وجاء التراجع الأمریکی هذا بعد تعزیز روسیا لقوتها العسکریة فی سوریا خلال الأسابیع الماضیة وتنسیقها الکامل مع إیران لحل الأزمة السوریة سلمیاً وعبر الطرق الدبلوماسیة دون الرضوخ لمطالب الغرب وعلی رأسه أمریکا بضرورة تنحی الأسد کشرط لتسویة هذه الأزمة.
وصرح وزیر الخارجیة الأمریکی جون کیری عقب محادثات جمعته مؤخراً مع نظیره البریطانی فیلیب هاموند فی لندن انه لیس بالضرورة أن یرحل الرئیس السوری عن منصبه فوراً، داعیاً أیاه للتفاوض.
کما دعا کیری کلاً من طهران وموسکو لاقناع الأسد بضرورة القبول بالحل التفاوضی، مشدداً علی إن هناک حاجة ملحة لتکثیف الجهود لإنهاء النزاع السوری الذی دخل عامه الخامس وتمهید السبیل للتوصل لتسویة سیاسیة لهذه الأزمة.
ویبدو ان واشنطن اقتنعت أخیراً؛ بل أُرغمت، علی قبول الحل السلمی للأزمة السوریة بالطرق الدبلوماسیة دون التهدید باستخدام القوة ضد هذا البلد. وما أجبر وشنطن علی القبول بهذا الحل حسب اعتقاد الکثیر من المراقبین هو؛ أولاً: عجزها عن اسقاط حکومة بشار الأسد رغم دعمها للجماعات الارهابیة المعارضة لهذه الحکومة، وثانیاً خشیتها من الدخول فی نزاع مسلح مع روسیا التی عززت قواتها فی سوریا بشکل لم یسبق له مثیل منذ انهیار الاتحاد السوفیاتی السابق وذلک فی اطار جهودها لمحاربة التنظیمات الارهابیة فی هذا البلد وفی مقدمتها 'داعش' و'جبهة النصرة' بالتنسیق مع إیران والحکومة السوریة.
وفی وقت سابق أکد وزیر الخارجیة الروسی سیرغی لافروف بشکل صریح وواضح بأن بلاده لم تخفی یوماً دعمها لسوریا، أو تزویدها بمعدات عسکریة لدعمها فی مکافحة الإرهاب، مشیراً إلی أن البلدین تربطهما اتفاقات عسکریة تسمح لموسکو زیادة تواجدها العسکری فی سوریا إذا ما طلبت الأخیرة منها ذلک.
إذاً یمکن القول ان التأثیر المیدانی الواضح والکبیر للتحرکات العسکریة الروسیة فی سوریا أصبح أمراً واقعاً لا یقبل الشک أو التأویل، بل سیکون له أثر متصاعد فی المستقبل، لتصبح بذلک الأزمة السوریة علی رأس أولویات القادة الروس علی الصعیدین العسکری والسیاسی، وهذا یبعث رسالة مفادها أن الوقت قد حان لإیجاد حل سیاسی لهذه الأزمة بالطرق الدبلوماسیة ومن خلال التفاهم بین الاطراف المعنیة.
وتجدر الاشارة هنا إلی أن أمریکا لیس بوسعها الاعتراض علی التواجد العسکری الروسی فی سوریا باعتباره حق مشروع لجمیع الدول التی تشعر بخطر الارهاب علی أمنها واستقرارها وکذلک أمن واستقرار المنطقة والعالم، خصوصاً وان هذا التواجد یتم بموافقة الحکومة السوریة والتنسیق معها فی هذا المجال، وهذا الأمر دعا وزیر الخارجیة الأمریکی جون کیری إلی الترحیب بجهود موسکو لمحاربة الارهاب، والاعراب فی الوقت نفسه عن استعداد واشنطن للتنسیق معها فی هذا المضمار.
فی سیاق متصل، تمثل المحادثات المباشرة التی جرت بین وزیری الدفاع الأمریکی آشتون کارتر والروسی سیرغی شویجو وهی الأولی بینهما منذ ما یزید علی عام؛ تمثل محاولة جادة للبحث عن سبل لتجنب أی مواجهة عسکریة فی سوریا بین الجانبین الروسی والأمریکی.
وکان تقدماً ملحوظاً قد أُحرز فی ملف الأزمة السوریة عقب لقاءات تمت فی العاصمة القطریة الدوحة فی أغسطس/آب الماضی وحضرها وزراء خارجیة روسیا وأمریکا، ولکن عدم التوصل لإتفاق بخصوص وضع الرئیس السوری بشار الأسد فی مستقبل سوریا، عطّل التوصل إلی صیغة نهائیة للحل. ما دعا موسکو إلی الدعوة إلی عقد جنیف 3، کما عرضت استضافة لقاءات سوریة — سوریة لدعم التوصل لحل سیاسی للأزمة السوریة.
وتأتی هذه التطورات بعد تأکید المسؤولین السوریین ومن بینهم وزیر الخارجیة ولید المعلم علی ضرورة إشراک روسیا فی محاربة الجماعات الارهابیة فی بلاده، متهما فی الوقت ذاته أمریکا وحلفاءها الغربیین بعدم جدیتهم وفاعلیتهم فی محاربة التنظیمات الارهابیة وإفتقادهم لأی استراتیجیة واضحة فی هذا المجال.
ویعتقد المراقبون فی الوقت الحاضر ان الأزمة السوریة بدأت تأخذ طریقها إلی الحل خصوصاً بعد تراجع واشنطن عن مطلب تنحی بشار الأسد کشرط مسبق لتسویة هذه الأزمة. وهذا الانجاز المهم یحسب فی الحقیقة لصالح طهران وموسکو اللتان أصرتا طیلة السنوات الأربع الماضیة علی ضرورة حل الأزمة السوریة بالطرق السلمیة وعدم الرضوخ لمطالب الغرب وفی مقدمته أمریکا علی تنحی الأسد بإعتباره الرئیس القانونی لسوریا والمنتخب من قبل الشعب، إذ لایجوز لأی طرف خارجی مهما کان إملاء شروطه علی السوریین بإعتبارهم هم وحدهم من یقرر مستقبل بلادهم دون ضغط من أحد ودون أی تدخل أجنبی.
المصدر: الوقت
https://telegram.me/buratha