سبل وخطط مواجهة الخطر الداعشي
شارل أبي نادر - عميد متقاعد
داعش، هذا التنظيم الذي فرض سيطرته على أجزاء من العراق وسوريا وبعض الأقطار العربية والذي أرعب العالم بوحشيّته في القتل والذبح معتمداً اسلوباً دموياً في الإخراج والاعلام لدبّ الذعر والخوف في نفوس خصومه، عماده متشدّدون عرب تجمعوا على دعوة تكفيرية متطرفة تنشرها مدارس وجمعيات ظاهرها ديني عقائدي وباطنها تكفيري أصولي ارهابي، ومتشددون اجانب "هبّوا لنصرة اخوانهم" في الشرق وأتوا بأعداد كبيرة للقتال تحت راية ما يسمى بـ" دولة الخلافة " ( 80% من المتشددين الاجانب يدعمون داعش)، هذا التنظيم الذي يستعمل وسائل متعدّدة ومتطوّرة في عمليّة تجنيد المقاتلين العرب و الاجانب وتوجيههم للقتال في سوريا والعراق تحت رايته ومنها وسائل التجنيد على المواقع الإلكترونية التي تعتبر مصدر الإلهام الأساسي لشبكات الأجانب في سوريا والعراق، كما وتُعتبر السجون الأوروبيّة مكاناً ملائماً لعمليات التجنيد بالإضافة إلى مدارس وعلماء دين مشبوهين في دول عربية و أوروبية بشكل عام، وهو يلجأ إلى تحفيز عناصره من خلال بيعهم الأوهام وخليطا من المنافع الشخصية والدينية والسياسية والايديولوجية.
مع صعود نجم هذا التنظيم الغريب واعلانه ما يسمى بـ"دولة الخلافة"، تمددت مناطق انتشاره وسيطرته شيئاً فشيئاً لتشمل مساحات شاسعة من العراق وسوريا وتوسعت أمكنة تأثيره ونفوذه حيث توزعت وتنوعت العمليات الارهابية التي ينفذها لدرجة يصعب معها توقع مكان العملية او نوعها او توقيتها وبلغت به الثقة بالنفس اليوم درجة جعلته يتحدى المجتمعات والاجهزة الامنية والجيوش والحكومات والدول بشكل عام، فقد أصبح يحدد مكان العملية ونوعها وتوقيتها الذي يحصره بمدة لا تتجاوز بضعة ايام لتحضير المتطلبات اللوجستية للتنفيذ ولا يتأخّر بإعلان مسؤوليّته عن العمليات الارهابية التي ينفذها ويفتخر بذلك، وعندما يتخذ القرار بتنفيذ عملية إرهابية معيّنة، يجد أن لديه مجموعة محددة جاهزة للتنفيذ، تملك الإمكانيات المطلوبة من الناحية العقائدية أو التقنية ومن ناحية الالتزام والاقدام والجرأة، ففي الميدان لديه مجموعة الانغماسيين الجاهزين لفتح ثغرة كافية لاحداث الخرق المطلوب و لاسقاط الجبهة المواجهة له، وفي المجتمع المدني او الثقافي او الديني لديه الانتحاريون الجاهزون بأن يندسوا بين المدنيين داخل التجمعات او للدخول الى المساجد او الكنائس او المتاحف وتفجير انفسهم وفرض الرعب والموت والدمار، وفي المدن والاماكن السياحية لديه الارهابيون المقاتلون الجاهزون لتنفيذ الهجومات الدموية باعصاب باردة وحرفية مميزة تدل على مستوى لافت في التدريب والتحضير.
هذه القدرة في التحكم والسيطرة لدى "داعش"، وهذه الامكانيات الهائلة في ادارة المناطق التي تسيطر عليها وفي تنظيم المعارك والحروب التي تخوضها وفي تنسيق وتركيز العمليات الارهابية التي تنفذها ليست نتاج مجموعة اصولية عادية او حتى منظمة ارهابية قوية واسعة النفوذ والامتداد، فهي لا يمكن ان تكون الا نتيجة أعمال دول كبرى تضع امكانياتها الضخمة ماديا وعسكريا واعلاميا وسياسيا بتصرف هذا التنظيم انما بطريقة سرية مستترة خبيثة فتجعل منه غطاء لتدخلها الواسع ولحربها المدمرة .
انه تحد صارخ للمجتمع الدولي باكمله، فالموضوع لم يعد حدثا ارهابيا عاديا تعودت عليه المجتمعات وألفته وتجاوزت تداعياته، الموضوع اصبح خطرا شاملا يماثل سلاحا نوويا متنقلا او يشابه زلزالا مدمرا او اعصارا مرعبا، ولكن الاستسلام ممنوع لان في ذلك كارثة وفناء والمواجهة مفروضة في هكذا صراع وجودي والمجتمعات والدول مدعوة لان تبدأ ومن دون اي تأخير أو تردد بوضع خطط شاملة لمواجهة هذه الأخطار والتهديدات الارهابية، بحيث يجب أن تكون هذه الخطة في البداية داخلية مستقلة يشترك في تنظيمها وتنفيذها كافة الأجهزة المعنية داخل الدولة وتقوم على التنسيق الكامل وعلى كافة المستويات بين هذه الاجهزة وعلى تكامل الإجراءات وتنظيم التسلسل في أولوية التنفيذ، وتخضع جميعها لمنظومة قيادة وسيطرة واحدة، وتتضمن اجراءات عملانية وامنية واعلامية فعالة وتدابير عامة تنفذ على صعيد شامل في المرافق والامكنة العامة وتدابير خاصة تنفذ في حالات وامكنة واوقات محددة ، وبعد ذلك تصبح الخطط مشتركة بين الدول المتجاورة بحيث يتم التبادل الكامل للمعلومات وللمعطيات الامنية الموجودة في كل دولة ويتم التنسيق في التخطيط والمتابعة والتنفيذ بناء على موقف استعلامي عام عن الارهابيين وعن داعميهم ومموليهم وعن البيئة التي تحضنهم وتؤمن لهم عن قصد أو عن تقاعس واهمال الاجواء الملائمة لتنمية وتغذية الفكر الارهابي التكفيري وتقوم الخطة ايضا على تنظيم دراسة واسعة عن العبوات الناسفة والمتفجرات والاسلحة الخاصة التي تستعمل في العمليات الارهابية وامكنة تصنيعها وتجهيزها ومعابر او طرق ايصالها للارهابيين .
https://telegram.me/buratha