عادل الجبوري
تنظر الاوساط والمحافل السياسية العراقية للمتغيرات السياسية السعودية الاخيرة، من زاويتين، زاوية التفاؤل الحذر، وزاوية التشاؤم.
ولان السعودية تمثل طرفا اقليميا مهما وفاعلا، ولانها كانت وما زالت قريبة جدا من الشأن العراقي، بل وحاضرة فيه، ولان اي تغيير او تعديل في هياكلها السلطوية، والماسكين بزمام الامور، لا بد ان ينعكس بشكل او باخر على العراق، فمن الطبيعي جدا ان تنشغل بغداد-بمحافلها السياسية ووسائل اعلامها ونخبها-بتداعيات وافرازات وتبعات رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز وتولي شقيقه وولي عهده مقاليد الحكم في الرياض.
والتفاؤل الحذر، مثلما هو التشاؤم.. مبني على حقائق ومؤشرات ومعطيات شاخصة على ارض الواقع او قريبة منها، وهي في مجملها يمكن ان ترسم صورة استشرافية لمسار وطبيعة العلاقات بين بغداد والرياض في المرحلة-او المراحل-المقبلة، وفيما اذا كان سيطرأ عليها تغيير حقيقي وملموس ام لا.
صورة تفاؤليةوتستند رؤية المتفائلين الى ما يلي:
-ان الملك الجديد يمتاز مقارنة بالملك الراحل، بالانفتاح والمرونة، وحدّة نزعته الطائفية اقل من سلفه، وقد اطلق اشارات مبكرة على رغبته بالمراجعة واعادة النظر بالسياسات والتوجهات القائمة، وما اقصاؤه الشخصيات المفصلية والمهمة في العهد السابق، مثل عبد العزيز التويجري، وبندر بن سلطان، وخالد بن بندر بن عبد العزيز، ومتعب بن عبد الله، الا دليل على ذلك التوجه الجديد.
-طبيعة الاوضاع والظروف السياسية والامنية التي تمر بها المنطقة، وتعرض السياسة السعودية لاخفاقات واضحة بشأن ملفات عديدة، مثل الملف السوري، والملف اليمني، والملف البحريني، ناهيك عن تهديدات تنظيم داعش الصريحة للمملكة يجعلها مرغمة على تصحيح المسارات الخاطئة.
-تعرضت علاقة السعودية مع الولايات المتحدة الاميركية لتصدعات واهتزازات كبيرة، وخصوصا العام الماضي، وهذا بلا شك اثر الى حد كبير على مكانة الرياض لدى حليفتها واشنطن، وبالتالي مستوى نفوذها وتأثيرها الاقليمي، ولعل الملك الجديد يدرك ذلك، ويقدّر ان بقاء العلاقة على هذا المنوال يعني مزيدا من العزلة والانحسار لبلده، وهو بلا شك قرأ قيام اوباما بقطع زيارته الى الهند والتوجه الى الرياض على رأس وفد رفيع المستوى ضم كبار مستشاريه ووزراء ومسؤولين كبارا سابقين لتقديم التعازي برحيل الملك، بأنه رسالة دعم وتأييد قوية ينبغي استثمارها الى ابعد الحدود.
-اطلقت الرياض اشارات، بعضها صريحة، والاخرى ضمنية عن رغبتها بإصلاح علاقاتها مع طهران، ومثل هذا الاتجاه لا بد ان ينعكس ايجابا على العلاقات مع بغداد، التي ينظر اليها صناع القرار السعودي على انها محكومة من قبل الشيعة الموالين او التابعين لطهران.
صورة تشاؤميةفي مقابل ذلك يستند المتشائمون الى حقائق ومعطيات ومؤشرات من نوع اخر، وهي الاخرى جزء من الواقع القائم، ومن تلك الحقائق والمعطيات والمؤشرات:
-ان الملك الجديد حتى وان ابدى انفتاحا واعتدالا ومرونة، فهو يبقى جزءا من منظومة سياسية تقليدية لها ثوابتها وقوالبها التي من غير الممكن الخروج عنها او كسرها بسهولة وسرعة، ومن الطبيعي جدا بالنسبة لاي وافد على قمة السلطة ان يجري تغييرات، يشكل من خلالها فريقه الخاص، ولا يبقي على الفريق القديم، اذ ان ذلك يوفر له مساحة من الولاء الخاص له، قبل ان تكون للنظام والدولة.
-الصراعات القائمة اليوم في المنطقة، هي في الواقع صراعات مذهبية-طائفية اكثر منها شيئا اخر، والسعودية تعد احد اقطابها الرئيسية، ولا توجد مؤشرات في الافق على ان تلك الصراعات في طريقها الى التلاشي والانتهاء، ولا سيما ان مغذياتها كثيرة وكبيرة، ومصادرها متعددة-ماليا وسياسيا واعلاميا وعسكريا.
-المؤسسة الدينية-الوهابية، تعد في المملكة العربية السعودية من بين ابرز مراكز القوة، ولا يمكن للمؤسسة السياسية التي تمتلك سطوة المال والاعلام ان تتجاوزها وتقفز عليها، وهذه المؤسسة ترفض رفضا قاطعا اي انفتاح مع المكون الشيعي، سواء كان مجتمعا او نظاما سياسيا
-هناك جملة ملفات شائكة بين بغداد والرياض، يتصدرها ملف الدعم السعودي للارهاب في العراق، وتورط السعودية فعليا بتقديم المال والسلاح واطلاق الفتوى الدينية وتسخير وسائل الاعلام التابعة لها والممولة من قبلها، ناهيك عن العشرات-ان لم يكن المئات-من الانتحاريين السعوديين الذين ارسلتهم الى العراق ونفذوا عمليات ارهابية اودت بأرواح اعداد كبيرة من الابرياء العراقيين، فضلا عن الاضرار والخسائر المادية.
ولعل صعوبات كثيرة تكتنف اية مساع لاغلاق هذا الملف تحديدا، في حال صدقت النوايا السعودية، وتبدلت مسارات التعامل.
قد تبدو الصورة التشاؤمية هي الاقرب الى الواقع من الصورة التفاؤلية.. ربما نشهد خطوات تكتيكية في هذا الجانب او ذاك، بيد انه من المستبعد جدا في ظل الواقع العراقي، والواقع الاقليمي الراهن حصول تحولات استراتيجية ايجابية وبناءة في علاقات بغداد والرياض، فمثلما تراكمت الازمات والمشاكل طيلة سنين طوال، وشيدت حاجزا صلدا وشاهقا من عدم الثقة، فهدم ذلك الحاجز وازالة انقاضه ومخلفاته يحتاج هو الاخر الى سنين طوال.
29/5/150205
https://telegram.me/buratha