أولاً: مقدمة تمهيدية
إن من أخطر ما يجعل الرأي العام يبتعد عن الثقة بوسائل الإعلام هو إدراكه بأن الواقع المنقول له عبر هذه الوسائل، بعيدٌ عن الحقيقة. ولعل هذا هو السبب الحقيقي الذي جعل الشعوب الغربية وبالتحديد في أمريكا وأوروبا، يبتعدون عن الثقة بوسائل إعلامهم، بل يتوجهون لمتابعة مصادر إعلامية أخرى. ولعل هذا من أهم الأمور التي تعكس حالة تراجع قدرة الدول الغربية في المضي قدماً بسياسة التعتيم الإعلامي، خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بقضايا شعوب المنطقة وبالتحديد الشرق الأوسط.
فقد صرح جون سنو المذيع البريطاني الذي حاور شخصيات سياسية وزعماء كباراً، لصحيفة الإندبندنت البريطانية، عن حساسية التغطية الإعلامية في الشرق الأوسط، وافتقار وسائل الإعلام الغربية إلى فهم وإدراك الواقع السياسي. كما وعبر المحاور البريطاني جون سنو عن تناول وسائل الإعلام الغربية قصصاً إخبارية تفتقر إلى الموضوعية.
ثانياً: الإعلام الأمريكي نموذجاً
فعلى سبيل المثال لو تم أخذ المجتمع الأمريكي كعينة، يمكن إثبات هذه المزاعم. ففي دراسة أعدها كل من أندرو كوت وروبرت قوث حول ثقة المواطن الأمريكي في مصداقية الإعلام الغربي، ونشرت في دورية "الصحافة والسياسة" الصادرة عن جامعة هارفارد، وجد أن المجتمع الأمريكي قد انخفضت ثقته بالإعلام الغربي بصورة واضحة في السنوات الأخيرة. كما أظهرت نفس الدراسة أن أكثر من ٦٠% من الشعب الأمريكي يعتقد أن الإعلام يركز على الجوانب السلبية أكثر من اللازم.
وقد أسفرت الدراسة عن أن أهم أسباب عدم المصداقية يرجع إلى "عدم الحيادية" من جانب الإعلام الغربي عند طرح القضايا وتحليلها. وأشارت الدراسة الى أن ذلك قد ظهر من خلال الأحداث الأخيرة، والتي أظهرت بجلاء هذه الحقيقة سواء من خلال الهجمات المتتالية على قيم ومبادئ الإسلام دون وجه حق، أو من خلال تشويه صورة الجالية العربية والإسلامية في أمريكا. لذلك فإن الغالبية من الشعب الأمريكي التي كانت تثق بمصداقية وسائل الإعلام الغربية قد تحولت إلى أقلية خلال العشر سنوات الماضية.
ثم خلصت الدراسة إلي الحديث عن السبب الرئيسي لمشكلات الإعلام الأمريكي فيما يتعلق بالشؤون الخارجية. حيث تعيد أسباب ذلك للسيطرة الأحادية للوبي الصهيوني على مختلف وسائل الإعلام الأمريكية، والتي تسعى دائماً إلى تعتيم الحقائق وإخفائها بصورة شبه كاملة عن المواطن الأمريكي فيما يتعلق بالقضايا التي تهم هذه الفئة. كما أن وصول نفس الرسالة الإعلامية من خلال عدد من الوسائل الإعلامية المختلفة، ومن خلال شخصيات ومؤسسات تظهر في الواقع وكأنه لا يوجد بينها أي رابط، يعطي المتلقي إحساساً زائفاً بصدق الرسالة الإعلامية. وهناك سبب آخر تشير له الدراسة، لتفسير هذا التباين في المواقف وهو أن اللوبي الصهيوني يمكن أن يكون له أكثر من موقف حيال نفس القضية. وقد يكون لاختلاف الآراء داخل التيار اليهودي في أمريكا أثر على بعض المواقف الإعلامية. ولكنها في النهاية مجموعة آراء تهدف إلى خدمة فئة بعينها ولا تعبر بالضرورة عن تباين الرأي العام الأمريكي، ولكنها تحاول تشكيله ليبقى في كل أحواله داخل منطقة خدمة مصالح الصهاينة.
وقد عبر عن ذلك أنتوني لويس وهو كاتب متعاطف مع الفكر الصهيوني ومحرر في صحيفة نيويورك تايمز، والذي عرف ببعض النقد الحاد للحكومة الإسرائيلية خلال فترة الإنتفاضة قائلاً: "إذا كنت تحب إسرائيل، فأنت تريد لها أن تكون على صواب دائماً". ولذلك فقد يظهر في النهاية تباين في المواقف ولكنه في كل أحواله لا يخرج عن مناصرة مصالح اللوبي الصهيوني بصورة أو بأخرى. وللأسف فإن المواطن الأمريكي لا يشعر في الغالب بهذا العبث وإخفاء الحقائق.
لم تعد الأمور كما كانت عليه في الماضي، فقد أصبحت الشعوب تعي أكثر من أي وقتٍ مضى حقيقة الصراعات ومؤامرات الإعلام. وهو الأمر الذي سيكون له أثرٌ كبير على الشعوب في توجهاتها. فهل سنشهد قريباً ثورة للشعوب الغربية على أنظمتها نتيجة التضليل الإعلامي؟
https://telegram.me/buratha