التقارير

خطة بندر ـ بتريوس : دفع «الإسلاميين» إلى سوريا

1515 12:38:00 2012-08-15

 

فؤاد ابراهيم..* كاتب سعودي مقيم في لندن

معطيان رئيسان ينطوي كل منهما على دلالات خاصة وعميقة:

الاول: الظهور المفاجئ للأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان في 9 تموز (يوليو) الماضي بصحبة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ديفيد بتريوس في جدة للقاء الملك عبد الله، بعد غياب دام نحو عامين، تخللها فيض من الشائعات عن سر أو أسرار اختفائه. بعد يومين من اللقاء، وقعت مفاجأة أخرى، بصدور أمر ملكي حمل الرقم أ/161 يقضي بإعفاء الأخ غير الشقيق للملك، الأمير مقرن بن عبد العزيز، أصغر أبناء عبد العزيز سنّاً، من منصبه كرئيس لجهاز الاستخبارات العامة وتعيين بندر بن سلطان بن عبد العزيز خلفاً له. الأمر الملكي ينصّ على «تعيين الأمير بندر رئيساً للاستخبارات العامة»، بالإضافة إلى احتفاظه بمنصبه كأمين عام لمجلس «الأمن الوطني» بمرتبة وزير.

الثاني: تصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من جنوب أفريقيا في 7 آب (أغسطس) الجاري «ان من يحاولون استغلال الوضع بإرسال عملاء أو مقاتلين إرهابيين يجب أن يدركوا أنه لن يتم التسامح مع هذا الأمر»، ولفتت إلى أنها ستناقش هذا الأمر خلال زيارتها الى تركيا في 8 آب، خلال الاجتماع الثاني لـ«اللجنة التنسيقية» للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب.. وهذا التصريح يأتي بعد أيام على الكشف عن وثيقة سريّة حملت توقيع الرئيس أوباما يسمح فيها بتمويل المعارضة السورية، وعقب تقارير متواترة عن قيام الـ CIA بتدريب وتهريب مقاتلين عرب وأجانب الى داخل سوريا عن طريق الأراضي التركية بالتعاون مع كل من السعودية وقطر والأردن..

في المعطى الأول، نتوقف عند دلالة ثالث ظهور مفاجئ للأمير بندر بن سلطان وفي هذا التوقيت على وجه الخصوص. وكيما نستوعب دلالة ذلك، نلفت الى ثلاثة ظهورات للأمير بندر، ارتبطت جميعها بوقائع هامة للغاية. فقد اختفى عن الأنظار في الفترة ما بين 2003 ـ 2005، قبل أن يستدعيه الملك عبد الله ليسلّمه منصب الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، وكان الحدث الأبرز حينذاك، اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري. وعلى مدى ثلاث سنوات (2005 ـ 2008) اشتغل بندر على مجموعة ملفات أبرزها: متابعة تداعيات اغتيال الرئيس الحريري وفرص توظيفه ضد معسكر الممانعة (إخراج القوات السورية من لبنان، استصدار قرار دولي حول سحب سلاح حزب الله..)، وتالياً صنع تحالف دولي ضد النظام السوري والمشروع النووي الإيراني، عبر الانفتاح على الحلفاء والخصوم لجهة القبول بمشروع محاصرة سوريا وإيران وصولاً الى تهيئة أجواء الحرب المنتظرة.

رهانات الأمير بندر لم تنجح حينذاك، فكان اختفاؤه ضرورياً، وبالفعل بقي (خارج الخدمة) في الفترة ما بين 2008 ـ 2010 بالرغم من أن الملك عبد الله، جدّد له بأمر ملكي آخر، ولم يكن بندر حينذاك حاضراً أو مداوماً في مكتبه. ظهر في العام 2010 لبرهة من الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نصيبه في العرش، بعد أن أصبح والده، الأمير سلطان، ولي العهد الأسبق، على وشك الرحيل.. ولكنّه غاب بعد ذلك لأسباب مجهولة، وقيل إنه خطّط لإطاحة عمه الملك في عملية مسلّحة كُشف عنها في وقت مبكّر.

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن الأمير بندر رجل مهمات أكثر منه رجل سياسة، فهو كالتاجر الذي يعمل بـ«القطعة» وإن مارس السياسة فمن خلفية تجارية. يحلو للمراهنين في واشنطن والرياض أن يسبغوا عليه ألقاباً استثنائية، فهناك من يعتبره شخصية كاسرة للتوازن في أي تجاذب سياسي يستدعي تثمير كل عناصر القوة، بما في ذلك عنصر التآمر.

لا يحظى بندر بترحيب وسط محبّيه وخصومه، وهذا ما يجعل اختفاؤه، أو بالأحرى اختفاءاته، لازمة شرطية لبقائه في حلبة السياسة.. الرجل اعتاد أن يمارس «الاستعراض الفردي» وبطريقة عدوانية، ولا يظهر إلا حين تكون هناك مهمة غالباً ما تكون ملوثة.. ليس في ذلك ما يدعو للغرابة، فقد بقيت علاقات بندر وثيقة على الدوام برؤساء أجهزة الاستخبارات المركزية في الولايات المتحدة منذ جورج بوش الأب، مدير سابق للوكالة قبل أن يصبح نائباً للرئيس ثم رئيساً للولايات المتحدة، والمدراء اللاحقين بمن فيهم وليام كيسي، وقد برز اسمه في قضية التخطيط لتفجير بئر العبد في منتصف الثمانينيات، لاغتيال المرجع الديني الشيعي محمد حسين فضل الله بتمويل من الأمير بندر، حين كان سفيراً لبلاده في واشنطن، وصولاً الى ديفيد بتريوس، الرئيس الحالي.

السؤال المركزي: ما هي المهمة المنوطة بالأمير بندر بن سلطان الآن؟

الجواب ببساطة: إنها سوريا وما بعدها. وهنا نقترب من فهم الخلاف بين فريقي «الخارجية» و«الاستخبارات» في الإدارة الأميركية. فبينما يتمسّك فريق هيلاري كلينتون بمبادرة كوفي أنان المؤلّفة من ست نقاط كما عبّرت عن ذلك خلال لقائها مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض في آذار (مارس) الماضي، لإبلاغهم بوجوب دعم خطة كوفي أنان، وهو ما رفضه وزير الخارجية سعود الفيصل وشدّد على خيار التسليح والتمويل.

وجهة نظر فريق الخارجية الأميركية تصدر عن فكرة جوهرية مفادها أن إسقاط النظام في سوريا يجب أن يتم عبر دعم المعارضة وتشجيع الانشقاقات في المؤسسات العسكرية والسياسية والأمنية، وفي الوقت نفسه التمسّك بخطة كوفي أنان، أما فريق الـCIA فيرى أن مبادرة أنان لن تحسم الموقف في سوريا لمصلحة المعارضة، ولا بد من إدخال عناصر أخرى في المعادلة وأبرزها تجنيد وتجهيز عناصر القاعدة والمقاتلين الإسلاميين من كل الجماعات وتسهيل انتقالهم الى داخل سوريا عبر الأراضي التركية.. وبالفعل، وصل آلاف المقاتلين من الخليج وشمال أفريقيا وتركيا وشبه القارة الهندية ودول أوروبية الى مدن سورية متفرّقة وانخرطوا في عمليات ضد الجيش السوري.

خطة بندر ـ بتريوس تقوم على استيعاب كل المقاتلين الاسلاميين من تنظيم «القاعدة» وغيرها في الحرب السورية، من أجل تحقيق هدفين: استنزاف الجيش السوري في حرب طويلة ومفتوحة وصولاً الى إسقاط النظام، واحتواء خطر الإسلاميين في الخليج بعد أن شعرت أنظمة الحكم هناك بأن التحوّل في الخطاب السياسي لديهم وقبولهم باللعبة الديموقراطية ينطوي على خطر كبير، إذ ربما يتوصل الاسلاميون والأميركيون الى إتفاق ما يؤدي الى زوال الأنظمة.

لم تكن محض صدفة نشر مقالات متزامنة على طول الخليج عن خطر «الإخوان» (في السعودية يطلق عليهم السروريين).. تتحدثّ المقالات عن «مؤامرة إخوانية» للتغلغل في نسيج الدول الخليجية وصولاً الى إطاحة الأنظمة، بحسب تصريحات لضاحي خلفان، مدير شرطة دبي. أحدهم وصف «المخطط الاخواني» المزعوم بـ«الدولة العميقة» في إشارة الى تكاثر خلايا الاخوان في جسد الدولة في الخليج… اعتقال مجموعة من «الاسلاميين» من الشخصيات البارزة في المجتمع الإماراتي المحسوبين على التوجّه الاخواني، ليس منفصلاً عن سياسة احتواء خطر الإسلاميين في منطقة الخليج في سياق مقاربة استخباراتية جرى بلورتها في واشنطن وعواصم خليجية.. هنا تصبح ساحة الحرب في سوريا مؤهّلة لامتصاص الاحتياطي الاستراتيجي للإسلاميين في الخليج وصنع «ساحة حرب بديلة».

في ضوء ما سبق، جاءت تصريحات هيلاري كلينتون لتلفت الى معارضة غير مباشرة لخطة بندر ـ بتريوس في سوريا والمنطقة بصورة عامة بحشد المقاتلين من كل أرجاء العالم في مركز التوتّر، والتي ترى فيها خطأً مكرراً، على غرار ما جرى في أفغانستان التي أنجبت القاعدة وتالياً هجمات الحادي عشر من سبتمبر. مقاربة الخارجية تقوم على جدلية مفادها أن انتشار السلاح بكميات هائلة وسط مجموعات غير منضبطة سيؤدي في مرحلة ما الى اتساع رقعة الفوضى ولن تسلم منطقة الخليج منها.. كرّرت الوزيرة كلينتون في أكثر من مناسبة عبارة «يجب التفكير في مرحلة ما بعد الأسد»، وكأنها تلفت الى أن خطة بندر ـ بتريوس لم تأخذ في الاعتبار عقابيل انفراط الوضع الأمني في سوريا بصورة كاملة وانفلات «القاعدة» الذي سيجد مساحة واسعة للحركة والقتال تمتد من العراق وصولاً الى لبنان ولن تكون الدول المجاورة في منأى عن تداعيات الانهيار الأمني.. بكلمة، كلينتون تريد سقوطاً منضبطاً للنظام السوري لا يؤول الى فوضى عارمة.

بالنسبة للسعودية، يراد للأزمة السورية ملهاة فعالة عن أوضاع داخلية ومادة تعبوية نموذجية جاد بها الثوار السوريون عليها دون رغبة منهم، لأنهم يريدونها ثورة نقيّة من أجل الحرية والديموقراطية. لا يريدها بندر كذلك، بل يريدها فوضى عامة.

1/5/815

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك