جورج حداد
مضى حوالى 53 سنة على ما سمي حينذاك “أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا”، إذ كانت القوات السوفياتية قد قامت بوضع الصواريخ النووية سرا في الاراضي الكوبية، بطلب من قيادة النظام الثوري الكوبي بزعامة فيديل كاسترو. وكان ذلك يعني ردا حاسما على التهديدات الاميركية المتواصلة لـ”جزيرة الحرية”، لان الاراضي الاميركية اصبحت تحت رحمة الصواريخ النووية السوفياتية بدون ان تكون اميركا قادرة على الرد، لان الصواريخ الروسية تستطيع ان تضرب ضربتها في ما دون المسافة الزمانية والمكانية التي كان يحتاجها اي جهاز انذار مبكر اميركي. ولكن المرتد النيوستاليني نيكيتا خروشوف تراجع امام الضغط الاميركي، وطبق “اتفاقية يالطا” التي سبق ووقعها ستالين، والتي تقضي بأن تكون كوبا من ضمن “منطقة النفوذ الغربية”، وقام بسحب الصواريخ بدون اخذ موافقة القيادة الثورية الكوبية، ما وضع كوبا تحت رحمة الامبريالية الاميركية.
الآن تنقلب الادوار: فإن القيادة الامبريالية الفاشستية الجديدة الاميركية ترى ان استمرار صعود روسيا البوتينية، القومية ـ المسيحية الشرقية، يتحول الى صخرة متينة تتحطم عليها النزعة الامبريالية الاميركية للهيمنة على العالم. وقد تبدى ذلك بشكل خاص في فشل المؤامرة العالمية للامبريالية الاميركية لاجتياح سوريا، بفضل تلاحم الجبهة المعادية للامبريالية، والتي تضم روسيا وايران والقوى الوطنية الحقيقية في سوريا والمقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان.
من هنا جاء القرار الاميركي بتنظيم الانقلاب الفاشستي المعادي للروس في اوكرانيا، بعد اتفاق “المصالحة الوطنية” الذي وقعه الرئيس الاوكراني الشرعي فكتور يانوكوفيتش وزعماء المعارضة الموالون للغرب في 21 شباط الماضي، بمن فيهم رئيس الوزراء الانقلابي الحالي أرسيني ياتسينيوك الذي كشف عن خيانته للمصالح الحقيقية للشعب الاوكراني بأن سحب توقيعه على اتفاق “المصالحة الوطنية” قبل ان يجف حبره.
وقد صرح ويلي كلاس، السكرتير العام السابق لحلف الناتو، انه من المستبعد ان يقوم حلف الناتو بالتدخل العسكري في القرم، وقال كلاس امام القناة الفرنسية ار تي بي اف “استبعد تماما ان يقوم حلف الناتو بتدخل عسكري. ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلم علم اليقين انه بدون الاميركيين، فإن اوروبا هي ضعيفة جدا في البعد العسكري. كما يعلم ان الاميركيين لن يجرؤوا على القيام بعملية عسكرية ضد بلد يمتلك الاسلحة النووية”. وحسب رأيه انه عاجلا ام آجلا، فان الاطراف المعنية سوف تجلس الى طاولة المفاوضات وستجد مخرجا من النزاع القائم في اوكرانيا. ولكن كلاس يؤكد ان روسيا لن تخرج من القرم “والذين يعتقدون ان الروس سيخرجون من القرم هم واهمون”.
بدوره، قال الرئيس التشيكي السابق فاتسلاف كلاوس ان الاتحاد الاوروبي واميركا هما اللذان استثارا الازمة الراهنة في اوكرانيا عبر دعمهما للمعارضة الموالية للغرب، وهو ما يذكر بما جرى في يوغوسلافيا قبل 20 سنة، حيث جرى افتعال نزاع دموي. وعبر عن خشيته من ان ما يجري في اوكرانيا هو امر مشابه.
في هذه الاثناء، اعلن رئيس المجلس الاعلى (البرلمان) في القرم فلاديمير كونستانتينوف ان طلب الانضمام الى الفيديرالية الروسية قد ارسل الى الرئيس بوتين والى البرلمان الروسي،وأن القرم مستعدة لاجراء محادثات مع كييف في حالة واحدة فقط وهي تبديل السلطة الانقلابية في كييف. وقال “ان السلطة الاوكرانية الحالية هي غير شرعية بتاتا، وقد استولت على السلطة بالقوة. وقبل ان تذهب هذه السلطة، فلن نجري اي محادثات مع السلطة الاوكرانية، ومع اوكرانيا بشكل عام”. واضاف انه ينبغي ان تجري انتخابات طبيعية، نزيهة وشفافة، وان يتم نزع سلاح العصابات، قبل ان تبدأ جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي في اجراء حوار مع السلطة الشرعية في اوكرانيا.
هذا واعلن نواب من جميع الاحزاب في البرلمان الروسي عن تأييدهم الحار لقرار المجلس الاعلى (البرلمان) في القرم بالانضمام الى الفيديرالية الروسية. كما جاء في وكالة “غازيتا.رو”. وجاء هذا الاعلان في اعقاب لقاء بين ممثلي السلطة الجديدة في القرم ونواب في البرلمان الروسي.
ماذا سيكون مصير اوكرانيا والمنطقة بعد الاستفتاء في شبه جزيرة القرم في 16 اذار الجاري؟
فيما يلي بعض التوقعات كما يراها مراقبون محايدون:
1- ان غالبية المراقبين المحايدين يتوقعون ان يسفر الاستفتاء عن موافقة الاكثرية الشعبية في القرم على الانضمام الى الفيديرالية الروسية. لكن هذا لا يعني الانضمام الفوري الى الفيديرالية الروسية، بل يتوقف على قرارات البرلمان الروسي والرئاسة والسلطات التنفيذية الروسية.
2- بحكم الامر الواقع ستتحول شبه جزيرة القرم الى جمهورية “روسية” جديدة، على غرار بيلوروسيا، مستقلة تماما عن اوكرانيا، وتعترف بها روسيا، ومن ثم دول اخرى ايضا. ويترك لاميركا والحلف الاطلسي حرية ابتلاع مياه المحيط الاطلسي.
3-ربط شبه جزيرة القرم بالاراضي الروسية في الجنوب، بالجسور والطرقات السريعة والسكك الحديدية، وتزويدها بالماء والغذاء والكهرباء والوقود والمنتجات الحرفية والصناعية الضرورية.
4-العمل في اقرب وقت ممكن لتحويل القرم الى لؤلؤة البحر الاسود: سياحيا، تجاريا وفي الصناعات البحرية والحرفية والصناعية الخفيفة.
5-توسيع القاعدة البحرية الروسية في القرم وتحويل شبه الجزيرة الى معسكر ضخم، بري، جوي، صاروخي، وبحري ( سفني وغواصاتي)، بهدف تحويل البحر الاسود الى بحيرة روسية بكل معنى الكلمة، للسيطرة الاستراتيجية على جميع الدول المطلة على هذا البحر ولا سيما تركيا، وتحويله في الوقت ذاته الى قاعدة انطلاق وانتشار وسيطرة استراتيجية تامة في البحر الابيض المتوسط. ولهذه الغاية رفع يد تركيا تماما عن مضائق البوسفور، وتحويلها الى ممرات دولية مفتوحة كما هي مضائق تيران على البحر الاحمر، كمقدمة لنزع الصفة التركية “الاغتصابية” عن اسطنبول (القسطنطينية سابقا) وتحويلها الى مدينة عالمية مفتوحة.
6-رفع المستوى الحياتي لتتار القرم ومنحهم حريات دينية وثقافية واسعة، وتحويل جمهورية القرم الى نموذج للتعايش الخلاق بين الروس المسيحيين الشرقيين والتتار المسلمين.
7-تشجيع الروس والناطقين باللغة الروسية في المناطق الشرقية من اوكرانيا للمطالبة بتوسيع حقوقهم الثقافية ورفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي لمناطقهم وتوسيع اللامركزية ضمن اوكرانيا موحدة فيديرالية.
8-فضح الانقلابيين الاوكرانيين عملاء الغرب، ولا سيما الجماعات الفاشستية وملاحقتهم سياسيا وقانونيا والعمل لزجهم في السجون ومحاكمتهم، محليا ودوليا، بوصفهم خونة ومجرمين وارهابيين ومعادين للديمقراطية وللجنس البشري.
9-عقد معاهدة عدم اعتداء وحسن جوار وتعاون اقليمي بين الفديرالية الروسية والفيديرالية الاوكرانية، يمنع بموجبها على اوكرانيا الفيديرالية الانتماء الى اي حلف ثنائي او جماعي مع اي طرف ثالث يعتبر معاديا او يشكل تهديدا للفيديرالية الروسية.
ان الريح الساخنة التي زرعتها الفاشية الاميركية على الحدود الروسية، سترتد عليها اعصارا سيبيريا رصاصيا باردا جدا لن تقوى اميركا على احتماله.
5/5/1403013 تحرير علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha