التقارير

انقلاب ١ تشرين اوهام امريكية ومطالب مشروعة


✍ نور الدين عيوش/ كاتب وصحفي مغترب

 

انقلاب بنادق العسكر بالاتجاه المعاكس ليست غريبة على السياسة العراقية، فالعراق افتتح تاريخ الانقلابات العسكرية في المنطقة في عام 1936 بقيادة بكر صدقي الذي قتل بعد تسعة أشهر من الانقلاب بعد أن أطلق أحد الجنود الرصاص عليه، وايضا قتل وزير الدفاع آنذاك جعفر العسكري، وكان ذلك في عهد الملك غازي.

ومن ثم انقلاب أربعة قادة عسكريين هم صلاح الدين الصباغ ومحمود سلمان وفهمي سعيد وكامل شبيب والسيطرة على الحكم عام 1941 ففر عبد الإله متخفيا من قصره ولجأ إلى السفارة الأميركية ثم إلى الأردن، ولكن انقلاب 1958 كان الاكثر دمويا حيث شهد مجازر كبيرة وتحول خطير في تاريخ العراق السياسي فاستدارت بناقد العسكر باتجاه الملك وتم الانقلاب على الحكم الملكي وكان ذلك المؤسس لثقافة حكم العسكر في العراق ومن ثم تلته انقلابات البعثيين ضد عبد الكريم قاسم وكل ذلك حدث في ظل جو اقليمي متآلف مع الانقلابات العسكرية فكان قد سبق ذلك وصول عبد الناصر الى السلطة في مصر بحكم العسكر في ثورة 23 يوليو 1952 التي أطاحت بالملك فاروق وكذلك السودان وليبيا والجزائر.

 اليوم تتشابه هذه الظروف في التغييرات السياسية التي تعيشها البلدان العربية فمصر وتونس والجزائر والسودان وليبيا واليمن كلها تمر بتغييرات سياسية في فترات متقاربة جدا ومن الطبيعي ان تنعكس هذه التغيرات على بلد تعشعش فيه ظروف تدعو للتغيير السياسي من بطالة وفساد اداري وكتل سياسية تتحكم بخيرات البلد واحزاب تتوارث الحكم اضف الى تلك الظروف المعيشية الصعبة حاجة اقليمية ودولية للتغيير السياسي في العراق.

امريكا راهنت في البداية على التغيير السلمي للسلطة واعتقدت لاربع دورات انتخابية متتالية بان الوعي العراقي سيتغير لما تشتهي وتريد بحكم التاثير الاعلامي الذي تمارسه من خلال القنوات الفضائية او استغلال وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولاتها الجادة من اجل تغيير وعي الفرد العراقي، لكنها ادركت في اخر المطاف بان الوقت ليس لصالحها وان عدوها الكلاسيكي ايران قد احكم سيطرته على مفاصل حساسة في الدولة العراقية مستغلا الوقت الذي صبرت فيه امريكا على العراقيين.

 ايران ليست كامريكا في الطريقة التي تتعامل بها مع العراقيين، فامريكا اختارت القوة الناعمة المتمثلة بالاعلام ووسائل التأثير على وعي الفرد العراقي، اما ايران فلديها عنصران مهمان جدا في شخصية الفرد العراقي اولهما العقيدة وثانيهما استثمار عدم ثقة العراقيين بامريكا..

ايران وعلى طول الخط لعبت على نقطة وجود خطر دائم على العقيدة الشيعية وراهنت على فعالية التعبئة ضد هذا التهديد...

امريكا نفد صبرها الطويل في العراق وانتهى دور القوة الناعمة وآن الاوان للعب لعبة خطرة غير مضمونة النتائج ولكنها ان نجحت ستختزل سنوات طويلة من الصبر، انها خطة الانقلاب العسكري..

حيث وضعت بالاتفاق مع قائد عسكري كبير وله تاريخ ومتفق عليه من قبل كل الاطراف العراقية السنية والشيعية ورجل محبوب وهو مقرب بشكل كبير من الامريكان بحكم الوقت الطويل الذي قضاه في جهاز يعتبر من احدث واقوى الاجهزة العسكرية في الشرق الاوسط وكان يتلقى الدعم المباشر من قادة كبار من الناتو وايضا له اتصالات مباشرة مع وزارة الدفاع كانت تسمح بها الحكومة العراقية باعتبارها مساعدات واستشارات لوجستية تتطلبها المعركة مع داعش، ولكن وجود من سيعرقل هذا الانقلاب جعل امريكا تفكر مليا قبل الاقدام على محاكاة نماذج الانقلابات العسكرية في تاريخ العراق، فالحشد الشعبي مؤسسة عسكرية تمسك الارض وهي لا تقل قوة عن المؤسسة العسكرية التي ستدير دفة الانقلاب ولا سيما ان جزءا كبيرا منها خارج سيطرة الدولة وتسيطر عليها جهات سياسية تمتلك السلطة ولعل هذا السبب هو الذي دعى مستشار الامن الوطني العراقي فالح الفياض في مؤتمره بتاريخ ٧ تشرين الاول 2019 الى ان يستثني قوة عسكرية كانت بمثابة راس الحربة في حرب العراق مع داعش حيث قال بالحرف الواحد معلقا على التظاهرات :"ان البيشمركا والحشد الشعبي خير سلاح بيد الحكومة لضرب اي انقلاب او تمرد" ولم يذكر جهاز مكافحة الارهاب وهو من اقوى الاجهزة بيد الدولة.

ضروريات نجاح الخطة تتطلب ابعاد مقرات الحشد عن مركز مدينة بغداد معقل السلطة ومركز الانقلاب واعتقال بعض قادته المعروفين بولائهم لايران، وايضا يتطلب الامر منع وصول الامدادات العسكرية سريعا لعناصر الحشد اذا حاول التصدي للانقلاب في حال نجحت الخطة فلابد من ضربات مدمرة لمخازن السلاح القريبة من بغداد وهنا يجب ان نذكر ان رئيس الوزراء العراقي انكر في بداية الضربات العسكرية على مخازن السلاح التابع للحشد اي مسؤولية لاسرائيل الا انه عاد قبل  التظاهرات بيوم او يومين ليؤكد ان الضربات كانت اسرائيلية وذلك كان بمثابة الانقلاب على الامريكيين بعد ادراكه انهم يحيكون له خطة تطيح بوزارته.

*المعرقل الثاني:* هو المرجعية الدينية فهي وان بدت بعيدة عن الصراع السياسي في العراق الا انها لا تتردد بالتدخل اذا كان الامر مفصليا وانعطافا حادا في العملية السياسية،  خططت امريكا لتسخيف دور المرجعية المتمثلة بالسيد السيسيتاني والسيد محمد سعيد الحكيم الذي وان كان غير متصد بشكل مباشر الا انه يعتبر الجدار المانع والساند للمرجعية كما في احداث تفجير مرقد العسكريين حيث كان لوجوده مجتمعا مع السيد السيستاني وظهورهم للاعلام اثرا كبيرا في درء الفتنة التي كانت تعصف بالعراقيين في حينه، ومن الامور الجيدة بالنسبة لامريكا في ملف المرجعية الدينية ان جماهيرها منقسمة فيها فوجود نفوذ شعبي كبير للصدر واخرين وان كانوا بجماهير صغيرة الا ان المضمون في الامر على الاقل ان اتباع الصدر قد لا يستجيبون لاوامر المرجعية، في تموز ٢٠١٩ بثت قناة الحرة الامريكية تقريرا اعده احد الصحفيين المجهولين صحفيا اسمه "معن الجيزاني" وهو امريكي من اصل عراقي تحدث فيه عن مشاريع العتبتين الحسينية والعباسية محاولا الطعن في معتمدي المرجعية الدينية في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي والسيد احمد الصافي، وتم استهدافهما باعتبارها اللسان الناطق والناقل لكل اوامر المرجعية، وبعد يوم من بث التقرير سارعت السفارة الامريكية في بغداد وقبل معرفة ردود الفعل باصدار بيان تبرأت فيه عن مسؤولية الامريكين عن المادة الاعلامية التي وردت في التقرير.

  كان ذلك بمثابة الدعم لمئات الصفحات الممولة على الفيس بوك وعلى تويتر وانستغرام والتي تعمل منذ زمن على تسقيط دور المرجعية والتاثير على وعي العراقيين تجاه المرجعية، لم يمض وقتا طويلا حتى بثت وكالة بي بي سي تقريرا اخر تحدث عن دور المرجعية في تشريع الجنس للقاصرات ظهر فيه شخصان احدهما شيخا معمما والاخر كان بلا عمامة وقالا انهما يمثلان مرجعية السيد السيستاني وتحدثا عن مجموعة احكام وفتاوى تبيح بيع جسد الفتياة وتم اللقاء مع مجموعة من الفتيات اللواتي ادعن انهن من النجف الاشرف وتعرضن للبيع على ايدي رجال دين وصل سعر احداهن الى ٨٠٠ دولار،  ساند بعض المثقفين العراقيين الذين لهم حضور في الوسط الثقافي العراقي هذه الافكار بقوة ففي شهر اب ٢٠١٩ ظهر غالب الشابندر على شاشة قناة دجلة مدعيا ان الشيخ عبد المهدي الكربلائي والسيد الصافي لا يمثلون مرجعية السيد السيستاني وانما يكتبون الخطب من عند انفسهم وهم يأتمرون بأوامر السيد محمد سعيد الحكيم كما وان جميع المراقد في العراق تدار من قبل مكتب السيد الحكيم وهذا مخالف للمنطق والواقع والشابندر متاكد من انه لم يقل الحقيقة وانما اراد تسويق فكرة تقلل من قدسية هذين الشخصين -الكربلائي والصافي- حتى تكون اوامرهما فيما بعد قليلة التأثير.

كانت الخطوة قبل الاخيرة هي اختيار قائد عسكري مقبول لدى الشارع العراقي، وتم استدعاء هذا القائد الى الولايات المتحدة الامريكية بحجة التدريب العسكري والتقى خلال زيارته بمجموعة من المستشارين الامريكيين والقادة العسكريين، ووصلت حينها اشارات للساسة العراقيين بذلك وكانت المرحلة الاخيرة من الخطة تهيئة الشارع العراقي للخروج بحشود ضد الحكومة التي لم تكمل سنتها الاولى والتمركز في ساحة التحرير لمحاكاة النموذج المصري ومن ثم سيطرة القائد العسكري على مقاليد السلطة باجبار عادل عبد المهدي على الاستقالة واذاعة البيان رقم واحد.

 الا ان الخطة اجهضت في مرحلتها الثانية بعد عودة القائد العسكري وكشف خيوط اللعبة من قبل الاطلاعات الايرانية واخطار القادة العراقيين بذلك واتخذ القرار بنقل القائد الى مهمة اقل مما يستحقها في وزارة الدفاع قابلها بالتمرد في البداية ثم خضع لها واستسلم للامر الواقع بعد تهديده من قبل اطراف متنفذة في الحكومة بكشف مكالمات ووثائق رصدت بينه وبين الامريكيين قد توصله لحبل المشنقة بتهمة الخيانة الكبرى وقد يجازف بتاريخه امام الشعب العراقي، انفصلت حينها الحلقة الوسطى والتي هي اهم حلقات الخطة الامريكية وبقي الجماهير التي حشدت فكريا منذ شهور على التظاهر وثقفت على التغيير وتيقنت ان هذه المرة ستتخلص من الاحزاب والكتل الحاكمة، وبدت التظاهرات في يومها الاول بلا قيادة ولا تنسيقيات ولا مطالب واضحة بدليل بدأت التظاهرات بشعارات اسقاط العملية السياسية برمتها وانتهت بمطالب كلاسيكية كالبطالة ورواتب المتقاعدين والمعروف ان التظاهرات تبدأ بسقف مطالب بسيط ثم ينتقل تدريجيا الى سقف عال ان لم تستجب الحكومة .

 ولهذا السبب جاءت التظاهرات في غير أوانها ومن دون تفاعل من المحافظات السنية التي كانت في كل مرة تدعم اي تحرك ضد الحكومة وكأنها تعلم ان النتيجة ستكون من صالحها، فالتظاهر اصبح مألوفا لدى العراقيين ولكن له اوقاته المناسبة، ففي الصيف وعند ارتفاع حرارة الجو تتزايد المعاناة من انقطاع التيار الكهربائي وعدم قدرة اغلب العراقيين الذين يعتمدون على كسبهم اليومي في المعيشة على مزاولة اعمالهم اضف الى ذلك الى تراكم المعاناة من قلة الخدمات وانتشار الفساد كل ذلك يجتمع في كتلة واحدة من الهموم لتنفجر في الشهر السابع او الثامن من كل عام، ولكنها الان تاخرت عن موعدها لخضوعها الى توقيتات خطة امريكية متقنة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك