محمد محمود مرتضى
«الوهابية إلى متى؟» سؤال كان عنوان مقالة لسلمان بن محمد العمري في صحيفة الجزيرة السعودية. صحيح ان المقال في مضمونه يحمل بشدة على ما اسماه الكاتب الصاق التهم بالوهابية، ويحاول تبرأتها مما ينسب اليها، الا ان الكاتب، على غرار اقرانه من كتاب الملوك والامراء، لم يقدم شيئا يصلح ان يكون دليلا على براءة الوهابية، وكل ما قدمه هو مجرد انشائيات لا تغني ولا تسمن من جوع.
ويكفي ان ننظر الى ما بدأ فيه الكاتب مقالته لنقول انه دليل ادانة للوهابية لما حاول نفيه عنها اذ يقول : «تواجه الدعوة السلفية، ومنها دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، حرباً ضروساً من أتباع الفرق والمذاهب المنحرفة» فهو يرى ان من يحمل على الوهابية هم فرق ومذاهب منحرفة وهذا اول ما يؤخذ عليها اذ ترى في كل من عداها فرقة منحرفة عن الدين مبتدعة فيه، وكل مبتدع من وجهة نظرها يستحق اعمال السيف فيه. لا ترى الوهابية امكانية الاجتهاد، ولا رأي آخر في الدين غير رأيها، ولا فرقة غير فرقتها، فهي الناجية وغيرها مصيره القتل في الدنيا وعذاب النار في الآخرة.
على ان حمل الكاتب لم يتوقف عند هذا الحد اذ اتبع كلامه ذاك بالقول : «وظهر لنا دعاوى وأفكار حديثاً أشد وأنكى مما واجهته دعوة السلف قديماً». فاذا كانت الافكار التي وصفتها الوهابية في بداياتها بانها منحرفة وضالة وحق عليها الهدم والدم كما يشهد تاريخها، فأي مصير تستحقه الافكار الحديثة التي وصفها الكاتب بانها اشد وانكى مما واجهه السلف قديما غير سيف داعش؟ ومن الطريف ما ذكره الكاتب هو محاولة اظهار الوهابية على انها دعوة وديعة سلمية حيث يقول :« ولقد ثبت بالدليل القاطع البراءة منها، وعدم الارتباط بها، فالإرهاب والغلو والتطرف لا مكان ولا زمان ولا معتقد له، وإنما هو بلاء حلّ في كلّ زمان ومكان.» فاي تطرف وغلو وارهاب اعظم من تكفير المسلمين وهدر دمائهم واعراضهم واعمال السيف في رقابهم؟ واي اقصاء وتطرف اعظم من تعليم الناشئة في الصفوف الابتدائية ان المتصوفة والزهاد والعباد والعقيدة الاشعرية والشيعية والماتريدية ليست سوى عقائد شرك وضلال وغيرها من الصفات المدونة في كتب التعليم الابتدائية فضلا عن غيرها من الكتب؟
يحمل الكاتب على الذين يربطون بين الفكر الوهابي والفكر الداعشي علما ان هذا الربط لا يحتاج الى عناء بحث فالكتب التي تدرس في المدارس الداعشية هي كتب اين تيمية، اي الكتب التي رفعها ابن عبد الوهاب حد القداسة، فقدمها على كل قول، ورفعها فوق كل شأن، فقول ابن تيمية هو القول الحق وكل من خالفه ضلال، على هذا بنت الوهابية فكرها وعلى هذا ربت نشأها، وهذا ما يعتمده داعش وغير داعش من تنظيمات تكفيرية ارهابية، يتبعون سنن الوهابية حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه ايضا.
والاطرف مما تقدم قول الكاتب ان ولاة امره، ويراد بهم الملك والامراء، «يؤكدون على الدوام أنه لا مذهب للوهابية، وأن نظام المملكة ودستورها قائم على الكتاب والسنة، ومنهجها قائم على الوسطية والاعتدال بلا غلو وجفاء». فعن اي دستور يتحدث الكاتب، ودستورهم ليس الا بضعة تعليمات قال كاتبها: « نحن فهد بن عبد العزيز آل سعود...أمرنا بما هو آت..».
نعم لقد اجاد الكاتب عندما قال :« لقد اعتبر البعض دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب على أنها مذهب إسلامي جديد، وأسموه المذهب الوهابي وهذا افتراء وهراء وأبعد ما يكون عن الواقع والحقيقة» وهو قول صحيح اذ ان احدا من الباحثين لم يقل ان الوهابية مذهبا في الاسلام، ولا الوهابية نفسها قالت بذلك ولا تعتبر نفسها مذهبا في الاسلام بل لا تقبل ان توصف بذلك، لانها تعتبر نفسها هي الاسلام لا رأيا او مذهبا فيه، وهو ما اعترف به الكاتب بطريقة او باخرى حيث قال:« إن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- ما هي إلا عبارة عن منهج سلفي صافٍ خالص، يستمد جذوره من نبع الإسلام النقي».
ونختم بالسؤال بنفس عنوان مقالة الكاتب، الوهابية الى متى؟ الى متى ستبقى هذه الدعوة جاثمة على صدر الامة، تنفث فيها سمومها وحقدها وكراهيتها، وتنشر بين المسلمين الدعوة الى الاقصاء والتكفير والعنف؟ الى متى ستقبل هذه الامة ان يقال ان في الاسلام عنف ودماء ولا يقدمون دليلا على دعواهم الحديثة هذه الا وجود الوهابية بين ظهرانيهم؟؟.
https://telegram.me/buratha