عقيل الشيخ حسين
من الحرب العراقية الإيرانية، والربيع العربي والحرب على سوريا، إلى أوكرانيا وفنزويلا وآسيا والباسيفيكي، استراتيجيات أميركية لكسب الحروب عبر توريط حلفائها وأدواتها.
معظم التحليلات المقدمة حول الجولة التي قام بها الرئيس أوباما مؤخراً على عدد من بلدان آسيا-الباسيفيكي الحليفة أو التابعة للولايات المتحدة أدرجت تلك الجولة في سياق التغير الذي طرأ على سياسات الولايات المتحدة الخارجية، تبعاً للتقرير الشهير الذي صدر عن البيت الأبيض ووزارة الدفاع في الخامس من كانون الثاني / يناير 2011.
وكان ذلك التقرير قد حدد الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، ووضع تعزيز الحضور الأميركي -العسكري خصوصاً- في منطقة آسيا-الباسيفيكي في طليعة تلك الأولويات.
اميركا
وقد جاءت تلك التحليلات منسجمة أيضاً مع النظريات الرائجة حول تنامي قدرات الصين الاقتصادية والعسكرية التي سمحت للبعض بالتنبؤ بأن الصين ستحتل خلال القرن الحادي والعشرين موقع القوة العظمى ليس فقط على مستوى آسيا-الباسيفيكي، بل أيضاً على مستوى العالم كله.
وعلى هذا الأساس، اعتبرت تلك التحليلات أن الهدف المباشر لجولة أوباما الأخيرة هو طمأنة قيادات هذه البلدان، وربما أيضاً طمأنة النخب الأميركية نفسها، إزاء الأخطار المفترضة التي يشكلها تنامي قدرات الصين، ومن ثم طموحها التوسعي، خصوصاً وأن توترات حدودية ساخنة قد نشبت مؤخراً بينها وبين كل من اليابان وتايوان.
إضافة، بالطبع، إلى التوتر الدائم الناجم عما يعتبره الأميركيون وحلفاؤهم في المنطقة شغباً تثيره كوريا الشمالية- المصنفة كدولة مارقة- بدعم غير مباشر من الصين، فيما تنظر إليه كوريا الشمالية كنتيجة لمحاولات الزعزعة التي تتعرض لها من قبل الأميركيين وحلفائهم.
ومن الممكن أيضاً للنزاع الذي هدأت حدته خلال السنوات الأخيرة بين روسيا واليابان حول جزر كوريل أن يعود إلى التأجج في ظروف الاصطفافات الدولية التي تفرضها المواقف المتضادة للمعسكرين الغربي والروسي إزاء الحرب في سوريا وتصاعد الأزمة الأوكرانية.
كل هذه الاعتبارات تبدو معقولة إلى حد كبير، لكن معقوليتها وقيمتها تظل شبيهة بمعقولية وقيمة الحقائق الرياضية. فالواقع أن هذه التحليلات كان يمكن تقديمها، رغم اختلاف الظروف، بمناسبة كل واحدة من الجولات الأربع التي سبق للرئيس أوباما أن أجراها على آسيا-الباسيفيكي منذ دخوله إلى البيت الأبيض.
أميركا والاستعانة بالحلفاء
كما كان يمكن تقديمها، مع وضع اسم اليابان محل اسم الصين، قبل ثمانين عاماً، عندما كان التنافس على أشده بين اليابان والولايات المتحدة، قبل أن تتحول العداوة إلى وئام بعدما قصفت المدن اليابانية بالقنابل الذرية الأميركية.
على أن مستوى التناقضات الحالية في منطقة آسيا الباسيفيكي كان أدنى بما لا يقاس خلال وقبيل الحرب العالمية الثانية، وبعدها خلال الحربين الكورية والفييتنامية، مما هو عليه الآن بين الولايات المتحدة والصين.
فالواقع أن التوتر لا يشكل السمة الوحيدة للعلاقات بين البلدين اللذين يتنافسان أيضاً بأشكال أو بأخرى في إفريقيا والشرق الأوسط، واللذين تقوم بينهما علاقات كل منهما حريص على استمراريتها. فالصين توظف أكثر من 2 تريليون دولار على شكل سندات خزينة في الولايات المتحدة. كما أن الصين هي أحد أبرز البلدان التي تهاجر إليها الصناعات الأميركية والغربية عموماً لأسباب كرخص اليد العاملة وانخفاض الضرائب وتدني كلفة الإنتاج...
صحيح أن الولايات المتحدة تنشر أكثر من عشر حاملات طائرات في مياه المحيطين الباسيفيكي والهندي، وتحشد أكثر من 150 ألف جندي يتمركزون على أراضي البلدان الحليفة الممتدة من اليابان وكوريا الجنوبية شمالاً إلى سنغافورة وأستراليا جنوباً. وصحيح أيضاً أنها تنوي -من الآن وحتى العام 2020- تركيز 60 بالمئة من قواتها العسكرية العاملة خارج حدودها في آسيا-الباسيفيكي.
لكن ذلك لا يكفي للقول بأن قرع طبول الحرب قد بدأ في تلك المنطقة بين الولايات المتحدة والصين : بعد الهزائم التي منيت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها في حروب العراق وأفغانستان ولبنان وغزة، لم تعد الولايات المتحدة في ظل أوباما هي نفسها الولايات المتحدة في ظل المحافظين الجدد أو أيزنهاور أو ترومان.
لقد بات من الواضح، على ضوء انهيار الاتحاد السوفياتي، والحرب العراقية الإيرانية، والربيع العربي، والحرب على سوريا، وما يجري في بلدان كأوكرانيا وفنزويلا، أن "أولويات" الولايات المتحدة المحتفظة بكل عدوانيتها وشهيتها التوسعية هي في هندسة أنواع جديدة من حروب يخوضها الآخرون فيما تقوم هي بالتقاط الكستناء من بين حرائقها.
حروب قواها الفاعلة جيوش من الإرهابيين وموظفي الشركات الأمنية والحكام الفاسدين وما لا يحصى من منظمات غير حكومية وظيفتها حرف انتباه المجتمعات عن مشكلاتها الأساسية.
جولة أوباما الهادفة إلى طمأنة الحلفاء الخائفين من الصين سبقتها بأيام زيارة وزير دفاعه تشاك هاغل للصين بهدف طمأنتها إزاء نوايا أوباما السلمية !
نوايا تظل سلمية (وغير فتاكة) طالما أن هنالك حلفاء وأجراء جاهزين، إذا ما لزم الأمر، لأن يستخدموا من قبل الولايات المتحدة كوقود لحروب تسعى الولايات المتحدة لكسبها دون أن تخوضها بأشكال مباشرة.
20/5/140507