التقارير

أسئلة حول ترتيب البيت الداخلي وعبء المدرسة التكفيرية على الدور الإقليمي للرياض

1601 10:43:52 2015-01-29

عبد الحسين شبيب

  لا تُحسد المملكة السعودية على التحديات التي تواجهها. استحقاق الخلافة التي تم ترتيب بيتها باسرع ما يكون وخلافا للتقاليد قبل دفن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لم تدخل الطمأنينة الى نفوس الكثيرين. توصيف الانقلاب على ارث عبد الله هو اقل ما قيل في تحليل القرارات السريعة جدا التي اصدرها الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز والتي فهم منها اجهاض خطة الملك الراحل لتسهيل وصول ابنه الامير متعب ليكون اول احفاد الملك عبد العزيز الذين تنتقل اليهم السلطة.

كان الملك عبد الله يريد نقل المُلك الى ابنائه لتنتهي مرحلة السديريين وتسقط معها الثنائية التي حكمت معادلة السلطة منذ العام 1953. لكن الملك الجديد اعادها الى الواجهة باختياره ابن اخيه محمد بن نايف الشقيق السديري لسلمان ليقصي الآخرين، وباجراءات عملية أخرى ترجمت بشطب رئيس الديوان الملكي خالد التويجري من مركز صنع القرار نهائياً بعد اعفائه من جميع مناصبه، وتعيين محمد بن سلمان وزيرا للدفاع ورئيسا للديوان، فيما انيطت رئاسة الحرس الملكي بضابط من خارج العائلة الحاكمة، لتكف يد الامير متعب عن اي امر له علاقة بدائرة الملك الضيقة، ويبقى فقط وزيرا للحرس الوطني ذي القوة الكبيرة عديداً وعتاداً في البلاد. لكنه عملياً سيكون الحلقة الاضعف في مواجهة ثنائي وزارتي الدفاع والداخلية اللتين تمسكان بالجزء الاكبر من القوات العسكرية والامنية في المملكة. هل يرضخ الامير متعب للمعادلة الجديدة بعدما جرد عملياً من ادوات التاثير الاساسية، لا سيما في ظل محاصرة عمه ولي العهد الامير مقرن من الملك وولي ولي العهد؟

صراع كامن

الاسئلة كثيرة حول كيفية انخراط بقية الاحفاد او ما يسمي الجيل الثاني من الامراء في الصيغة الجديدة التي تعني ان المُلك سيؤول بعد انتهاء حكم ابني عبد العزيز الاخيرين في المناصب الاعلى_ اي الملك سلمان وولي العهد الاميرمقرن_ الى بيت محمد بن نايف، وما اذا كان تداول السلطة في حينه سيكون بين محمد نايف وابناء عموته وما اكثرهم، او بينه وبين اخوته، او يصبح الملك الثاني بعد عبد العزيز الذي ينقل العرش الى ابنائه؟

منطوق هذه الاسئلة التي ترد في تحليلات وتقديرات عديدة يستجلب شكوكاً في صراعات كامنة قد تظهر الى السطح تباعاً او عدم استقرار مرتقب يصعب على ولاة الامر الجدد مهمة ادارة شؤون العباد في المملكة. لكن الانطباع المستقر ان اختيار محمد بن نايف ولياً لولي العهد وتعزيز حظوظه بارتقاء سلم العرش اسرع من ابناء عمه الاخرين هو ليس قرار محض داخلي بل خلاصة مداولات خارجية وتحديداً اميركية استحسنت هذا الخيار ودفعت نحوه بقوة _ وتظهر بذلك سلسلة الزيارات التي قام بها امراء مطروحون بقوة لمناصب رئيسة الى واشنطن_ نظرا لعلاقة وزير الداخلية الوثيقة بالاميركيين، ولتوليه المنصب الاهم الذي تحتاجه المملكة والادارة الاميركية في هذه المرحلة، وهو مواجهة الخطر الامني الذي تواجهه المملكة والمتمثل بجناحي التكفيريين: تنظيم القاعدة المتجذر الوجود في المملكة وتنظيم داعش الوافد حديثاً اليها، بسعودييه واجانبه، الذين تبين انهم بدأوا عملهم في المملكة من خلال مشاركة ارهابي قطري في جريمة حسينية قرية الدالوة في الاحساء في محرم الحرام الماضي، او مشاركة سوريين في الاعتداء على المركز الحدودي السعودي من الناحية العراقية.

الخطر الداعشي

ولعل هذا الملف يحتل اولوية لدى قيادة المملكة في هذه الفترة بعد التمدد الداعشي في العراق ومد"الخليفة" ابو بكر البغدادي عيونه نحو مملكة النفط في الشرق الاوسط لتصبح جزءا من جغرافيا دولته بعدما امر مسلحيه باطلاق عنان " جهادهم" ضد آل سعود والصليبيين والرافضة في المملكة حسبما جاء في احد بياناته، بما يعني أن هذا الخطر يفترض ان يحتل راس جدول الاعمال السعودي حتى اشعار آخر. وهناك تعويل على خبرة الامير محمد بن نايف في التعامل مع هذه الجماعات التكفيرية منذ كان نائبا لوالده في الوزارة الداخلية، والممسك الفعلي بملف محاربة الارهابيين، ولديه كل داتا المعلومات التي توضح له خريطة الانتشار واسباب الانتماء لهكذا افكار وسبل مواجهتهم. ويقال ان بن نايف لديه رؤية ثلاثية الابعاد لاحتواء هذا التحدي تقوم على التالي: الامن الفكري الذي يعمل على تجفيف المنابع الثقافية التي تنتج عنصرا تكفيرياً ارهابياً؛ والثاني، اختيار اسلوب التوبة وفتح المجال للعودة الى حضن الدولة؛ وثالثاً محاربتهم بالوسائل الامنية. وربما يفيد بن نايف من علاقة الملك الجديد برجال الدين المحافظين جداً في عملية احتواء بعض هذه المخاطر، اضافة الى علاقاته هو ايضا بشريحة منهم، حيث تذكر بعض التقارير ان بين اعضاء وزارته محافظين دينيين. لكن الاسلوب العنفي قد يفرض نفسه في هذه المواجهة بسبب طبيعة المشروع الداعشي السلطوي، فضلاً عن ان الرجل لم يكن متسامحا حتى مع الاصوات النقدية الليبرالية التي ارتفعت تطالب بالمشاركة السياسية وبمساحة من الحريات، فوجد اصحابها انفسهم في السجون، اضافة الى تعامله العنفي مع الاحتجاجات في المنطقة الشرقية التي يقوم بها الشيعة مطالبين برفعهم الى مرتبة مواطنة تساوي نظراءهم في المملكة لا أن يبقوا مواطنين درجة ثانية.

أيا تكن النتائج فان اختيار بن نايف يشير الى ارتفاع مخاطر التحدي الامني، والذي حذر منه الملك الراحل الاوروبيين والاميركيين عندما قال في كلمته المشهورة ان هؤلاء التكفيريين سيذهبون اليكم في اوروبا بعد شهر وفي امريكا بعد شهرين اذا لم يكن هناك تحرك دولي جاد لاحتواء الخطر الداعشي بعدما لامس حدود السعودية في حينه.

وفي حينه كان صراخ الملك عبد الله يظهر وجها آخر من الازمة يتمثل بتراجع منسوب الثقة بالاميركيين بعد سلسلة خلافات بينهم وبين القيادة السعودية حول عدة ملفات اقليمية ابرزها الملف النووي الايراني ، سوريا، ومصر، حيث تضاربت ولا تزال المقاربات الاميركية مع التوجهات السعودية. والمتفق عليه الان بين اغلب الخبراء المختصين بالشأنين الاميركي والسعودي ان الثقة بين واشنطن والرياض تراجعت كثيراً.

واذا ما اراد احد ان يستدل على ذلك فانه يشير الى ان الرئيس الاميركي باراك اوباما تدارك خطوة كان يمكن ان يكون لها مدلولات سلبية بعدما كان مقررا ان يزور الهند ثم يتوجه الى الرياض للتعزية بالملك الراحل والتهنئة بالملك الجديد، وهو ما يعتبره الخبراء اقل الوفاء من الحليف الاميركي ان يخصهم بزيارة استثنائية وحصرية، وليس بالطريق كما كان سيحصل في بادئ الامر. وفي سياق هذا التراجع في العلاقة الاميركية _ السعودية ثمة من يستنتج ان المملكة اصبحت عبئاً على الاميركيين جراء هذا المخزون من العناصر التكفيرية التي يصعب السيطرة عليها بسبب البيئة الحاضنة لها في المملكة، وبالتالي لا بد من تغييرات جذرية داخل المملكة ثقافة وسلوكا وتربية من اجل احتواء هذا الخطر. وثم من يرى ان تدني الاهتمام الاميركي التدريجي بالمملكة منشأه تدني الحاجة اليها كمورد نفطي. ويكفي للاختصار الاشارة الى تقرير لوكالة الطاقة الدولية يقول ان الولايات المتحدة بعد اربع سنوات ستصبح اكبر دولة منتجة للنفط في العالم، وبعد سبع سنوات ستصبح المنتج الاول، وفي العام 2030 ستتحكم بكل مفاصل النفط العالمية. وبحسب تقرير غربي فان "الهيمنة السعودية على أسواق النفط العالمية، دخلت تحديا مع المشروعات الجديدة في إفريقيا والولايات المتحدة، حيث تسعى الحكومة السعودية حاليا وراء استراتيجية محفوفة بالمخاطر لإبقاء الانخفاض على أسعار النفط للحد من الاستكشاف الجديد والحفاظ على حصتها في السوق".

التقارب الأميركي ـ الايراني

واضافة الى هذا التراجع المتوقع لاهمية المملكة النفطية بالنسبة للاقتصاد الاميركي يقف سبب آخر رئيس وراء تراجع ثقة الرياض بواشنطن وهي رغبة الاخيرة بالتقارب مع طهران، وهو ما يثير هواجس سعودية كبيرة حول تراجع دور المملكة الاقليمي بسبب اذعان الاميركيين ورضوخهم للمعادلة الواقعية التي فرضتها الجمهورية الاسلامية وحولتها الى اكثر قوة اقليمية تاثيرا في المنطقة. ويبدو ان الوقت يمر بسرعة نحو ابرام الاتفاق النووي الايراني الغربي في الاسابيع القليلة المقبلة وفقا لما ابلغه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لاعضاء حكومته في جلستهم الاسبوعية الاحد الماضي (25/1)، وهو ما سيضع واشنطن والرياض امام معادلة اقليمية جديدة سيُؤسس عليها للمرحلة المقبلة.

وفي هذا السياق تطرح اسئلة حول الاتفاق البحريني البريطاني باقامة قاعدة بحرية بريطانية في البحرين التي تضم المقر الرئيس للاسطول الخامس الاميركي، وهي خطوة اثارت تكهنات حول خلفيتها الحقيقية، ولماذا تعود لندن الى منطقة انسحبت منها منذ اربعين سنة، وتركت للاميركيين الوكالة الحصرية بالامن الخليجي والشرق الاوسطي عموماً؟ مع الاشارة الى ان المنامة الراغب نظامها بالانضمام الى السعودية لا تتصرف في هكذا قرار استراتيجي من دون ايعاز الرياض وموافقتها، بل الارجح ان هذا الاتفاق هو سعودي بريطاني من اجل اعادة جلب لندن الى المعادلة الخليجية نكاية بواشنطن او بديلا مستقبليا عنها لتوفير مظلة جديدة من الحماية الدولية للمملكة السعودية ولفرعها البحريني، ولضمان استقرار السعودية داخلياً ومساعدتها في مواجهة التحديات الامنية والاقليمية المستجدة.

ويمكن في هذا الاطار ان ُتدرج عملية توجه اضخم حاملات طائرات الاسطول البحري الفرنسي المسماة شارل ديغول برفقة عدد من القطع البحرية الاستراتيجية بينها غواصة نووية الى الخليج في الرابع من الشهر الجاري بما تشكل اضافة مهمة تطمئن السعودية القلقة بجرعة دعم من الحليف الفرنسي سواء في مواجهة معركة مفترضة مع داعش في المملكة او في ضمان السلطة الجديدة، او مواجهة تزايد النفوذ الايراني، مع الاشارة الى ان هذا الحليف الباريسي يتم شراؤه بمليارات الدولارات بصفقات متنوعة (على سبيل المثال صفقة تسليح الجيش اللبناني باسلحة فرنسية بقيمة 3 مليارات دولار).

ويبدو ما تقدم وكانه محاولة بناء حصانة دولية جديدة تتكئ على طرفي الاستعمار القديم بريطانيا وفرنسا الذي حكم المنطقة لعقود طويلة قبل ان يخليها للاميركيين بعد الحرب العالمية الثانية.

بعد تلك الحرب صاغت واشنطن الوظيفة النفطية للمملكة، واليوم وفي خضم حروب عالمية بمفاهيم وادوات جديدة يقع في قلبها الارهاب تصوغ الادارة الاميركية وظيفة وحاجة جديدة للمملكة تتصل بالخطر التكفيري الذي بات يتهدد السعودية نفسها بعدما صدرته لسنوات الى ساحات عدة، وهذا يعني ان هذا البلد سينشغل بهذا الملف وباشكال مختلفة في المرحلة القادمة التي بدأت منذ وقت قصير، وسيترجم في تركيبة السلطة الجديدة ضمن حسابات تتجاوز الاعتبارات المحلية.

2/5/150129

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك