التقارير

اندحار ’داعش’ وانحدارها في العراق...ماذا بعد انتصارات جرف النصر؟

2959 08:34:25 2014-11-12

بغداد ـ عادل الجبوري

إذا كانت عملية فك الحصار عن ناحية امرلي التركمانية التابعة لمحافظة صلاح الدين في مطلع شهر ايلول/سبتمبر الماضي، قد هزت تنظيم داعش الارهابي، فإن عملية تطهير جرف الصخر (جرف النصر) اواخر شهر تشرين الاول/اكتوبر الماضي، قد اشارت بوضوح الى اختلال كبير في ميزان القوى لغير مصلحة "داعش"، راحت مصاديقه ومعطياته تتبلور وتتجلى يوما بعد اخر.

لا شك ان الانتصار الذي تحقق في ناحية امرلي بعد تسعين يوما من الحصار الداعشي، قد مهد الطريق وهيأ الاجواء والارضيات لتحقيق الانتصار الاكبر بعد حوالي شهرين في جرف النصر.

الاهمية المادية والمعنوية للانتصار في جرف الصخر تتأتى من جملة امور، لا بد من الوقوف عندها والمرور عليها، حتى يمكن صياغة تصور واقعي او اقرب الى الواقع لطبيعة الصراع مع "داعش" في المرحلة المقبلة.

اولا: تمثل ناحية جرف النصر حلقة وصل بين اربع محافظات، العاصمة بغداد من الشمال، والانبار من الغرب، وكربلاء من الجنوب، وواسط من الشرق، وتعد بحسب الخبراء والمتخصصين العسكريين والامنيين خاصرة بغداد الجنوبية.

وهذا الموقع الجغرافي الاستراتيجي يجعلها تحظى بأهمية كبيرة، لا سيما في الظروف والاوضاع الاستثنائية، فمن يتحكم بها يستطيع ان يقطع خط التواصل بين بغداد وكربلاء، ويستطيع ان يمتد غربا الى قضاء الفلوجة التابع لمحافظة الانبار، وشمالا الى قضاء المحمودية جنوب بغداد، وجنوبا نحو كربلاء.

ثانيا: تتميز جرف النصر التي تعد احدى النواحي الثلاث التابعة لقضاء المسيب الى جانب الاسكندرية وسدة الهندية، بتركيبتها العشائرية والاجتماعية السنية، حيث ان اغلب سكانها ينتمون الى عشيرة الجنابات (الجنابي)، الذين حصلوا على الكثير من المواقع والوظائف المهمة في المؤسسات العسكرية والامنية والاستخباراتية والحزبية في عهد نظام صدام، وبالتالي تمتعوا بظروف ومستويات حياتية جيدة جدا.

وكان من الطبيعي ازاء ذلك ان تكون ردة الفعل على سقوط نظام صدام سلبية من قبل تلك الناحية، وهذا ما جعلها تتحول الى بؤرة للعناصر والجماعات الارهابية الرافضة للنظام الجديد، من بقايا حزب البعث المنحل والتنظيمات المتطرفة، وبالتالي خرجت بصورة شبه كاملة عن سيطرة القوات الحكومية، وحتى القوات الاميركية عجزت عن السيطرة عليها.

فطيلة عشرة اعوام او اكثر، كانت ناحية جرف الصخر خارج نطاق سيطرة القوات الحكومية، وكذلك خارج نطاق سيطرة القوات الاميركية منذ دخولها العراق في عام 2003 وحتى خروجها منه نهاية عام 2011. ونجحت الجماعات الارهابية التابعة لتنظيم القاعدة وبقايا حزب البعث المنحل طيلة تلك الفترة في اخضاعها لها بصورة شبه كاملة، لتتخذ منها قاعدة ومنطلقا لتنفيذ اعتداءات ارهابية على مدن ومناطق اخرى قريبة وبعيدة، من بينها محافظة كربلاء المقدسة وقضاء المسيب.

نجاح الخطط المرسومة

وبقي الحال على ذلك المنوال حتى الثاني من شهر محرم الحرام حينما نفذت قطعات من الجيش العراقي وتشكيلات الحشد الشعبي عملية عسكرية مخططا لها ومدروسة بدقة اسفرت عن نتائج سريعة وغير متوقعة، كما يقول احد امري الافواج الذين شاركوا في العملية.

والصعوبات التي واجهتها عملية تطهير جرف النصر تمثلت بالعدد الكبير للعبوات الناسفة التي زرعها الداعشيون في مختلف الطرق والمسالك المؤدية لها، وتقدر مصادر امنية مطلعة عدد العبوات والالغام المزروعة بأكثر من ثلاثين الف عبوة ولغم.

أضف الى ذلك فإن الطبيعة الطبوغرافية للمنطقة تمتاز بقدر كبير من التعقيد، حيث البساتين الكثيفة، والمبازل والمستنقعات والطرق الميسمية الكثيرة، ومحاذاتها لنهر الفرات، ناهيك عن وجود مساحات صحراوية واسعة توصلها بقضاء الفلوجة التابع للانبار والمناطق المجاورة له.

ثالثا: تجاور ناحية جرف الصخر بمكونها السني المتعاطف مع نظام الحكم السابق ومن يتماهى معه، والرافض للعملية السياسية في ظل النظام الديمقراطي الجديد، فضاءات جغرافية ذات طبيعة او هوية شيعية على وجه العموم، كما هو الحال بالنسبة لقضاء المسيب، ومنطقة هور حسين الممتدة من جرف الصخر والمسيب لمسافة عشرة كيلومترات باتجاه مدينة كربلاء المقدسة.

وهذا التجاور الملغّم بحساسيات طائفية، وتقاطع ارادات ونوايا ورغبات يعني ان اي تمدد داعشي سيشكل خطرا يصل الى كربلاء ومن الممكن ان يطال النجف ايضا، والعكس يعني ان الانحسار والانحدار الداعشي سيوفر فضاءات من الاستقرار والهدوء والامن، لا سيما ان المتعارف عليه هو ان هناك حالة من التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع العراقي، وتحديدا الشيعة والسنة.

وما تحقق في الثاني من شهر محرم الحرام - السابع والعشرين من شهر تشرين الاول/اكتوبرالماضي، صاغ واقعا جديدا برزت افرازاته ومعطياته على ارض الواقع سريعا. فالانكسار الكبير الذي تعرض له تنظيم داعش في جرف النصر، ادى الى حدوث انهيار معنوي فاضح وواضح في صفوف التنظيم- قيادات وقواعد.

ولعل التعميم الشرعي الذي صدر عن "داعش" قبل اكثر من اسبوع، والذي تضمن اشارات واضحة، الى هول الصدمة التي تعرض لها داعش بهزيمته في جرف النصر، وقبلها انكساراته في تكريت وزمّار، ونجاح اجهزة الاستخبارات العراقية باختراق صفوف التنظيم، والتوجيه بعدم قبول انضمام العراقيين اليه والاكتفاء بالاجانب، لعل هذا التعميم اشار بوضوح الى حقيقة الواقع المعنوي المزري للتنظيم، وخشيته مما يمكن ان يستتبع ما حصل في جرف النصر.

وقد ترتب على انتصارات جرف النصر العسكرية، والانهيارات المعنوية للدواعش، تراجعات وانكسارات وهزائم في مناطق اخرى، كان اخرها في قضاء بيجي التابع لمحافظة صلاح الدين (تكريت)، والتي كان "داعش" يراهن على احتلال المصفى النفطي الاستراتيجي الكبير فيها، تزامن معها حراك اوسع بين مختلف المكونات لتحشيد وتعبئة اكبر قدر ممكن من الاشخاص لمواجهة داعش، ودخول العشائر السنية بقوة في ذلك الحراك، خصوصا بعد المجازر التي ارتكبها التنظيم ضد ابناء عشيرة البونمر غرب الانبار، وعشائر سنية اخرى.

وقد لا يكون من باب المبالغة القول بأن انتصارات جرف النصر يمكن ان تعد بداية النهاية لتنظيم داعش في العراق. والانتصارات الاخرى في قضاء بيجي هي في الواقع محطة متقدمة نحو نقطة النهاية، التي تمثلها محافظة نينوى بموقعها الجغرافي وثقلها السكاني وتركيبتها الاجتماعية.

22/5/141112

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك