مع انطلاق الجولة الثانية لمؤتمر “جنيف 2″ تبدأ معالم وشكل تطورات التسوية السياسية في الظهور.
لا يمكن النظر الى الجولة الثانية من المفاوضات بعيدا عن صراع الاولويات الذي دار في الجولة الأولى من المؤتمر.
الصراع على ورقة مكافحة الارهاب و محاولة كسر احتكار الدولة السورية لهذه الجزئية كان عنوان المرحلة السابقة.
في المقابل لعبت فكرة الممرات الانسانية دورا محوريا في تحديد شكل و طبيعة التعامل الدولي مع النظام في سورية.
حاولت الولايات المتحدة الاستثمار في انتاج قوة عسكرية على الارض تستمد شرعيتها من خلال المواجهة مع التنظيمات الارهابية و تعزيز نفوذها على الارض بحيث تملك مفاتيح التعامل مع المجتمع الدولي عبر شراكة تطبيق ما يسمى الممرات الانسانية.
مسار الامور على الارض اثبت ان المؤسسة العسكرية السورية تملك مفاتيح الحل على الأرض.
الممرات الانسانية و القرارات النظرية لا يمكن ان تتحول الى تطبيقات من دون الرجوع الى الجيش السوري.
أما الرمزية المتعلقة بانجاز الاتفاق بين الأمم المتحدة و محافظة حمص فما هي إلا محاولة التفاف مؤقت على تطبيق فكرة التعامل المباشر بين النظام في سورية و المجتمع الدولي.
الجولة الثانية من جنيف 2 لم تشمل اي تغيير في شكل الحضور، لكن من الطبيعي ان تتغير طبيعة التعامل مع المواضيع المطروحة.
المحور الروسي السوري يصر على تطبيق عملية تسلسل طبيعي لنقاط جنيف 1 و بالتالي يقطع الطريق على اصرار المحور الامريكي على تطبيق الانتقال في السلطة. المنطق الطبيعي لمسار الامور يثبت استحالة المضي قدما في اية تسوية سياسية تبدأ مع مثل هذا الانتقال.
معادلة القوى على الأرض تعزز رؤية المحور الروسي و بالتالي فان ضرورة انقاذ الوضع الانساني ووقف العنف و تطبيقاته أضحت الاولوية التي لا يمكن تجاوزها.
في المقابل يتساءل الكثيرون عن الفائدة المرجوة أمريكيا من مشاركة الائتلاف المعارض في المؤتمر. ماذا تريد الولايات المتحدة من تنظيم لم يطأ أعضاؤه الأرض السورية و لا يملكون فيها أي ارتباطات حقيقية. حتى الفصائل المقاتلة رفضت تمثيل الائتلاف لها. بعض المحللين يجدون ان الولايات المتحدة استخدمت الائتلاف المعارض من أجل انجاح انطلاق مؤتمر جنيف 2 و بالتالي الجلوس و الحديث مباشرة مع النظام في سورية. اذا الجولة الثانية من مؤتمر جنيف قد يمكن تعريفها اصطلاحاً على أنها معركة البدء بالتعامل العملي مع النظام السوري والتي تأتي بعد معركة تحديد الاولويات التي سادت في الجولة الاولى.
جولات جنيف المقبلة قد تتحول جذرياً سواء على صعيد المواضيع المطروحة او شكل الحضور. الجولات القريبة المقبلة قد تتضمن الحديث عن شكل و آليات مكافحة الارهاب و انقاذ الأماكن المتضررة على الصعيد الانساني و حتى جلوس ايران حول الطاولة. اما على المدى البعيد فمن الممكن ان يأخذ مؤتمر جنيف بعدا اقليميا نظرا لتداخل كثير من المواضيع المطروحة مع الواقع الاقليمي. هذا قد يرشح تبلور مصلحة أمريكية لاحقا تسعى لتحويل المواضيع المطروحة في جنيف من بعدها السوري الى البعد الاقليمي الاوسع ليتحول جنيف من مؤتمر التسوية السورية الى مؤتمر التسوية الاقليمية الشاملة.
د.عامر السبايلة
العرب اليوم
11/5/140209
https://telegram.me/buratha