بغداد ـ عادل الجبوري
لم تتأخر الحكومة العراقية الاتحادية في الرد على تهديدات رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود البارزاني، بإعلان استقلال الإقليم إذا ما تولى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي هذا المنصب مرة أخرى.
وجاء الرد على لسان المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء، سعد الحديثي، الذي قال "إن موقف الحكومة الاتحادية ورئيس الوزراء حيدر العبادي من انفصال الإقليم وإقامة دولة كردية يحكمها الدستور العراقي الذي شاركت في كتابته القوى والاحزاب السياسية بما فيها الكرد واقترع عليه الشعب، وان هذا الدستور ينص على ان العراق دولة اتحادية لا تتجزأ، اي ان القضية محسومة ومحكومة وفق الدستور".
ولا شك أنها ليست المرة الأولى التي يهدد فيها البارزاني بانفصال الإقليم واستقلاله عن العراق، إلا أنها يمكن أن تكون المرة الأولى التي يرتبط فيها موضوع الاستقلال بشخص معين هو نوري المالكي.
ومن المعروف ان الأمور وصلت بين بغداد وأربيل خلال الولاية الثانية للمالكي(2010-2014) إلى حد القطيعة شبه التامة، وكان للأكراد، وتحديدا للحزب الديمقراطي الكردستاني، دور غير قليل في قطع الطريق امام المالكي للحصول على ولاية ثالثة بعد الانتخابات البرلمانية في ربيع عام 2014، والتي حصل فيها ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي على أعلى عدد من مقاعد مجلس النواب العراقي.
وحتى بعد خروج المالكي من رئاسة الوزراء بقيت الخصومة على حالها بين الطرفين، إن لم تقل أنها قد اتسعت وتنامت، ويكفي على ذلك، الحملات الاعلامية المتواصلة والمتبادلة بين الطرفين.
فالبارازاني شديد القلق من عودة المالكي إلى السلطة، ويظهر ذلك أما من خلال دفع العبادي الى الاستقالة وترك المنصب، او عبر بوابة الانتخابات البرلمانية المرتقبة العام المقبل، ولعل القدر الكبير من هذا القلق هو ما جعل البارزاني يربط بين إعلان استقلال الإقليم وعودة المالكي لرئاسة الوزراء.
في الوقت ذاته، يشعر البارزاني ان المالكي مازال يمتلك مساحة واسعة من التأثير والنفوذ في مختلف دوائر ومستويات السلطة في بغداد، ويبدو الجزء الأكبر من ذلك التأثير والنفوذ في ما يوظفه باستمرار لإضعاف الأكراد وتهميشهم، لاسيما أولئك المحسوبين على الحزب الديمقراطي الكردستاني، وقد تحدث قياديون من الحزب المذكور صراحة، بأن المالكي كان يقف وراء "مؤامرة" إقالة وزير المالية السابق هوشيار زيباري كما أن الأخير اتهم المالكي بالوقوف وراء إقالته.
ليس هذا فحسب، بل ان اكراد البارزاني يعتبرون ان ضغوطات معسكر المالكي هي التي كانت تقف وراء إقالة رئيس اركان الجيش الفريق بابكر زيباري من منصبه، إضافة إلى مسؤولين اكراد آخرين من مواقع حكومية مختلفة.
والجانب الآخر الذي يزيد من قلق وحنق البارزاني، هو أن خصمه اللدود المالكي راح يمدّ الخيوط، ويبني العلاقات بهدوء وروية مع خصوم البارزاني في السليمانية، كحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير(كوران)، والاتحاد الاسلامي الكردستاني، والجماعة الاسلامية الكردية. وأن الزيارة التي قام بها لمدينة السليمانية منتصف شهر تموز- يوليو من العام الماضي، والتقى خلالها كبار قادة الاتحاد الوطني والتغيير وقيادات كردية أخرى، كان واضحاً ما أريد منها، خصوصا وان المالكي لم يزُر أربيل، معللا السبب بعدم دعوته من قبل أصحاب الشأن هناك، في حين قال اصحاب الشأن، انه لم يبدِ أية رغبة بزيارة أربيل كما زار السليمانية.
وطبيعي أن تكون تلك الزيارة قد اشتملت على بحث ومناقشة قضايا سياسية مختلفة، من بينها طبيعة الخلافات مع البارزاني وحزبه، وكيفية بناء تحالفات مع القوى الكردية المعتدلة ليكون لها دور أكبر في إدارة شؤون الدولة خلال المرحلة المقبلة.
وفيما بعد، بدا واضحاً الى حدٍّ كبير التقارب والانسجام في المواقف، بين فريق المالكي وخصوم البارزاني، فيما يتعلق بإقالة زيباري، وفيما يتعلق بالاقتراع على مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2017.
وحتى بخصوص التصريحات الاخيرة للبارزاني حول الاستقلال والانفصال، كانت ردود فعل فريق المالكي وخصوم البارزاني واحدة تقريبا، ففي حين وصفت تصريحاته بأنها "نكتة سياسية"، رأت من جانب آخر أنها "هروب من المشاكل والازمات الخانقة التي تواجهها سلطة الاقليم".
وبالفعل فإن حجم المشاكل والأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية الضاغطة، جعلت المشهد الكردي يعاني الكثير من الفوضى والارتباك والتخبط والتشظي على مدى العامين الماضيين.
فرئاسة الإقليم فقدت الشرعية منذ أكثر من عام، إضافة إلى أن رئاسة برلمان الإقليم معطلة، ورئيسها مبعد ولا يسمح له بدخول العاصمة أربيل، والوزراء من "كوران" مقالون، كما أن أعضاء البرلمان فنها أيضا مقالون او مبعدون بحكم الأمر الواقع، والتظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية متواصلة في مدن ومناطق عديدة من الاقليم، ورواتب ما يزيد على مليون موظف ومتقاعد اما متوقفة او تدفع لهم بالقطارة، وحركة الأسواق ومختلف الأنشطة التجارية تكاد تكون معطلة بالكامل بسبب الأوضاع المالية السيئة للمواطنين، ومعدلات الفساد-بحسب جهات كردية متعددة- بلغت مستويات خطرة لم يعد من الممكن السكوت عنها، والقضايا الخلافية بين المركز والاقليم على حالها ان لم تكن قد تفاقمت وازدادت سوءاً.
وفوق كل ذلك فإن من يهدد بالانفصال والاستقلال، يعاني من خلافات حادة مع اكراد تركيا وايران وسوريا على السواء، فضلا عن الحكومات.
ومثلما يقال في بغداد "إن مجمل تصريحات ومواقف الكرد ربما تحكمها الخلافات السياسية او الحصول على مكاسب فيما بينهم وما الى ذلك وهذا لا يعنينا".
وما يعكس التباين في مواقف المشهد الكردي هو أنه بينما يهدد البارزاني وحزبه بالانفصال، وترتفع تلك النبرة مع تفاقم المشاكل والازمات والضغوطات، نرى ان حركة التغيير(كوران) تسخر من ذلك وتعده افلاسا سياسيا، في الوقت الذي يتحدث قادة الاتحاد الوطني الكردستاني المختلفين فيما بينهم في ظل غياب زعيمهم جلال الطالباني، عن موضوع الاستقلال، بنبرة هادئة جدا، لانهم يحرصون على عدم تقوية موقف البارزاني، الذي يعد خصما تقليديا وقديما لهم.
واذا كانت تصريحات البارزاني الأخيرة لن تعود عليه بالنفع والفائدة خارج فضاءات حزبه، فإنها ستفضي الى مزيد من التحشيد الاعلامي من بغداد ضد التوجهات الانفصالية الكردية، وهذا ما ظهر خلال الايام القلائل الماضية، ولم تفلح اجواء التصعيد الكردي ضد الحشد الشعبي بسبب قصف مواقع لقوات البيشمركة في قضاء سنجار بتقليل او تطويق ذلك التحشيد الاعلامي، لان ملف ما بعد "داعش" أخذت صفحاته تفتح وتتقلب في وقت مبكر، والأكراد هم أكثر المعنيين بذلك.
https://telegram.me/buratha