لم يكن التفجير الذي استهدف قرية سروج التركية القريبة من الحدود السورية بتفجير خارج عن سياق الاحداث والتطورات، ان لم نقل انه كان متوقعا. لكن ذلك لا يعني ابداً تصديق الرواية التركية عن مسؤولية تنظيم داعش عنه.
من الجنون التصديق أن تنظيم داعش يمكن أن يفتح بوابة حرب جديدة عليه مع الجانب التركي، لا سيما وان تركيا تمثل له بوابة استراتيجية هامة يصعب معها حتى مجرد تصور ان يقوم التنظيم بمعاداتها.
أكثر من ثلاثماية الف برميل نفط يوميا يبيعها داعش عبر تركيا عن طريق وسطاء يصب معظمهم عند بلال اردوغان نجل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. اضافة الى مئات الالاف من الدولارات قيمة السلع التي يشتريها داعش لمناطق سيطرته، يضاف اليها تجارتا الاثار والاعضاء البشرية فضلا عن صفقات الاسلحة المختلفة
يذهب تقاطع المصالح بين داعش والحكومة التركية الى ابعد من مجرد المصالح الاقتصادية. اذاً تنظر تركيا الى داعش على انه وسيلة فضلى في مواجهة اقامة الدولة الكردية. وقد برزت التسهيلات اللوجستية التركية مؤخرا عندما قامت السلطات بفتح ثغرة من حدودها لينطلق تنظيم داعش من خلالها في هجومه على مدينة عين العرب السورية والتي تسيطر عليها قوات الحماية الكردية. وكان التدخل التركي في الحرب السورية قد بدأ بعد اشهر قليلة من بدء الازمة. ولئن كان هذا التدخل غير واضح في البداية، الا انه ومع انتقال الحرب الى الشمال السوري، وتحديدا الى حلب وادلب، بدأ الدور التركي بالظهور. فحلب مثلا رغم انها استطاعت ان تنأى بنفسها طوال سنة ونصف تقريبا من بدء الازمة، الا انه يصعب تصديق عدم وجود ايادٍ تركية في دفع حلب الى عنق الزجاجة . فجميع المعلومات تقاطعت ان للاستخبارات التركية اليد الطولى في اشعال فتيل حلب عبر حشد العناصر المسلحة وتدريبها وتسليحها وتأمين الدعم الاستخباري لها، في اطار انتشار المجموعات المسلحة في القرى الحلبية اولا ومن ثم في جزء من المدينة. وقد كان بارزا قيام مجموعة من العصابات المنظمة بنهب المدن الصناعية الحلبية الاكبر في سوريا بإشراف الاستخبارات التركية. ولقد ادت هذه العمليات الى تفكيك مئات المصانع المجهزة بأحدث الاجهزة والتي تساوي مئات الملايين من الدولارات وبيعها لأتراك بأثمان بخسة. إضافة الى هجرة كبيرة لرؤوس الاموال السورية حيث بلغ حجم استثمار رجال الاعمال السوريين في تركيا اكثر من اربعين مليار دولار.
يضاف الى ما تقدم الدور التركي في هجوم المسلحين على مدينة كسب الحدودية في ريف اللاذقية منذ اكثر من سنة ، حيث انطلق الهجوم من الاراضي التركية. كما ان ما حصل منذ مدة في مدينتي ادلب وجسر الشغور كان الدعم التركي له واضحا.
ورغم الدور التركي هذا، فإن الحكومة التركية تصر على نفي اي دور لها في دعم المسلحين في سوريا، لا سيما داعش بعد حملة الاتهامات التي طالتها على خلفية الهجوم من جديد على مدينة عين العرب.
أمام هذه الوقائع، يبدو الانكار التركي اشبه «بالدعابة السمجة»، اذ تنظر تركيا الى داعش نظرتها الى باقي الفصائل المسلحة في سوريا، اي وسيلة لاسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، مع توظيف اضافي لداعش ينبع من كون جغرافية انتشار التنظيم يقع في المناطق المتاخمة للاكراد ما يجعل من داعش ذا ابعاد مزدوجة بالنسبة لتركيا. فيما يعتبر داعش ان تركيا هي بوابة استراتيجية له اذ لا توجد بوابة اخرى متاحة. فضلا عن انه لم يسجل منذ انطلاق التنظيم اي تصريح له ضد الحكومة التركية رغم الكلمات الصوتية المتعددة لاميرهم البغدادي والذي هاجم معظم الانظمة العربية لكنه لم يقترب حتى من تركيا.
يضاف الى كل ما تقدم اننا لم نعهد من التنظيم قيامه باي عملية دون ان يعلن مسؤوليته عنها.
صحيح ان التفجير استهدف الكرد في تركيا، ويمكن ربطه بصراع تنظيم داعش معهم، لكن الاتراك ايضا لهم حساباتهم مع الاكراد بعد سلسلة الانتصارات التي حققوها وادت لتوسيع مناطق سيطرتهم ما يعني الاقتراب من السيطرة على كامل مناطق «الدولة الكردية».
في التوقيت جاء التفجير بعد الاتهامات التي وجهت لتركيا بدعم داعش، ليبقى السؤال : من المسؤول عن هذه التفجيرات؟ الجواب عند الاستخبارات التركية.
https://telegram.me/buratha