير من شخصياتنا الاعلامية، باعتبار ان نهبط الى مستوى برامج لم تترك فاحشة الا  واخرجتها،  وبين ان نحافظ على قيم عملنا وما دأبنها عليه.

لما نكون قد سلّمنا انه لابد من المعالجة وعدم الرضوخ للامر الواقع، وهذا الامر يشمل جميع المنصات الاعلامية، بما في ذلك "السوشيال ميديا" و"التواصل الاجتماعي"  فلابد من حلول اذن، ولا يمكن لجيش يمتلك عدة القتال ويهزم.

 اولا علينا ان نقر ان الشعب هو "المستهدف" وان الحكومة غير معنية، فالحكومة مثلما ليس لديها استراتيجية سياسية فليس لها استراتيجية اعلامية ايضا، فتصبح المهمة مهمة "شعب" وليس مهمة حكومة،  وهو مخطط فرضته قوى الاستكبار لخدمة مصالحها وخلق اجيال تذبح نفسها بنفسها، وهنا لابد لكل صاحب ضمير ان يواجه الخطر وفقاً للادوات التي يمتلكها، وكل من موقعه اولاً,

 ثانيا ان وسائل الاعلام  التي تقف معنا بهذا الهدف، لابد ان تعيد ترتيب اوراقها،  وفقا للمرحلة، وهذا يستدعي قراءة المشهد الاعلامي، واعادة النظر في الكادر الفني والاعلامي، واستخدام منهجين الاول يصد الهجمة الشرسة والثاني الهجوم، وجعل الاخر يدافع عن نفسه.

 بعض اجهزتنا الاعلامية هبطت بدعوى، التنوع، وجلب نظر المشاهد عبر برامج تحاكي "الشوشوات" و"ولايات البطيخ"  وهو اجراء فقدنا من خلاله جمهورنا العام، الذي رأى في ذلك تجاوزاً على القيم الرفيعة وعلى الذائقة ..ونسال :-هل يمكن الاحتجاج –مثلاً- على مسلسل "تحت موس الحلاق" الشهير او اعمال كوميدية اخرى ناقدة "شاهد مشفش حاكة" او "حارة كلمن ايدو الو" الى التجاوز عن القيم، بالعكس هي من رسخت قيم العمل الفني، اذن ضرورة الاهتمام بالنص، وترسيخ قيم الاعمال الفنية الرفيعة، وتنمية  الذائقة ، ونتتخذ من الاعمال الدرامية والتمثيليات والبرامج الاخرى الناجحة نموذجا بعد تطوير الاداء والعمل... اما "السفهاء" نوفر لهم من يردهم ويسكت صخبهم، بعد تعريتهم وكشف مخططاتهم في ذات الوقت لابد من تفعيل القانون ومحاكمة الاعمال التي تمس قيمة الوطن وتاريخه والتعرض لشعبه ورموزه لان هكذا فوضى ستفقدنا الكثير من ثوابتنا الوطنية والدينية.

وهنا نوصي بما هو ات:

1-اعداد دراسات عن الواقع الاعلامي لمرحلة ما بعد سقوط النظام.

2- اجراء تقييم عام لعمل واداء الاعلام العراقي لذات المرحلة اعلاه.

3-اقامة ندوات وورش لغرض الاستماع اولاً لذوي الاختصاص ومطالعة الاوراق الخاصة بكل ندوة وورشة ثانيا.

4- اعداد عمل ممنهج واستراتيجية  اعلامية للوصول الى "الفئة" الجاهلة، وعدم اهمالها واختيار المنصات الاعلامية القريبة منهم، وباساليب وطرق توصيل فاعلة، لانقاذهم اولا ولعدم جعلهم اداة بيد خصوم الوطن لحرقه وتدميره.

5- الاستفادة من ذوي الاختصاص من علماء النفس و تربويين لعمل قاعدة واسس تنطلق منها الاعمال الفنية والاعلامية.

6- العمل وفق خطين الاول عبر وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والمسموعة والثاني عبر الوسائل الاخرى و لكل منها سبله.

7- منح جوائز واجراء مسابقات لافضل النصوص ولافضل مقدم برامج وافضل مخرج وبرنامج الخ.

8- لابد من التنوع , فليس من الصلاح ان تكون وسائل اعلامنا تعنى ب(السياسة)

دون الشؤون الاخرى ! فمثلا ليس لدينا حتى الان قناة تعنى بالطفل ولا بالمرأة ولا حتى بالادراما !

9 من الصعب تقبل وسائل الاعلام ا(لمؤدلجة)، الانخراط بهذا المشروع، فمهما طرقنا على معدنها غير قابل للمرونة، انما نحتاج الى وسائل اخرى بادوات اخرى وهي متوفرة ان شاء الله، وكلنا ايمان ان العراقيين جميعا قد ضاقوا ذرعا بواقعنا الاعلامي "الخطير" وباتوا يبحثون عن الخلاص يشاركنا في ذلك الجميع من ابناء شعبنا بمختلف طبقاتهم وقومياتهم واعراقهم وثقافاتهم .

ملاحظة: كنت اتوقع ان مشكلة الاعلام المأجور فقط في بلدنا وحين استقصيت الامر، وجدت العشرات من المقالات لكتاب عرب تعاني بلدانهم من ذات المشكلة فعرفت انها "مشكلة امة" وان المخطط واحد

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
زيد مغير
2020-05-31
الاستاذ الجليل محمود الهاشمي ده اجمل التحيات. النقطة الخامسة الذي ذكرتها هي من أهم الحلول وأعني بذلك الحيل الجديد في التعليم الإبتدائي يجب أن تعود وزارة التربية. التعليم وتعيين معلمين يستحقون اسم المعلم أبي فقط تعليم وإنما تربية اولا لأننا نرى عدد كبير من المعلمين ليس عنده صفة المعلم لا في أخلاقه. لا طريقة لبسه ولا في اسلوبه مع التلاميذ وهناك معلمون داعشيون وهنا المشكلة.وفقك الله
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك