إيهاب شوقي
عندما نعلم أن مركزا من مراكز الفكر الامريكية مثل "راند" تبلغ موازنته نحو 12 مليار دولار في السنة، وهو ما يقترب من موازنات بعض الدول، مثل تونس والتي تبلغ ميزانيتها نحو 14.5 مليار دولار، أو الاردن التي تبلغ 13 مليار دولار أو لبنان نحو 17 مليار دولار، فيما تتجاوز ميزانيته بلدانًا كثيرة مثل السودان التي لا تتخطى ميزانيتها 4 مليار، او بلدانا أخرى لا توجد لها موازنات من الاساس، فإننا لا بد وان نتوقف أمام الأهمية القصوى لمراكز الفكر الأمريكية والتي تجعل من موازناتها بهذا القدر.
ومن ضمن أعمال مراكز الفكر انها تشكل قاعدة لتدريب مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارات وبشكل مستقبلي، ومن ابرز الامثلة ويليام بيرنز، وجون بولتون، الذي عمل في ثلاث مؤسسات بحثية مختلفة مثل المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (JINSA)، ومعهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة (IASPS) ومجلس العلاقات الخارجية (CFR).
وعندما كان بولتون وكيلا لوزارة الخارجية لشؤون الحد من الأسلحة والأمن الدولي في عهد جورج دبليو بوش، عمل عضوا في القرن الأمريكي الجديد (PNAC)، وفي عام 2007 التحق بمعهد المؤسسات الأمريكية (AE).
في مقال للكاتب الروسي فاليري كوليكوف منشور بموقع (vt) المتخصص في الشؤون السياسية والعسكرية، يلقي الكاتب الضوء على نموذج لمركز من هذه المراكز، وما قام به من دور يستحق التوقف عنده.
حيث القى الكاتب الضوء على مركز Strateg East ، وهو المركز الاستراتيجي للقرارات السياسية والدبلوماسية. والهدف الرئيسي المعلن لـ Strateg East هو تطوير برامج لولايات معينة على أساس مدى تأثرها بقيم غربية (أمريكية) مختلفة.
ويقول الكاتب ان وراء هذا المفهوم الشائع يخفي المركز هدفا اخر، حيث يجمع محللو Strateg East المعلومات حول إمكانية إنشاء مجتمع موالٍ لأمريكا داخل المناطق المستهدفة التي تهم الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، منذ منتصف الثمانينيات فصاعدًا، كانت واشنطن مهتمة بالاتحاد السوفيتي وجمهورياته، مما أدى إلى انضمام دول البلطيق للحلف الامريكي، ثم انضمت جورجيا وأوكرانيا إلى قائمة حلفاء الولايات المتحدة بسبب البرامج التي طورتها Strateg East.
وقد استعرض الكاتب الروسي انه، وفي المراحل الأولية، توفر برامج Strateg East وصفة لإبعاد أي بلد عن قيمه الثقافية التقليدية، بحيث يمكن تحويله إلى معقل مناهض لروسيا (كما حدث في دول البلطيق وجورجيا وأوكرانيا) أو إلى مناهض للصينيين (مثلما يحدث الآن مع بلدان وسط وجنوب شرق آسيا).
وذكر الكاتب ايضا، أن المركز منشغل اليوم بالبحث في دول آسيا الوسطى، لذلك لا يتطلب الأمر تخيلًا كبيرًا للتنبؤ بما سيحدث بعد ذلك.
وعندما نستعرض موقع المركز على شبكة المعلومات، فإننا نجده يقول في تعريفه: (يركز عملنا على البلدان الأربعة عشر التي أعلنت استقلالها أو أعادت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي: أرمينيا وأذربيجان وبيلاروسيا وإستونيا وجورجيا وكازاخستان وقيرغيزستان ولاتفيا وليتوانيا ومولدوفا وطاجيكستان وتركمانستان وأوكرانيا وأوزبكستان).
وهو تخصص لافت بلا شك، وما يهمنا هنا هو معرفة ملامح ما يقوم به المركز واشباهه من خطوات.
ففي آسيا الوسطى، بدأ الخبراء الأمريكيون بفرض فكرة ترجمة الأبجدية الوطنية من السيريالية إلى اللاتينية بحجة التسهيل لمستخدمي الإنترنت المحليين، رغم ان الأحرف اليابانية والصينية المعقدة مثلًا لم تعرقل قدرة المستخدمين في اليابان والصين على استخدام الإنترنت. وتقول المعلومات، انه بالتوازي مع التغريب اللغوي والثقافي، فإنه يتم تهيئة الجمهور المحلي للاحتجاجات الضخمة بحيث لا يعترض على "الثورات الملونة" التي تتم هندستها.
هذا نموذج كاشف لمثل هذه المراكز، وقد استعرضه الكاتب الروسي ربما لاحتكاكه المباشر بحكم موطنه، بينما لدينا في منطقتنا مركز اكثر خطورة وهو مؤسسة "راند" الذي أشرنا اليه في صدر المقال.
ولعل الدور الأخطر لمؤسسة راند والتي تعمل في منطقتنا هو اذكاء الطائفية، حيث الحت المؤسسة في تقاريرها وتحليلاتها على تصوير الصراع بالمنطقة بانه (سني - شيعي) .
الالاعيب الاستعمارية مكشوفة والادوات الامريكية واضحة، ولكن المفارقة المحزنة، هي الوقوع المستمر لبعض القطاعات من الجماهير والمسيسين في الفخاخ الامريكية، فرغم وقوع الكثير في فخ ما سمي زورًا بـ"الثورة" السورية، ثم اكتشافهم للخطأ والعدول عنه، ولا زال البعض يصر على الوقوع في فخاخ اخرى بالمنطقة وكأن العبر لا تكفي للاعتبار رغم كثرتها.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha